_الترانسإنسانية_ رؤية تعترف أن الإنسان ليس كاملاً (وسائل التواصل) ثقافة و فنون فلسفة “الترانسإنسانية” تعمل على تحسين البشرية عبر العلم والتكنولوجيا by admin 21 مايو، 2025 written by admin 21 مايو، 2025 60 الفكرة الأساسية لهذا التيار تتمثل في قدرة الإنسان على تجاوز ذاته من خلال الحتمية التقنية اندبندنت عربية / مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كاتبة وباحثة @MARLKANAAN في مطلع القرن الـ21 بدأ مفهوم “الترانسإنسانية” أو التحول الإنساني يكتسب تأثيراً متزايداً، بسبب من تقدم التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي والروبوتات والطب التجديدي. والتحول الإنساني فكر فلسفي بدأت تباشيره تلوح منذ أواخر خمسينيات القرن الـ20، حين نشر جوليان هكسلي، عالم الأحياء والمفكر البريطاني، مقالة بعنوان “زجاجات جديدة لنبيذ جديد” (1957)، تحدث فيها عن انتقال الإنسان إلى ما بعد الإنسان. التحول الإنساني يدعي إمكان تحسين الإنسانية من خلال العلم والتكنولوجيا، مقترحاً تحرير الإنسان من حدوده البيولوجية والتغلب على نقاط ضعفه كالمرض والموت. الفكرة الأساسية لهذه الفلسفة تتمثل في قدرة الإنسان على تجاوز ذاته من خلال الوسائل التقنية التي تتطور بسرعة مذهلة في تجاهل تام للحتمية الطبيعية والخلقوية. قديماً تحدث كانط في كتابه “الأنثروبولوجيا من وجهة نظر براغماتية” عن أنثروبولوجيا “فيزيولوجية” تصف ما تفعله الطبيعة بالإنسان، وعن أنثروبولوجيا “براغماتية” تصف ما يفعله الإنسان بنفسه. هذه الإمكانية الثانية هي بحسبه ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات، إذ يمكنه أن يؤثر في ذاته على المستوى الأخلاقي من خلال تغيير ظروف حياته. مفهوم التحول الإنساني شكلت هذه الفكرة تربة خصبة لمفهوم التحول الإنساني، ولو كانت الرؤية الأنثروبولوجية لهذا الفكر مختلفة تماماً عن تلك التي تحدث عنها كانط وسادت في الفلسفة الغربية، ذلك أن “الترانسإنسانية” تنظر إلى الإنسان ككائن غير مكتمل يمكن زيادة قدراته، بحيث يصبح أكثر مما هو عليه الآن، من خلال تحسين صحته وإطالة عمره وتعزيز قدراته المعرفية. “الترانسإنسانية” إذاً رؤية تعترف أن الإنسان ليس كاملاً، بل كائناً محدوداً وضعيفاً. لعلها تعيد إلى الأذهان عقيدة الميتافيزيقا الغنوصية التي رأت أن تحقق ماهية الإنسان وخلاصه من سقوطه بفعل قوى الشر، لا يكون إلا بالمعرفة، وإن وعي الإنسان بالموت هو أحد أكبر التحديات التي يواجهها. ففي حضارة بلاد ما بين النهرين وفي الحضارة اليونانية القديمة، كان الفناء سمة البشر وكانت الرغبة بالخلود ملازمة أيضاً للحياة البشرية. هذه الرغبة بالذات تجد لها اليوم في التكنولوجيا تعبيراً وأملاً جديداً على ما يقول أستاذ الفلسفة في جامعة أوكسفورد نيك بوستروم، ففي إحدى دراساته المعنونة “الأسئلة الشائعة حول الترانسإنسانية” كتب بوستروم قائلاً “إن إعادة تصميم الإنسان باستخدام تقنيات النانو المتقدمة أو تحسينه جذرياً من خلال مزيج من التقنيات مثل الهندسة الوراثية، والعلاجات المضادة للشيخوخة، وأدوات إدارة المعلومات المتقدمة، والأدوية المحسنة للذاكرة، والحواسيب المحمولة، والتقنيات المعرفية… إلخ، أصبح اليوم ممكناً”، مبيناً أن استخدام هذه