عرب وعالمعربي غضب النيل على مدى التاريخ… قرابين وفاء ونكبات متكررة by admin 8 سبتمبر، 2020 written by admin 8 سبتمبر، 2020 27 ارتفاع منسوب المياه يعيد مشهداً لم يحدث منذ فيضانات عام 1988مخلّفاً آثار كارثية على المديين القريب والبعيد اندبندنت عربية / منى عبد الفتاح التوقيت هو موسم الخريف، وخريف السودان لا يخلف موعده حتى وإن تأخَّر قليلاً. وعلى الرغم من معرفة السودانيين العميقة بالفيضانات السنوية للنيل نتيجة لهطول الأمطار الموسمية على الهضبة الإثيوبية والأراضي السودانية، إلَّا أنَّ الاستعداد حتى في الحالات العادية يكون دون المستوى المطلوب. أما ازدياد منسوب المياه هذا العام فقد تجاوز كل التوقعات، ما دعا مجلس الأمن والدفاع الوطني السوداني لإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وأنَّ الأراضي السودانية منطقة كوارث طبيعية. Volume 90% وفاء النيل منذ قديم الزمان سمَّى شعب وادي النيل النهر العظيم، إله الخير والبركة، وجعلوه مستحقاً للوفاء بمقابلة عطائه بالقربان البشري الذي كانوا يجسّدونه في فتاة جميلة كما في حضارة الفراعنة في شمال الوادي، أو قرابين بشرية من الجنسين في جنوب الوادي كما في حضارة مملكة كوش شمال السودان، وقبائل الدينكا والشلك والنوير في جنوب السودان. وترسّخ هذا التقليد تجنباً لغضب النيل، ولم يكن لدى الأهالي من فرصة لإبداء الاعتراض على التضحية ببناتهم وأبنائهم أو سبيلٍ للنجاة سوى الصمت والالتزام بالمعتقدات وتوجيهات ملوك ذلك الزمان، إذ أنَّ هناك اعتقادٌ كان سائداً عند المصريين القدماء بأنَّ سبب فيضان النيل كل عام هو دموع إيزيس(ربة القمر) حزناً على وفاة زوجها أوزوريس. ولأهميته البالغة في حضارة وادي النيل، وكمصدر رئيسي للزراعة، نسج القدماء حوله الأساطير في حالة سكونه وفيضانه إذ كانوا يعتبرون الظاهرة بوابتهم إلى المجهول وهي تتمثَّل في مراحله الثلاث سموها مواسم الفيضان والظهور والحصاد. وظلّوا يتبعونه من الجنوب إلى الشمال حتى يصب في البحر المتوسط. فعندما يفيض النيل يحمل معه المياه المملوءة بالطمي، وعند انحسارها يتراكم الطمي الذي يعمل على تخصيب الأرض ويجعلها صالحة للزراعة. ولكلَّ هذا تُقام احتفالات وفاء النيل كعيدٍ فرعونيٍّ سنويٍّ في النصف الثاني من شهر أغسطس (آب). تحذيرات مسبقة فيما يتعلَّق بالتحذيرات الدولية، أرجع عدد من الدراسات في مجال التغير المناخي أنَّ ارتفاع منسوب المياه في بعض الأنهار وحدوث فيضانات متكرّرة وجفاف بعضها الآخر يعود إلى ظاهرة الاحتباس الحراري وما يصاحبها من ظواهر التغيُّر المناخي التي لن ينحصر تأثيرها في مكانٍ بعينه بل ستشكِّل خطراً على العالم بأكمله. وأوضحت أنَّ هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد ملايين البشر الذين يعتمدون على الطبيعة للبقاء على قيد الحياة، قد تؤدي إلى انقراض ملايين من الكائنات الحية بحلول عام 2050. أما على المستوى المحلي، فعلى الرغم من التحذيرات بتوقع زيادة في منسوب مياه النيل، إلَّا أنَّ الحكومة لم تعدَّ العدة لهذه المواجهة أو تدق جرس الإنذار، حتى فاجأ النيل الجميع بارتفاع منسوب مياهه ليعيد مشهداً لم يحدث منذ فيضانات 1988 ومن قبلها فيضانات 1946، ومخلّفاً آثار كارثية آنية وعلى المديين القريب والبعيد. تهديدات صحية قال استشاري علم الأمراض في المملكة المتحدة بابكر إسماعيل لـ”اندبندنت عربية” إنَّ “البنية التحتية في السودان تعاني من ضعفٍ واضح خصوصاً في الصرف الصحي ومصارف مياه الأمطار، لذا تظلّ معظم مياه