أحد شعارات اليوم العالمي للديمقراطية (منظمة اليونسكو) عرب وعالم في يومها العالمي… الأسئلة تحاصر الديمقراطية by admin 15 سبتمبر، 2024 written by admin 15 سبتمبر، 2024 65 في معنى أن تكون السياسة لعبة يحاول فيها المشاركون المختلفون السيطرة على السلطة اندبندنت عربية / مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كاتبة وباحثة @MARLKANAAN في عالم تسوده التوترات وتضارب المصالح وعلاقات القوة، يواصل السياسيون الترداد على مسامع شعوبهم كلمات مثل “الإرادة العامة” و”المصلحة الوطنية” و”السيادة” و“الديمقراطية” وغيرها من المصطلحات والمفاهيم التي تجعل شعوبهم تعتقد أنها هي التي تحكم نفسها بنفسها. فهل حقاً تحكم الشعوب حول العالم نفسها بنفسها؟ ما الديمقراطية؟ وما السيادة وحكم الشعب نفسه بنفسه؟ يوم صاغ اليونانيون مصطلح “الديمقراطية” كان لديهم فكرة دقيقة عن معنى هذه العبارة. ويبدو أن من المفيد استعادة هذا المعنى بوصفه جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الفكر السياسي. ذلك أن الديمقراطية وقيمها كالحرية والفردية والمساواة والسيادة الشعبية ومبادئها الاقتصادية، تشكل بحسب العالم السياسي والمفكر والأستاذ الجامعي الأميركي فرنسيس فوكوياما (1952) مرحلة نهاية التطور الأيديولوجي للإنسان، ومن ثم مرحلة “نهاية التاريخ”. ولئن كان الأمر كذلك، فإن التساؤل عما إذا كانت الديمقراطية ما زالت تلهم عمل المؤسسات وعما إذا كان السياسيون فعلاً ديمقراطيين قد أصبح ملحاً. ألم يحثنا نيتشه على “أن نطرح الأسئلة قرعاً بالمطرقة”، ولو كانت الإجابة التي سنتلقاها عن أسئلتنا تشبه تلك “الغرغرة الجوفاء التي تنطق من داخل أمعاء مصابة بالانتفاخ”؟ الديمقراطية في صيغتها الأثينية (موقع ديمقراطية – فيسبوك) إن جوهر النظام السياسي يكمن في توزيع وتنظيم السلطة. فإن كانت السياسة هي المكان الذي تتواجه فيه القوى الاقتصادية والاجتماعية والدينية، التي تسعى من خلال صراع خفي إلى فرض سلطتها، فإن السياسة هي في الوقت عينه قيادة أمور الناس وحل النزاعات وفق قواعد محددة، بمعنى ما، تشبه السياسة لعبة يحاول فيها المشاركون المختلفون السيطرة على السلطة. ولعل تعبير “لعبة” يحيلنا إلى نشاط منظم يتخذ صورة اتفاق مسبق يسمح للسياسيين بممارسة رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية. لا تسمح مثلاً قواعد الديمقراطية لرجل واحد بالاستيلاء على السلطة، ذلك أن استئثار فرد بالسلطة هو سمة الأنظمة الاستبدادية. فما الديمقراطية التي تستحق فعلاً الادعاء أنها ديمقراطية حقيقية وأنها الأقرب إلى مفهوم الديمقراطية المحض؟ أهي الديمقراطية المباشرة التي مورست قديماً في أثينا، أم هي الديمقراطية التوافقية التي عاش بحسبها سكان أميركا الأصليون، أم هي الديمقراطية التمثيلية المعاصرة؟ التجربة الأثينية في القرن الخامس قبل الميلاد، كان الأثينيون أول من جرب النظام الديمقراطي. لكنهم لم يقدموا نظرية تحدد القواعد والمبادئ التي تصفه. ففي مسرحية إسخيليوس “المتضرعات” أو “المستجيرات” التي كتبت نحو عام 490 قبل الميلاد، ظهرت كلمتا “ديموس” و”كراتوس” للمرة الأولى جنباً إلى جنب. حتى نفهم المعنى الدقيق لهاتين الكلمتين، علينا العودة إلى اللغة اليونانية والدلالات المنبثقة منها. وقد بين لنا هايدغر أهمية علم أصول الكلمات واشتقاقاتها، حين نبهنا إلى أن الكلمات مطبوعة بمعيش الحياة التي يختبرها الإنسان. فاللغة منزل الكينونة وهي تتحدث إلينا، إن فهمنا بنيتها وعرفنا كيف نستمع إليها، نستطيع استقبال تجليات الكينونة في كلماتها. بدوره أكد لنا نيتشه أن علم الفيلولوجيا يكشف لنا عن إمكانات أخرى للحياة. لذا كانت العودة إلى كتابات القدماء والغوص في المفهوم الأول الذي أرادوه لكلمة “ديمقراطية” ضرورياً. الديمقراطية