الجمعة, مارس 21, 2025
الجمعة, مارس 21, 2025
Home » في يوم الشعر العالمي… تطورت أشكال القصيدة لكن دورها لا يزال قائما

في يوم الشعر العالمي… تطورت أشكال القصيدة لكن دورها لا يزال قائما

by admin

 

احتفاء بالتنوع اللغوي وحفظ اللغات المهددة بالاندثار

المجلة / حسين بن حمزة

لا بد أن منظمة “يونسكو” حين اختارت يوم 21 مارس/ آذار 1999 ليكون يوما عالميا للشعر، فكرت أن يكون للاحتفال به وليس فقط للتذكير . كان الهدف من تحديد يوم عالمي للشعر – بحسب بيان المنظمة – هو دعم التنوع اللغوي من خلال التعبير الشعري وزيادة الفرص لسماع اللغات المهددة بالاندثار، وهي بالطبع توصيات عامة ليس مطلوبا منها الإحاطة كليا بجدوى وجود الشعر وطبيعة انتشاره وطرائق كتابته وتلقيه ونشره. المهم هنا هو أن تحديد هذا اليوم صار عيدا سنويا يحتفل فيه بالشعر الذي هو في حالة احتفال دائم تقريبا. فالشعر لا يكاد يغيب، لا في حياة من يكتبونه ولا من يقرؤونه، ولا في حياة أناس عاديين اعتادوا أن يصفوا أي شيء فائق الجمال بأنه شعر أو قصيدة. قالوا ذلك عن منظر طبيعي، وعن جمال النساء وعيونهن، وقالوا ذلك عن فيلم وعن لوحة وعن مقطوعة موسيقية، وحتى عن رواية أو نص نثري، ولعل ذلك كان إشارة عفوية وغير متعمدة إلى أن النثر نفسه يمكن أن يكون لاحقا شعرا أو تنشأ عنه قصيدة ستسمى “قصيدة النثر”، ويمكننا أن نتذكر هنا أن أرسطو في كتابه “فن الشعر” لم يشترط أن يكتب الشعر بالشعر.

وفي تذكرنا أرسطو، نستعيد فكرة قدم الشعر، إذ وضع كتابه الشهير سنة 330 قبل الميلاد. سوف يذكرنا ذلك بكتاب آخر لهوراس كتب سنة 19 قبل الميلاد وحمل العنوان نفسه “فن الشعر”، وكان الكتاب في المناسبة قصيدة طويلة. ولعل هذه العودة إلى التاريخ ستعيدنا أيضا إلى الشعر الجاهلي أيضا، حيث برع العرب الأوائل في كتابة أشعار خلدها الزمن، ومنها “المعلقات السبع”. ونتذكر هنا أيضا أن الآيات القرآنية الأولى التي نزلت على النبي وصفها المشككون في نبوته آنذاك أنها شعر أو شيء كالشعر! وهو وصف سيستثمر في أزمنة أحدث وتنشر أبحاث وكتب عن شعرية القرآن أو الشعرية في لغة القرآن. وسيكون الشاعر السوري أدونيس في مقدمة هؤلاء الباحثين والكتاب.

صوت الناس

القصد مجددا أن وجود الشعر قديم، وأن التنظير له قديم أيضا، وأنه كان حاضرا باستمرار، وأن الشعراء كانوا مقدرين في بيئاتهم ومجتمعاتهم ولغاتهم. وإذا أردنا قصر الحديث على الشعر العربي، فإن ولادة شاعر كانت حدثا في العصر الجاهلي، وكان الشاعر صوت القبيلة والمتحدث باسمها ومؤرخ أحوالها، وكان أحيانا حكيمها كحال الشاعر زهير بن أبي سلمى صاحب “سئمت تكاليف الحياة ومن يعش/ ثمانين حولا لا أبا لك يسأم”، وكان أحيانا أخرى صوتا خارجا عليها وعلى نمط عيشها، كما في قصائد الشعراء الصعاليك كالشنفرى وتأبط شرا وعروة بن الورد. ولا ننسى هنا أن المحاجات اللغوية المحكمة والاختلافات بين النحويين والمختصين في اللغة كان مرجعها – ولا يزال – هو الشعر الجاهلي والقرآن فقط.

