الخميس, فبراير 20, 2025
الخميس, فبراير 20, 2025
Home » فضيحة روسية في الحياة الفنية الفرنسية

فضيحة روسية في الحياة الفنية الفرنسية

by admin

 

باليهات من بلاد الشرق الموسكوبي تجمع ديبوسي ومالارميه وسترافنسكي ودياغيليف وتنسف الأساليب القديمة وتمس مكارم الأخلاق

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

.

كان الأمر في البداية مجرد تقديم باريسي كوزموبوليتي، أي تجتمع على تقديمه مواهب تنتمي إلى عدد من أمم القارة الأوروبية العتيقة. وكان معظم أصحاب تلك المواهب يحملون أسماء تبدو عسيرة على النطق، لكن بعضها فرنسية خالصة وذات شهرة لا مراء فيها. وكان من الأكثر شهرة بين هؤلاء الموسيقي كلود ديبوسي المعروف كرائد لما سمي بالموسيقى الانطباعية تيمناً بفن الرسم الانطباعي الذي كان قد بات مهيمناً وكلاسيكياً مع حلول بدايات القرن الـ 20، والشاعر ستيفان مالارميه، فالأول وضع موسيقى لافتة حقاً لقطعة شعرية رمزية أنتجها الثاني وحملت عنواناً لا يخلو من الاستفزاز، “بعد ظهور كائن حيواني”.

ولئن كان هذان المبدعان فرنسيين، فإن المبدع الذي كان يقف وراء اجتماعهما في هذا الباليه المشترك القائم على قصيدة شعرية، كان روسياً يدعى سيرغاي دي دياغيلييف. ولقد كان من الطبيعي لذلك الذي سيعرف منذ ذلك الحين بكونه مبدع “الباليهات الروسية” التي غزت أوروبا وغيرها منطلقة من باريس، أن يعهد بتصميم رقصات إلى ابن بلده الراقص ومدرب الرقص الشهير فاسلاف نيجينسكي الذي سيكون عمله على ذلك الباليه بالتحديد نقطة انعطاف في فن الرقص على مستوى العالم كله.

حتى هنا، على أية حال، لم يكن في الأمر تلك الفضيحة التي يعدنا بها العنوان أعلاه. بل كان ثمة تمهيد لها ينطلق ليس من موسيقى ديبوسي العذبة ولا طبعاً من قصيدة مالارميه الرمزية، ولا حتى من مجموع الرقصات التي صممها نيجينسكي على رغم غرابتها وخلوها من كل ما كان معهوداً من خطوات الرقص في الباليه الكلاسيكي. ستكون الفضيحة بعد ذلك وفي المرحلة التالية من مراحل ما فرضته مجموعة الباليهات الروسية من تجديدات جذرية لم تكن إرهاصاتها شديدة الوضوح في العرض الأول الذي قدم للمرة الأولى آخر شهر مايو (أيار) 1912.

سترافنسكي يدخل على الخط

في العرض الأول إذاً، بدت التجديدات تقنية وتتسم بقدر ما من الخجل بخاصة أن نيجنسكي قد آثر أن يتخلى كما أشرنا عن الخطوات الكلاسيكية ليستوحي عوالم رقص بأكملها من المنحوتات والآثار القديمة فرعونية كانت أم إغريقية أو حتى صينية وربما هندية عثر عليها في رسوم تصور دائماً مجموعات الراقصين في ترتيب جانبي ثنائي البعد بأقدام حافية، ولا سيما تقدم الصبايا وكأنهن يقدمن رقصاتهن لآلهة الإغريق في الأكروبول.

لقد كان واضحاً أن ما فرضه المدرب الروسي الكبير إنما كان نوعاً من قطيعة جذرية مع كل ما كان معروفاً في عالم هذا الفن. غير أن الجمهور العريض لم يبال أكثر من اللازم بكل هذا. لقد شاهد رقصاً ممتعاً استمتع به وترك للمتخصصين المتعمقين كل ما يتعلق بما ينتج منه. وما ينتج منه كان فائق الأهمية ولكن هذه المرة للجمهور العريض حتى. وكان ذلك بعد عام كامل من العرض الأول.

سترافنسكي: حرية خلاقة (الموسوعة البريطانية)

