ثقافة و فنونعربي فيلم “الحفرة”: الخلاص يكمن في الأسفل، لا الأعلى by admin 28 أبريل، 2020 written by admin 28 أبريل، 2020 132 عرب 48 – فسحة / آلاء كراجة “ثمّة ثلاثة أنواع من الناس: مَنْ هم في الأعلى، ومَنْ هم في الأسفل، ومَنْ يسقطون”. بهذه العبارات يبدأ فيلم الخيال والرعب الإسبانيّ “الحفرة – El hoyo” (2019) (بالإنجليزيّة: The Platform)، للمخرج الإسبانيّ جالدير جاستيلو أوروثيا. تدور أحداثه في مكان افتراضيّ يدعى “الحفرة”، وهو عبارة عن سجن عموديّ يضمّ حجرات أسمنتيّة في عدد كبير من المستويات، يضمّ كلٌّ منها سجينين اثنين يتغيّران بشكل عشوائيّ شهريًّا، ويتوسّطها فراغ على شكل مستطيل، تهبط عبره رأسيًّا منصّة مليئة بالطعام، نرى في بداية الفيلم طريقة إعدادها بعناية فائقة وبالغة الدقّة، وتتوقّف في كلّ مستوًى مرّة واحدة يوميًّا لمدّة دقيقتين، فإذا كنت في المستوى الأوّل فأنت أمام مائدة عامرة بأشهى الأطعمة، وإذا كنت في المنتصف فستأكل بقايا مَنْ هم في الأعلى، أمّا إذا كنت في الأسفل فلن تجد سوى الصحون الفارغة حتّى من العظام، وفي كلّ الأحوال لا يمكنك الاحتفاظ بالطعام؛ لأنّ الاحتفاظ به سيتسبّب في انخفاض درجة حرارة الحجرة حتّى التجمّد، أو يرفعها حتّى تحترق فيها كالرماد، حسب قانون “الحفرة”. الفيلم المقتبَس من نصّ مسرحيّ للكاتبَين ديفيد ديسولا وبيدرو ريفيرو، يقول ما يقوله عبر كثير من الاستعارات والترميز، بعيدًا عن الابتذال والمجاملة، بل بلا رحمة في كثير من الأحيان… الفيلم المقتبَس من نصّ مسرحيّ للكاتبَين ديفيد ديسولا وبيدرو ريفيرو، يقول ما يقوله عبر كثير من الاستعارات والترميز، بعيدًا عن الابتذال والمجاملة، بل بلا رحمة في كثير من الأحيان، وقد تشاركت عوامل عدّة في إنجاحه؛ فهو ذو مضمون أعمق من أنّه مجرّد فيلم رعب وإثارة، ثمّ إنّ الشخصيّات مختارة بعناية فائقة ورمزيّة بليغة، يضاف إلى ذلك نجاح عناصر الترقّب والتشويق، والإثارة المتلاحقة، والموسيقى المناسبة، متوَّجًا كلّه بإخراج فنّيّ يتناسب مع الصورة والمضمون. الفيلم الّذي أطلق عام 2019، وكان عرضه الأوّل في فعاليّات قسم “جنون منتصف الليل”، ضمن “مهرجان تورنتو السينمائيّ الدوليّ” في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي 2019، نال أيضًا جائزة تصويت الجمهور لأفضل فيلم ضمن هذا القسم، وحصل على إشادة كبيرة من عدد من النقّاد السينمائيّين. صورة لطبقيّة المجتمع مستويات “الحفرة” تمثيل حقيقيّ لطبقات المجتمع وصراعها وحقدها الأزليّ، ولفساد النظام الرأسماليّ الّذي يستحوذ على كلّ الموارد، ويترك البقيّة يتصارعون على الفتات؛ بقايا الطعام وبقايا الفرص، وهو ما كتب عنه ووصفه كارل ماركس وفريديرك إنجلز في البيان الشيوعيّ، بأنّ “تاريخ أيّ مجتمع حتّى الآن ليس سوى تاريخ صراعات طبقيّة”. وكما مستويات “الحفرة”، يحتوي الفيلم على طبقات تتكشّف حقيقتها واحدة تلو الأخرى، وتتشابك معها الرموز والدلالات كلعبة أحجيّة لتشكّل الصورة الكاملة في النهاية. الفيلم الغارق في عالم ديستوبيّ سوداويّ، يطرح بشكل أساسيّ معضلة الحرص على البقاء الإنسانيّ في ظلّ أقسى الظروف، وكيف يمكن أن تدفع سلطة الجوع البشر إلى حافّة الجنون، في سبيل النجاة. لكن ما الجنون؟ الكثير من العقل ربّما هو الجنون، ربّما الجنون أن تتخلّى عن أحلامك، وربّما الأكثر جنونًا أن تتمسّك بتلك الأحلام أصلًا، أو أن ترى الحياة كما هي، لا كما يجب أن تكون. تتجلّى أهمّيّة إضافيّة للفيلم في الوقت الراهن، في ضوء ما تعيشه البشريّة في مواجهة كارثة الوباء العالميّ فايروس كورونا (Covid-19)، ويدفعنا ذلك إلى التأمّل في كيفيّة إسقاط ما يطرحه الفيلم، على ما سيكون عليه العالم بعد الكارثة؛ فبعد إلزام الناس بالحجر الصحّيّ المنزليّ وحظر التجوال، تكشّف وجه البشر الحقيقيّ في مواجهة الأزمات، وطغت غريزة البقاء ومشاعر الخوف، الّتي تجلّت في الهلع وحمّى الاستهلاك والتهافت على شراء الطعام بشكل أساسيّ، ومن ثَمّ احتياجات المنزل، بل حتّى الأسلحة في بعض الدول. اللقطات العديدة لصور الأرفف الفارغة، ومشاهد المشادّات بين الناس الّتي وصلت حدّ تسديد اللكمات أحيانًا، اختزلت ببلاغة مشهد اللحظة الراهنة بكلّ مأساويّة وبشاعة. إذن، نحن أمام عالم ينقسم إلى ثلاثة أنواع من الناس: مَنْ هم في الأعلى ويسعون إلى الحفاظ على مزاياهم بكلّ السبل، ومَنْ هم في الأسفل ويريدون التغيير لكنّهم لا يملكون أدواته، أو يعتريهم الخوف من التغيير إلى الأسوأ فيرفضونه، وربّما لا يمتلكون القدرة والجرأة للمواجهة فيستكينون للواقع، والفئة الثالثة من الناس أولئك الّذين يسقطون سواء بالمعنى الحرفيّ؛ أي مَنْ يُلقون بأنفسهم أو يُلقى بهم إلى الهاوية، أو أولئك الّذين يقرّرون الهبوط إلى العالم السفليّ، ويضحّون بكلّ ما يملكونه سعيًا إلى التغيّر؛ أليس كلّ ذلك انعكاسًا لما تعيشه المجتمعات المقموعة، وثورانها ضدّ الظلم والفساد والفقر والجوع! هل أنت شيوعيّ؟ تدور الأحداث حول بطل الفيلم غورينغ، المثقّف الحالم الّذي اختار أن يدخل السجن بمحض إرادته للحصول على دبلوم مهمّ، وفي نفس الوقت من أجل الإقلاع عن التدخين؛ إذ إنّ التدخين ممنوع في “الحفرة”، لكن حسب قوانين هذا المكان فلا يمكنه الخروج إلّا بعد انقضاء الفترة المتّفق عليها. تتقاطع رحلته مع خمس شخصيّات رئيسيّة في الفيلم، يؤثّر كلٌّ منها فيه، وتغيّر من نظرته وتعامله مع الأمور في السجن، وتشكّله من جديد حسب تجربته معهم. يستيقظ غورينغ في المستوى 47 في بداية الشهر، ليلتقي تيرماغاسي، الّذي تمثّل شخصيّته تجسيدًا لإفرازات النظام الرأسماليّ، حين يجرَّد الفرد من إنسانيّته، ليس فقط في ظلّ الظروف الصعبة، بل في أوقات الرخاء والرفاهيّة أيضًا؛ فتتفاقم لديه الفردانيّة والجشع، ويصبح همّه الرئيسيّ متعته وخلاصه الفرديّ. خُيِّر تيرماغاسي بين القدوم إلى “الحفرة” لسنة أو البقاء في مستشفى الأمراض النفسيّة؛ لأنّه قتل بالخطأ أحد المهاجرين غير الشرعيّين، كان يعبر الشارع صدفة، بعد أن ألقى بتلفازه من النافذة؛ إذ شعر بالخديعة بعد مشاهدته أحد برامج التسوّق الّتي تسعى جاهدة إلى إقناعك بشراء منتجات “لن تستقيم حياتك بغيرها”. إنّها الحالة المديدة الّتي يتحوّل فيها الفرد إلى مستهلك غير واعٍ، في ما يواصل النظام الرأسماليّ وعوده الكاذبة بتحقيق أحلام العمّال، إذا ما عملوا بكدّ وتواصل، بيد أنّه في حقيقة الأمر يحيلهم إلى ماكنات بشريّة أو عبيد للنظام، تمامًا كما يتجسّد ذلك في نظام “الحفرة” الرأسماليّة. يتعلّق الأمر بشكل أساسيّ بالطعام، ومن ثَمّ الصراع عليه من أجل البقاء؛ لذا فالسؤال الأهمّ بالنسبة إلى تيرماغاسي، وقد بدأ الشهر لتوّه: ماذا سنأكل؟ أحيانًا يكون في قمّة السهولة، وأحيانًا أخرى في قمّة الصعوبة؛ يتوقّف هذا على مستواك في حفرة السجن العموديّة. يحاول غورينغ فَهْم آليّة عمل الحفرة كما المشاهد في بداية الفيلم، وفور أن يدرك عملها يسعى إلى تغيير الأمور؛ فيتواصل مع مَنْ هم في المستوى الأعلى ليحدّدوا حصصهم الغذائيّة، لأنّ تحديد الحصص فيه عدالة. يمنعه تيرماغاسي من ذلك، ويتّهمه قائلًا: هل أنت شيوعيّ؟ مَنْ هم في الأعلى لن ينصتوا إلى شيوعيّ! وبعدما كانت علاقة جيّدة قد بدأت تتشكّل بينهما خلال الشهر، سرعان ما تلاشت وانتهت بانعدام الثقة المتبادلة، وبالصراع والدماء والهمجيّة، عندما استفاق الاثنان في المستوى 171، حيث لا طعام لشهر كامل. يستفيق غورينغ على صرخات مَنْ يستيقظون ويعرفون أين هم، بينما يجد نفسه مقيّدًا على سريره كوجبة طعام لشريكه في الحجرة، الّذي لا يَعِده أن يصبر على جوعه، يقول له: “أنا لست بقاتل، أنا فقط خائف، ربّما لن تهاجمني اليوم، لكن مع مرور الوقت ستنظر إليّ بشكل مختلف”، محمّلًا مسؤوليّة تصرّفه لمَنْ هم في الأعلى. إذن، مَنْ يتحمّل النتائج الدمويّة لهذا الصراع؟ أيتحمّلها مَنْ هم في الأعلى كما يقول تيرماغاسي، أم الإدارة، أم الظروف، أم النظام الطبقيّ كلّه الّذي يحوّل الجوعى إلى قتلة؟ هل يكون الجائع صاحب قرار عاقل في وضع كهذا؟ يظنّ الفرد أنّه غير مسؤول عن النظام الفاسد، ولا عن تبعاته وإفرازاته المشوّهة، لكنّه لا يدرك أنّ الجشع الفرديّ جزء من هذا النظام، وكلٌّ منهما يغذّي الآخر. إنّ عشوائيّة هذا النظام وفوضاه تشيران إلى أنّ مكانك في هذه المستويات ليس ثابتًا؛ فأنت لم تختر أن تُولَد فقيرًا أو غنيًّا، لكنّ السؤال الأكثر إلحاحًا على الأرجح: كيف ستتصرّف في كلّ مستوًى؟ إنّ عشوائيّة هذا النظام وفوضاه تشيران إلى أنّ مكانك في هذه المستويات ليس ثابتًا؛ فأنت لم تختر أن تُولَد فقيرًا أو غنيًّا، لكنّ السؤال الأكثر إلحاحًا على الأرجح: كيف ستتصرّف في كلّ مستوًى؟ يذكّرك الفيلم من جديد، وسط قساوة المشاهد، بطريقة إعداد المائدة والاهتمام بأدقّ التفاصيل، بل يصوّر المشرف أيضًا على المائدة وهو يستشيط غضبًا، بسبب شعرة وقعت في طبق حلوى “البانكوتا”، بينما يموت الناس جوعًا في “الحفرة”. التغيير: بالقوّة أم بالإقناع؟ هل يشعر مَنْ في الأعلى بمعاناة مَنْ هم دونهم؟ أيمكن أن يتغيّر نظام “الحفرة” الطبقيّ والرأسماليّ بالحوار والإقناع، أم ذلك سيكون باستخدام القوّة؟ يطرح المخرج هذه التساؤلات المصيريّة من خلال شخصيّة إيموغوري، الشخصيّة الرئيسيّة الثانية في الفيلم، الّتي يلتقيها غروينغ في الشهر التالي في المستوى 33، وهي عضو من الإدارة وتعمل فيها منذ 25 عامًا، لكنّها لا تعلم ما يحصل في هذا المكان، وقد جاءت بإرادتها إليه لتقديم المساعدة بعد أن خسرت معركتها مع السرطان؛ فليس ثمّة ما تخسره ولم تَعُد تبالي بأيّ شيء. ترفض إيموغوري تسمية “الحفرة”، وتصرّ على أنّ هذا المكان هو “المركز العموديّ للإدارة الذاتيّة”، ويتكوّن من 200 مستوًى، وهو بمنزلة امتحان لفحص ما تحتاج إليه ثورة التغيير، الّذي يتبعه التضامن العفويّ، لكنّها على وشك أن تدرك أنّ هذا المكان ما هو إلّا العكس تمامًا لما كانت تظنّه. يعود بنا المخرج بتقنيّة الاسترجاع الفنّيّ (Flashback) إلى لقاء غورينغ بإيموغوري الأوّل؛ إذ كانت مسؤولة عن إجراء المقابلات مع المرشّحين للانضمام إلى “الحفرة”. تسأله عن طبقه المفضّل ليضاف إلى قائمة الطعام، على المنصّة الّتي يتّضح أنّها ما هي إلّا الأطباق المفضّلة لكلّ شخص في “الحفرة”، فلو اكتفى كلّ بحصّته لكان هناك ما يكفي من الطعام للجميع. تؤمن إيموغوري بأنّ التضامن يكون عفويًّا؛ فلا تنفكّ تحاول إقناع مَنْ هم في الأسفل لأخذ حصصهم الغذائيّة، والتفكير في مَنْ هم أقلّ حظًّا هذا الشهر، لكنّهم لا يأبهون بها بل يكيلون لها كيلًا من الشتائم في كلّ مرّة. يراقبها غورينغ الّذي غيّرته تجربته القاسية الشهر الماضي، وكشفت الواقع المرير أمامه؛ فلم يَعُد المثقّف الحالم الطيّب، ليتدخّل عبر التهديد بتلويث الطعام بالتبرّز عليه إن لم يلتزموا بطلبها؛ هكذا يقنعها بـ “أنّ هذا أكثر فعاليّة من التضامن”، وبأنّ تغيّر النظام والتضامن لا يكون عفويًّا أبدًا، بل يُفْرَض بالقوّة؛ تتحمّس هي لإقناع مَنْ هم في الأعلى، لكنّه يجيبها بكلّ برود: “لا أستطيع التبرّز إلى الأعلى”. “دون كيخوته” و”رمسيس الثاني” و”ميهارو” “لم يطلب أحد كتابًا من قبل؛ ليس هذا هو المكان المناسب لمحبّي الكتب… مَن يُحضر معه كتابًا إلى هنا؟” تسأل غورينغ، الّذي يختار رواية “دون كيخوته” أو “العبقريّ النبيل” الشهيرة للروائيّ والشاعر ميجل دي ثربانتس؛ إذ يحقّ لكلّ شخص يدخل “الحفرة” اختيار غرض واحد فقط، فتختار الأغلبيّة الأسلحة، والبنادق، والأقواس، ومضارب الغولف أو البيسبول، والمصابيح. لكن لماذا “دون كيخوته”؟ تُعَدّ الرواية من أعظم الأعمال في الأدب العالميّ، وتُرجمت إلى العديد من اللغات الأجنبيّة، ويحمل الجزء الأوّل اسم “العبقريّ النبيل دون كيخوته دي لا مانتشا”، وقد نُشر عام 1605، أمّا الجزء الثاني فنُشر عام 1615 بعنوان “العبقريّ الفارس دون كيخوته دي لا مانتشا”. يبدو أنّ كاتبا النصّ يقاربان بين شخصيّة غورينغ وبطل الرواية الّذي يقاتل طواحين الشرّ، ويسعى إلى مواجهة الظلم وإحقاق العدالة، وكأنّه فارس قادم من زمن آخر. يفاجئنا المخرج باسم الكلب الّذي اختارته إيموغوري كي يكون غرضها الوحيد، وهو “رمسيس الثاني”، وهنا رمز آخر يوظّفه النصّ في استعارة لعظمة الفرعون، الّذي كان الأكثر شهرة وقوّة طوال حكم الفراعنة، إلى أن قُتِلَ الكلب بصورة بشعة؛ في إشارة إلى موت العظمة الّتي يمكن أن يتوحّد تحت رايتها العمل من أجل الجماعة. الشخصيّة الرابعة الأساسيّة في الفيلم ميهارو، الّتي تظهر منذ بداية الفيلم بدور صامت ذي بؤس واضح وصريح، دور القاتلة المجنونة الّتي تقتل شريكها كلّ شهر، لتُحَسِّن فرصتها بلقاء طفلتها الّتي أضاعتها في “الحفرة”، على الرغم من تأكيد الجميع أنّها مجنونة وواهمة؛ فلا أطفال في “الحفرة”. لكن ميهارو تواصل الهبوط كلّ شهر على المنصّة لكلّ المستويات بحثًا عنها. يشير بعض النقّاد إلى أنّ معنى اسم ميهارو