الإثنين, يناير 13, 2025
الإثنين, يناير 13, 2025
Home » فوزي ذبيان عن : “حائط خامس” لعباس بيضون… والقراءة في فعل القراءة

فوزي ذبيان عن : “حائط خامس” لعباس بيضون… والقراءة في فعل القراءة

by admin

كقارىء سيىء، يستحضر الأرواح المختفية بين ثنايا السرد (necromancer)، أقول: يتخلّل نص عباس بيضون نقد هائل لتجربة السلاح الفلسطيني في لبنان والذي شرعنه اتفاق القاهرة في العام 1969 برعاية جمال عبد الناصر كتعويض عن هزيمته في حزيران 1967

المدن \  فوزي ذبيان

لست أدري إذا ما كانت هذه المادة هي قراءة في رواية “حائط خامس” لعباس بيضون، أم أنها قراءة في فعل القراءة. مرة سألتُ صديقي عباس: لماذا لا تكتب مذكراتك؟ فردّ بالقول إن حياته مبثوثة في كل ما يكتب. لذا، قد تكون هذه المادة أيضاً قراءة، ليس في محض القراءة أو في الرواية موضوع المادة، إنما أيضاً في حياة الرجل وفي إعادة النظر الجذرية التي أجراها عباس حيال هذه الحياة، كما تمثلتُ أنا “القارىء السيىء” لرواية “حائط خامس”. ففي كتابه البديع، “في مديح القارىء السيئ”، يقول الباحث الفرنسي مكسيم ديكو: أن تتصرّف كقارىء سيىء يعني أن ترفع عقيرتك مطالباً بحريتك كذاتٍ منفلتة أثناء فعل القراءة.

كقارىء بمنتهى السوء، استدعي الحائط في عنوان رواية بيضون جملة من الغرف والجدران التي قد تناوبتْ في ذهني، بدءاً بغرفة جان بول سارتر الشهيرة، إلى تلك “الغرفة التي تخص المرء وحده” لفرجينيا وولف، ثمّ جدران “غرفة المريض المثالية” للياباني يوكو أوغاوا، فالجدران السائبة في صحارى إبراهيم الكوني، ومؤخراً غرفة نور حطيط الضيقة والخالية من الجدران (عمل قيد النشر).

يقول رولان بارت إن العمل الأدبي يقترح، والقارىء يتصرّف. وحيال حائط عباس بيضون، تراني كقارىء سيىء قد لا أجيد التصرف إذا كان حسن التصرف يقتضي أخذ السرديات المتوارثة حيال الكفاح والنضال بعين الموافقة والإعتبار… واعذروني سلفاً لكثرة الأسماء التي ستتقافز في هذه المادة، إذ حيال القراءة في فعل القراءة، تراني أقرب إلى كرة تتدحرج من جنة خورخي لويس بورخيس الحافلة بالكتب، وصولاً إلى قاع الجحيم الذي قد خطّه دانتي!

ماذا يقترح عباس بيضون في عمله الروائي هذا عليّ، كواحد من شذاذ آفاق القراءة؟ لا يقترح أي شيء، لكنه بالأحرى يُلمّح، نعم هو يومىء بإشارات أقرب إلى الإستيحاء، يومىء إلى كم هائل من الأمور القارة في خبايا النص وغرفه السرية.

الأرواح المختفية بين ثنايا السرد
ثمة مَنْ قال مرة إن العمل الأدبي بجملته لا يتعدى في بعض المرات أن يكون جملة واحدة تتراكم من حولها السطور والمقاطع والفصول، وتتشعّب الأحداث والحوارات. لن أجازف وأقول إن ثمة عبارة واحدة راكمتْ كل العبارات الأخرى في رواية “حائط خامس”، بيد أن ثمة عبارات، وأغلبها بالعامية اللبنانية، شكّلتْ عندي ما يشبه خريطة مآربي من هذه الرواية. وبالعودة إلى “في مديح القارىء السيىء”، فإن هذا القارىء “غالباً ما يكون شخصاً من النوع الذي تحركه أهواء وانفعالات تفلت عن السيطرة، فهو غالباً ما لا يتورّع عن انتهاك حرمة التابو… على نحو يمكّنه من أن يستخلص نصوصاً شبحية لا تخطر في البال”. فما هي تلك الأشباح التي صير إلى استحضارها عبر تلك الجمل القليلة التي راكمت “حائط خامس”؟

كقارىء سيىء، يستحضر الأرواح المختفية بين ثنايا السرد (necromancer)، أقول: يتخلّل نص عباس بيضون نقد هائل لتجربة السلاح الفلسطيني في لبنان والذي شرعنه اتفاق القاهرة في العام 1969 برعاية جمال عبد الناصر كتعويض عن هزيمته في حزيران 1967. يتلوى نص عباس بيضون، يمنة ويسرة، إبان همسه في هذا الأمر، بل تراه في بعض المطارح أقرب إلى خفوت يكاد يلازم الصمت… إن كل الكفاح العسكري تحت تلك العناوين البراقة حيال فلسطين، لا يعدو أن يكون طواحين هواء بعد هزيمة حزيران، هو نمط من السيزيفية العربية التي لم تجرّ على المجتمع اللبناني إلا المصائب والحروب والويلات. تشي الرواية بما يشبه الرغبة الغامضة في الموضعة في أفق يغاير كلياً كل سرديات اليسار التي شكّلت الوعي السياسي لعباس بيضون، تلك السرديات التي اختصرتها الرواية ببثها هذه العبارة الشيقة والتي تشير إلى طبيعة اجتماعات تلك الجماعات اليسارية تاريخياً… “الاجتماع الحزبي نوع من البطالة” كما جاء في الرواية موضوع النقاش. ويبلغ هذا النقد مداه في ذلك المقطع الذي يشي بسخرية مكتومة ويورد رغبة أهل القرية من المسلمين بتوزيع أراضي مسيحيي القرية على فقرائها من هؤلاء المسلمين بعدما غادر جماعة الصليب قريتهم إلى جونيه والأشرفية عقب حادثة عين الرمانة في نيسان 1975، حيث ثمة تماه أخرق مع تجربة الإشتراكية الطوباوية، كما صيغت في أدبيات التجربة اللينينية وغيرها من التجارب التي… ولن أزيد كلمة واحدة حيال هذا الأمر.

ماذا أستطيع أن أفعل؟
في نقده للقارىء المنضبط، يورد آلبرتو مانغويل في كتاب “فن القراءة”، مقطعاً من مذكرات أحد الحاخامات، “كان النبي داوود موهوباً – يقول هذا الحاخام – وعرف كيف يؤلّف المزامير أما أنا – يسائل الحاخام نفسه – ماذا أستطيع أن أفعل؟ ليردّ بالقول: أستطيع أن أتلوها بانتظام. القراءة السيئة لا تخضع لانتظام الجماعة ولِما يفي سرديتها من هدهدة وطبطبة واسترخاء، بل أن هذه القراءة هي نمط من الإنتهاك، بل لعلها ذريعة وافية ليكون للمتلقي نصه الخاص حيال التوافق الأجدب للجماعات مع سردياتها المتخيلة تلك، بل حيال النص الأصلي الذي يقبع بين يديه. بالتالي تراني أبث صديقي عباس ما يلي: لقد تأخّرت يا عباس في قرع مزاميرك في سماء الجنوب الذي تحبّ. فهذا الجنوب أصبح الآن عصياً جداً على الإتيان بمثل الشيخ عبد الرحمن، شيخك الرائع في “حائط خامس”، وقد عجّ هذا الجنوب برجال الدين الذين هم فقط في خدمة الموت إذا أردنا أن نستعير بعضاً مما جاء في روايتك.

كان موريس بلانشو يقول إن الكتاب لا يُصنع لمحض الإحترام والتوقير، لا سيما عندما يجري فعل القراءة تبعاً لهواجس وميول وعواطف تعكسها مآلات الأحداث التي يتناولها هذا الكتاب. وانطلاقاً من هذه الهواجس تراني كقارىء سيىء أرى الحائط في عنوان الكتاب بمثابة تكثيف رمزي لرغبة هائلة بالقفز وبالفرار، القفز من خلف كل جدران السرد بغية إلقاء القبض على بعض شخوص الرواية التي فرّت من الكتاب على غفلة من الكاتب. كان الأرجنتيني ماسيدونيو فرنانديز، يعاني أثناء كتابة رائعته “متحف الرواية الأبدية”، بسبب فرار شخصيات روايته من داخل ذهنه للتسكع في مدن الأرجنتين. أما مدينة عباس بيضون الأثيرة، مدينتنا بيروت، فقد كفّت عن أن تكون مدينة “إنما ضاحية كبيرة لمدينة لم تعد موجودة” كما جاء في الرواية موضوع هذا المقال… فأين المفرّ؟!

يقول ديكو في كتابه المذكور أعلاه، إن القارىء السيىء هو الظل الذي تتوخاه المدينة لأنه لا يبالي بشيء، تراه أقرب إلى اللصوص وقطّاع الطرق والحواة والسَّحَرة، وأولئك الذين يسيرون فوق الحبال بخفة، وهو أيضاً كرجال الشرطة والمحتالين والبصاصين الذين يدبرون المؤامرات. لذا تراني محل رغبة عارمة كي أحتال على النصوص التي بثها عباس بيضون في عمله هذا، حول الشعر والشعراء، بأن أركّز بالتحديد على هذه العبارة التي تسللت إلى متون الكتاب: “الشاعر… إنه خارج الخدمة”.

يخبرنا تاريخ هذه البلاد أن قصر الملك فيصل ابن الحسين كان يمور في الشام برجال العشائر من الشعراء، قبل هزيمة ميسلون وأثناء المعركة وبعد الهزيمة بأيام… نعم، لماذا لا يكون الشاعر هو العنوان الآخر للهزيمة؟

ربما قَول عباس بيضون أن الشاعر هو خارج الخدمة في السياق الذي مرّتْ فيه العبارة، هو رغبة من بيضون بالذات في مماهاة كل “شعراء فلسطين”، وذلك التغني بالجداول ورائحة الليمون والتلال وبشكل خاص الأشواق. مماهاتهم بشعراء هزيمة ميسلون، مماهاتهم بالهزيمة بإطلاق. وربما لهذا لم يتوان صاحب “حائط خامس”، وفي الصفحات الأخيرة من الرواية، وعبر إحدى الشخصيات، عن تقديم ما يشبه المانيفستو الشعري المغاير والذي يزيح بموجبه هَمّ الشاعر إلا عن فرديته المطلقة باعتباره كائن الكون بالمعنى الذي ذهب إليه هيدغر الموجود بوفرة في هذا المحل من السرد، وإن كان ثمة مسكوت عنه يشارك هيدغر في هذا المحل من الرواية، عنيت به هنري ميشونيك في نصه الشهير جداً عن الشعرية، فضلاً عن نص آخر نُشر في غابر الأيام بالصفحة الثقافية في جريدة “السفير” أو جريدة عباس بيضون كما كنت أسمّيها لدى تلقفي ملحقها الثقافي كل يوم جمعة بالتحديد.

ينهي ميشونيك نصه المنوّه عنه أعلاه بالقول: إن الأعمال التي تدوم هي تلك غير المكتملة… وربما عدم اكتمال “حائط خامس” بحدث ينهي كل مآلات السرد، هو دعوة من كاتبها لتعقّب أثر شخصيات أخرى تتسكع خفية في الضواحي ولم يتطرق إليها عباس. شخصيات أخرى لا تتورع عن التحديق في عيون الآخرين، والإعلان مثلاً أنها مجنونة، كقول أحدهم على سبيل المثال: اسمي حسين، أبلغ من العمر 21 عاماً وأنا مجنون… كما ستقرأون في التالي من الأيام عن شبان من الضاحية… عن مجموعة من الشبان.

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00