القرية الأوروبية (صفحة فيللاج - فيسبوك) ثقافة و فنون “فيرونا تهبط من التل” ترصد احتضار قرية أوروبية by admin 30 ديسمبر، 2024 written by admin 30 ديسمبر، 2024 26 ديمتري فيرهولست يعتمد الفن الروائي الحكواتي في بنيته الدائرية اندبندنت عربية / علي عطا بعد مرور سنوات طويلة، على رحيل زوجها منتحراً، تقرر “فيرونا”، وقد تخطت الثمانين عاماً من عمرها الهبوط من التل؛ حيث يقع منزلها؛ في صباح يوم قارس البرودة، يتبعها كلبُها، وهي تعرف أنها لن تستطيع العودة مجدداً، ومن ثم ستموت متجمدة من شدة البرد في ساحة قريتها المعزولة. تستعرض رواية “فيرونا تهبط من التل” (دار العربي – ترجمة محمد عثمان خليفة) مراحل حياة المرأة العجوز مع زوجها منذ أن قررا في شبابهما ترك المدينة بصخبها والعيش في بيت ريفي أعلى تل في قرية نائية. يتولى السرد راو عليم متوجهاً إلى جمهور غير معلوم، على طريقة الحكواتي؛ “فكرتْ مدام فيرونا في السمة الرئيسة لحياتها التي تنسل منها وتبتعد الآن عنها: الكلاب أحبَّت صُحبتها”. أما السارد فيتوجه إلى المحكي له واصفاً تلك المرأة بضمير المخاطب بقوله: “لن تجد مدام فيرونا مختلفة أي اختلاف عن صورة الأرملة التي كثيراً ما قرأتَ عنها في القصص أو سمعتها في النوادر… لها جسد وهبته لشخص لم يعد موجوداً. وعندما أنتشر خبر موتها غنى الرجال مدام فيرونا باقية”. ص 67. وفي سياق القصة الإطار يسرب السارد الكثير من الأفكار المتعلقة بخطر الإنسان على الطبيعة، بسبب نهمه المفرط، والشغف بالفن، والإخلاص في الحب، إلى ما لا نهاية، حتى بين الإنسان والحيوان: “الكلب هو من يختار صاحبه، حتى لو اضطره ذلك إلى الانتظار بصبر تحت المطر حتى تصدأ سلسلته ويقضي الأيام الطويلة هائماً على وجهه” ص 14. الأرملة والقرية يضفي السارد طابعاً أسطورياً على حياة بطلة الرواية، والمكان الذي ظلت مصرة على العيش فيه على الرغم من أنه كان يسير بانتظام نحو الانقراض طبيعة وبشراً. فقرية “آوسفيني” تحيطها ثلاثة تلال، ولا يتعدى تعداد سكانها أربعين شخصاً غالبيتهم من الذكور، ومن هنا يأتي سيرها نحو الفناء بمرور الزمن. وبقدر ما اهتم السارد بسيرة “مدام فيرونا”، جاء اهتمامه بسيرة تلك القرية التي كانت مجرد جزء من طبيعة خلابة تمرح فيها الطيور والحيوانات وتزدهر غابتها إلى أن حلَّ بها صياد، أتى من الشمال، وعندما لحق به الآخرون، كان عليهم التفكير في اسم للقرية”. ولعل الكاتب هنا يرمز بتلك القرية التي لم يحدد الدولة التي تنتمي إليها، إلى أوروبا ذاتها، بما تعانيه من شيخوخة. كانوا دائماً ما يغنون معاً أغاني شارل أزنافور، إلى أن استحالت مع مرور الزمن إلى أغانٍ رتيبة شيئاً فشيئاً، خصوصاً بعدما زحفت الشيخوخة إلى الجميع، وبات واضحاً أنه لم يعد هناك أمل في أن تنجب القرية أطفالاً يقع على عاتقهم استمرار عمرانها عندما يكبرون… “كانت الغابة مصدر دخل وفير ولكن المناجم أُغلقت فجأة واستحالت قبوراً صامتة لفدادين وفدادين من الغابات التي ضحوا بها مع عمال إيطاليين لم يعثروا لهم على أثر”. لقد دفنوا أحياء ذات صباح كارثي”وإضافة خلف التلال كانت تقع أقرب مدينة، وكان عمدة القرية يمارس عمله من مكتب في أحد أحياء تلك المدينة، “كان عضواً في حزب سياسي، وهذا لا يعني الكثير هنا، حيث تشرق الشمس على الكاثوليكي والاشتراكي والليبرالي وكل صاحب مذهب بالقدر نفسه”. الرواية بترجمتها العربية (دار العربي) جاهدت “مدام فيرونا” التي كانت في شبابها معلمة موسيقى، للتغلب على مصاعب شيخوختها ترملها المبكر، بأن حافظت على ذكرى زوجها “مستر بورتر”، الذي كان بمثابة أستاذ لها في معهد الموسيقى، وقاومت إغراءات الارتباط برجل آخر يؤنس وحدتها، وواصلت شغفها بإيواء الكلاب الضالة الذي لازمها منذ أن كانت طفلة، وحتى اللحظات الأخيرة من عمرها المديد. يمر بالقرية نهر “يتخذ مساره مثل أفعى”، لن وعورة التلال الثلاثة التي تحيطها تجعل الوصول إليها صعباً للغاية خلال فصول الشتاء القاسية. وهكذا كان يصعب على سكانها أيضا بلوغ المدينة على الأقل للتداوي عند المرض، ولذلك اعتمدوا على طبيبة بيطرية من أهل القرية ذاتها لتعالجهم هم وليس حيواناتهم التي كانوا يتولون بأنفسهم تتطبيبها عند اللزوم! كانت الطبيبة لونيت ابنة بائع الصحف أول امرأة من تلك القرية تحصل على شهادة جامعية، وعلى الرغم من تخصصها في الطب البيطري إلا أنها وجدت نفسها وقد تحولت إلى طبيبة بشرية، لا تحافظ على أسرار مرضاها في قرية لا تضم سوى عدد قليل جداً من البيوت. وعلى نحو غامض، يمكن استناج أن هذه القرية جزء من دولة أوروبية عرفت في بداية زمن الأحداث حكماً مستبداً، ومن ذلك تأكيد السارد أنه لم يكن مسموحاً للناس بمشاهدة الأفلام في دور السينما قبل أن تجيزها “لجنة الرقابة”. وعلى أية حال فإن السينما الوحيدة في تلك القرية أزيلت شاشتها “بعد أن انتفخت وتدهور حالها، ومن ثم فإنها تحولت إلى مكان لتجمع أهل “آوسفيني” للسمر، خصوصاً بعدما بدأت “سيسيل دي لا شارلوري” استغلال المكان لتقديم وجبات، “أثارت فينا بهجة حتى أننا تشككنا في أنها سعادة لا تنتهك” ص 27. وفي الاقتباس ما يشير إلى أننا بصدد سارد داخلي، من أهل المكان، ويمضي السرد في الرواية؛ على الوتيرة ذاتها، من بدايتها لنهايتها؛ متكئاً على تقنية الاسترجاع. الشجرة التشيللو وإلى جانب وجبات “دي لا شوري”، تطوع رجل يدعى “غوردون” لإدارة بار في مقصف السينما القديمة ذاتها، لبضع ساعات كل أسبوع. كانوا يعيشون على الزراعة وصيد الأسماك ورعي الأغنام والأبقار. تربط أربعة طرق عسيرة التل ببقية العالم؛ ومن بين هذه الطرق الأربعة، اختارت “مدام فيرونا” في ذلك اليوم من شهر فبراير، النزول من أصعبها؛ “درب الغابة”. تلك النقطة يعود إليها السارد تقريباً في موضع ما من مواضع 17 فصلاً يتألف منها متن هذه