الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » فيكتوريا أوكامبو الأرجنتينية التي كرست ثروتها لقضايا الثقافة والنساء

فيكتوريا أوكامبو الأرجنتينية التي كرست ثروتها لقضايا الثقافة والنساء

by admin

انطلقت من بوينس آيرس فجمعت حولها مبدعي العالم ووقفت بحزم في وجه النازية والفاشية

اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب

يندر أن يقرأ المرء تاريخاً للثقافة الأميركية اللاتينية من دون أن يجد فيه ذكراً لتلك السيدة التي تحمل اسماً يكاد يكون شاعري الرنة: فيكتوريا أوكامبو. وكذلك الحال حين يقرأ المرء حوارات مطولة أو فصولاً من ذكريات كتاب عاشوا في بيونس آيرس أو غيرها من مدن القارة اللاتينية الكبرى في العصر الذهب للازدهار الثقافي فيها، دون أن يجد المتحدثين يذكرون تلك السيدة. بل إن ذكرها يتوسع ليشمل مدناً أوروبية رئيسة مثل مدريد وبخاصة باريس وبروكسل. فجميعهم، من بورخيس إلى كورتاثار وفاليري ومن غومبروفتش إلى دريو لا روشيل وأندريه مالرو ومن هم من طبقتهم وعلى شاكلتهم عرفوا تلك السيدة عن قرب وأحبوها إلى درجة أنها حين اعتقلت ذات مرة أيام حكم الديكتاتور خوان بيرون تداعى عشرات الكتاب والمفكرين من أنحاء العالم لتوجيه رسالة إلى السلطات الأرجنتينية تطالبها فيها بالإفراج عنها. ولم تجد تلك السلطات مفراً من أن تنصاع تحت ضغط تلك النخبة العالمية فتطلق سراحها خلال أقل من ستة وعشرين يوماً هي التي كان يمكن لها أن تقبع في السجون سنوات طويلة كما حدث لغيرها من المعتقلين في السجون البيرونية تلك الأيام. ومن اللافت أن كاتباً كبيراً هو ألبير كامو لم يكن من عادته توقيع ذلك النوع من العرائض والرسائل وقع الرسالة بل حتى اتصل بعشرات من كبار الكتاب الأوروبيين طالباً منهم التوقيع.

الإبداع المرفوض

ومع ذلك لم تكن فيكتوريا أوكامبو مناضلة سياسية عنيدة، ولا حتى مبدعة بالمعنى الصارخ للكلمة. وهي لئن كانت جربت الكتابة الروائية والرسم وما شابههما من ضروب الإبداع سرعان ما أدركت أن ذلك ليس مجالها. فاكتفت من الكتابة بنصوص عن حياتها واستعراض لأفكار كبيرة شغلت ذهنها وشهادات عن زمنها أصدرتها في عدد لا بأس به من كتب لعل أفصحها في التعبير عنها كتاب صدر بعد سنوات من موتها (عام 1979 عن 88 سنة) بعنوان “على سبيل الشهادة” سرعان ما ترجم إلى الفرنسية والإنجليزية ليعيد إلى الواجهة تلك التي ناضلت في سبيل الثقافة والمرأة والعدالة الاجتماعية والتقارب بين الحضارات، لا سيما بين أوروبا وأميركا اللاتينية، وبذلت جهدها ومالها لدعم مشاريع ثقافية وفكرية بين القارتين، ما جعل جورج لويس بورخيس أحد كبار أدباء الأرجنتين يقول عنها في خطاب تأبيني ألقاه في الأونيسكو بباريس عند تكريمها إثر رحيلها: “في زمن كما في منطقة من العالم، لم تكن فيهما المرأة سوى جزء من نوع، جرؤت فيكتوريا على طرح نفسها كإنسان فرد. وهي وصلت إلى تكريس ثروتها الطائلة كما جهودها الدؤوبة من أجل التعليم في هذا البلد وهذه القارة. وأنا شخصياً أدين بكثير لفيكتوريا لكنني أدين لها أكثر بوصفي أرجنتينياً”.

