اللورد بايرون وجوزيبي فيردي: بينهما قصيدة ولحن أوبرالي (اندبندنت عربية) ثقافة و فنون فيردي استعار أوبرا “القرصان” من لورد بايرون ثم نبذها by admin 20 مارس، 2025 written by admin 20 مارس، 2025 20 حين اختفت حماسة اللحظات الأولى فباتت الألحان البديعة من نصيب أوبرا “عايدة” اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هناك عمل أوبرالي في المسيرة المبكرة للموسيقي الإيطالي جوزيبي فيردي، لم يحبه هذا الأخير كثيراً ولكن ليس منذ البداية، بل منذ التقديم الأول للعمل في عام 1848، حين كان افتتاح عروضه على خشبة المسرح الرئيس في مدينة تريستا الإيطالية. قبل ذلك كان كما سيذكر بنفسه شديد الحماسة لذلك العمل، خصوصاً أنه كان يجمعه بواحد من كبار شعراء بدايات ذلك القرن، الإنجليزي اللورد بايرون، ومن حول “قضية أوروبية مشتركة واحدة” هي القضية المتعلقة بـ”الكفاح الفني وأكثر من فني: قضية النضال ضد العثمانيين الذين يشكلون واحداً من الأخطار الأكثر فداحة التي تحيط بالعالم المتمدن”. وكانت سمعة بايرون في ذلك الزمن تقوم على شعره، ولكن أكثر من ذلك، على مجابهته الأتراك دفاعاً عن القضية اليونانية، وصولاً إلى اعتباره شهيداً في ذلك المضمارن وراحت تدور أسطورة تفيد بأنه قتل خلال المعارك مع أنه مات في الحقيقة بفعل مرض ألم به قبل أن يمتشق سلاحه ويخوض ذلك القتال. غير أن قوة الأسطورة كانت حاسمة ووصلت إلى فيردي الذي بنى حماسته عليها، فكانت تلك الأوبرا التي لحنها انطلاقاً من قصيدة لبايرون عنوانها “القرصان”. لكنه سرعان ما ندم بعد العروض الفاشلة في تريستا وقرر أن يلغي “القرصان” من حياته ومساره الفني، ولكن الموسيقى التي وضعها للأوبرا، تحت وطأة إيمانه السابق بجدارة القصيدة راحت تلح عليه. فماذا فعل؟ ببساطة فكك ألحان الأوبرا ليضم لاحقاً، وعلى فترات وفي أعمال له متقطعة، تلك الألحان متفرقة إلى تلك الأعمال اللاحقة بمعنى أن “القرصان” اختفت تماماً بالنسبة إليه. عودة “القرصان” ومهما يكن من أمر، حتى وإن كان جوزيبي فيردي محا “القرصان” من تاريخه بعد التقديم الأول الذي أتى على أية حال متأخراً نحو خمسة أعوام عن تلحينه لها، فإن الخلف استعاد العمل في القرن الـ20 ليجعل من تلك الأوبرا عملاً ينتمي إلى موسيقى فيردي الكبيرة بأكثر مما ينتمي حقاً، إلى شعر بايرون. بل أن الإنجليز الذين لم يكفوا عن تبجيل القصيدة صرفوا النظر عن كينونتها الأوبرالية، على رغم احترامهم الكبير لفيردي الذي يشعرون دائماً بالامتنان لكونه كان المنافس الرئيس لريتشارد فاغنر طوال القرن الـ19 وتحديداً في مضمار التلحين الأوبرالي، فأغناهم عن البحث عن منافس آخر للألماني في صفوف الموسيقيين الفرنسيين الذين لم يكونوا يقدرونهم حق قدرهم. والمهم هنا هو أن الإنجليز حين يتحدثون عن “قرصان” اللورد بايرون، نادراً ما يأتون على ذكر فيردي في المناسبة. أما حين يكون عليهم تذكر ذلك العمل الأوبرالي لمناسبة ما، فإنهم يتجاهلون كونه تحول إلى أوبرا إيطالية. وينسون بالطبع، أو يتناسون تلك الحماسة الأسطورية التي كان الموسيقي الإيطالي يبديها حين “اكتشف” القصيدة البايرونية وعكف على تلحينها! طبعة