الرواية، الأقرب إلى النوفيلا، فهي لا تزيد عن 141 صفحة من القطع الوسط. وعبر ما يسترجعه السارد نفسه من أحداث سبقت حدثها المركزي هذا، سنعرف أن “مسيو بورتر”، قرر أن يشنق نفسه على إحدى أشجار الغابة التي يطل عليها بيته أعلى التل، بعدما علم أنه لا أمل في أن يشفى من مرض السرطان. ترك بوتر قصيدة يرثي فيها نفسه ويبث زوجته آيات حبه، مطلعها كالتالي: “لا أريدك أن تتمهلي وقت أن يحين أجلي / دثريني؛ لا بأس، هذا في حد ذاته يكفيني” ص 43. وكان قبل اتخاذه قرار الانتحار، قد جمع تلاً من الحطب لتستخدمه أرملته في التدفئة. وبآخر حزمة من هذا الحطب، تشعل “مدام فيرونا” الموقد في البيت، وتصطجب آخر كلب اقتنته ليهبطا من التل الوعر، من دون نية من جانبها على الأقل لصعوده مجدداً بمساعدة أهل السفح. ستقرر “مدام فيرونا” قطع الشجرة التي شنق زوجها نفسه عليها، وفي بالها أن تعهد إلى أحدهم بأن يصنع من خشبها آلة تشيللو. سيخبرها الصانع الماهر أولا أن ذلك الخشب غير مناسب، وأمام إصراراها سيطلب منها أن تخزنه لعشرين عاماً، حتى يصبح صالحا لصنع تشيللو غير جيد، فتوافق. وفي مساحت عديدة من المتن، يطرح الراوي، أفكار الجميع وهواجسهم، ويعلق عليها، بل ويضفر في النسيج أفكاره هو، التي هي ربما تكون أفكار الكاتب نفسه. ومن ذلك ما يورده عن مشاعر أهل القرية تجاه “مدام فيرونا” وإشفاقهم عليها لإصرارها على العيش في منزل، لم تدم السعادة فيها طويلاً أبدا، حتى بالنسبة إلى من سبقوها إلى سكناه: “ليس الشعور بالوحدة هو الذي سيذهب عقلها، فهي لم تعان من ذلك على الإطلاق. سيذهب عقلها ضحية اختيارها العزلة بإرادتها؛ لأنها ظنت أنها لن تحظى بخلوة مع توأم روحها إلا باستمرار وحدتها” ص 125. المزيد عن: روايةترجمةروائي بلجيكيالموتالشيخوخةالسردالحكواتيالمأةالزوجالمدينة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post في “الشتاء الطويل” لإسماعيل كاداري خطأ صغير يصنع تاريخا كبيرا next post ديان سوس الصوت الأجرأ في المشهد الشعري الأميركي You may also like الإيزيديات الأسيرات يتحررن شعرياً في “يوتوبيا بحجم الكف” 2 يناير، 2025 مخرج كشميري يتحدى سردية بوليوود حول إقليمه المضطهد 2 يناير، 2025 تولستوي الصغير يكتب روايته بعيدا من الأرض الروسية 2 يناير، 2025 أي علم اجتماع عربي بعد ابن خلدون؟ 1 يناير، 2025 كالديرون الكاتب والقسيس الإسباني النهضوي يحير جمهوره 1 يناير، 2025 استعادة تفكير الفيلسوفة هانا أرندت في ما يحدث... 1 يناير، 2025 حقوق الملكية الفكرية تسقط عن أعمال فوكنر وهمنغواي... 1 يناير، 2025 ميكائيل أنجلو أمل رفض شروطه لرسم سقف كاتدرائية... 1 يناير، 2025 أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً… الخاسرون والرابحون 1 يناير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: قطع أثرية يونانية من... 1 يناير، 2025