مشهد من مكتبات ضفة السين في باريس (من الكتاب- دار غاليمار) ثقافة و فنون في باريس… على خطى الروائيين وأبطال رواياتهم by admin 14 ديسمبر، 2024 written by admin 14 ديسمبر، 2024 35 كتابان يرسمان رحلة شاملة داخل مدينة الأدب عبر الأدب والتخييل اندبندنت عربية / أنطوان أبو زيد . معروف أن مدينة باريس لا تتحمل الحد الوسط ولا ترضى بالمياه الفاترة. ولئن كانت باريس على تطلبها في تقييم الكتب فإنها تبدو أقل حرصاً في شأن الكتاب، كتابها. ذلك أن الكتابة عن مدينة باريس تحكم على الكاتب بأن يجيد في فرادته، وإلا وقع في الابتذال والتصنع. وبتنا نعرف ذلك منذ أن أعد لويس سيباستيان ميرسييه لوح باريس العتيد، وصرنا على يقين بذلك أيضاً منذ أن أصدر بودلير قصائده النثرية الشهيرة. لقد تسنى لنا أن نقرأ سابقاً عديداً من الأعمال الأدبية التي تدور حول باريس الأدبية، والتي تختص بالمؤلفين لا بمؤلفاتهم وبشخصيات الروايات، وإن يكن ببهجة أقل أو أكثر. ومن بين الكتب النفيسة الصغيرة، يمكن أن نتبين كتباً أخاذة لمؤلفها ديدييه بلوند وسرداً جوالاً وبديعاً للكاتبة صوفي بوجا (دار مارود، 2015)، وكتاباً حجة في مجاله بعنوان “الدفتر الكبير لعناوين الأدب في باريس، الصادر منذ عام (2023) من قبل جيل شلسر وفي 1200 صفحة تفيض كلها بالبشر، وصنفها مؤلفها تبعاً للدوائر (الباريسية) فصار كتاباً مرجعاً في هذا الشأن. كتاب “معجم باريس الألفبائي الأدبي” (دار غاليمار) وحديثاً صدر كتابان جديدان في هذا النوع الجديد المعتبر، وهو نوع عرضة لأخطار الانتقاص من دون أدنى شك. الكتاب الأول يترجح بين كونه دليلاً واعتباره أطلساً تربوياً، أعده إسماعيل جود وسماه “في باريس، على خطى شخصيات الرواية”. ولهذا الغرض يجهز الكاتب ألبوماً كاملاً غنياً بالصور والرسوم، طارحاً سلسلة من الخرائط التفصيلية مصحوبة بـ50 مدخلاً. ونجد في الكتاب إشارات إلى رواية “الأب غوريو” و”راستينياك” وجوليان سوريل وليد خيال الأديب ستاندال، وجان فالجان وكوزيت من شخصيات فيكتور هوغو، وغي رولان وماك إيفوي ودنيز كودروز وأبطال رواية “شارع الحوانيت الغامضة” للكاتب باتريك موديانو، هذا الذي يرتاد الرصيف الباريسي من “ساحة النجمة” الصادر عام 1968. شوارع وأدباء ويلحق بهؤلاء شخصية مالوسين لمبتكرها دانيال بيناك، وعلى بعد خطوتين من شارع بير لاشيز، ثم مدام آرنو وفريديريك وشخصية ناجدا لمؤلفها أندريه بروتون، وشخصية نانا لمبتدعها إميل زولا وشخصية المحتال زازي لمؤلفها كينو وكثر غيرهم. وهي مداخل استكملتها عناوين بعض الكتاب أمثال جورج باتاي وأندريه جيد وبول فاليري وأبوللينير وبروست (من جادة هوسمان إلى شارع هاملان). في حين تجد ساندرارز وكوكتو وفيتزجرالد وقريباً منا إيف بونفوا الساكن في ضفة شارع ليبيك، أو ثمة جورج بيريك الذي كثيراً ما أنشد شارع فيلين المتوفى في حي بلفيل وساحة سان سوليبس… على أن هواة النوع البوليسي (البولار) لم يهملوا في تعداد الكتاب الدليل، إذ استجابوا لنداء مفوض الشرطة ميغريه في الشارع 36 عند رصيف الأورفيفر وجادة ريشار لونوار، حيث كانت يقيم الشخصية الأشهر (ميغريه) وامرأته لويز، إضافة إلى المحقق نيستور بورما ووالديه ليو ماليه الذي أمكن له أن يجتاز 15 دائرة باريسية من أصل 20 في مباحثه المديدة. وذلك كله عبر روايتين اثنتين هما: الضباب في جسر توليباك، والجثمان الذي اجتاح سهل مونسو، واللتان صدرتا خلال الخمسينيات من القرن الماضي. كتاب ” في باريس على خطى شخصيات الروايات” (فناك) وبدوره، لم