قديمة من قصيدة “القرصان” للورد بايرون (أمازون) من الحماسة إلى الخيبة المهم أن أوبرا “القرصان” لئن كانت بنيت انطلاقاً من تلك الحماسة التي استشعرها فيردي تجاه قصيدة الشاعر الإنجليزي، فإنه بالطبع اشتغل على تلحين العمل، انطلاقاً من نص شعري ترجم القصيدة للإيطالية من إنجاز فرانشسكو ماريا بيافي، عمد فيه هذا الأخير إلى إيجاز القصيدة الطويلة المؤلفة أصلاً من ثلاثة أناشيد نظمها بايرون ليحكي فيها مغامرات بطله كونراد في قالب يمكن اليوم حتى التساؤل أصلاً حول مدى جدية بايرون في كتابته. ولعل من حظ بايرون أن هذه الحقيقة الأخيرة غالباً ما تنسى في أيامنا هذه، فلا يذكر الناس من “القرصان” سوى كونها أوبرا مبكرة لفيردي. فعم يحكي هذا العمل، شعراً إنجليزياً وأوبرا ايطالية؟ يحكي، في كل اختصار عن أجواء الشرق وعوالمه، وهي أجواء كانت في زمن بايرون عزيزة عليه، لتضحى في زمن فيردي عزيزة على فيردي. ومع ذلك يمكن القول إن الفارق في النظرة إلى الشرق إنما يمثل في الفارق بين أناقة نص اللورد بايرون، وشعبوية الرؤية المسيطرة على أوبرا فيردي. ويتمحور موضوع “القرصان” في اختصار، من حول حاكم تركي يدعى سعيد باشا، يتولى الحكم على مجموعة من جزر أرخبيل يوناني يقع إلى الشرق في البحر الأبيض المتوسط، لكنه الآن يستعد لشن حملة على مجموعة من الجزر اليونانية الأخرى. وفي الوقت الذي ندخل قلب الأحداث، يطالعنا المغامر الأفاق كونراد الذي يتولى عادة السطو على السفن التي يشاء لها سوء الطالع أن تمر في المكان. صحيح أن كونراد رجل شرير، لكنه لا يخلو من الرغبات البطولية، ناهيك بأنه لأسباب عدة يكن إزاء الاتراك، لا سيما الحكام منهم، عداء شديداً. لذلك حين يتناهى إلى علمه أن الباشا سعيد يجمع رجاله وسفنه ليقوم بحملته، يودع حبيبته ميدورا، ويتسلل إلى المعسكر الذي حشد فيه الباشا قواته وسفنه. من قتل سعيد باشا؟ حين يصل كونراد إلى المعسكر يطلب أن يؤخذ إلى حضرة الباشا، بعدما كان سبق له أن دبر أمر تسلل عدد من رجاله إلى داخل المعسكر. أمام الباشا يزعم كونراد أنه درويش، مدعياً أن القراصنة كانوا خطفوه وساموه ضروب العذاب. ويصدق الباشا حكاية كونراد آمراً مساعديه بإيوائه وإطعامه، في وقت كان القرصان المغامر يدبر مؤامرته ضد الباشا في الخفاء، وهكذا يندلع حريق في المعسكر ينتقل إلى سفن الباشا الراسية غير بعيد من المعسكر. لكننا سرعان ما ندرك أن الحريق المدبر أصلاً كجزء من خطة كونراد للإيقاع بالباشا التركي وإلحاق الهزيمة به على طريق تحرير الأرخبيل اليوناني ووأد هجومه المزعوم، أتى سابقاً لأوانه، مما أدى من ناحية إلى جعل الضرر الذي لحق بمعسكر الباشا وسفنه، جزئياً، ومن ناحية ثانية إلى افتضاح أمر المؤامرة. وكان كونراد أصيب بجروح وحروق عدة، وبخاصة حينما أبت عليه شهامته إلا أن ينقذ غولنار، محظية الباشا المفضلة، من الحريق قبل أن يعتقل ويأمر الباشا بإعدامه. وكاد هذا الأمر أن ينفذ لولا أن غولنار، – التي لم تكتف بأن تشعر بالامتنان تجاه كونراد، لأنه أنقذ حياتها، بل أغرمت به أيضاً -، لولا أنها تساعده في الفرار. ثم تحاول أن تغريه بقتل الباشا، لكي يتسنى لهما الهرب معاً، لكن كونراد لم يرد أن يلطخ يديه بدماء الباشا، لذلك يرفض الاستجابة لطلب غولنار، فلا يكون منها إلا أن تقتل سعيد باشا بنفسها ثم تفر مع قرصانها المحبوب هرباً من المكان، ومن مطاردة جنود الباشا لهما. ويصل الاثنان إلى جزيرة تشكل بر أمان بالنسبة إليهما، غير أن كونراد لا يلبث أن يعرف في الجزيرة أن حبيبته ميدورا ماتت حزناً عليه، لأن أحداً كان زعم أمامها أن كونراد مات حين أمر الباشا سعيد بإعدامه. وتكون النتيجة أن كونراد، منذ تلك اللحظة يستبد به ندم شديد، ويختفي تماماً عن الأنظار تاركاً غولنار لمصيرها هائماً على وجهه. عالمان لا يلتقيان في الحقيقة أن فيردي (1812 – 1901) كان من ناحية مبدئية أميناً في نقل الأحداث التي كرس لها بايرون قصيدته تلك، غير أن تلك الأمانة التي اشتملت على إبداع حقيقي في استخدام ألحان كانت ذاكرة فيردي “الاستشراقية” اختزنتها بغية استخدامها في عمل “استشراقي” بدوره، كان يحلم به منذ زمن ويريد منه، من طرف خفي على أية حال، أن يكون خاتمة ومن ثم بداية لمرحلة موسيقية جديدة في مساره الإبداعي، تلك الأمانة لم تجد الأوبرا نفسها نفعاً. وذلك بالتحديد لأن المعاني الفكرية التأملية التي كان بايرون يريد إيصالها إلى قارئ شعره وتنطلق من تأمل في “المسألة الاستشراقية”، تقف عكس التيار من المفاهيم التي كانت سائدة في ذلك المجال. وكان من غير الممكن للعمل الأوبرالي أن يتوصل حقاً إلى إيصال تلك التأملات التي تأخذ مسألة العلاقات المتشعبة بين الشرق والغرب على محمل جدية لا تتحملها الأوبرا بصورة عامة على رغم كل الجهود التي بذلها فيردي لضخ العمل بألحان كان من الطبيعي له إزاء شعوره بالإخفاق ألا يرميها في سلال المهملات، ومن هنا نراه يعود لها، إمعاناً في تجاهل “القرصان”، ولا سيما في تلحينه لمقدمة أوبراه الكبرى “عايدة” بعد ذلك بعقود طويلة باعتبارها العمل الموسيقي الذي أوصل نوعاً معيناً من “الإبداع الاستشراقي” إلى ذروة غير مسبوقة، بيد أن هذه حكاية أخرى بالطبع. المزيد عن: الفن الأوبراليجوزيبي فيردياللورد بايرونالحرب العثمانية اليونانيةريتشارد فاغنر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “سي آي أيه” سعت إلى التحكم في المعلومات حول اغتيال كينيدي أكثر من كشفها next post نوام الإسرائيلية المعتدلة متهمة بالخيانة في فيلم “بئسَ هذا التعايش” You may also like في يوم الشعر العالمي… تطورت أشكال القصيدة لكن... 20 مارس، 2025 كسر “الإله” أدونيس 20 مارس، 2025 نوام الإسرائيلية المعتدلة متهمة بالخيانة في فيلم “بئسَ... 20 مارس، 2025 مهى سلطان تكتب عن: أنسيلم كيفر ابن الثمانين... 19 مارس، 2025 حين غيبت أخبار الحرب رحيل رومان رولان 19 مارس، 2025 الحقوق السياسية للمرأة من منظور نسوي تاريخي 18 مارس، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: العصر العباسي الأول… المفارقة... 18 مارس، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: آنيتان من مقبرة سار... 18 مارس، 2025 هؤلاء الفلاسفة المسلمون الذين نعود اليهم دوما 18 مارس، 2025 “قراءة غير ملزمة” يكشف الجانب الخفي من النوبلية... 18 مارس، 2025