ففي آخر مايو من العام التالي 1913. وعلى خشبة مسرح الشانزيليزيه وسط العاصمة الفرنسية، كان تقديم العرض الثاني، ولكن هذه المرة بعيداً من عذوبة ديبوسي ورمزية مالارميه. فهذه المرة دخل على الخط موسيقي من نوع آخر تماماً. هو هذه المرة الروسي إيغور سترافنسكي الذي كان قد انضم حديثاً إلى جمهرة المهاجرين الروس في أوروبا، وانتقل بسرعة إلى باريس، وقرر أن يخوض تجربتها ويهيمن على حياتها الموسيقية جاعلاً من العمل السابق لدياغيليف مجرد “لعبة أطفال” على حد تعبير نقاد تلك الحقبة. وذلك عبر عمل لدياغيليف نفسه لا يعد عنوانه بأية مشاكسة “تطويب الربيع”، لكن المشاكسة تبدأ مع عنوانه الفرعي، “لوحات من روسيا اللادينية”، وكان العرض في جزءين وأيضاً من تصميم نيجنسكي الذي وجد نفسه هذه المرة يتمتع بحرية أكبر كثيراً من تلك التي منحت له في العمل الأول، بخاصة أنه هذه المرة لم يكن المجدد الوحيد تحت رعاية دياغيليف، بل يشتغل في صحبة عدد أكبر من المجددين في مقدمتهم سترافنسكي الذي أمسك بالعمل بيد من حديد، هو الذي سره أن يعمل انطلاقاً من عدم وجود أي نص أدبي أو حبكة أو سيناريو يكبله. كانت السيادة لموسيقاه نفسها وبالتالي لما سوف يفعله نيجنسكي بتلك الموسيقى انطلاقاً من أجساد راقصيه وراقصاته.

أضاح في عز الربيع

كان كل ما يريد سترافنسكي أن يضعه في هذا العمل مشاهد متتابعة من طقوس احتفالية متتالية موضوعها – إن كان في وسعنا اعتبار هذا، موضوعاً – الاحتفال في ريف روسي غير محدد، ربما يمثل الحياة الريفية في أي مكان من روسيا أو أي مكان من العالم، حتى وإن كانت الديكورات والأزياء شديدة الروسية على أية حال، عبر عيد جماعي بمجيء الربيع مصحوباً بالأضاحي التي من المعتاد تقديمها للمناسبة. والأضاحي تكاد تنحصر هنا في التضحية بمراهقة حسناء تخوض اللعبة القاتلة، متأرجحة عبر رقصها الأخاذ، بين نشوة الرضا والتوق إلى خوض لعبة الحياة حتى النهاية. كان هذا كل شيء. ومع ذلك فتن الجمهور منذ العرض الأول ودقائقه الافتتاحية ليس فقط بالأجساد اللينة التي عرف نيجنسكي كيف يحركها طوال زمن تقديم العرض، تحريكاً لا سابق له في تاريخ ذلك النوع من الفن الراقص، ولكن بخاصة بالموسيقى الجديدة ذات المنطلق الإيقاعي التي باغتته وهو لا يزال يمارس طقوس الجلوس استعداداً لمشاهدة ما هو موعود به.

ولقد حرص سترافنسكي في تناغم تام مع رقصات نيجنسكي على أن يبدو كل ذلك كعنصر مباغتة أخل بالضبط الزمني للعمل بفضل آلات الإيقاع التي انطلقت من دون استعداد لتعلن عن ولادة الرقص الجديد هذه المرة، على عكس ما كان عليه الأمر في العرض السابق حيث أعلن عن موت الرقص القديم. وكمنت “الفضيحة” ها هنا بالتحديد، ما جعل عدداً كبيراً من النقاد يحور اسم العرض من “تطويب الربيع” كما يشاء العنوان الأصلي، إلى “مجزرة الربيع”. وكان أولئك النقاد هم الذين تحدثوا وظلوا يتحدثون طوال الأسابيع التالية عن “فضيحة الفضائح”.

تكسرت السهام على السهام

والحقيقة أنه لئن كان ثمة من أسعده ذلك السجال الصاخب والذي وصل إلى حد تبادل الكلام النابي بين المؤيدين والمعارضين، فلم يكن هذا سوى دياغيليف نفسه الذي راحت السهام تتكسر على السهام بالنسبة إليه، وعبر بسعادة عن تلك المعركة معتبراً إياها لحظة انتصاره الكبرى التي تأتي لتتوج كفاحه منذ أعوام لترسيخ تلك الباليهات الروسية التي يحمل لواءها ويحاول فرضها كتجديد أساسي متبعاً خطوات تجديدية في الفن نفسه كانت قد انطلقت في الدنمارك وبلجيكا، عبر أعمال مثل “دون كيشوت” و”بحيرة البجع” لتصل إلى ذروتها مع العمل الأكبر الذي قدمته آنا بالوفا بعنوان “موت البجعة”.

هذا على أية حال جعل من باريس منطلقه منذ عام 1909 ليبني مكانته بخاصة بفضل العملين اللذين أشرنا إليهما واللذين لا شك، بقدر ما رسخا له من سمعة لدى الجمهور العريض، حلقا من حوله عشرات المبدعين الفرنسيين والأجانب المقيمين في فرنسا من الذين لم تمنعهم شهرتهم الواسعة ومكانتهم الكبرى في عالم الفن الطليعي، من أن ينضموا إليه طوال تاريخ مقبل، ومن بينهم بيكاسو وجان كوكتو وموريس رافيل، مؤسسين معه تاريخاً جديداً لفن الباليه سيرثه عنه وعنهم كبار مصممي الرقص في ما تبقى من القرن الـ20، من ماري فيغمان إلى بينا بوش مروراً بموريس بيجار.

المزيد عن: روسيافرنساالرقصالربيعالشعر

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili