رسم تعبيري لغزو جزيرة كريت (اندبندنت التركية) X FILEثقافة و فنون فاتح جزيرة كريت الأندلسي بطل ضائع بين سطور التاريخ by admin 18 سبتمبر، 2024 written by admin 18 سبتمبر، 2024 61 على رغم كل ما صنعه أبو حفص إلا أنه ليس شخصية معروفة بصورة كبيرة للعامة اندبندنت عربية / محمد مظلوم جيليك صحافي تركي يقول بعض علماء التاريخ إن هناك سمة غريبة وقاسماً مشتركاً بين عدد كبير من الشخصيات التاريخية التي استطاعت أن تجمع حولها الحشود المتفرقة، وهذه السمة هي “اليتم”، إذ إن عدداً غير قليل من القادة الذين دخلوا التاريخ أيتام في الأصل. وهناك سمة أخرى يشترك بها عدد من القادة الذين صنعوا اسماً بارزاً في التاريخ وهي الظلم الذي يتعرضون له أو الحرمان أو انعدام الوطن أو الجنسية في مفهومنا المعاصر، وبطل قصتنا في هذا التقرير جمع كل هذه الصفات، فقد كان يتيماً وتعرض للظلم والنفي، وتُرك في عرض البحر بلا وطن مع مجموعة يقودها. في مطلع القرن التاسع الميلادي وصل إلى عرش الأندلس الأمير الحكم بن هشام وكان شاباً في بداية عمره، وتقول المصادر الإسلامية إنه كان منغمساً في اللهو والملذات وبعيداً من أمور الدولة والسياسة ولم يكن أهلاً للحكم، فاختلف مع فقهاء وعلماء الأندلس الذي قرروا خلعه والقيام بتمرد ضده ومبايعة أحد أقاربه، ولم يستسلم الحكم للمتمردين بل واجههم بقسوة في واقعة شهيرة حصلت في قرطبة، واشتهرت في التاريخ الأندلسي باسم “واقعة أهل الربض”، وقد لاحق الحكم كل الذين تمردوا عليه فهدم بيوتهم وقتل كثيراً منهم وفرّ بعضهم فيما تجمع الباقون قرب قصر بن هشام ينتظرون أن يحكم عليهم بالإعدام، إلا أنه قرر نفيهم إلى المغرب العربي ومصر، فاتجهت مجموعة منهم واستقرت في مدينة فاس، فيما اتجهت مجموعة أخرى إلى مصر بقيادة عمر بن عيسى الأندلسي المعروف لدى العرب بلقب الـ “إقريطشي” وكنيته أبو حفص. وبالنسبة إلى الذين نُفوا إلى المغرب فقد وقع عدد منهم ضحايا للقراصنة، فيما تمكن بعضهم من الوصول إلى فاس بأمان، وأما الذين نفوا إلى مصر فبدأت لهم حكاية طويلة ممزوجة بالدماء والقتل والتمرد من جهة، والبطولات ودخول التاريخ من جهة أخرى. جانب من جزيرة كريت (اندبندنت التركية) الإسكندرية ملاذ موقت وصل “أهل الربض” بقيادة أبو حفص إلى سواحل مدينة الإسكندرية في مصر في أوائل عصر الخليفة العباسي المأمون في مطلع القرن الثالث الهجري، وكانت الدولة العباسية في ذلك الوقت تعيش حالاً من الفوضى بسبب الخلافات الشهيرة بين الأمين والمأمون، فاستغل الأندلسيون الجدد بقيادة أبو حفص هذه الفرصة واستولوا على كامل مدينة الإسكندرية، وأعلنوا تأسيس إمارة أندلسية في مصر مستقلة عن الخلافة العباسية. وبسبب الاضطرابات في الدولة العباسية لم يتخذ المأمون أية إجراءات ضد أبو حفص والأندلسيين الذين معه في الإسكندرية، واستمرت إمارته 10 أعوام، ولكن عندما استطاع المأمون التغلب على الأمين