يهمل الدليل الفقيد جان باتريك مانشيت المعروف بكونه مالاكوف المخبر السري، ما دام مذكوراً فيه برواية هنري بوترون الأولى ذات العنوان “قضية إن غوسترد”. وأضفى على ذلك كله ثراء خرائط موضوعاتية أخرى (أي لما تنطوي عليه الروايات من موضوعات): من مثل فنادق الأدب ومقاهيه ومطاعمه، وباريس في المسلسلات المصورة وباريس الأدبية اليوم. والحال فإن عديداً من الإشارات المتضمنة هذا الدليل تقودنا من بستان الليلك إلى حي ويبلر، مروراً بفندق الريتز العزيز على همنغواي، وفندق كلوني في شارع رامبو الفتى. وقد ضم إلى هامشه فهرساً بالكتاب المذكورين وبالخرائط والتصاميم المرفوعة عن كل حي من أحياء باريس، إضافة إلى ثبت بالمراجع ذات الصلة. إذاً، كيف يمكن تحييد المقاربة الأدبية لباريس؟ لا أبسط من هذا في الظاهر: إذ يكفي أن تذكر إلى جانب القيم الأكيدة والعصية على النفاد بعضاً من زوايا الرؤية أو وجهات النظر الفريدة، خارجاً عن المسالك المطروقة. ولعل هذا ما أفلح فيه جان نويل موريه في كتابه “الأبجد الأدبي الباريسي من آراغون إلى زولا”. وهو ألبوم كامل قدم له الأكاديمي الشهير أنطوان كومبانيون، وقد أعد وركب على نحو جيد رُوعي فيه التوازن بين النص والصورة مرفقين باسم صاحبهما، كما كان حاصلاً في معرض روجيه فيوليه بشارع السين، والذي تمتد فعالياته حتى الأول من فبراير (شباط) 2025. القسط الأكبر للكلاسيكية وعند هذا الحد سيكون متاحاً للمراقب أن يلحظ الصور بالأسود والأبيض التي كان المصورون الفوتوغراف من أمثال ويللي روني أو كيرتز أو براساي ولا كارتييه بريسون التقطوها للكتاب (المعنيين في الدليل)، والتي كانت استخلصت من وكالة روجيه فيوليه المنشأة عام 1938. وتلك فرصة فريدة لاكتشاف مصورين فوتوغراف أقل شهرة منهم مثل شارل مالفيل وغاستون باريس وهيلين روجيه فيوليه وهنري مارتيني، من دون أن ننسى جان ريجيس غاري في أفول حياته وبرنار ليبنتزكي بفضل صورته السلبية الشهيرة التي أعدها للكاتب سيلين تحبط به كلابه عام 1950. بالطبع، إن للكلاسيكيين حصة الأسد في الصور وبخاصة بلزاك وآراغون وفارغ وهمنغواي ومطاعم مونبارناس وموديانو، ولكن ما يأسر النظر ويضاعف الحشرية هو حضور ألفريد جاري غير المتوقع والمرحب به، والشاعر جان تارديو ومارغوريت يورسنار وزوي أولدنبورغ، وجوزيف كيسيل الذي كان لا يزال مقيماً في شارع بروني قريباً من حديقة مونسو، والجواب الشهير متعدد اللغات فاليري لاربو. ونضيف إلى هؤلاء يوجين يونسكو، ومسرح هوشيت الذي لا يزال يحتضن على خشبة مسرحه أداء مسرحية “المغنية الصلعاء” منذ عام 197 وإلى يومنا هذا، بلا توقف وبإخراجها الأصلي الذي أعد لها، ثم ماكس جاكوب في السفينة لافوار. وللتذكير فإن يونسكو ومواطنيه الرومانيين (سيوران وبول تسيلان…) كانوا شكلوا الموجة الأخيرة من الطلاب الأجانب قبيل الحرب العالمية الثانية، وبعيدها. في حين كان الأميركيون ممن نسبوا إلى “الجيل الضائع” عادوا إلى بلادهم، وكان جوزيف روث توفي في شارع تورنون، وعندئذ صارت العاصمة الفرنسية تجذب إليها أعداداً أقل فأقل على رغم حضور جيل البيت (البيتلز)، من أمثال بوروز وغينسبرغ وإيتالو كالفينو وخوليو كورتاثار وماريو فارغاس للوزا، وإقامتهم منذ نهاية الخمسينيات في شارع السان ميشال. أما الأمكنة المذكورة في الكتاب الدليل فهي على التوالي: مونمارتر ومشارب البيرة الكبرى وباعة كتب الأرصفة وجزيرة سان لويس وحديقة التويلري، والكاتدرائية الأرثوذكسية في شارع دارو وسينما لاباغود وأسواق سانت أوين وجادة الشابيل وساحة النجمة، وممرا شوازول وجوفروا العزيزان على سيلين وآراغون ووالتر بنجامين. وتبقى اللوحات التذكارية المعروضة هنا وهناك والتي بالكاد تقرأ وبعض التماثيل، في حين أن باريس الماضي الشعبية كان لا يزال ينشدها “مشاء باريس” ليون بول فارغ وهنري كاليه وأوجين دابيت وجان بول كليبر. فضل الشعراء وبالعودة إلى كل هذه الإعلانات المنطبعة بطابع الحنين، تجدر الملاحظة إلى أنها تخطى جميعها في تغييب الشعراء أو في محو حضورهم، ونحن إن وجدنا ذكراً لآراغون في هذا الكتاب فبفضل كونه كاتب نص “فلاح باريس” الشعري المسرحي، من دون أي تلميح إلى كونه شاعر باريس منذ عام 1942، والقائل “مسرح الظلال الذي أحمله على منكبي”، أو منشد باريس في قصيدته الغنائية “باريس حراقة الوطن الأبدية/ من أول نقطة نهار إلى البير لاشيز”. ومع ذلك، هم الشعراء الذين أجادوا في إنشاد باريس منذ بودلير في قصيدته “الثنيات المتعرجة” المهداة إلى العاصمة القديمة، والتي غيرت نظرتنا إلى المدينة وإلى جسر ميرابو وشارع كريستين. بل منذ أبوللينير أو روبير ديسنوس الذي خص شارع بانيوليه بأغنيته، محتفياً فيها بسطوع شمس لا نظير لها. ومن أقدر من جاك روبو على التعبير عن ملامح باريس المتبدلة على الدوام، عبر قصيدته “شكل المدينة يتبدل أسرع من قلب البشر، للأسف”. وما عسانا نقول عن المقاطع النثرية الشعرية التي قالها الشاعر الراحل جاك ريدا (في “خرائب باريس”)، والذي كان قد أحيا خلال عام 1997 ذكرى الشارع الباريسي المرحوم الذي نتقفى آثاره، منافساً صلداً لغرينويتش؟ وبعد، تسألون عن آثاره؟ نعم، تلك هي آثاره على صورة مئات من أسطوانات برونزية صغيرة ازدرعت على الرصيف الباريسي العتيد. أما كلمة الختام فندعها لفاليري لاربو مستلة من قصيدته “شارع سوفلو”، إذ يقول “لسوف تكون حياتنا كلها/ سفراً دائرياً، ومتلوياً في باريس”. وأحسب في ختام ثان أن من يقرأ هذه الأدلة على باريس فاتنة الأدباء والشعراء والسياح على السواء، من غير الفرنسيين ومن غير الأوروبيين، سيصاب عاجلاً أم آجلاً بعدوى محبة المدن العواصم، وسوف يجدد النظر إلى ساحاتها ومقاهيها وشوارعها، ويعاود نبش النفيس فيها يكتبه بحبر الشعر والنثر والصورة، وبنسغ الحياة فيها. وهذا بعد حلول السلام في أرجائها وجلاء الجنون عنها إلى غير رجعة. إشارة: يتكئ هذا المقال على ملف في ملحق “لو فيغارو الأدبي”. المزيد عن: باريسالأدبروائيون فرنسيونرواياتشوراعشوارعالسورياليةمعارضمتاحفالتخييل 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “يوميات نائب في الأرياف” فيلم توفيق صالح بين الواقعية والروح الساخرة next post دروز جنوب سوريا… يد ممدودة للجميع وأخرى تنتظر المساعدة You may also like أين اختفى الرسام الإسباني غويا خلال الثورة الفرنسية؟ 20 يناير، 2025 أورهان باموق يكتب ذكرياته ويرسمها ببراعة فطرية 20 يناير، 2025 حكاية صداقة خالدة بين الحياة والموت 20 يناير، 2025 رحيل ديفيد لينش… آخر السورياليين الكبار 20 يناير، 2025 مهى سلطان تكتب عن: عبدالرحمن قطناني يفتح “أبواب... 20 يناير، 2025 التشيكي دفوراك افتتح من أميركا أزمنة العولمة بموسيقاه 19 يناير، 2025 رحيل فرحان بلبل رائد مسرح العمال في سوريا... 19 يناير، 2025 “المعلم” ديفيد لينتش صنع سينما جديدة بالأحلام والكوابيس 19 يناير، 2025 (11 مشهدا) سيئا أوشكت أن تقضي على أفلام... 18 يناير، 2025 مازارين الابنة السرية للرئيس فرانسوا ميتران تروي سيرتها 18 يناير، 2025