الوسائل التكنولوجية سيسمح بتجاوز ما يعتبره البعض حدوداً لما هو “بشري”. هذا من شأنه أن يؤدي بحسبه إلى ظهور “الإنسان ما بعد-البشري المتفوق على أذكى العباقرة الحاليين”، وهذا ما تحدث عنه أيضاً عالم الحاسوب الأميركي رايموند كورتزڤايل، كبير مهندسي شركة “غوغل”، الذي يعمل حالياً في مجالات التعرف البصري إلى الحروف وتحويل النصوص إلى كلام، والذي ألف كتباً عن تكنولوجيا الصحة والذكاء الاصطناعي والتفوق البشري والمستقبلية، عندما أشار إلى اللحظة التي سيتجاوز فيها الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري، مما سيؤدي بحسبه إلى تحول جذري في المجتمع وفي طبيعة الإنسان. يعتقد كورتزڤايل أن هذا التفرد سيحدث في حدود عام 2045، بناءً على توقعاته المستندة إلى التقدم التكنولوجي الهائل. فلسفة التقنية نشير في هذا السياق إلى أبحاث الأكاديمي البلجيكي المتخصص في قضايا أخلاقيات التكنولوجيا والعلم جيلبير هوتوا (1946- 2019) الذي يعتبر في كتابه “الفلسفة والأيديولوجيات الترانس/بوست-إنسانية” أن “الترانسإنسانية” هي إحدى صور فلسفة التقنية في مطلع القرن الـ21. دافع هوتوا عن فكرة أن الإنسان “كائن سيبورغي طبيعي”، أي إنه كائن تقني بطبيعته، وهذا ما مكنه من تجاوز الحالة الحيوانية. فيتبنى تعريفاً واسعاً للتقنية يعتبر فيه اللغة نفسها شكلاً من أشكال التقنية، فالتقنية بحسبه تتيح لنا تعديل أنفسنا، وهو أمر ممكن لأن نوعنا البشري ليس ثابتاً بطبيعته. والتحسين يعتبر، في نظره، حقاً فردياً وواجباً جماعياً، لأن الأخلاق الإنسانية تأمرنا بمداواة الأمراض والتقليل من المعاناة والتغلب على الموت، والوسائل التقنية التي تتيح ذلك تعد إذاً مشروعة، فليست الرغبة في الخلود تعبيراً عن الأنانية المفرطة، بقدر ما هي انعكاس لرغبة الإنسان الطبيعية في البقاء على قيد الحياة. يكفي في رأيه أن ننظر إلى “التقنيات الحديثة” التي أصبحت أكثر قرباً من جسد الإنسان، فبفضل الربط بين علم الأحياء والرقمية بدأت الحدود بين الإنسان والآلات تذوب، وأصبح الفرد قادراً على الدخول في تآلف وثيق مع هذه الآلات كوسيلة لتحسين الحياة البشرية من خلال الزرعات مثل الأطراف الاصطناعية المفصلية، أو البصرية وغيرها. ولم يثر هذا النوع من التقدم تساؤلات أخلاقية حادة، غير أن الأمر يختلف عندما يتعلق بالسعي إلى تعزيز القدرات، ومن ثم تغيير الخصائص الإنسانية. أما في ما يتعلق باليوجينية أو تحسين النسل، فيقول هوتوا إن البشرية تمارسها بالفعل من خلال الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية والتشوهات أثناء الحمل، واللجوء إلى الإجهاض عند الضرورة. والتحدي الأكبر يتمثل اليوم في رأيه في تحديد الحدود الأخلاقية والقانونية لهذه التدخلات الجينية، لكن الإمكانات والقدرات التكنولوجية تتزايد، وهنا يطرح مجدداً السؤال عن الحد الذي يمكن أن يصل إليه التغيير في خصائص الإنسان. تلاقي هذه الأفكار ترحيباً في بعض الأوساط المادية، بينما يخشى معارضو “الترانسإنسانية” من أن تقع هذه التقنيات في الأيدي الخاطئة. فيتكثف الحديث عن ضرورة تحديد الغاية الأخلاقية لهذه الاستخدامات التكنولوجية والعلمية وتنظيمها قانونياً. ولئن حملت “الترانسإنسانية” روح تفاؤل جذابة، إلا أن سوء استخدام التكنولوجيا أمر دائم ومستمر. ففكرة تحسين قدرات الإنسان يمكن أن توضع في خدمة الأهواء الهدامة وهي أيضاً جزء من الطبيعة البشرية. فقد يتحول “الإنسان المتفوق” “الترانسإنساني” إلى شيطان، إذا اقتصر التحسين على قدراته فقط من دون أن يشمل تعاطفه أو اجتماعيته، وهذه مشكلة لا تتطرق إليها “الترانسإنسانية” التي بدأت كحركة منظمة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، مع تأسيس “الرابطة العالمية للتحول الإنساني” (WTA) التي تعرف اليوم باسم Humanity+ (الإنسانية بلس). وقد شهدت هذه الفترة بروز شخصيات بارزة مثل نيك بوستروم ورايموند كورتزڤايل، الذين أسهموا في تشكيل التحول الإنساني الحديث من خلال كتاباتهم وخطاباتهم العلنية. أما في فرنسا فتبدو “الجمعية الفرنسية للتحول الإنساني: تكنوبرغ” التنظيم الوحيد الذي يعلن انتماءه لهذا التيار، ووفقاً لرئيسها مارك رو فهي تعلن صراحة انتماءها إلى “التقدمية التقنية”، وهو اسم آخر لما يعرف بالتحول الإنساني. الأيديولوجيا النيوليبرالية في الختام تقدم “الترانسإنسانية” نفسها كامتداد إيجابي للإنسانية الساعية إلى تجاوز نفسها، وهي تندرج بالكامل في إطار الأيديولوجيا النيوليبرالية التي تسعى إلى تجاوز الحدود الأخلاقية التقليدية بغية زيادة الحقوق الفردية وتحرير السلوكيات التي تغذيها التقدمات التقنية والدينامية الاقتصادية الواسعة. هذه التقنيات الجديدة تطرح تساؤلات قديمة حول ماهية الإنسان، لكن في سياق جديد تماماً. فهي تعلن انتماءها للإنسانية، بينما تميل إلى تجاوز الإنسان بنزعة نخبوية، فهل هذا التجاوز يتوافق مع القيم الإنسانية؟ لنتذكر أن الإنسانية تعني بوضوح وضع الإنسان في المركز واحترام كرامته. من هذا المنطلق تعد “الترانسإنسانية” مشتقة من الإنسانية، لكنها لا تكتفي بالحفاظ على الإنسان، بل تسعى إلى تعزيزه وتحويله، غير أنها بوضعها للتقنية في قلب الثقافة تقلب “الترانسإنسانية” المفهوم الكلاسيكي للإنسانية، خالقة بذلك حالاً من الارتباك الفلسفي والأيديولوجي المعاصر، فبينما كانت الحداثة تسعى إلى تقدم علمي وتقني في إطار إنساني، تسعى “الترانسإنسانية” إلى التحرر مما يشكل ماهية الإنسان نفسه. المزيد عن: الترانسإنسانيةجوليان هكسليالطب التجديديالحضارة اليونانية القديمةالهندسة الوراثية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post فولتير يخلد الصراع بين “هنري” الطيب و”هنري” الشرير بقصيدة next post “سعفة كان” الفخرية تفاجئ دينزل واشنطن: أنا متأثر You may also like أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لشهر يونيو 2025 6 يونيو، 2025 بحثا عن عناصر التجريب في المسرح العربي “البديل” 6 يونيو، 2025 “قصة سليمان” فيلم فرنسي عن اللجوء يحبس الانفاس 6 يونيو، 2025 هولدرلن يتقصى انتحار الفيلسوف هربا من الجواب المدمر 6 يونيو، 2025 أوبرا “شعبية” روسية تمجد القيصر “المنقذ” 4 يونيو، 2025 رحيل هادئ لسيدة المسرح العربي سميحة أيوب عن... 4 يونيو، 2025 هل يهدد موفق طريف في إسرائيل زعامة آل... 3 يونيو، 2025 غريتا غاربو “تنطق” للمرة الأولى في فيلم يوجين... 3 يونيو، 2025 مهى سلطان تكتب عن : سمير الصايغ في... 3 يونيو، 2025 مارغريت ووكر: مرافعة أدبية ضد العبودية 3 يونيو، 2025