ملكة الصراخ: سيسي سبيسك في دور كاري وايت (إم جي إم) ثقافة و فنون فيلم “كاري” دي بالما أعاد تعريف الرعب وأوصل مخرجه للعالمية by admin 18 أكتوبر، 2024 written by admin 18 أكتوبر، 2024 27 مع عودة فيلم عقد السبعينيات لدور السينما نلقي نظرة على كواليس صناعة هذا العمل الكلاسيكي المقتبس عن رواية لستيفن كينغ والإرث الذي تركه اندبندنت عربية / جيفري ماكناب في شتاء عام 1976 لم تكن الأمور تجري كما تشاء كاري وايت على ما يبدو، وكذلك كان الأمر بالنسبة إلى فيلم “كاري” Carrie للمخرج براين دي بالما. وتتناول القصة في جوهرها فتاة مراهقة منبوذة تعيش أول تجربة لها مع الدورة الشهرية، وهو موضوع لا يُعتبر في العادة مغرياً لجذب جمهور واسع إلى السينما. قلة قليلة في ذلك الوقت قد سمعت عن المدرس الآتي من ولاية مين الذي كتب الرواية التي يستند إليها الفيلم، وحتى في المقطع الترويجي الأصلي للفيلم تمت تهجئة اسمه بصورة خاطئة، إذ نُسب العمل إلى “ستيڤن” Steven بدلاً من “ستيفن” Stephen كينغ. في البداية لم يتلق الفيلم الذي سيعاد طرحه في دور السينما هذا الشهر لمناسبة عيد الهالوين، اهتماماً كبيراً من النقاد، ووصفه بعضهم بأنه “دموي” و”سخيف”، فيما اعتبره أحد الكتاب “منفراً، وحمام دم غرائبياً فاحشاً”. أما أستوديو “يوناتيد أرتيستس” United Artists الذي كان يدعم المشروع فقد أطلق الفيلم مع ملصق بتصميم مبالغ فيه يظهر الشخصية الرئيسة مغطاة بالدماء، مما يعكس بوضوح رؤيتهم للفيلم كعمل استغلالي يجب أن يُطرح بسرعة لجمهور شاب وغير متطلب. ومع ذلك، وعلى رغم كل التحديات، حقق “كاري” نجاحاً هائلاً في شباك التذاكر وحصل حتى على بعض الترشيحات لجائزة الأوسكار، واليوم يُعتبر واحداً من أكثر أفلام الرعب تأثيراً في عصره. من الواضح أن الإنتاجات المتكررة للأفلام التي تتناول عمليات القتل في المدارس الثانوية وكل تلك الدراما المزعجة التي تستعرض العنف غير الصحي للمراهقة الأميركية التي ظهرت بعد “كاري” تدين له بالفضل، وكذلك فإن الموجة الجديدة من أفلام الرعب الراقية التي يصنعها اليوم مخرجون مثل أري أستر (صاحب فيلم “منتصف الصيف” Midsommar) وروبرت إيغرز (مخرج فيلم “الساحرة” The Witch)، من إبداع مخرجين معجبين شغوفين بـ “كاري”. أعطى نجاح “كاري” دفعة هائلة لمسيرة ستيفن كينغ المهنية كروائي ناشئ، كما جعل دي بالما مخرجاً مربحاً في هوليوود، وكذلك كان “كاري” الفرصة المثالية لاستعراض قدرات نجومه الشباب، ليس فقط بالنسبة إلى سيسي سبيسك التي تألقت في الدور الرئيس، ولكن أيضاً لمجموعة الممثلين الداعمين مثل إيمي إيرفينغ وجون ترافولتا في دور قبل ظهوره الشهير في فيلم “غريس” Grease، ونانسي ألين. من بعض النواحي يبدو الفيلم الآن أكثر صلة بالواقع من أي وقت مضى، وفي الأجزاء المتأخرة من القصة تستخدم كاري قواها الخارقة لتنتقم من أولئك الذين يعذبونها، وفي زمن أصبحت حوادث إطلاق النار في المدارس التي يرتكبها أطفال مضطربون أكثر شيوعاً في الولايات المتحدة، فمن الواضح أن الفيلم يكتسب صدى مظلماً إضافياً. يقول لوران بوزيرو، مؤلف الكتاب الجديد “عقد دي بالما: إعادة تعريف السينما من خلال