بدأ بإعادة ضبط أمور الدولة العباسية وتفرغ أخيراً للإمارة الأندلسية الجديدة في مصر، فأرسل قائده عبد الله بن طاهر بن الحسين على رأس جيش إلى الإسكندرية، وخيّرهم بين حرب تفنيهم أو إعلان الطاعة للخليفة العباسي والتخلي عن الإمارة المستقلة، وقد كان أبو حفص يدرك ألا طاقة له بمواجهة العباسيين فعقد معهم اتفاق صلح يقضي بأن يعطيهم الخليفة الأمان ويهيئ لهم سفناً ليغادروا الدولة العباسية على ألا ينزلوا على أي أرض تابعة للعباسيين، وبالفعل حُملوا على 40 سفينة فيها ما يزيد على 12 ألف راكب وانطلقوا في عرض البحر الأبيض المتوسط من دون أن تكون لهم وجهة واضحة. عاصمة عربية في “كريت” عشرات السفن في البحر، والخيارات أمامهم ضيقة، فلا يمكنهم العودة للأندلس إلى الأبد، والطريق نحو المغرب خطرة بسبب انتشار القراصنة في البحر، وثمة شعب عالق في وسط البحر لا يعرف إلى أين يذهب، إلى أن تذكر أبو حفص جزيرة كريت التي سبق أن شارك في الإغارة عليها من الأندلس، وأخبر من معه بألا خيار أمامهم إلا الاستيلاء على الجزيرة وبناء دولة لهم فيها. لم يخالفه أحد واتجه بمن معه إلى الجزيرة التي وصلوا إليها عام 827 للميلاد، وتقول روايات إنه بمجرد وصولهم إلى شواطئ الجزيرة أضرم أبو حفص النيران في السفن، في تقليد لما فعله سلفه طارق بن زياد، وللتأكيد بألا عودة لأي سبب كان، فنزل الأندلسيون على الساحل الشمالي لجزيرة كريت في خليج سودا ولم يلقوا مقاومة عنيفة من سكان الجزيرة بسبب البغض الذي يكنه السكان المحليون للبيزنطيين بسبب سوء معاملة ولاتهم وفرض الضرائب المرتفعة، وبمجرد أن سيطر العرب على الجزيرة بدأوا في بناء عاصمتهم “ربض الخندق” لتأسيس إمارة عربية إسلامية على كامل جزيرة كريت، عُرفت هذه الإمارة لاحقاً باسم “إمارة إقريطش”. حملات فاشلة وما إن سمع إمبراطور بيزنطة ميخائيل الثاني بسيطرة العرب على الجزيرة حتى أرسل عدداً من الحملات في محاولة لاسترجاعها قبل أن يتمكن العرب من توطيد حكمهم فيها، فكانت الحملة الأولى في العام نفسه الذي دخلها فيه أبو حفص، إذ أرسل ميخائيل قوات يقودها اثنان من كبار ضباطه فوتينوس وداميان، إلا أن القوات العربية تمكنت من صدهم وقتل داميان فيما تمكن فوتينوس من الهرب. فشل هذه الحملة دفع البيزنطيين إلى إرسال حملة أكبر ضمت 70 سفينة بقيادة كراتيروس، وتمكنت هذه الحملة في البداية من تحقيق تقدم ضد الأندلسيين على سواحل كريت، إلا أنهم تعرضوا لهجوم مضاد واستطاع العرب هزيمتهم، كما حاول كراتيروس الهرب إلا أنه تم إلقاء القبض عليه وصلبه، علماً أن هاتين الحملتين حدثتا قبل أن ينتهي المسلمون في كريت من بناء عاصمتهم. أبو حفص أحرق السفن كي لا يكون هناك خيار للعودة (اندبندنت التركية) سيطرة العرب على كريت كانت حدثاً مفصلياً وشكلت كابوساً فعلياً للإمبراطورية البيزنطية، حيث كانت الجزيرة ذات موقع إستراتيجي بمساحة كبيرة، والسيطرة عليها تعني السيطرة على مداخل بحر إيجة وتشكيل تهديد مباشر للقسطنطينية، إسطنبول حالياً، كما تشكل تهديداً لباقي الجزر اليونانية القريبة. وعلى رغم أن المأمون هو الذي نفى أبا حفص ومن معه من الإسكندرية لكن أبا حفص بعد أن تمكن من الجزيرة وبسط كامل سيطرته عليها أعلنها إمارة بحكم ذاتي مع الولاء للخليفة العباسي في بغداد، والسبب أنه اعتبر نفسه امتداداً للدولة الإسلامية التي كانت آنذاك قوة عظمى، والانتماء إليها يمنحه شيئاً من الأمان والدعم في معاركه ضد البيزنطيين. فشلت حملتان في طرد العرب من كريت فصمدت لأعوام عدة أخرى، وأسست العاصمة ووطد أبو حفص أركان حكمه في الجزيرة، كما سمح للمسيحيين من السكان الأصليين بممارسة طقوسهم وعباداتهم ومنحهم الحرية وتقرب إليهم مما أكسبه ولاءهم في وقت كانوا يبغضون إمبراطور بيزنطة، فكانت علاقة العرب مع سكان الجزيرة الأصليين سبباً في استمرار وجودهم فيها لفترة أطول. عملة إسلامية كريتية (اندبندنت التركية) قرر ميخائيل الثاني حل هذه المعضلة وطرد الأندلسيين من جزيرة كريت مهما كان الثمن، فجهز جيشاً ضخماً وبنى أسطولاً جديداً وسلم قيادته لأحد أمهر أمراء الحرب لديه وهو أوريفاس، وأرسله ليستعيد كريت والجزر التي استولى عليها العرب في بحر إيجة، وبالفعل تمكنت الحملة من استعادة بعض الجزر إلا أنها مُنيت بهزيمة كبيرة عند محاولتها دخول كريت، ومات ميخائيل الثاني من دون أن يستطيع إخراج العرب من الجزيرة، فقام خلفه تيوفيل بإرسال سفارة إلى حاكم الأندلس عبدالرحمن الأوسط حاملاً هدايا قيمة، وقدم له عرضاً بالقيام بعملية مشتركة ضد الأندلسيين في جزيرة كريت كونهم يهددون الدولة البيزنطية وكذلك كانوا متمردين على قصر قرطبة، إلا أن عبدالرحمن الأوسط أرسل للإمبراطور هدايا كرد على هداياه ولم يشاركه في الهجوم على كريت، حتى توفي تيوفيل هو الآخر من دون أن يعيد الجزيرة، وأدى الفشل البيزنطي إلى رفع معنويات العرب وسيطرتهم على جزر أخرى قريبة مثل جزيرتي ثاسوس وإيوبيا. واستمرت المناوشات بين العرب المسلمين في كريت وبين البيزنطيين لأكثر من 40 عاماً من دون جدوى في حين كانت الجزيرة خلال تلك العقود تزدهر، وفي عام 874 للميلاد قاد الأميرال نيكيتاس أوريفاس هجوماً كبيراً على كريت تمكن خلاله من أسر عدد ليس بقليل من المسلمين وقام بتعذيبهم بعنف انتقاماً منهم، وأدى هذا الانتصار البيزنطي إلى وقف الحملات العربية على الجزر والاتفاق على “هدنة غير مكتوبة” لتهدأ الأمور حتى عام 880 للميلاد عندما وصل إلى حكم الجزيرة الأمير شعيب بن عمر الذي أجبرته القسطنطينية على دفع الجزية السنوية، وبقيت الأمور على هذه الحال مع بعض التجاوزات إلى عام 911 للميلاد عندما أرسل الإمبراطور البيزنطي جيشاً ضخماً مكوناً من 100 سفينة و7 آلاف فارس وأكثر من 30 ألف مقاتل، إلا أن الأسطول لم يتمكن من الوصول إلى الجزيرة لأنه اشتبك مع الأسطول الشامي في البحر المتوسط وتعرض للتدمير، وأيضاً في عام 949 للميلاد أرسل الإمبراطور قسطنطين السابع جيشاً ضخماً لطرد العرب من الجزيرة من دون جدوى. الحصار الأخير في أيامه الأخيرة شرع قسطنطين السابع في إعداد أكبر جيش لمواجهة كريت لكنه توفي قبل أن يكمل حملته، وخلفه في الحكم رومانوس الثاني الذي أصر على مهاجمة الجزيرة، فجهز جيشاً هو الأضخم وعين على قيادته نقفور الثاني الذي وصل إلى الجزيرة منتصف عام 960، وفرض عليها حصاراً شديداً استمر أشهراً عدة حتى تمكن من دخول العاصمة “ربض الخندق” في السادس من مارس (آذار) عام 961 للميلاد، لينهي بذلك الحقبة العربية الإسلامية في الجزيرة بعد ما يضاهي قرناً ونصف القرن. البيزنطيون يقتحمون جزيرة كريت (اندبندنت التركية) كان البيزنطيون يكنون حقداً لا مثيل له على العرب بسبب المقاومة الطويلة، ولذلك عندما دخلوا المدينة دمروها بالكامل وهدموا المنازل والمساجد والأسوار، وقتلوا من السكان ما لا يعد ولا يحصى، وأخذوا من بقي حياً إما أسيراً أو عبداً، وقرروا إنهاء الوجود الإسلامي على الجزيرة بصورة كاملة، ومن أراد أن يبقى فيها من العرب المسلمين كان عليه أن يتحول إلى المسيحية، وتروي مصادر أن عدداً من المسلمين تحول بالفعل إلى المسيحية ومنهم الأمير النعمان بن عبدالعزيز الإقريطشي الذي قُتل في إحدى المعارك خلال قتاله لمصلحة البيزنطيين عام 972 للميلاد، وهكذا انتهى الوجود العربي الإسلامي في كريت بعد حقبة شكلت قلقاً كبيراً لعدد من أهم إمبراطورات القسطنطينية، وكل هذا على يد شاب منفي مهجر من الأندلس إلى مصر ثم إلى البحر المتوسط. وعلى رغم كل ما صنعه أبو حفص فإن لا يزال ضائعاً بين سطور التاريخ وليس شخصية معروفة بصورة كبيرة للعامة. ملاحظة: الآراء الواردة في هذه المقالة تخص المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة “اندبندنت التركية”. المزيد عن: الأندلسالعباسيونالإسكندريةجزيرة كريتأبو حفصالشخصيات التاريخيةالحكم بن هشاممدينة فاسالقراصنةالعربالإمبراطورية البيزنطيةالقسطنطينية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “الإجراءات الجنائية” يفتح سجالا قانونيا وحقوقيا في مصر next post حقن نصف سنوية تقي من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية You may also like يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لنوفمبر 2024 15 نوفمبر، 2024 “بناء العقل الثاني” يواجه أخطار التكنولوجيا وإدمان الإنترنت 15 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: التشخيص والتجريد يتآلفان في... 15 نوفمبر، 2024 عندما لاعب التلفزيون الذكي كاسباروف على رقعة الشطرنج 15 نوفمبر، 2024 غريملينز يحول فوضى فيلم “درجة ثانية” إلى نجاح... 15 نوفمبر، 2024 فلسطين حاضرة في انطلاق مهرجان القاهرة السينمائي 14 نوفمبر، 2024 أنجلينا جولي تواجه شخصية ماريا كالاس في فيلم جديد 14 نوفمبر، 2024