إسماعيل كاداري خطأ في الترجمة وعجائب السياسة (أ ف ب) ثقافة و فنون في “الشتاء الطويل” لإسماعيل كاداري خطأ صغير يصنع تاريخا كبيرا by admin 30 ديسمبر، 2024 written by admin 30 ديسمبر، 2024 26 الكاتب الألباني جمع مصائر الأمم والناس العاديين معلقة على حافة الهاوية في مهب الريح اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب من يذكر اليوم البلد الأوروبي الذي كان يلقب بـ”طفل الشيوعية” العاق والذي كانته ألبانيا، وطن إسماعيل كاداري، ذات يوم؟ من يذكر النملة التي لم تتصد لفيل واحد في “تلك الأزمنة السحيقة”، بل لفيلين؟ ولنوضح: ألبانيا، أصغر الدول الشيوعية وأكثرها بعداً عن العالم، على رغم أنها تقع في وسط أوروبا تماماً، لم تتردد خلال الربع الثالث من القرن الـ20 في مشاكسة الاتحاد السوفياتي والصين معاً، ليس من أجل خلق خط ثالث توافقي في الصراع القائم بين موسكو وبكين، بل من أجل موقف من العداء تجاه عملاقي الشيوعية. ومع هذا لم ترسل قوات حلف وارسو لقمعها – كما كانت الحال مع الهنغاريين والتشيخيين- ولم ترفع الصين يدها لتخبط… في الحالين نفد الأمين العام للحزب الشيوعي الألباني أنور خوجا بجلده وببلده، وعيّشه في تلك “العزلة السعيدة” بعيداً من الأشقاء الكبار، في وقت عيّشه في عزلة عن العالم كله. هذا كله قد يكون من الصعب العثور على أحد يذكره -خارج ألبانيا نفسها- أو بالأحرى، كان من الصعب العثور على من يذكره، لولا إسماعيل كاداري (1936 – 2024)، أكبر روائي ألباني في زمننا هذا إذا كان ثمة روائيون آخرون هناك من وزنه إذ، كالعادة، حين يصبح التاريخ جزءاً من المتحف وفصلاً جامداً، مضحكاً أحياناً، في الكتب المدرسية، يكون هناك الفن حاضراً دائماً للتذكير به، وإثارة كل الأحاسيس والتداعيات من حوله. إسماعيل كاداري، الروائي الكبير الذي رشح 15 مرة لنيل جائزة نوبل الأدبية وظلت عصية عليه، والذي ترجمت أعماله إلى ما يزيد على 45 لغة، كاداري الذي يهجس في أدبه، دائماً، بتاريخ بلده، محولاً كل حكاياته وتفاصيله إلى روايات شيقة ممتعة ورائعة، عرف كيف يكتب أعمالاً كبيرة عن لحظتي القطيعة في التاريخ الألباني الحديث: لحظة القطيعة مع موسكو، ولحظة القطيعة مع بكين. وذلك في الوقت نفسه الذي حرص على أنسنة لحظتي التاريخ وتحويلهما إلى فعل ذاتي شديد العمق والدلالة. وهو فعل هذا في روايات وقصص، لعل أشهرها “الشتاء الكبير” أو “الشتاء القاسي” عن القطيعة مع موسكو، و”الحفل” عن القطيعة مع بكين. وهنا نتوقف عند العمل الأول، الذي يعد عادة من أهم أعمال كاداري وأشهرها… ناهيك عن أن للرواية في حد ذاتها، ضخامة الملحمة وتفاصيل الحياة. شتاء تلك السنة القاسية “الشتاء الطويل” في هذه الرواية هو شتاء عام 1961، الشتاء الذي يعرّف في مقدمة الرواية نفسها بأنه الشتاء الذي “ستقطع فيه ألبانيا الصغيرة علاقاتها الدبلوماسية مع العملاق السوفياتي”، وكان ذلك “هزة في التاريخ”… لكن أيضاً هزة في المصائر الفردية، كان شتاء كل أنواع القطيعة- لا سيما بالنسبة إلى الشاب الألباني بشنيك الذي كان يعمل مترجماً رسمياً في مؤتمر في موسكو- ولعل خطأ في ترجمته لخطاب أنور خوجا، أو لخطاب الرد عليه من المسؤولين الشيوعيين السوفيات، كان هو سبب القطيعة… من يدري؟ كذلك كان ذلك العام “عام قطيعة بالنسبة إلى أنور خوجا، ثم بالنسبة إلى بن، الكناس المتأمل، وبالنسبة إلى الجبلي العجوز، وإلى نورهان، البورجوازية القديمة التي وجدت نفسها ذات يوم مهزومة في مملكتها”. باختصار، كما يقول لنا كاداري نحن هنا أمام شخصيات عدة، منها رجل السياسة، ومنها الفلاح البسيط. منها البالغ ومنها الطفل… وكل واحد من هؤلاء يسير في درب مصيره. بل إنه في الرواية يحكي لنا الأحداث من وجهة نظره… وفي لحظات معينة “تتداخل الأصوات: أصوات شاعرية حيناً، باردة في بعدها السياسي وفي انتقاداتها في أحيان أخرى… وأصوات مجنونة في بعض الأحيان”، والحال أن تمازج الأصوات حيناً، وتجاورها حيناً آخر، وطلوعها في شكل يبدو فيه كل صوت وكأنه يستكمل الآخر إن لم يكن يعارضه، كل هذا جعل “الشتاء الكبير” تتسم، في رأي كبار النقاد الذين كتبوا عنها، بسمة سيمفونية حقيقية. وحسبنا لأخذ فكرة عن هذا أن ننقل السطور الأولى من الفصل 28، آخر فصول الرواية: “في برنامجه لفترة الظهيرة، أبدل راديو تيرانا برامجه المعتادة بموسيقى بدت خطرة المنحى. ومرتان أو ثلاث مرات راح المذيع يعلن بين الفينة والأخرى، أن الراديو سينقل خطاباً مهماً جداً يلقيه رئيس الحكومة، وفي الثانية تماماً أُعلن عن قطع العلاقات الدبلوماسية بين ألبانيا والاتحاد السوفياتي، وذلك من جانب المذيع الذي راح يقرأ البيان ببطء وبصوت عميق جداً، جاف جداً، وكان بشنيك ترك إيلير، وراح يتجه نحو شقته، وهو بعد تحت تأثير الأغاني والأناشيد، كما يكون المرء عادة تحت تأثير المخدرات. وفقط حين لاحظ بشنيك وجود تجمعات من الناس متحلقين حول أجهزة الراديو يصغون إليها، عند مداخل بعض المقاهي ومحال الشواء، فهم أن الأمر يتعلق بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي. وإذ راح نشيد (الأممية) يبث فور إعلان النبأ، خامر بشنيك شعورٌ بأن الناس لم يعودوا ينظرون إلى ساعاتهم… الساعات كلها ماتت”. ليس في الأمر صدفة بالنسبة إلى إسماعيل كاداري، لم يكن اختيار بشنيك، لينقل إلينا عبر نظراته، مشهد تلقي الشعب الألباني للنبأ الخطر، صدفة. ذلك أن بشنيك، الذي قد يكون فيه ما يعكس مشاعر الكاتب نفسه، هو هنا ليعبر كاداري من خلاله عن أن الكاتب لا يمكنه أن يكون مجرد شاهد محايد. وكاداري لم يكن أبداً شاهداً محايداً. ومن هنا، حين استدعي بشنيك قبل ذلك، وصدفة، للقيام بعمل الترجمة في اللقاءات الحاسمة التي تدور بين السوفيات بزعامة نيكيتا خروتشيف، والألبانيين بزعامة أنور خوجا، تحولت القضية كلها لتكون شأناً شخصياً في حياة بشنيك، لكن في الوقت نفسه تحولت حياة بشنيك من حياة شخصية إلى حياة عامة. صحيح أن بشنيك ليس، في “الشتاء الكبير” الراوي، لكنه هنا شخصية رئيسة، بل أكثر من رئيسة. إنه، في شكل أو بآخر، صانع الحدث، حتى وإن لم يقصد ذلك. وقد أشرنا سابقاً إلى أن “خطأه في الترجمة” هو الذي صنع الحدث الكبير والخطر، ثم كان هو المتأثر الأول به. ذلك أن القطيعة بين موسكو وتيرانا، أدت مباشرة إلى حدوث القطيعة بينه وبين خطيبته زانا. أنور خوجا زعيم ألبانيا التاريخي بطل روائي في أدب كبير (أ ف ب) بالنسبة إلى كاداري إذاً، ليس ثمة من هو بريء من مزالق التاريخ، لا سيما المثقف، الذي -حتى من دون أن يدري أو يقصد أحياناً- يكون له دور أساس، ولنتذكر هنا كيف أن راهباً، كاتباً ومثقفاً، هو الذي يروي لنا أحداث رواية أخرى لكاداري هي “الجسر ذو الأقواس الثلاثة”. وإذ ننتقل من الأزمان القديمة إلى أزمان حديثة، وإلى قطيعة أخرى بالتالي، هي القطيعة مع الصين في رواية “الحفل”، نجد الكاتب والمثقف ألكسندر برميما يرى أن الظروف، ومعرفته بلغة الخصم، تقوده إلى أن يكون في صلب الأحداث وشاهداً عليها. ويمكن هنا الاستطراد لنجد دائماً في روايات كاداري الأساسية هذا الحضور للخاص في العام، للمثقف في السياسة… وذلك على إيقاعات الحياة اليومية التي قد لا تفعل في الأحداث الكبيرة، لكنها تنفعل بها بالتأكيد على مدى مئات الصفحات يمكننا كاداري في “الشتاء الكبير” من أن نعيش استعدادات أهل تيرانا لرأس السنة، ولقاءات الشبان اللاهين في زوايا شارع ديبرا الرئيس في العاصمة الألبانية… واللقاءات المنزلية، والخلافات العائلية، وكل هذا يروى هنا متمازجاً مع اللقاءات السياسية وحملات التعبئة الشعبية. بلد وأدب وتاريخ والحال أن هذا التمازج الخلاق هو الذي جعل إسماعيل كاداري المولود عام 1936 واحداً من أبرز الروائيين العالميين الذين فقدتهم الحياة الأدبية الأوروبية في هذا العام المنقضي 2024. وهو ولد في مدينة جيروكاستر الجبلية التي عرفت بكونها أيضاً المدينة التي شهدت مولد الزعيم الشيوعي الألباني التاريخي أنور خوجا الذي سيكون ومدينته من الشخصيات المحورية في عدد من روايات كاداري وهي تقع في الجنوب الألباني مما جعلها مقصداً سياحياً كبيراً في هذا البلد بعد انهيار الشيوعية فيه. تماماً كما أن كاداري خلد مدناً ألبانية أخرى كثيرة في رواياته الكبرى التي جعلت ذكر ألبانيا وتاريخها منتشرين على نطاق عالمي منذ بداية السبعينيات، عبر صفحات رائعة تضمها روايات باتت اليوم من علامات القرن الـ20، ومن بينها: “جنرال الجيش الميت” و”طبول الليل” و”من أعاد دورنتين” و”فجوة العار” و”مدونات مدينة الحجر” و”أبريل المهشم” وغيرها. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أفضل 15 فيلما لعام 2024 next post “فيرونا تهبط من التل” ترصد احتضار قرية أوروبية You may also like الإيزيديات الأسيرات يتحررن شعرياً في “يوتوبيا بحجم الكف” 2 يناير، 2025 مخرج كشميري يتحدى سردية بوليوود حول إقليمه المضطهد 2 يناير، 2025 تولستوي الصغير يكتب روايته بعيدا من الأرض الروسية 2 يناير، 2025 أي علم اجتماع عربي بعد ابن خلدون؟ 1 يناير، 2025 كالديرون الكاتب والقسيس الإسباني النهضوي يحير جمهوره 1 يناير، 2025 استعادة تفكير الفيلسوفة هانا أرندت في ما يحدث... 1 يناير، 2025 حقوق الملكية الفكرية تسقط عن أعمال فوكنر وهمنغواي... 1 يناير، 2025 ميكائيل أنجلو أمل رفض شروطه لرسم سقف كاتدرائية... 1 يناير، 2025 أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً… الخاسرون والرابحون 1 يناير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: قطع أثرية يونانية من... 1 يناير، 2025