الازدواجية، والمتلصصين، والمراهقين ذوي القوى النفسية” The De Palma Decade: Redefining Cinema with Doubles, Voyeurs, and Psychic Teens، “بالنسبة إليّ ’كاري‘ عمل مناسب لكل زمان، بمعنى أنه يتناول فكرة الاختلاف والتعرض للتنمر، وهذه المواضيع للأسف تناسب جميع الأزمنة”. يتبع الفيلم بداية الرواية نفسها، إذ تتعرض البطلة غير التقليدية التي تجسدها سيسي سبيسك لإهانة شديدة في حمامات المدرسة، وتنقل لنا الكاميرا ببطء لحظات جميلة أثناء استمتاعها بالماء الساخن المتدفق، لكن سرعان ما يتغير المشهد وتبدأ المأساة، فيأخذ الدماء بالسيلان من بين فخذيها بينما هي غير قادرة على فهم ما يحدث لها ويغمرها شعور بالرعب، فلم تقم أمها المتعصبة دينياً، وتؤدي دورها بايبر لوري، بتعليمها أي شيء عن دورتها الشهرية، فتسخر منها الفتيات الأخريات ويقذفن بفوط السدادات القطنية والمناشف في اتجاهها بينما تتقوقع هي في زاوية حجرة الاستحمام. تتساءل الكاتبة مارغريت أتوود مؤلفة “حكاية خادمة” The Handmaid’s Tale، في مقالة لها نشرت أخيراً في صحيفة “نيويورك تايمز”: “ما الذي جعله [ستيفن كينغ] يعتقد أن مجموعة من الشباب الذين كانوا يبحثون (بحسب تعبير كينغ) عن صور مشجعات نسين بطريقة ما ارتداء ملابسهن الداخلية، سيجدون مشهداً افتتاحياً مليئاً بدماء الحيض مثيراً؟ هذا الموضوع، بعبارة ملطفة، ليس الأكثر إثارة، بخاصة بالنسبة إلى الرجال الشباب”. حمام الدماء: سيسي سبيسك في فيلم الرعب الكلاسيكي “كاري” (إم جي إم) تُعد أتوود من أبرز المعجبين برواية كينغ وتعتبر أنها “تتطرق إلى واقع الفقر والإهمال والجوع والإساءة، تماماً كما تتناول “الأشياء الغريبة”، والمقصود هنا القوى الخارقة التي تطورها كاري في وقت لاحق. كان كينغ الكاتب المثالي للطبقة العاملة، وارتبطت قصة نشر “كاري” بأسطورة أدبية راسخة في الولايات المتحدة، وكان الكاتب المثقل بالهموم يعيش في مقطورة ويعمل كمعلم في بلدة صغيرة تُدعى هامبدن، بينما كان يسكن في بلدة هيرمون القريبة التي وصفها لاحقاً بأنها “أسوأ مكان في العالم”، وكان يسعى إلى الكتابة لمصلحة مجلات الرجال لكنه لم يحقق نجاحاً كبيراً، وفي إحدى المرات ألقى مسودة أولى من رواية “كاري” في سلة المهملات، لكن زوجته تاببي أنقذت الصفحات، إذ أسرها فوراً سرد زوجها الغريب عن المراهقة المعذبة، ويتذكر كينغ في كتابه “عن الكتابة: مذكرات الحرفة” On Writing: A Memoir of the Craft، “كانت تريد معرفة بقية القصة وأخبرتها أنني لا أفهم شيئاً عن الفتيات في المدارس الثانوية”، فأجابته “لديك شيء مميز هنا”، ووافق الناشرون وانطلقت مسيرته الأدبية. لم يكن دي بالما مخرجاً يميل إلى البساطة أو الواقعية الاجتماعية التي تتميز بها رواية كينغ، بل كان فنه يتسم بالأسلوبية والمبالغة، وقد أضفى المخرج المتمرد لمسات من الفكاهة المروعة بصورة غير متوقعة مستخدماً تقنية الشاشة المقسومة لتعزيز الطابع الملحمي للسرد، وكان يقوم بمونتاج مشهد الذروة الذي تظهر فيه كاري غارقة بدماء خنزير في نهاية حفل المدرسة الراقص، بتفاصيل دقيقة، متعاملاً معه وكأنه مشهد معركة معقد. تتخلل “كاري” أجواء دموية من بدايته وحتى نهايته، ومع ذلك حرص المخرج