“السيدة – أبو الهول”

لكن بورخيس لم يكن الوحيد الذي يكن لها كل هذين الاحترام والممنونية. فبول فاليري كان يلقبها بـ”السيدة – أبو الهول” لعملها بصمت. ودريو لا روشيل أعلن لها أنه يخشى أن يغرم بها إلى الأبد، وروجيه كايوا لم ينس أبداً تأسيسها واحدة من أعظم المجلات الأدبية في فرنسا “الآداب الفرنسية”، ودعوته لإدارتها كي يوصل إلى الفرنسيين والأوروبيين ثقافة أميركا اللاتينية، وغومبروفيتش سيقول إنه كان سيستحيل عليه العيش في بوينس آيرس لولا وجود فيكتوريا فيها… وحتى رابندرانات طاغور الذي ارتبط معها بعلاقة شديدة الغموض، لم يتوان عن السفر من الهند إلى إنجلترا كي يلتقيها ويعيش إلى جوارها ردحاً من الزمن. والحقيقة أن هذا كله نجده في كتاب “على سبيل الشهادة” الذي بقدر ما تصف فيه فيكتوريا الحياة الثقافية التي عايشتها بين قارات عديدة ومدن أكثر عدداً، وثقافات لا تعد ولا تحصى، نجد فيه إشارات بديعة إلى علاقتها هي بتلك الحياة بل واتخاذها زمام المبادرة في العديد من الشؤون التي خاضت فيها ومن ذلك تأسيسها مجلة “سور” (الجنوب) التي نشر فيها بورخيس بين آخرين، العديد من قصصه ومحاضراته. كما نُشرت فيها نصوص رائعة لوالتر غروبيوس (حول الهندسة المعمارية) ودريو لا روشيل الذي ظل عشيقها حتى غاص في التعاون مع النازيين فلفظته.

حكاية مجلة استثنائية

في كتابها تروي فيكتوريا حكاية تأسيس تلك المجلة التي لعبت– ولاحقاً مع دار النشر التي أُلحقت بها وحملت نفس الاسم– دوراً هائلاً في انتشار كتابات أدباء أميركا اللاتينية. فتقول إن البداية كانت خلال محاضرة عن فن تشارلي شابلن التقت خلالها الكاتب الأميركي والدو فرانك الذي دعاها لزيارة الولايات المتحدة، وكانت النتيجة أن قامت طوال سنوات الثلاثين بعدة رحلات إلى ذلك “العالم الجديد” حيث التقت بعض كبار الكبار في الإبداع العالمي بدءاً من جاك لاكان ورامون ديلا سيرنا وسيرغاي إيزنشتاين والمعماري لو كوربوزييه… ولقد أطربتها تلك اللقاءات إلى درجة أنها حين سألت والدو فرانك عن أفضل الطرق لجمع كل هؤلاء الناس قال لها إن الوسيلة الأفضل هي إصدار مجلة ثقافية تحلقهم من حولها. ففعلت رغم أن أباها الثري نبهها إلى أن المشروع سوف يغرق ويغرقها معه. ولقد صدر العدد الأول يومها عند مفتتح عام 1931 في أربعة آلاف نسخة نفدت خلال أيام قليلة بين مدريد وباريس والأرجنتين.

كي تعبر المرأة عن ذاتها

إلى جانب ذلك راحت فيكتوريا تهتم بقضية المرأة فأصدرت عام 1936 دراسة بعنوان “المرأة وتعبيرها عن ذاتها” لقيت صدى واسعاً ما أدى إلى تأسيس “اتحاد المرأة الأرجنتينية” وكان التأسيس مناسبة أطلقت من خلالها فيكتوريا نداء للتضامن بين نساء العالم. وهو نفس ما سوف تفعله بعد حين وإثر اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية حيث وقفت إلى جانب الجمهوريين ضد فرانكو وفاشييه. وبعد ذلك حين اندلعت الحرب العالمية الثانية وقفت علانية ضد النازيين وساندت الحلفاء إلى درجة أنها حين حرر هؤلاء باريس عند نهاية الحرب العالمية الثانية، قادت في بيونس آيرس مظاهرات نسائية صاخبة لدعم الحلفاء. وهي تلك المظاهرات الشهيرة التي سارعت قوات الديكتاتور بيرون إلى قمعها… لكن الحلفاء لم ينسوا لها ذلك الموقف إذ سارعت الحكومة البريطانية إلى اختيارها من بين الأميركيين اللاتينيين جميعاً لتحضر محاكمات نورمبورغ ضد القيادات النازية حيث أُجلست في الصفوف الأولى ما جعل كاميرات العالم أجمع تصورها في لحظة مجد نادرة.