في لوحة جدارية (مواقع التواصل) هذا يعني أن كلمة “ديمقراطية” لم تستعمل صدفة وإن الجذور التي اشتقت منها لم تبق محصورة باللسان اليوناني. فاللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والألمانية والروسية والعربية وغيرها قد استلهمت الجذر اليوناني في صياغة مصطلح يشير إلى النظام الديمقراطي القائم على ” كراتوس” أي “حكم” أو “سلطة” و”ديموس” بمعنى “الشعب”. قد تجعلنا الاستخدامات الدغمائية لعلم جذور الكلمات واشتقاقاتها ننسى أن الكلمات حية تنمو مع الأيام وتتغير معانيها. غير أن نظرة سريعة على التحديدات الحديثة لكلمة “ديمقراطية” تبين لنا أن المفكرين السياسيين ظلوا إلى حد بعيد مرتبطين بالمعنى اليوناني الأصلي للكلمة. في كتابه الموسوم “رسالة في اللاهوت والسياسة”، وضع إسبينوزا أول نظرية حديثة للديمقراطية، مقدماً لنا تعريفاً لهذا الأفهوم قريباً جداً من التعريف الذي أراده قدماء اليونان. بدوره حدد مونتسكيو في “قاموس الأكاديمية الفرنسية” الديمقراطية بوصفها نظام حكم يتمتع الشعب فيه بسلطة سيادية. من جهته، شدد روسو على أن مشروعية السلطة في النظام الديمقراطي تنهض من انبثاقها من الشعب واستهدافها خيره وسعادته. وما كتابه “في العقد الاجتماعي” إلا إبراز لأسس الديمقراطية الصحيحة القائمة على التشاور المؤسس للإرادة العامة. أما جايمس ويلسون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية، فقد عرف الديمقراطية بعبارات قريبة جداً من التعريف اليوناني الكلاسيكي حين قال: “أعني بالديمقراطية نظام الحكم الذي يحتفظ فيه الشعب بالسلطة العليا”. ولعل استخدام كلمة “ديمقراطية” قد أصبح اليوم شائعاً بعد التعريف الشهير الذي قدمه الرئيس أبراهام لينكولن عندما وصف النظام الديمقراطي قائلاً إنه “حكم الشعب، من قبل الشعب، ولأجل الشعب”. وقد تبعه في ذلك سياسيون آخرون أكدوا أنهم يناضلون من أجل الديمقراطية وأن الحربين العالميتين الأولى والثانية، ثم سقوط جدار برلين، هي انتصارات كبرى للديمقراطية على أعدائها الفاشيين والنازيين وكل الأنظمة الشمولية الأخرى. المفهوم الحديث لم يقطع علماء السياسة المعاصرون إذاً الصلة بين المفهوم الحديث للديمقراطية وجذوره اللغوية اليونانية. ولعلهم أجمعوا كلهم على أن كلمة “ديمقراطية” تشير إلى نظام حكم الشعب نفسه بنفسه، أي إلى نظام يـشارك فـيه المـواطـنون على قـدم المـساواة في اقتراح وتطوير وإصدار القوانين واتخاذ الـقرارات الـتي تؤثر في حـياتـهم. لكنهم شددوا على أن الديمقراطية التمثيلية هي أفضل الأنظمة السياسية على الإطلاق، منددين بـ”الديمقراطية الشكلية”، التي تحجم دور المواطن في اختيار من سيقرر نيابة عنه، مظهرين أن المشاركين في عملية اتخاذ القرار، هم، في النهاية، مجموعة صغيرة تستأثر بالسلطة. ولعل هذه الممارسة الديمقراطية هي أقرب إلى مفهوم الأوليغارشية. فهل بالإمكان فعلاً إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، كما أراده “الآباء اليونان” المؤسسون؟ “الديمقراطية يا حبي” (موقع اليونسكو) لا أدعي أن أثينا كانت جنة سياسية، لكن تجربتها الديمقراطية أثرت في تاريخ الفكر السياسي. لذلك يجب أن نتوجه إلى اليونان القديمة إن أردنا استعادة جوهر مفهوم الديمقراطية، التي يتجاهلها علماء وكتاب سياسيون معاصرون كالإيطالي جيوفاني سارتوري (1924-2017)، الذي قال إن “الإنسان الحديث يريد نوعاً آخر من الديمقراطية”، أي إن مثاله عن هذا النظام لم يعد النظام الديمقراطي الأثيني، مضيفاً أن تعريف الديمقراطية على أنها حكم الشعب هو مجرد تعريف بدلالة التركيبة اللغوية للمصطلح، في حين أن الديمقراطية التي مورست عبر التاريخ مختلفة تماماً وهي لا تحقق بالضرورة المدلول اللغوي الذي يحمله المصطلح وحقيقة ممارسته التاريخية. في الحقيقة، يخشى سارتوري