فكرة أن الشاعر هو صوت القبيلة استمرت لاحقا، وفي أزمنة حديثة صار صوت الأمة وصوت الجماهير والمتحدث باسمها

فكرة أن الشاعر هو صوت القبيلة استمرت لاحقا، وفي أزمنة حديثة صار صوت الأمة وصوت الجماهير والمتحدث باسمها وحامل قضاياها. ولنا في الشعر السياسي لنزار قباني ومظفر النواب ومحمود درويش، أمثلة ساطعة في هذا السياق.
هذه الأمثلة تفتح سياقا آخر أساسيا وضروريا للحديث عن جدوى الشعر ووظيفة الشاعر. ويفتح سياقا آخر جوهريا وضروريا أيضا عما إذا كانت جودة الشعر تأتي أولا أم انعكاس آلام وآمال الناس فيه، وهل ينبغي أن نسمع صوت الشاعر فيه أم أصوات الجمهور والعامة.
الواقع أن الشعر جرى استعماله كثيرا ليكون أداة في خدمة قضايا كبرى وفي خدمة تحولات الواقع وأحلام الجماهير، بينما تراجعت جودة الشعر وأهميته الخاصة إلى مناطق خلفية، وأحيانا تمت التضحية بالجودة كلها لصالح حرارة الأحداث وسخونة ما يجري. ونتذكر هنا نداء شهيرا أطلقه الشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان إبان الانتفاضة الأولى في فلسطين حين قال: “أيها الشعراء… اكتبوا شعرا رديئا”.
لاحقا وفي أزمنة معاصرة، تراجع الشعر الجماهيري، وتراجعت أهمية القصائد التي تعول على الخطابية والمباشرة على حساب شعريتها. ولعل أبرز مثل على هذا التراجع هو رفض محمود درويش المتكرر إلقاء قصيدته الشهيرة “سجل أنا عربي” في أمسياته الشعرية التي أقيمت في أكثر من عاصمة عربية. بل إنه اعترف أكثر من مرة برغبته في حذف الكثير من قصائد دواوينه الأولى، بعدما تطورت تجربته الشعرية في اتجاه آخر استثمر فيه النثر إلى جوار الإيقاع الخافت، وذهب إلى موضوعات شعرية صغيرة وهامشية وذاتية، محاولا – دون أن ينجح – أن يضحي بصورته كـ”شاعر القضية الفلسطينية”، وأن يهرب من التأويل السياسي المتعاظم لشعره، من أجل الحصول على لقب “الشاعر” الحقيقي الزاهد بحمولة الوطن ورمزية القضايا الكبرى. وفي حوار له سنة 2007 (مع كاتب هذه السطور) قال: لست الناطق الرسمي باسم الشعب الفلسطيني.

نزار قباني

 

الأساليب والوظيفة

هكذا، تقدمت جودة الشعر وأساليب كتابته على وظيفة الشعر الخارجية وانعكاس الواقع فيه. وصار سؤال الشعر هو: كيف يكتب الشاعر، وليس ماذا يكتب. والحقيقة أن ذلك لم يحصل بمجرد بحث الشعراء عن الشعر، وتخليهم بنسب مختلفة عن الجمهور وعن القضايا الكبرى، بل حدث ذلك لأن مساحة الشعر التقليدي وكذلك شعر التفعيلة راحت تتضاءل مع رحيل شعراء العمود الكبار وآخرهم محمد مهدي الجواهري، ومع قلة من يلتحقون بكتابة الشعر العمودي أو يقبلون على شعر التفعيلة من الأجيال الشابة والجديدة. وهذا – إلى جانب عوامل أخرى طبعا – أخلى المشهد لقصيدة النثر التي لن يكتفي أصحابها بالتخلي عن الجماهيرية والقضايا الساخنة، بل سيذهبون أكثر فأكثر إلى كتابة ما سمي بـ”القصيدة اليومية و”قصيدة التفاصيل” و”قصيدة الإنسان الصغير”. وهذا ما كان بدوره حصيلة انحسار الشعر المنبري والخطابي، حيث كان المنبر والإلقاء وأداء الشاعر الجسدي جزءا من مخاطبة الجماهير وإطرابهم بالوزن والإيقاع والقافية، وبالمضمون الحماسي والساخن للقصائد.

تقدمت جودة الشعر وأساليب كتابته على وظيفة الشعر الخارجية وانعكاس الواقع فيه. وصار سؤال الشعر هو: كيف يكتب الشاعر، وليس ماذا يكتب

لقد انحسرت القصائد التي كان فيها الشاعر صوت الأمة والمتحدث باسمها، وصار الشاعر مواطنا عاديا يكتب الشعر لنفسه ويخاطب مجموعة قليلة وحميمة من القراء. ورغم أن هذا لم يمنع عودة بعض الشعراء إلى قضايا ساخنة من دون التخلي عن جودة الشعر، كما فعل – على سبيل المثل – الشاعر السوري نوري الجراح في دواوينه الأخيرة وكما فعل شعراء فلسطينيون وعرب حيال الحرب على غزة. إلا أن ذلك شكل ممارسات شعرية نادرة بالمقارنة مع السائد الشعري الذي أدار ظهره للقضايا الكبرى والمصيرية. بالنسبة للغالبية بات الشعر ممارسة شخصية ومسألة فردية، وصار كل شاعر يرى الشعر من زاويته الخاصة. ومع دخول السرد والحكاية بقوة الى الشعر السائد، ابتعد الشعر أكثر فأكثر عن الجمهور العمومي الذي لم يعد يجد فيه ذاك الطرب القديم والايقاعات الحماسية العالية، كما أنه للأسباب نفسها لم يعد صالحا للإلقاء والخطابة والمنابر.

نوري الجراح

 

والواقع أن كل هذه التحولات لم تغير كثيرا في قيمة الشعر وفي حضوره، بل إن البعض راح يمتدح تخلص الشعر من الحمولات الإضافية، وتحرر الشاعر من عبء الشأن العام. وصار هناك اتجاه إلى اعتبار أن الشعر كان دائما فنا أقليا ينبغي تصفيته مما علق به من شوائب المضمون والإحالات الخارجية، وأن الشعر الصافي كان هو الضحية الدائمة في كل التحولات التي أعلتْ شأن المضمون على حساب شكل الكتابة الشعرية وجودتها وأساليبها. وفي هذا السياق، تمكن الإشارة إلى الكثير من التجارب الشعرية التي تخلت عن الصوت العالي والتعليق المباشر على القضايا العامة والساخنة، ولكنها جعلت احتجاجها على الواقع داخل النسيج الخافت للشعر، وحاول أصحابها الحفاظ على جودة القصيدة وهي تحف نفسها بما يحدث خارجها. وهكذا يمكن القول إن أعمالا شعرية كثيرة أخلصت لفكرة أن الشعر ممارسة فردية، ولكنها استدرجت الشأن العام بطرق غير مباشرة إلى داخل هذه الممارسة. وهو ما يمكننا قراءته في تجارب عديدة نذكر منها سعدي يوسف وسركون بولص وعباس بيضون وغيرهم. وهذا ما يعيدنا إلى فكرة أن الشعر لم يتغير كثيرا. وإن حاجتنا إليه لا تزال كما هي تقريبا، وهو ما يحاول يوم الشعر في كل سنة أن يذكرنا بهذه الحقيقة.