باليابانيّة “أن تفتح عينيك واسعًا”؛ في إشارة رمزيّة أخرى إلى العالم الّذي يختار أن يغمض عينيه عن الملايين الّذين يموتون جوعًا في العالم، بل يذهب البعض إلى إنكار سوداويّة العالم السفليّ. وببراعة، تلتقط الكاميرا غورينغ وهو يفتح عينيه لأوّل مرّة في كلّ مستوًى، وكأنّه الوحيد المبصر على حقيقة “الحفرة”. نحو الأسفل، لا الأعلى يرفض غورينغ المثقّف الاستسلام لقانون “الحفرة”، ويرى أنّه لا بدّ من تخليص هذا المكان من سوداويّته؛ فالحقيقة لا تُرى إلّا من خلال التجربة. في كلّ مرّة يسعى فيها غورينغ إلى تحقيق العدالة وإحقاق المساواة، يصطدم بكيل من السخرية والاتّهامات؛ فتارةً يصفه تيرماغاسي بالشيوعيّ، وتارة أخرى تسأله إيموغوري متعجّبة: هل أنت المسيح؟ هل أتيت لتفتدينا؟ لكنّه لا يتوقّف، رغم إدراكه انعدام الخيارات أمامه، وأنّ هذه هي الطريقة الوحيدة للخلاص. تنتحر إيموغوري في المستوى 202 تاركة له جسدها ليتغذّى عليه، بينما يبدأ هو بأكل كتابه قبل أن يفعل، ومن ثَمّ تتراءى له خيالات مَنْ قضوا في “الحفرة”؛ فتظهر له أشباح مَن مرّ على أجسادهم، لأنّهم أصبحوا جزءًا منه. لتتعرّف حقيقة شخص ما، انظر إليه عندما يفقد كلّ شيء أو عندما يفوز بكلّ شيء، بالنسبة إلى غورينغ فليس ثمّة أسوأ ممّا مرّ به. يستفيق أخيرًا في المستوى 6، حيث مائدة الطعام لا تزال عامرة، لكنّه يقرّر التخلّي عن امتيازات هذا الشهر، فيقنع شريكه في الحجرة، هذه المرّة شابّ أسود قويّ البنية يُدعى بهارات، كان منتشيًا بوصوله إلى هذا المستوى، فحاول التسلّق إلى الأعلى عبر “الحفرة” للهرب، لكنّه يفشل، ويبدّد غورينغ مساعيه بالهرب، لإقناعه بأنّ طريق الخلاص ليس إلى الأعلى، بل لا بدّ من أن تكون إلى الأسفل؛ وذلك بالصعود إلى المنصّة وتوزيع الطعام بعدل. بقوّة السلاح سيفرض غورينغ وشريكه بهارات العدالة؛ فالعدالة أيضًا تحتاج إلى قوّة، وتحتاج إلى تضحيات، لكن هل تحتاج إلى ضحايا لتنفيذها؛ أو بمعنًى آخر أقرب إلى رؤية الفيلم، “قرابين”؟ إذن، كيف نفرّق بين الثائر والقاتل؟ إذن، يرفض غورينغ التسلّق والتملّق، وهذه المرّة يتخلّى عن امتيازاته ويبدّدها؛ فلا يمكن الحصول على الحقوق دون نضال أو تضحيات، والثائر هنا مثقّف، ليس مثقّف سلطة بل مثقّف ثورة… ثورة جياع، يضع الحرّيّة والكرامة نصب عينيه، ولا يثور على النظام فحسب، بل يسعى إلى إصلاحه، مقدّمًا الحلول العادلة. بقوّة السلاح سيفرض غورينغ وشريكه بهارات العدالة؛ فالعدالة أيضًا تحتاج إلى قوّة، وتحتاج إلى تضحيات، لكن هل تحتاج إلى ضحايا لتنفيذها؛ أو بمعنًى آخر أقرب إلى رؤية الفيلم، “قرابين”؟ إذن، كيف نفرّق بين الثائر والقاتل؟ طريق الثورة مخاض طويل ومليء بالعقبات والتضحيات، ويحتاج إلى أدوات وأساليب متغيّرة؛ فهل يتحقّق الإصلاح بالحوار والإقناع مثلًا؟ أم يُفْرَض بالقوّة؟ أم يحتاج إلى الاثنين معًا؟ يطرح الفيلم هذه الفكرة من جديد، من خلال أحد الحكماء الّذين يلتقيهم في رحلتهم إلى الأسفل، الّذي يشير إلى أنّ تطبيق العدالة مهمّ لكن أسلوب طرحها مهمّ أيضًا، فيقنعهم بأهمّيّة إيصال رسالة واضحة وغير مشوّهة، لمَنْ هم في الأعلى وإلى الإدارة، كأن يكون طبق حلوى “البانكوتا” لم يُلْمَس قطّ. رحلة بشعة… من أجل العدالة تكشف الرحلة الّتي تتّسم بالجنون والجرأة المطلقة، نزولًا إلى المستويات الدنيا، تكشف عن قسوة عالية، ومشاهد بشعة؛ حيث القتل من أجل البقاء، لكنّهما يستمرّان بالهبوط رغم ما يتلقّيانه من ضرب واعتداء بالأسلحة، حتّى يصلا إلى القاع الّذي يتّضح أنّه في المستوى 333. يعثران في قاع “الحفرة” على طفلة ميهارو الّتي كانت تبحث عنها منذ البداية، وقد كذّبها الجميع، حتّى الإدارة نفسها ممثّلة بإيموغوري الّتي أكّدت أن لا أطفال في “الحفرة”، وهذا دليل جديد على أنّ الإدارة لا تعرف شيئًا عمّا يدور في “الحفرة”. يدرك غورينغ أنّ الطفلة هي الرسالة، ويرسلها صعودًا إلى الأعلى. يمكن اعتبار النهاية مفتوحة، وتحتمل أوجهًا عدّة حسب ما يدركه المشاهد؛ فالفتاة رمز للأجيال القادمة الّتي تستحقّ العيش بكرامة، ويمكن أن تكون رمزًا لكون الأطفال أكثر ضحايا الظلم والتغوّل الطبقيّ. على الرغم من ذلك، يمكن اعتبار النهاية مفتوحة، وتحتمل أوجهًا عدّة حسب ما يدركه المشاهد؛ فالفتاة رمز للأجيال القادمة الّتي