بين “الأنا” و”الأنت”

ولكن إذا كان العالم كله قد خص تلك السيدة للمناسبة باحترام وتقدير تستحقهما، فإن السلطات البايرونية التي ظلت فيكتوريا تحمل لها قدراً كبيراً من الاحتقار والعداء، راحت تراكم التقارير عنها، حتى اليوم الذي انفجرت فيه قنبلتان في ساحة “2 مايو” في العاصمة الأرجنتينية خلال تظاهرات احتجاج نظمها الاتحاد العام لعمال الجمهورية الأرجنتينية، فسارت الشرطة إلى اعتقال فيكتوريا متهمة إياها بالتواطؤ في ذلك… لكن كتاباً من أنحاء العالم كافة إضافة إلى التشيلية غابرييلا ميسترال حاملة جائزة نوبل للآداب والرئيس الهندي جواهر لال نهرو، احتجوا على ذلك كما أشرنا، ما دفع السلطات إلى إطلاق سراح السيدة التي كانت قد تجاوزت الستين من عمرها يومذاك. ومنذ ذلك الحين باتت فيكتوريا تعتبر من بين كبار “حكماء العالم” رغم تواضعها الذي تخفيه مثلاً تلك الكلمات التي وجهها إليها الكاتب الأرجنتيني خوليو كورتاثار يوماً قائلاً في تعليقه على عدم كتابتها إلا نصوصاً توثيقية وبحثية: “أنت لم تخافي يا سيدتي أبداً من “الأنا” وذلك ببساطة لأنك كنت دائماً متنبهة للـ”أنت”، هذا الضمير الذي يتخذ فيه ضمير المتكلم “أنا” كل معناه”…

أرستقراطية في ميدان الثقافة

بقي أن نذكر أن فيكتوريا أوكامبو ولدت عام 1890 في بوينس آيرس لعائلة بالغة الثراء ما مكنها من أن تتلقى كل دراستها بالفرنسية على عادة الأرستقراطيين الأرجنتينيين. وهي بدأت تنشر نصوصاً بحثية في عام 1924 بتشجيع من الفيلسوف الإسباني أورتيغا إي غاسيه، ما أدخلها حلقات الثقافة الفرنسية والإسبانية من باب عريض لكنها فضلت دائماً أن تكون راعية للفنون وللقضايا الإنسانية الكبرى على أن تكون مبدعة في تلك الأصناف الإبداعية التي جربتها لكنها سرعان ما تخلت عنها على عكس واحدة من أخواتها الست، سيلفانا، التي ستصبح لاحقاً واحدة من كبيرات كاتبات الأرجنتين.

المزيد عن: الأرجنتين\فيكتوريا أوكامبوأ\ميركا اللاتينية\بورخيس\خوان بيرون

 

 

You may also like

29 comments

먹튀검증사이트 31 يوليو، 2021 - 12:44 م

What’s up, always i used to check webpage posts here early in the
daylight, since i like to learn more and more.

Reply
먹튀 31 يوليو، 2021 - 12:47 م

My partner and I stumbled over here coming from a different page and thought I may as well check things out.
I like what I see so now i’m following you. Look forward
to looking over your web page yet again.

Reply
play roulette 31 يوليو، 2021 - 12:51 م

blackjack for mac
slot games online
top slot games for iphone

Reply
seo작업 31 يوليو، 2021 - 12:56 م

Hi to every one, as I am truly keen of reading this weblog’s post to be updated daily.
It consists of pleasant stuff.

Reply
실시간 바카라사이트 31 يوليو، 2021 - 12:57 م

I think this is among the most important info for me.

And i am glad reading your article. But want to remark on few general things, The site style is ideal, the
articles is really great : D. Good job, cheers

Reply
인증업체 토토 31 يوليو، 2021 - 1:03 م

hello there and thank you for your information – I have certainly picked up something new from right here.
I did however expertise several technical issues
using this web site, since I experienced to reload the
site many times previous to I could get it to load properly.
I had been wondering if your hosting is OK? Not that I am complaining, but
sluggish loading instances times will very frequently affect your
placement in google and could damage your high quality score
if ads and marketing with Adwords. Well I am adding this RSS to
my e-mail and can look out for much more of your respective interesting content.
Ensure that you update this again very soon.

