السبت, نوفمبر 16, 2024
السبت, نوفمبر 16, 2024
Home » في الحاجة الدائمة الى تفكيك بنية العقل العربي لترسيخ الحداثة

في الحاجة الدائمة الى تفكيك بنية العقل العربي لترسيخ الحداثة

by admin

 

مشروع نقد العقل ما كان ليتم عربيا لولا فكر كانط وحفريات فوكو

اندبندنت عربية / جمال نعيم أكاديمي لبناني

لم تهدأ العاصفة التي أحدثها مشروع محمد عابد الجابري الفكري منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى اليوم، وما زالت أصداء هذا الحدث الفكري الكبير تتردد في معظم أرجاء العالم العربي. جوهر مشروع الجابري هو نقد العقل العربي. في رأيي، لم يكن لنقد العقل العربي هذا أن يتم لولا نقد كانط للعقل المحض في نهاية القرن الـ18، ولولا مشروع فوكو الحفري في ستينيات القرن الماضي، لا سيما في كتابه “الكلمات والأشياء”. لا ننسى أن كانط دشن نقد العقل في الفلسفة ليرى إلى حدود العقل وقدراته وملَكاته، بمعزل عن مواضيع المعرفة وعن نقد أنظومات العقل الفلسفية، وأن فوكو حفر عميقاً في (معرفة) الثقافة الأوروبية ليبين وجود قطائع معرفية لا يمكن تجاوزها ولا تجاهلها بين عصر النهضة والعصر الكلاسيكي أولاً، وبين العصر الكلاسيكي وعصر الحداثة ثانياً.

محمد عابد الجابري (1936-2010) مفكر وباحث مغربي، حصل على إجازة في الفلسفة عام 1963. أنجز في 1967 أطروحته الأولى بعنوان “فلسفة التاريخ عند ابن خلدون”، ومن ثم أطروحته الثانية لنيل الدكتوراه في موضوع “العصبية والدولة عند ابن خلدون”. دافع الجابري عن تعليم الفلسفة ضد خصومها المتمسكين بالتقليد. وسعى جاهداً إلى أن تكون الفلسفة مادة أساسية في المدارس المغربية بهدف إنشاء جيل قوامه الانفتاح والتجديد. درس الجابري في الجامعة تاريخ الفلسفة والماركسية والتحليل النفسي وعلم الكلام،وفكر ابن خلدون. وكان مثيراً للجدل في أعماله وأبحاثه.

مشروع الجابري

الجابري بريشة علاء رستم (اندبندنت عربية)

 

تركز جهد الجابري على إعادة قراءة التراث العربي وتفكيك العقل العربي، لكن لا ليحدث قطيعة تامة عن هذا التراث وتبني ما لدى الغرب، كما فعل العروي وغيره مثلاً، بل ليبني على ما زال مضيئاً فيه وما زال صالحاً للتوظيف والاستثمار في بناء حداثة عربية نتطلع إليها جميعنا. إذا كان العروي وغيره ينادون بتبني الحداثة الغربية شرطاً أول وأساسياً لمراجعة التراث نفسه وإعادة النظر فيه، فإن الجابري يرى أن طريق الحداثة عند العرب يبدأ أولاً بنقد التراث وتفكيك العقل العربي والبحث عما بقي منيراً لتأسيس العقلانية والحداثة المنشودتين، وذلك بنقد العقل العربي الذي تجسد في أربعة مجلدات “تكوين العقل العربي” و”بنية العقل العربي” و”العقل السياسي العربي” وأخيراً “العقل الأخلاقي العربي”. لقد حفر الجابري عميقاً في طبقات الثقافة العربية- الإسلامية وأزمنتها حتى وصل إلى زمن تكون العقل العربي في عصر التدوين في القرن الثالث الهجري.

العقل العربي بأي معنًى؟

ماذا يعني الجابري بنقد العقل العربي؟ وهل هناك فعلاً عقل خاص بالعرب؟ ولماذا لم يقُل الجابري بنقد الفكر العربي؟ متى بدأ تكون هذا العقل العربي؟ ما الخلفية الثقافية التي يستند إليها؟ وما هي مرجعيته المعرفية؟ بداية لا بد من الإشارة إلى أن الجابري تعامل مع الثقافة العالِمة وتجاهل الثقافة الشعبية بما تتضمنه من أمثال وقصص وخرافات وأساطير لأنه يحمل مشروعاً نقديًا هادفاً. فهو لا يمارس النقد من أجل النقد، بل “من أجل التحرر من كل ما هو ميت أو متخشب في كياننا العقلي وإرثنا الثقافي. والهدف فسح المجال للحياة أن تستأنف فينا دورتها وتعيد فينا زرعها”. (“تكوين العقل العربي”، ص7-8).