تستحقّ العيش بكرامة، ويمكن أن تكون رمزًا لكون الأطفال أكثر ضحايا الظلم والتغوّل الطبقيّ. “رجل عظيم خبيث سيكون مثالًا عظيمًا للشرّ، ورجل ثريّ غير كريم لن يكون إلّا شحّاذًا… لأنّ مالك الثروة لا يسعد بامتلاكها، لكنّه يسعد بإنفاقها، وليس بإنفاقها كما يشاء، لكن بمعرفته كيف ينفقها بشكل جيّد”، بهذه الكلمات من رواية “الفارس النبيل” ينهي المخرج الفيلم؛ في إشارة إلى أنّ السعادة ليست في امتلاك الثروة، بل في مشاركتها. يتّضح للمشاهد في النهاية كأنّ البطل قد تطهّر من ذنوبه، في رحلته القاسية في “الحفرة”، وربّما في ثورته من أجل إحقاق العدل أيضًا، وكان المسيح المخلّص الّذي افتداهم جميعًا. والآن، إذا ما وجدت نفسك في “الحفرة” فكيف ستتصرّف؟ وماذا سيكون طبقك المفضّل على المنصّة؟ آلاء كراجة إعلاميّة وباحثة ومقدّمة برامج تلفزيونيّة. أنجزت دراسة حول “دلالات البطل في السينما الفلسطينيّة”، وقدّمت تدريبات في تعزيز المساواة بين الجنسين في مجال صناعة الأفلام، كما شاركت في إعداد “الدليل العمليّ للمخرجات الشابّات” مع “مؤسّسة شاشات سينما المرأة”. المزيد عن : الحفرة /the platform /فيلم إسباني /الطبقية /الجشع /رأسمالية /شيوعية /بشاعة /دموية /التغيير /العدالة الاجتماعية /سينما /نقد سينمائي /آلاء كراجة 59 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post جعجع: الوضع بلبنان خطير ويجب تشكيل جبهة معارضة لحزب الله next post حنان عوّاد: أصوّر فلسطين وناسها لأملأها بأشجار الزيتون You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 59 comments Tinder dating site 22 يناير، 2021 - 8:28 م tindr , how to use tinder https://tinderdatingsiteus.com/ Reply best free dating site for serious relationships 31 يناير، 2021 - 9:44 ص free dating sites https://freedatingsiteall.com Reply lovoo credits kostenlos 18 مايو، 2021 - 2:06 ص lovoo personensuche lovoo vs tinder http://lovooeinloggen.com/ Reply free datin site 20 مايو، 2021 - 3:22 م free online dating sites in ireland free dating site without using credit card http://freedatingfreetst.com/ Reply where can i get a private identity verified id for adult dating sites 20 مايو، 2021 - 3:31 م what to put in adult dating profile adult game dating http://freeadultdatingusus.com/ Reply dating game serial killer 16 يونيو، 2021 - 4:05 م Passion the site– very user friendly and great deals to see! https://datingsitesfirst.com/ Reply ashleigh kfc dating sim 17 يونيو، 2021 - 2:29 م I adore this site – its so usefull and helpfull. https://datingonlinecome.com/ Reply demi lovato dating 21 يونيو، 2021 - 5:31 م Pretty beneficial, looking ahead to returning. https://onlinedatinglook.com/ Reply elitesingles dating sites 21 يونيو، 2021 - 11:32 م Thanks a lot! It a incredible web site! https://datingsitesover.com/ Reply Online dating 22 يونيو، 2021 - 12:44 ص Wonderful page, Maintain the useful job. Thank you so much! https://onlinedatingtwo.com/ Reply Keto diet t plan 24 يونيو، 2021 - 5:37 م I adore this site – its so usefull and helpfull. https://ketodietplanus.com/ Reply Keto diet 24 يونيو، 2021 - 6:44 م The information is rather exciting. http://ketodietione.com/ Reply keto diet results 12 weeks 24 يونيو، 2021 - 10:30 م Sustain the helpful work and generating the group! https://ketorecipesnew.com/ Reply your ps4 games 22 أغسطس، 2021 - 11:32 م Howdy! I’m at work browsing your blog from my new iphone! Just wanted to say I love reading your blog and look forward to all your posts! Keep up the superb work! Reply ps4 games when 23 أغسطس، 2021 - 8:26 ص I am extremely inspired with your writing abilities as smartly as with the layout on your weblog. Is that this a paid subject or did you customize it your self? Anyway stay up the excellent high quality writing, it’s rare to see a great blog like this one nowadays.. Reply ps4 games a 24 أغسطس، 2021 - 12:07 ص Thanks in favor of sharing such a pleasant opinion, article is nice, thats why i have read it completely Reply зарубежные сериалы смотреть онлайн 24 مارس، 2024 - 3:55 ص I am in fact thankful to the owner of this website who has shared this wonderful article at here. Reply глаз бога бот 10 أبريل، 2024 - 1:12 ص Woah! I’m really loving the template/theme of this site. It’s simple, yet effective. A lot of times it’s challenging to get that “perfect balance” between superb usability and visual appearance. I must say you have done a very good job with this. Additionally, the blog loads extremely fast for me on Opera. Exceptional Blog! Reply глаз бога телеграмм 10 أبريل، 2024 - 2:28 م Hi, Neat post. There is a problem together with your site in internet explorer, could check this? IE still is the marketplace leader and a big component to other people will miss your fantastic writing due to this problem. Reply csgo skin bet websites 7 مايو، 2024 - 5:25 م Hey, I think your website might be having browser compatibility issues. When I look at your blog in Chrome, it looks fine but when opening in Internet Explorer, it has some overlapping. I just wanted to give you a quick heads up! Other then that, superb blog! Reply Гомельский государственный университет имени Франциска Скорины 15 مايو، 2024 - 6:19 م One of the leading academic and scientific-research centers of the Belarus. There are 12 Faculties at the University, 2 scientific and research institutes. Higher education in 35 specialities of the 1st degree of education and 22 specialities. Reply Гостиничные Чеки СПБ 24 مايو، 2024 - 9:55 ص Pretty great post. I simply stumbled upon your blog and wanted to mention that I have really enjoyed browsing your blog posts. In any case I’ll be subscribing for your feed and I hope you write again soon! Reply удостоверение тракториста машиниста купить в москве 30 مايو، 2024 - 12:25 م I have read so many posts about the blogger lovers but this piece of writing is really a good post, keep it up. Reply 国产线播放免费人成视频播放 3 يونيو، 2024 - 10:46 ص Fantastic blog! Do you have any helpful hints for aspiring writers? I’m planning to start my own website soon but I’m a little lost on everything. Would you suggest starting with a free platform like Wordpress or go for a paid option? There are so many choices out there that I’m totally confused .. Any suggestions? Kudos! Reply 乱伦色情 4 يونيو، 2024 - 7:21 ص Wonderful beat ! I wish to apprentice at the same time as you amend your site, how can i subscribe for a blog site? The account aided me a appropriate deal. I were tiny bit familiar of this your broadcast provided bright transparent concept Reply hot fiesta слот 12 يونيو، 2024 - 5:30 م Wonderful website you have here but I was wanting to know if you knew of any community forums that cover the same topics talked about in this article? I’d really love to be a part of online community where I can get feed-back from other knowledgeable individuals that share the same interest. If you have any recommendations, please let me know. Thanks a lot! Reply hot fiesta 13 يونيو، 2024 - 1:24 م What i do not realize is in reality how you’re now not really a lot more smartly-liked than you may be right now. You are so intelligent. You realize therefore significantly in terms of this matter, produced me individually believe it from so many numerous angles. Its like men and women aren’t interested until it’s something to accomplish with Woman gaga! Your personal stuffs