Reply
먹튀정보 31 يوليو، 2021 - 1:06 م

I’ve been browsing online more than 2 hours today, yet I never found any interesting article like
yours. It is pretty worth enough for me. In my opinion, if all web owners and bloggers made good content as you did,
the net will be much more useful than ever before.

Reply
situs slot online terpercaya 2019 31 يوليو، 2021 - 1:12 م

This site was… how do you say it? Relevant!! Finally I’ve found something that helped me.
Thanks a lot!

Reply
free bizzare porno 31 يوليو، 2021 - 1:12 م

Howdy just wanted to give you a quick heads up and let you know a few of the images aren’t loading correctly.
I’m not sure why but I think its a linking issue. I’ve tried it in two different internet browsers and both show the same outcome.

Reply
ps4 games or 22 أغسطس، 2021 - 10:02 م

You actually make it seem so easy with your presentation but I find this topic to
be actually something which I think I would never understand.
It seems too complex and extremely broad for me. I’m looking forward for your
next post, I’ll try to get the hang of it!

Reply
where ps4 games 23 أغسطس، 2021 - 4:52 م

Magnificent beat ! I wish to apprentice while you amend your website,
how could i subscribe for a weblog web site? The account aided me a applicable
deal. I have been a little bit acquainted of this your broadcast offered bright transparent idea

Reply
what ps4 games 24 أغسطس، 2021 - 12:46 ص

This piece of writing offers clear idea for the new viewers of blogging, that genuinely how to do running a blog.

Reply
argumentative essay format 13 نوفمبر، 2021 - 6:59 م

I enjoy this website – its so usefull and helpfull. http://multiessay.com

Reply
casino no deposit free bonus 15 نوفمبر، 2021 - 8:40 ص

Terrific page, Continue the great job. Thanks
a ton! https://casinogamesmachines.com/

Reply
casino no deposit free bonus 15 نوفمبر، 2021 - 8:41 ص

Terrific page, Continue the great job. Thanks a ton! https://casinogamesmachines.com/

Reply
fun sex games to play with your girlfriend 18 نوفمبر، 2021 - 12:00 م

I love the details on your website. With thanks. https://winsexgames.com/

Reply
sex tease and deny games 19 نوفمبر، 2021 - 8:40 ص

Many thanks very valuable. Will share site with my buddies. https://sex4games.com/

Reply
sex tease and deny games 19 نوفمبر، 2021 - 8:40 ص

Many thanks very valuable. Will share site
with my buddies. https://sex4games.com/

Reply
illusion sex games 19 نوفمبر، 2021 - 3:23 م

How goes it, excellent web-site you’ve gotten here. https://sexygamess.com/

Reply
low calorie keto diet 20 نوفمبر، 2021 - 8:51 ص

thank so much for your internet site it assists a great deal. https://ketogendiet.net/

Reply
foods for keto diet 20 نوفمبر، 2021 - 1:30 م

Wow, gorgeous website. Thnx … https://ketogenicdietinfo.com/

Reply
keto diet while pregnant 20 نوفمبر، 2021 - 10:05 م

Regards for sharing your good website. https://ketogendiets.com/

Reply
keto sloppy joes 21 نوفمبر، 2021 - 10:02 ص

You’ve gotten one of the better sites. https://ketogenicdiets.net/

Reply
ocean resort online casino 9 يناير، 2022 - 7:35 م

Great web-site you’ve got in here. ocean resort online casino

Reply
free gay dating websites 11 يناير، 2022 - 5:28 م

bi guys dating gay guyfree gay dating websiteswhite gay liberal dating interracial to avoid
being seen as racist dating black gay ass gay senior dating san antonio

Reply
example of a toulmin essay 12 يناير، 2022 - 9:08 ص

appendix essay example writing a critical essay sample
current event essay example of a toulmin essay

Reply
ff tactics 24 slots 21 يناير، 2022 - 7:47 م

slots lounge myvegas slots facebook free slots to play ff tactics 24 slots

Reply
armor slots 2 فبراير، 2022 - 3:03 م

google free slots slotomania slots play slots for real money armor slots

Reply
slot gacor 31 يناير، 2024 - 8:19 ص

What a stuff of un-ambiguity and preserveness of valuable knowledge regarding unpredicted feelings.

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00