على توضيح أن الدماء كانت مزيفة ومصنوعة من شراب الذرة والصبغة ومصممة لتبدو “حمراء بصورة مبالغ فيها”، ففي صغره قضى دي بالما وقتاً طويلاً في المستشفى حيث كان يشاهد والده جراح العظام أثناء عمله. أخبرني بوزيرو: “لقد عمل [دي بالما] في غرف المستشفيات منذ سن صغيرة جداً ورأى أشياء مروعة للغاية مما أكسبه نوعاً من المناعة تجاه العنف والدماء”، واستذكر المخرج بنفسه في الوثائقي الذي يحمل اسمه الصادر عام 2016 أنه “لا يمكنك تخيل كميات الدماء التي تتطاير في غرفة العمليات”، وقد كانت الرسالة واضحة، فلو أراد حقاً لكان بإمكانه جعل الفيلم أكثر قسوة وظلمة بكثير. يعتبر “كاري” حكاية خرافية مشوهة تماماً مثل كونه فيلم رعب تقليدياً، وتتراوح نبرة العمل بين الغموض والجرأة المفرطة، وبعد نحو 50 عاماً تقريباً لا يزال قادراً على إرباك وإزعاج المشاهدين، وتشير أتوود إلى أن الرواية كُتبت في وقت كانت “موجة النسوية الثانية في ذروتها”، لكن المشاهد الأولى من الفيلم التي تظهر فتيات مراهقات عاريات يتراقصن في غرف التغيير تحمل لمسة تلصص غير مريحة. في بعض اللحظات، مثلما تستخدم كاري قواها الذهنية لجعل سكاكين المطبخ تطير من على الجدران، أو عندما تبرز ذراع ملطخة بالدماء فجأة من أحد القبور، يلامس الفيلم عالم الغموض الجنوني الذي يتسم به خيال تيم بيرتن، لكن وعلى رغم ذلك تؤدي سبيسك شخصيتها بجدية وصدق عاطفي يجعلان الجمهور يتردد في الضحك عليها. كانت النجمة الشابة قد شاركت في رسم الديكورات لفيلم دي بالما السابق، “شبح الجنة” Phantom of The Paradise الذي صدر عام 1974 (كانت متزوجة من مصمم الإنتاج جاك فيسك الذي تعرفت عليه خلال فيلمها الذي حقق انطلاقتها الفنية “الأراضي البور” Badlands)، وعندما أجرت اختبار الأداء للدور كانت في منتصف العشرينيات من عمرها، أي أكبر بكثير في السن ولا تناسب على الإطلاق شخصية المراهقة المعذبة كاري، فقامت بوضع دهن الفازلين في شعرها ولطخت نفسها بالأوساخ وتصرفت بطريقة همجية جعلت دي بالما يدرك على الفور أنه يجب إسناد الدور إليها على رغم تردد الأستوديو. شرحت سبيسك كيف تمكنت من تقمص شخصيتها قائلة “ذهبت بذهني إلى تلك الحال التي يقضي فيها كل المراهقين وقتاً طويلاً، حيث تكون أنت الضحية والجميع يكرهونك، فتحبس نفسك في غرفتك تكتب الشعر وتكره والدتك”. أما أداء جون ترافولتا في الدور المساعد للفتى الوسيم المغفل بيلي نولان فهو مثير للاهتمام بشكل متساو، فقد كان نجماً ثانوياً في التلفزيون عندما قام باختبار الأداء ولاحظ دي بالما سحره الطفولي، لكنه كان يرى بوضوح شيئاً أعمق وأكثر ظلمة في شخصيته، ويظهر بيلي الذي يقدمه ترافولتا كشخص لطيف وودود يستمتع بالسيارات والبيرة، ويبدو كما لو أنه قد خرج للتو من فيلم “غرافيتي أميركي” American Graffiti لجورج لوكاس الذي يستعرض حياة المراهقين الأميركيين وتمردهم في أوائل السبعينيات. ومع ذلك يتجلى جانب من الفساد في شخصيته عندما يضرب حبيبته (تجسدها نانسي ألين) بشكل غير مبال عندما تناديه بـ “الحقير الأحمق”، وهناك أيضاً عنصر من الانحلال في شخصيته يتجلى في مشهد الجنس الفموي الشهير في الفيلم، فهو “ملاك الظلام” في العمل ونقيض بطل كرة القدم الأشقر في المدرسة الذي يجسده ويليام كات. رعب حفل المدرسة الثانوية الراقص: سبيسك في مشهد الذروة في فيلم “كاري” (إم جي إم) كان دي بالما مهووساً بأعمال ألفريد هيتشكوك ولا يمكنه مقاومة إغراق أفلامه بإشارات إلى فيلم “سايكو” Psycho، ولكن مرجعيته تتجاوز ذلك بكثير، وإلى جانب مارتن سكورسيزي وفرانسيس فورد كوبولا وجون ميليوس وأمثالهم كان من بين مجموعة “صانعي الأفلام المتمردين” الشباب خلال السبعينيات الذين كانوا مفتونين بوسائل تعبير هيتشكوك السينمائية وعازمين على استخدامها بأكثر الطرق الممكنة بهرجة وتعبيراً، فلجأ دي بالما وزوجته جاك فيسك إلى نقوش غوستاف دوريه من الكتاب المقدس كمصدر إلهام بصري لمشهد النهاية الغريب الذي تتألق فيه الشموع، إذ تتعرض كاري للاعتداء من قبل والدتها. أما بايبر لوري التي عادت للشاشة بعد غياب 15 عاماً وبعد دورها الذي أكسبها ترشيحاً للأوسكار إلى جانب بول نيومان في فيلم “المحتال” The Hustler (1961)، فقد قدمت أداء مميزاً (منحها ترشيحاً آخر للأوسكار) في دور الأم المجنونة المهووسة بالمسيح والمذعورة هي نفسها من ميولها الجنسية، وفي نهاية المطاف تجد نفسها مصلوبة بطريقة رمزية وكأنها تستمد متعة مازوشية من هذا المشهد. كانت لوري، النجمة الشابة السابقة، قد أوقفت مسيرتها السينمائية بصورة مفاجئة لأنها سئمت من أداء أدوار غير مؤثرة، لكن بعد دورها في “كاري” واصلت العمل مع ديفيد لينش في مسلسل “توين بيكس” Twin Peaks وحصلت على ترشيح ثالث لجائزة الأوسكار عن فيلم “أبناء آلهة أقل شأناً”Children of a Lesser God (1986)، لتصنع لنفسها سمعة كواحدة من أكثر الممثلات المغامرات في هوليوود. أفرزت رواية كينغ أفلاماً أخرى وإصدارات تلفزيونية وحتى مسرحية غنائية في مسارح برودواي، لكن النسخة الأصلية التي أخرجها دي بالما تظل الأفضل بلا منازع، فهي مخيفة وتبث الرعب في القلوب وتحوي لمحات من الفكاهة القاتمة وتقدم نظرة صادقة ومؤلمة حول كل جوانب تجربة المراهقة. ويؤكد بوزيرو بقوة “أعتقد حقاً أن الشباب الذين سيكتشفون فيلم ‘كاري’ اليوم سيحبونه تماماً”، ولقد تأكدت السمعة المتزايدة لهذا الفيلم في أواخر عام 2022 عندما أُدرج في السجل الوطني للأفلام في الولايات المتحدة، إذ تُختار الأعمال بناء على أهميتها الثقافية والتاريخية والجمالية، وبالنسبة إلى الفتاة المراهقة المسكينة التي تعرضت للتنمر وظهرت للمرة الأولى تبكي في الحمامات وتبدو مثل “خنزير داخل حظيرة الذبح”، كما وصفها كينغ بصورة مؤثرة، فإن هذا تحول يستحق التقدير. سيعاد إطلاق فيلم “كاري” في دور السينما البريطانية في الـ 18 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري. © The Independent المزيد عن: براين دي بالماأفلام الرعبفيلم 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كارمن بالسيز الوكيلة التي أسهمت في صنع مجد الرواية الأميركية اللاتينية next post مفكر فرنسي يقود معركة إسقاط ثورة بلاده انطلاقا من موسكو You may also like المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024 من هي إيزابيلا بيتون أشهر مؤثرات العصر الفيكتوري؟ 21 نوفمبر، 2024