nice. Always maintain it up! Reply хот фиеста slot 14 يونيو، 2024 - 12:55 ص This article will help the internet people for building up new website or even a blog from start to end. Reply hot fiesta играть 14 يونيو، 2024 - 12:37 م A person necessarily help to make seriously articles I would state. This is the first time I frequented your web page and thus far? I amazed with the research you made to create this actual submit incredible. Great activity! Reply hot fiesta game 14 يونيو، 2024 - 11:53 م Oh my goodness! Amazing article dude! Thank you, However I am going through issues with your RSS. I don’t know why I can’t subscribe to it. Is there anyone else getting identical RSS problems? Anyone who knows the solution will you kindly respond? Thanx!! Reply Теннис онлайн 27 يونيو، 2024 - 6:09 م Terrific post however , I was wondering if you could write a litte more on this topic? I’d be very grateful if you could elaborate a little bit more. Kudos! Reply Теннис онлайн 28 يونيو، 2024 - 2:17 م Remarkable! Its really awesome piece of writing, I have got much clear idea about from this article. Reply Теннис онлайн 29 يونيو، 2024 - 4:22 ص I am truly pleased to read this website posts which contains lots of helpful information, thanks for providing such information. Reply Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 7:19 م Hi my loved one! I want to say that this article is awesome, great written and come with almost all significant infos. I’d like to see more posts like this . Reply Теннис онлайн 1 يوليو، 2024 - 8:01 ص Article writing is also a fun, if you be acquainted with then you can write otherwise it is complex to write. Reply Прогнозы на футбол 2 يوليو، 2024 - 10:56 ص Great article! We will be linking to this great post on our site. Keep up the good writing. Reply Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 1:17 ص My brother suggested I might like this website. He was totally right. This post actually made my day. You cann’t imagine just how much time I had spent for this information! Thanks! Reply Прогнозы на футбол 4 يوليو، 2024 - 3:54 ص Does your website have a contact page? I’m having problems locating it but, I’d like to send you an e-mail. I’ve got some recommendations for your blog you might be interested in hearing. Either way, great website and I look forward to seeing it improve over time. Reply Прогнозы на футбол 4 يوليو، 2024 - 4:42 م I know this if off topic but I’m looking into starting my own blog and was wondering what all is required to get set up? I’m assuming having a blog like yours would cost a pretty penny? I’m not very internet savvy so I’m not 100% positive. Any tips or advice would be greatly appreciated. Cheers Reply Прогнозы на футбол 5 يوليو، 2024 - 5:13 ص I think this is one of the most important information for me. And i’m glad reading your article. But want to remark on few general things, The website style is great, the articles is really nice : D. Good job, cheers Reply мойка самообслуживания под ключ 5 يوليو، 2024 - 4:02 م Строительство автомойки под ключ – это выгодное вложение средств для начинающих предпринимателей. Компания берет на себя все этапы работ: от разработки проекта до запуска готового бизнеса. Reply мойка самообслуживания под ключ 6 يوليو، 2024 - 1:47 م Заказав автомойку под ключ, вы получите полностью готовый и оснащённый бизнес. Ваша мойка будет работать безупречно! Reply строительство автомойки под ключ 7 يوليو، 2024 - 4:27 ص “Автомойка самообслуживания под ключ” – оптимизированная, экологичная и прибыльная