عباس بيضون

 

أصوات قديمة جديدة

داخل هذه الحقيقة لا تزال تصدر سنويا عشرات المجموعات الشعرية، وتظهر أسماء شعرية جديدة، وتنشر ترجمات شعرية من لغات عديدة واليها. ومن المؤسف أنه – باستثناء بعض دور النشر التي لا تزال تغامر بنشر بعض المجموعات الشعرية، فإن غالبية الناشرين العرب باتوا يتجنبون نشر الشعر بحجة تضاؤل أعداد قرائه وتراجع نسب مبيعاته، بينما الحقيقة متعلقة بالربح المادي فقط. الربح الأعلى بالنسبة لهم موجود في الرواية التي حلت بديلا من الشعر وباتت “ديوان العرب”، وخصصت لها جوائز عديدة.

يوم الشعر العالمي هو مناسبة لائقة لتحية تلك الدور التي لا تزال تنحاز إلى الكتابة الجيدة، وتنشر الشعر الجيد، إلى جانب الرواية الجيدة والترجمات الجيدة

لعل يوم الشعر العالمي هو مناسبة لائقة لتحية تلك الدور التي لا تزال تنحاز إلى الكتابة الجيدة، وتنشر الشعر الجيد، إلى جانب الرواية الجيدة والترجمات الجيدة. ونشير في هذا السياق إلى بعض العناوين الشعرية المهمة التي صدرت السنة الماضية وبداية هذه السنة، ومنها: ديوان “مدينة آدم” لزاهر الغافري (عمان)، “يا له من يوم هائل” لأحمد الملا، “مشاؤون بأنفاس الغزلان” لمحمد الحرز (السعودية)، “فتيان دمشقيون في نزهة” لنوري الجراح، “الغرنوق الدنف” لعبد الطيف خطاب (سوريا)، “ضريح آنا أخماتوفا” لحسن نجمي (المغرب)، “البلدة التي لم أحدثك عنها” لغسان زقطان (فلسطين)، “كوريغرافيا رجل الضواحي” لأنطوان أبو زيد (لبنان)، “في مطعم الوجود” لباسم المرعبي (العراق)، “يا أعمى” لعماد أبو صالح، و”القاهرة” لهدى عمران (مصر) ..، كما صدرت مختارات شعرية لعباس بيضون بعنوان “نقد الألم وقصائد أخرى”، ومختارات لعبده وازن بعنوان “ملاك بلا جناحين” (لبنان)، والأعمال الكاملة لزكريا محمد (فلسطين)، والأعمال الكاملة لكمال سبتي، وحسين علي يونس (العراق). ونذكر في السياق نفسه صدور “تلك الكلمة المقدسة” (إعداد وتقديم نداء يونس) وهي أنطولوجيا ضمت قصائد لثلاث وعشرين شاعرة فلسطينية، وصدرت بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على غزة. وأنطولوجيا أخرى بعنوان “الغسق” وضمت نصوصا لخمسين شاعرة لبنانية معاصرات بثلاث لغات (ترجمة: ندى غصن). ونشير أخيرا إلى سلسلة “إشراقات” التي يشرف عليها الشاعر أدونيس، وضمت غالبية من الأصوات الشعرية النسائية، نذكر منها مجموعة: “حكايات لا تتوقف عن الغرق” لسميرة البوزيدي (ليبيا)، “غوايات كاهنة الضوء” لمريم الأحمد، “عندما كنا في البيت” لسوزان علي (سوريا)، و”كتاب الجسد” للمياء المقدم (تونس).

الغسق

 

ولا بد أن نذكر أخيرا أن هناك شعراء رحلوا عن عالمنا في العام الفائت. إن أسماء مثل: شوقي أبي شقرا وزكريا محمد وزاهر الغافري هي خسارات كبيرة للشعر ولقراء الشعر.

المزيد عن:  الشعر يوم الشعر العالمي شاعرات الشعراء

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili