ثقافة و فنونعربي فرق المغرب الشعبية ترقص على وتر المعاناة by admin 21 أكتوبر، 2022 written by admin 21 أكتوبر، 2022 26 تمزج بين الأداء الحركي والغناء الفلكلوري والأكسسوارات التراثية والأيديولوجيا اندبندنت عربية \ أشرف الحساني تشكل الفرق الفنية موروثاً حقيقياً بالنسبة للأغنية المغربية، كونها تمزج في سيرتها بين أصالة الغناء الشعبي وجماليات الرقص الفولكلوري وفتنة الأكسسوارات التراثية التي تجعلها أشبه بلوحات فنية مزركشة وباهية. وتتعدد هذه الفرق الغنائية من منطقة جغرافية إلى أخرى، ذلك أن هذا الغنى في ما يرتبط بالفنون الشعبية يعكس تنوع البلد من الناحية الفنية وزخمه الجمالي في الحفاظ على عديد من الموروثات الموسيقية. وعلى رغم أن هذه الفرق الشعبية التي تمزج بين فن الغناء وكاليغرافية الرقص لم تلق اهتماماً كبيراً من لدن الباحثين والأنثروبولوجيين، فإنها حاضرة بقوة على مستوى الممارسة داخل عدد من المهرجانات التراثية، لا سيما أن وزارة الثقافة والشباب والرياضة تدعم مثل هذه المهرجانات التي تكرم الفرق الشعبية الغنائية، بسبب حرصها على حفظ هذا الإرث الفني. ويبقى المهرجان الوطني للفنون الشعبية أكبر مهرجان يسعى إلى توثيق الذاكرة الغنائية الشعبية من خلال إقامته سنوياً ودعوة عشرات الفرق الغنائية من كل ربوع المملكة إليه ليصير هذا الحدث السنوي بمثابة احتفاء بالذاكرة الغنائية ورقصاتها. ومن الفرق الشعبية المشاركة في دورته الأخيرة نعثر على كل من “عبيدات الرما” و”الدقة المراكشية” و”أحواش” و”غناوة” و”الكدرة” و”أحيدوس” وغيرها، وهي فرق غنائية راقصة تجسد لحظات قوية من المسار التاريخي المغربي، كما أنها تمثل لوحات تعبيرية للرجل والمرأة تعبر عن مختلف مظاهر وأشكال احتفال المغاربة القدامى بالأعياد والحرب والحفلات، والأعراس والمواسم الفلاحية وسواها. أقدم المهرجانات يبدأ المهرجان الذي يعد الأقدم في تاريخ المهرجانات بالمغرب (تأسس عام 1959) أول احتفالاته من مدينة مراكش انطلاقاً من ساحة الحارثي في اتجاه قصر البديع التاريخي، في موكب غنائي مذهل يتكون من عشرات الفرق الغنائية التي تحتل الفضاء العام وتجذب أنظار الساكنة بإيقاعاتها المتنوعة ورقصاتها التعبيرية ولباسها التراثي المزركش بالألوان ودلالاتها الرمزية الوطنية، بعد أن جرى في الدورة الأخيرة مشاركة أكثر من 600 فنان وفنانة يمثلون نحو 34 فرقة شعبية من أهم الفرق الشعبية التراثية التي تمثل البلد في محافل وطنية ودولية. وبحسب الباحث رئيس المهرجان الوطني للفنون الشعبية محمد الكنيدري، فإن المهرجان “مكسب مهم لمدينة مراكش ويسهم في خلق رواج فني واقتصادي وسياحي في المدينة الحمراء، حيث يقبل عليه آلاف السياح والزوار، فضلاً عن كونه متنفساً للفنانين من أجل تجديد اللقاء والتعارف والتواصل بينهم والحديث عن مشاغلهم وهمومهم”. تنتشر الفرق الغنائية الشعبية داخل كل جهات المغرب، بخاصة أن كل منطقة تحبل بصنوف شتى من الأشكال الغنائية والرقصات التعبيرية، مما يجعل البلد في صورة فسيفسائية جمالية تذهل السائح وتدفعه إلى التطلع بعنفوان صوب السفر التاريخي في هذا الموروث الغنائي والتعرف إلى فرقه وأغانيه وموسيقاه وأكسسواراته العريقة. ولا يخفى أنه حينما نشير إلى مصطلح “الفرق الغنائية” فمن الضرورة الإشارة إلى أن عديداً من الباحثين المغاربة يرون أن الأمر لا يقتصر على الفرق الشعبية التراثية، بل أيضاً على نظيرتها العصرية مثل “ناس الغيوان” و”المشاهب” و”السهام” و”جيل جيلالة” وغيرها، غير أن هذه النماذج الفنية الجديدة لم تعتمد في ممارساتها إلا على الغناء واللحن وتوحيد اللباس بين أعضائها خلال فترات لاحقة من تكوينها، مقارنة مع الفرق التراثية الشعبية التي حرصت منذ البداية على دمج عنصر الغناء بعملية الرقص. فالأولى “حكواتية” تسرد من خلال الأغنية مجموعة قصص وحكايات انطلاقاً من تجارب أفراد داخل المجتمع، أما الثانية فهي تتخذ ميسماً تعبيرياً عن حال وجدانية جمعية تجسد تاريخياً هواجس القبيلة في التحرر والتعبير والاحتفال ببعض الممارسات الاجتماعية والسلوكيات الإنسانية. ثورة في الشكل وعلى رغم التعدد الفني الذي تتميز به الفرق الغنائية التراثية، فإن الفرق الأولى نالت كثيراً من الشهرة بحكم طابعها التحرري والتحديثي للمجتمع منذ سبعينيات القرن العشرين، حيث برز لأول مرة الطابع الأيديولوجي للعمل الغنائي كآلية للنقد والتحرر من إسار القهر والتخلف والنكوص. يقول عمر السيد أحد الأفراد المؤسسين للفرقة “آباؤنا ليسوا أبناء الحي المحمدي، لكن كل واحد منا أتى من بلدة معينة واجتمعنا فيه بسبب وجود الحي الصناعي الذي يحتوي عدداً من الشركات الصناعية، وعلى هذا الأساس سمى بعض الناس الحي المحمدي بالمغرب المصغر، وقد كنا نغني كلاماً أكبر من سننا نظراً إلى المعاناة التي عشناها”. هكذا برزت فرقة “ناس الغيوان” بالحي المحمدي (أفقر أحياء مدينة الدار البيضاء) مع كل من العربي باطما وبوجميع وعمر السيد وعبد العزيز الطاهري ومحمود السعدي، لتشكل ميلاد أغنية جديدة نابعة من مغرب الجوع والبؤس، بعد أن أخذت هذه الأغاني بعداً أيديولوجياً في نظر الناس، إذ لم تكن الأبعاد الجمالية فقط هي ما يحرك الأغنية، بل وآفاقها السياسية اليسارية التي وجدت تجاوباً كبيراً من لدن الجمهور المغربي وتناغماً قوياً وحقيقياً داخل الأحزاب والجرائد والمجلات والمدارس والجامعات في مغرب السبعينيات إلى حدود نهاية الثمانينيات. هذا الأمر سيقود المخرج السينمائي المغربي أحمد المعنوني إلى إخراج فيلمه الوثائقي المهم “الحال” (1982) الذي لقي احتفاءً كبيراً داخل الأوساط السينمائية العالمية جعل المخرج مارتن سكورسيزي يكتب عن هذا الفيلم ويختاره كأول عمل وثائقي سيعرض في افتتاح “المنظمة العالمية للسينما” آنذاك. يقول المعنوني عن هذه التجربة “يفجر الحال عمداً وبطريقته الخاصة الأطر المرجعية للوثائقي، وجوهر عملي ما رأيته وشاركته مع فرقة (ناس الغيوان) في فترة الكتابة واستكشفته أثناء جولاتها، إذ صممت مشروع فيلم ينبني بالكامل على الإلهام الموسيقي للفرقة والحياة اليومية لأعضائها، وجذورهم العميقة في الأرض، وتجليهم من دون تلاعب في الألفاظ بصفة شبه سحرية على المسرح”. من الغناء إلى الرقص يجمع عدد من الباحثين على أن الفرق التراثية تتميز عن نظيرتها العصرية بما تحمله من أبعاد تاريخية لا أكثر لدرجة تغدو فيها أشبه بوثائق تاريخية متحركة، فالرقص الجماعي يحمل دلالات اجتماعية تعبر عن هواجس الفرد في علاقته بالبيئة والمنطقة التي ينتمي إليها، وهو في نظر الباحث المغربي عباس الجراري أشبه بـ”العاصفة بما يصاحبها من ريح ورعد ومطر، إذ إن تحريك الجسم بما عليه من حلي وثياب يحاكي صوت الريح، في حين يحاكي الضرب بالأقدام على الأرض صوت الرعد، أما التصفيق فيقلد صوت المطر في حال نزوله، ثم يأتي الصياح إعلاماً ببشرى نزول الغيث والفرح بذلك”. وإلى جانب الأبعاد الفنية والجمالية التي تطبع الأغاني الشعبية ورقصاتها، أصبحت هذه التعبيرات الرمزية تسهم في تنمية المدينة وتنشيط حياتها السياحية، من خلال الأعداد الوفيرة من السياح الذين يزورون الجنوب المغربي حتى يستمتعوا بهذه الفرق الغنائية الشعبية وينسجوا معها علاقة دائمة قوامها العشق والاعتراف. وإذا كانت رقصات وأغاني هذه الفرق الشعبية تختلف بتنوع المناطق، فإن ذلك لعب دوراً أساسياً في تنميتها وتقديمها بصورة مذهلة وغنية، ونظراً إلى الاختلاف الجوهري الذي يطبع هذه الفرق الشعبية فإن بعض الباحثين لخصوا أكسسواراتها وآلاتها الموسيقية في “الزعبولة” و”الدربوكة” و”الكصبة” و”البندير” و”الكلال” و”الخماسي” و”الرزة” وغيرها، وهي أكسسوارات تراثية وآلات موسيقية تقليدية تستخدمها هذه الفرق الغنائية خلال تقديم كرنفالاتها التعبيرية الراقصة التي يجمع بعضها بين الرجال والنساء وفق معايير فنية محددة من طرف عميد الفرقة. فتنة “عبيدات الرما” وتعد “عبيدات الرما” أهم هذه الفرق الشعبية التي تقدم فرجة تمزج بين الغناء والرقص، وكلمة “الرما” في الأصل تعني “الرماة” أي الفرسان الذين يقومون بعملية الرماية، ذلك أن الحكاية الشعبية ترجع نشوء هذا النوع من الفرق الغنائية إلى فترات تاريخية قديمة، حين كان الخدم (عبيدات الرما) ينتظرون يومياً عودة الفرسان من تجوالهم ومعاركهم من أجل الاحتفال بالغناء والرقص. وعلى رغم أن بعض الرواة ذهب إلى أن هؤلاء الخدم كانوا في لحظة ما يسافرون مع الفرسان لمساندتهم في الكلام والخطابة، فإنه لا مصدر يؤكد صحة هذه الرواية. وتعتبر الباحثة في التراث الشعبي المغربي السعدية عزيزي أن “عبيدات الرما” هي لون من ألوان الغناء الشعبي في المغرب، ونمط تراثي يزاوج ما بين الرقص والأغاني، وحين نتكلم عن الرما والرماية نأتي مباشرة إلى الفروسية بحكم الطقوس التي يتوفر عليها هذا النمط الغنائي مثل الحصان وما يحمله في الذاكرة العربية من معان ودلالات. وتتميز هذه الفرقة بعديد من الرقصات ذات الإيقاع المختلف والغناء المتنوع، إذ إن كل رقصة تحيل إلى مرجعية رمزية وجمالية ذات علاقة بسباق معين مثل “لغزيل” الخاص بالمرأة، والآخر ذي الصلة بالممارسات اليومية لسكان المناطق الجبلية وغيرهما، كما تترتكز أغلب آلاتهم الموسيقية بالدرجة الأولى في “الطعريجة” و”المقص” و”البندير”. وإلى جانب الفرق الأخرى نعثر على “أحواش”، وتمزج هذه الفرقة بين التعبيرات الذكورية والنسائية، ويعتبرها الباحث حسن البحراوي “فناً فولكلورياً شعبياً يجمع بين الغناء والرقص والارتجال، أي إنه فن متكامل يقوم وفق مناسبات كحلول الصيف حين تكون الشروط المناخية متوفرة، وفي مكان خاص يسمونه بـ”أسايس” الذي يتحكم في حجم وأعداد من يشاركون في الفرقة. ونظراً إلى العدد الكبير للفرقة، فإننا نعثر على مايسترو يسير طرق الرقص وفق معايير فنية تصبح بالنسبة للمشاهد أشبه بلوحات جمالية، كما تعكس رقصة هذه الفرقة دلالات تاريخية عميقة تظهر الطريقة التي يتعامل بها الأمازيغي مع بيئته الثقافية ومحيطه الاجتماعي في إطار نوع من الرقص الجماعي الذي يمزج بين الرجال والنساء العازبات، فيتم بذلك إبعاد كل امرأة متزوجة من الفرقة. المزيد عن: المغرب\الفلكلور\المهرجان الوطني للفنون الشعبية\أزياء المغاربة\الموروث الثقافي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الطلاق لم يعد “وصمة عار” في السعودية next post آلي سميث تغوص في تناقضات النفس الإنسانية المعاصرة You may also like نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024