الفيلسوف الألماني كانط (موقع فلاسفة)

 

لكن لماذا لم يستعمل الجابري اصطلاح الفكر العربي بدلاً من العقل العربي؟ يقول الجابري “ذلك أن كلمة ’فكر‘ خصوصاً عندما تقرن بوصف يربطها بشعب معين كقولنا ’الفكر العربي‘ أو ’الفكر الفرنسي‘ … اإخ، تعني في الاستعمال الشائع اليوم، مضمون هذا الفكر ومحتواه، أي جملة الآراء والأفكار التي يعبر بها، ومن خلالها، ذلك الشعب عن اهتماماته ومشاغله، وأيضاً عن مثله الأخلاقية ومعتقداته المذهبية وطموحاته السياسية والاجتماعية”. (“تكوين العقل العربي”، ص 11). لم يهتم الجابري بالأفكار ذاتها، بل بما ينتجها. إذاً ما ينهم به الجابري هو “الفكر بوصفه أداة للإنتاج النظري صنعتها ثقافة معينة لها خصوصيتها، هي الثقافة العربية بالذات، الثقافة التي تحمل معها تاريخ العرب الحضاري العام وتعكس واقعهم أو تعبر عنه وعن طموحاتهم المستقبلية كما تحمل وتعكس وتعبر، في الوقت ذاته، عن عوائق تقدمهم وأسباب تخلفهم الراهن” (“تكوين العقل العربي”، ص 13-14).

بهذا ينتقل الجابري من مجال التحليل الأيديولوجي إلى مجال التحليل الإبيستمولوجي. فما يبحث عنه الجابري هو أدوات الإنتاج الفكري، لا ما تنتجه هذه الأدوات. وهو يميز بين نوعين من العقل، العقل المكون وهو ما يعالجه في مشروعه النقدي، والعقل المكون الذي هو خاصية كل إنسان. “إن ما نقصده بـ’العقل العربي‘ هو العقل المكون، أي جملة المبادئ والقواعد التي تقدمها الثقافة العربية للمنتمين إليها كأساس لاكتساب المعرفة، أو لنقل تفرضها عليهم كنظام معرفي. أما العقل المكون، فسيكون تلك الخاصية التي تميز الإنسان عن الحيوان أي ’القوة الناطقة‘ باصطلاح القدماء”. (“تكوين العقل العربي”، ص 15). ويصرح في “بنية العقل العربي” (ص 555)، “نقصد بـ’العقل العربي‘ جملة المبادئ والقواعد التي تقدمها الثقافة العربية- الإسلامية للمنتمين إليها كأساس لاكتساب المعرفة وتفرضها عليهم كـ’نظام معرفي‘، أي كجملة من المفاهيم والإجراءات التي تعطي للمعرفة في فترة تاريخية بنيتها اللاشعورية”.

النظام المعرفي أو الإبيستِمه

الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو (صفحة الفلسوف – فيسبوك)

 

النظام المعرفي بحسب الجابري أو الإبيستِمه بحسب فوكو في “الكلمات والأشياء”، هو بمنزلة فضاء معرفي أو حقل معرفي أو أرضية معرفية أو تربة نظرية معرفية تجعل المعارف والعلوم ممكنة. ينتبه الجابري إلى أهمية هذا المفهوم عند فوكو، فيستعمله معدلاً في “تكوين العقل العربي” (ص 37) “يمكن أن نلتمس لمفهوم ’النظام المعرفي‘ Épistémè  تعريفاً أولياً ومجرداً في العبارة التالية، النظام المعرفي هو جملة من المفاهيم والمبادئ والإجراءات تعطي للمعرفة في فترة تاريخية ما بنيتها اللاشعورية. ويمكن اختزال هذا التعريف كما يلي، النظام المعرفي في ثقافة ما هو بنيتها اللاشعورية”.

ويقول في “بنية العقل العربي” (ص 555) “لقد نظرنا إلى الثقافة العربية- الإسلامية ككل، وميزنا فيها ثلاثة قطاعات يشكل كل منها حقلاً معرفياً متميزاً أعني عالماً من التصورات والمعارف يكفي نفسه بنفسه، أو في الأقل يقدم نفسه كذلك، ويدخل في علاقة منافسة وصدام مع عوالم معرفية أخرى، ونظرنا إلى هذه الحقول المعرفية الثلاثة، لا من خلال مضمونها الأيديولوجي أو محتواها الميتافيزيقي، بل من خلال نظامها المعرفي بمعنى أن مركز اهتمامنا لم يكن تحليل العقائد والمذاهب الفكرية والمقارنة بينها، بل تحليل الأسس التي تستند إليها عملية تحصيل المعرفة وترويجها داخل كل حقل”. هذه النظم المعرفية التي حللها الجابري هي البيان والعرفان والبرهان، فيؤسس كل منها آلية خاصة في إنتاج المعرفة. ويمكن القول العقل البياني والعقل العرفاني والعقل البرهاني. وهذا ما يذكرنا بطريقة صدر الدين الشيرازي المعروف بصدر المتألهين في التفلسف في كتابه “الحكمة المتعالية” عندما اعتبر أن الحقيقة تُنال أولاً عن طريق البرهان، ومن ثم عبر مجاهدات ومكاشفات العرفان، وأخيراً عبر تأييدها وتثبيتها بآيات من القرآن الكريم. هل تأثر الجابري بالشيرازي؟


مؤلفات الجابري (مركز دراسات الوحدة العربية)

 

اهتم الجابري بما سماه “الاتجاه التجديدي” الذي يمكن التأسيس عليه والذي عرفته الأندلس والمغرب منذ أوائل القرن الخامس الهجري نفسه مع ابن حزم وابن باجة وابن رشد والشاطبي وابن خلدون وغيرهم، إذ وجد لدى هؤلاء وحدة تفكير تتجلى في “توظيف جملة من المبادئ والمفاهيم والإجراءات المعرفية التي كانت تؤسس التفكير العلمي البرهاني في ذلك العصر وما زالت تؤسسه إلى اليوم”. (“بنية العقل العربي”، ص 558). لكن هذا التيار التجديدي بقي يتيماً طوال ثلاثة قرون ولم يتحول إلى تيار مهيمن جارف، وإن حارب التقليد في عالم البيان والظلامية في عالم العرفان والشكلية في عالم البرهان.

بنية العقل العربي

تكلم الجابري عن وجود بنية للعقل العربي هي بمنزلة لا شعور معرفي عربي مكون من جملة من المفاهيم والتصورات والأنشطة الذهنية التي تحدد نظرة الإنسان العربي إلى الكون والإنسان والمجتمع والتاريخ إلخ. يقول الجابري في الصفحتين 38 و39 من “تكوين العقل العربي”، “ماذا تغير في الثقافة العربية منذ ’الجاهلية‘ إلى اليوم؟ […] أننا نشعر جميعاً بأن امرئ القيس وعمر بن كلثوم وعنترة ولبيد والنابغة وزهير بن أبي سلمى… وابن عباس وعلي بن أبي طالب ومالك وسيبويه والشافعي وابن حنبل… والجاحظ والمبرد والأصمعي… والأشعري والغزالي وابن تيمية…. ومن قبله الطبري والمسعودي وابن الأثير… والفارابي وابن سينا وابن رشد وابن خلدون… ومن بعد هؤلاء جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والعقاد والقائمة طويلة… نشعر بهؤلاء جميعاً يعيشون معنا هنا، أو يقفون هناك أمامنا على خشبة مسرح واحد، مسرح الثقافة العربية الذي لم يسدل الستار فيه بعد، ولو لمرة واحدة”.

ويضيف “مَنْ مِن المثقفين ’العرب‘ من يستطيع الادعاء بأنه من عالم غير عالم هؤلاء، أو أنه لم تعُد له صلة مع أبطال خشبة المسرح الثقافي العربي… ’الخالد‘؟”. وعليه، فإن بنية العقل العربي هذه، أو اللاشعور المعرفي العربي هذا، ما زال فاعلاً ومهيمناً حتى الآن. وعلينا تفكيكه حتى نستطيع أن نؤسس حداثتنا العربية.

هذا النقد للعقل العربي تعرض لنقد لاذع من مفكرين كبار مثل طرابيشي وعلي حرب وغليون وغيرهم، ممن اعتبروا أن ما قام به الجابري، على رغم أهميته، ليس هو الدواء لقيام الحداثة العربية. ونذكر على سبيل المثال برهان غليون الذي اعتبر أن الجابري يغفل السياقات التاريخية السياسية والجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل ظاهرة، كما أنه يتجاهل الفاعلين الحقيقيين. وبذلك يعفي هؤلاء من مسؤولياتهم عما نعانيه راهناً من تخلف وأزمات. في رأي غليون أن الدولة القومية أو الوطنية التي تلت حقبة الاستعمار هي المسؤول المباشر عن عدم نهضة المجتمعات العربية وعدم توطين الحداثة في هذه المجتمعات لأنها تحولت إلى دولة، مافيا ودولة، وحش، ولأنها روجت لحداثة رثة أو لحثالة الحداثة التي أعادتنا إلى ما دون الحداثة. لذلك ما فتئ غليون، وهو المتخصص في علم الاجتماع السياسي، يدرس الأسباب الحقيقية لكل ظاهرة مع تحديد مسؤولية القيمين على الدولة. ويذهب بعيداً حين يعتبر أن الطائفية نفسها إفراز من إفرازات هذه الدولة- الغول.

المزيد عن: الفكر العربيمحمد عابد الجابريكانطفلسفةالتراثالنهضةالحداثةالتفكيلكالعقل

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00