تسمية الأشياء بأسمائها. ذلك أنبويعترف ذلك أن ذلك الإنسان الحديث لم يعد يرغب بالديمقراطية، بل بنوع من الأوليغارشية المنتخبة. ولعله يلتقي مع الكاتب السياسي السويسري-الفرنسي بنجامين كونستان (1767-1830) الذي ادعى أن القدماء كانوا يطالبون بحرية تتيح لهم الانخراط في السياسة، في حين أن المعاصرين يرون أن الحرية هي تمكين الفرد من الانغماس في حياته الخاصة. استعادة السلطة لكننا اليوم، ما زلنا نسمع أصوات “مواطنين عاديين” وجمعيات ونقابات تطالب باستعادة السلطة السياسية من أيدي الذين “فوضوا” ممارستها والعودة إلى معنى الديمقراطية في اليونان القديمة بعد أن انحرفت الديمقراطية المعاصرة عن مسارها. ولئن كانت الإجابة عن هذه المطالبة بأن الديمقراطية التمثيلية هي بالضبط ممارسة الشعب للسلطة من خلال مجموعة اختارها، فإن الديمقراطية الحقيقية، في الأقل من الناحية الإيتيمولوجية، غير مطبقة بالمعنى الدقيق للكلمة. يقول نعوم تشومسكي (1928)، أحد أشد منتقدي السياسة الأميركية، إن “الولايات المتحدة الأميركية تمثل أكثر المجتمعات حرية وانفتاحاً في العالم”. لكنه يعترف في الوقت عينه أن الاستخدام الحالي لمصطلح “الديمقراطية” في الخطاب السياسي الأميركي يشير إلى نظام حكم يتحكم فيه ويهيمن عليه أفراد يستندون إلى عالم الاقتصاد والأعمال، ينظرون إلى مشاركة المواطنين المؤهلين في اتخاذ القرارات السياسية كتهديد أو كأزمة تعترض مسارهم، بينما يراقب الشعب خيارات هذه الأقلية وقراراتها السياسية سلباً. ولئن كان دور الفلسفة السياسية توضيح المفاهيم والقضايا، فإن الاعتراف بأن إطلاق تسمية “ديمقراطية” على “الأوليغارشية”، التي تعني حكم نخبة وأقلية، هو نوع من التلاعب أو الخلط السياسي يسعى إلى طمس الاختلاف بين المفهومين. يقول عالم الإناسة والناشط السياسي الفرنسي إيمانويل تيراي (1935-2024) المتأثر بماركسية لويس ألتوسير “ثمة كلمات لا يجب أن نتركها لأخصامنا. ولعل كلمة ’ديمقراطية‘ هي أفضل مثال على ذلك”. اليوم بعدما أضحى النموذج الديمقراطي سائداً على الساحة السياسية وعلى عالم الأفكار في أوروبا والأميركيتين والهند وأنحاء أخرى من العالم، من الأهمية بمكان أن نتساءل عن المعنى الحقيقي لهذا النموذج والعودة إلى نقائه الأول، بغية إماطة اللثام عن معان ومصالح خاصة تتخفى وراءه أو تتوشح به. ففي الفكر السياسي ليس من مكان للخطابات المحايدة. الجميع مدعو لاختيار معسكره. فإما المعسكر الديمقراطي الذي يركز على نظام حكم تكون السلطة العليا فيه بيد الشعب وعلى الفرص المتاحة لمواطنيه للسيطرة على قادتهم وإطاحتهم دون الحاجة إلى ثورة، أو على الديكتاتورية والاستبداد المتسربل بحلة الديمقراطية. المزيد عن: الديمقراطيةالفكر المعاصرالحكمالشعبالسلطةاللعبة السياسيةالإنتخابالفردالجماعة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “هآرتس”: إسرائيل تجند لاجئين أفارقة للقتال في غزة مقابل منحهم الإقامة next post تحدي “يقول الراوي”… السيرة الهلالية بأصوات النساء You may also like كيف تساقط المتورطون في اغتيال الحريري على “طريق... 12 نوفمبر، 2024 إسرائيل تتطلع إلى بناء تحالفات مع الأكراد والدروز 12 نوفمبر، 2024 سفير إيران في لبنان يظهر بأصابع مبتورة وعين... 12 نوفمبر، 2024 من هو “العقرب” العراقي أخطر مجرمي تهريب البشر... 12 نوفمبر، 2024 حملة “حزب الله” ضد الجيش اللبناني: لماذا الآن؟ 12 نوفمبر، 2024 نتنياهو يستعجل تسوية مع لبنان خوفا من قرار... 12 نوفمبر، 2024 إيرانيون يكشفون هوية عالم نووي إسرائيلي 12 نوفمبر، 2024 “إسرائيل الكبرى”… حلم صيف يميني أم مشروع حقيقي؟ 12 نوفمبر، 2024 واشنطن تطالب قطر بـ”طرد حماس” والدوحة تبلغ الحركة 9 نوفمبر، 2024 اعتراف فرنسا بقتل العربي بن مهيدي لا يكفي... 9 نوفمبر، 2024