модель бизнеса. Вкладывайтесь в современные решения с нами! Reply мойка самообслуживания под ключ 7 يوليو، 2024 - 5:12 م Строительство автомойки под ключ – это наша доменная зона. Мы создаем проекты, которые приносят прибыль и радуют клиентов. Reply строительство автомоек под ключ 8 يوليو، 2024 - 4:56 ص Строительство автомоек под ключ – это возможность получить готовое к эксплуатации и прибыльное предприятие без лишних хлопот. Reply строительство автомойки 8 يوليو، 2024 - 4:27 م Строительство автомойки – это наша страсть. Мы гарантируем высокое качество работы и стремимся обеспечить ваш комфорт и удовлетворенность. Reply строительство автомоек под ключ 9 يوليو، 2024 - 4:15 ص Строительство автомойки под ключ – это наша доменная зона. Мы создаем проекты, которые приносят прибыль и радуют клиентов. Reply Прогнозы на футбол 9 يوليو، 2024 - 11:58 ص Hi just wanted to give you a quick heads up and let you know a few of the images aren’t loading correctly. I’m not sure why but I think its a linking issue. I’ve tried it in two different browsers and both show the same results. Reply Прогнозы на футбол 10 يوليو، 2024 - 10:01 م Hi my loved one! I want to say that this article is awesome, great written and come with almost all important infos. I’d like to peer more posts like this . Reply Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 11:45 م I have been surfing online more than 3 hours today, yet I never found any interesting article like yours. It’s pretty worth enough for me. Personally, if all website owners and bloggers made good content as you did, the net will be much more useful than ever before. Reply строительство автомойки 15 يوليو، 2024 - 8:34 ص Быстрое строительство автомойки – это наша специализация. Мы обеспечиваем высокое качество и готовность к открытию в кратчайшие сроки. Reply автомойка под ключ 15 يوليو، 2024 - 5:07 م Автомойка самообслуживания под ключ – это экономия времени клиентов и вашего вложения в персонал. Будущее за инновациями! Reply строительство автомойки под ключ 16 يوليو، 2024 - 1:41 ص Приобретая франшизу автомойки, вы получаете проверенную модель бизнеса с полным комплектом оборудования и постоянной поддержкой франчайзера. Reply автомойка под ключ 16 يوليو، 2024 - 10:08 ص 1Франшиза автомойки от нашей команды – это успешный бизнес с минимальными инвестициями. Давайте станем партнерами! Reply строительство автомоек под ключ 16 يوليو، 2024 - 6:57 م “Франшиза автомойки” от нашей сети – это готовое решение для старта вашего бизнеса. Мы предлагаем полную поддержку и профессионализм. Reply строительство автомойки 17 يوليو، 2024 - 3:58 ص Выбирая франшизу автомойки, вы получаете готовый бизнес-план, маркетинговую поддержку и постоянное обновление технологий. Reply строительство автомойки 17 يوليو، 2024 - 12:47 م Ищете надежного партнера для строительства автомойки? У нас есть качественные решения под ключ, чтобы сделать ваш проект прибыльным. Reply Jac Благовещенск 19 أغسطس، 2024 - 12:32 ص Wonderful web site. A lot of useful information here. I’m sending it to a few pals ans also sharing in delicious. And obviously, thank you on your effort! Reply theguardian 22 أغسطس، 2024 - 7:43 م I was wondering if you ever considered changing the page layout of your site? Its very well written; I love what youve got to say. But maybe you could a little more in the way of content so people could connect with it better. Youve got an awful lot of text for only having one or two images. Maybe you could space it out better? Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.