الفيضانات والأمطار راكدةً في بركٍ حتى تجف، وأثناء ذلك تصير ملجأً ومرتعاً للبعوض والذباب. وبعض المناطق بها نظام تصريف بدائي، إذ يتم حفر جداول صغيرة كل عام تكون مهمتها تصريف مياه الأمطار من الأرض الموحلة ويتفاقم الوضع بسبب الطبيعة المسطحة والطينية للأرض في السودان”. وأوضح إسماعيل أنَّ “غياب أنظمة الصرف الصحي تؤدي إلى نتائج خطيرة منها اختلاط الفضلات البشرية بالمياه الراكدة. فتنتقل الجراثيم عن طريق الذباب، ويؤدّي ذلك إلى انتشار أمراض الإسهالات وأمراض أخرى مثل التهاب الكبد الوبائي والديدان. أمّا تكاثر البعوض في المياه العذبة فينتج عنه انتشار حالات الملاريا التي ينقلها بعوض الأنوفيليس المنتشر في السودان، كما يؤدي شرب المياه الراكدة في المناطق الريفية، إلى المزيد من الأمراض. وتشمل المضاعفات الصحية الأخرى للفيضانات الحوادث وكسور العظام نتيجة للسقوط، كما تزداد حالات التهابات الجهاز التنفسي”. وأضاف إسماعيل أنَّ “الفيضانات تؤدي أيضاً إلى إغلاق الطرق وتعطيل السفر والتنقل، مما تتعطّل معها حياة الناس، فتتوقف الزراعة والتجارة في أسواق القرى المحلية مما يؤدي إلى ضغوطٍ مالية على الأسر الفقيرة، وربما يؤثر ذلك على تغذية الفئات العمرية الضعيفة مثل الأطفال والمسنين”. مشكلات لوجستية وذكر إسماعيل أنَّ “تأثير الفيضانات يشمل أيضاً إمدادات الكهرباء، وتؤدي إلى مزيدٍ من انقطاع التيار الكهربائي، مما يؤثر على الثلاجات وحفظ الأطعمة وبالتالي فسادها وتلف بعض الأدوية مثل الأنسولين والأدوية المنقذة للحياة. كما تشمل المشكلات اللوجستية الأخرى عدم قدرة المرضى المصابين بأمراضٍ مزمنة على السفر إلى المستشفيات القريبة لإجراء فحوصاتٍ منتظمة أو تلقي العلاج”. كما أضاف استشاري علم الأمراض “الأمر نفسه ينطبق على النساء الحوامل اللواتي لن يتمكنّ من الحصول على العناية الطبية ومتابعة الحمل كما ينبغي. ولن يتمكن الأطفال من تلقي التطعيمات في الوقت المناسب بسبب الطرق المغلقة. والأسوأ من ذلك أنَّه لا يوجد في كل قرية قابلة، لذلك في مثل هذه الظروف التي تغمر فيها المياه الطرق، قد تنتهي بعض الولادات بموت الأم أو الجنين. وبالمثل قد تكون حالات الطوارئ الجراحية البسيطة مثل استئصال الزائدة الدودية والإجهاض وما إلى ذلك مهددة للحياة”. وختم حديثه “على الرغم من حقيقة أنَّ الشعب السوداني يحب الفيضانات الجيدة، إلَّا أنَّه ليس مستعداً لفيضاناتٍ جيدة بشكل غير عادي، وذلك بسبب جميع التهديدات الصحية والاقتصادية والحياتية المذكورة أعلاه”. آثار اقتصادية وعلى صعيد الآثار الاقتصادية قالت سمية سيد نائب رئيس تحرير صحيفة “السوداني الدولية” والمختصة في الشأن الاقتصادي، لـ”اندبندنت عربية” إنَّ “فيضانات هذا العام أدت إلى كوارث حقيقية في السودان، وبصورة غير مسبوقة، والأكبر والأعنف والأكثر تأثيراً والأكثر ضرراً منذ 1988. حتى الآن حسب الإحصاءات الرسمية للدولة أنَّ عدد ضحايا الفيضانات في الأيام الماضية بلغ أكثر من 100 شخص وانهيار 100 ألف منزل في 16 ولاية بالإضافة إلى الإصابات التي لا توجد لها إحصاءات دقيقة. وحتى هذه اللحظة لا توجد إحصاءات بحجم الخسائر المادية، وبمسح سريع لحجمها والأخبار المتواترة حولها يتضح أنَّها خسائر ضخمة جداً، شملت نزوح نحو 85 ألف شخص بالإضافة إلى نفوق أكثر من 5 آلاف رأس ماشية. وهذه هي الأرقام الرسمية، لكن هناك من يرى أنَّ العدد أكبر بكثير وهذه خسارة بشرية واقتصادية هائلة”. وأضافت أنَّ “إعلان الدولة عن حالة الطواريء هو إجراء سليم، شملت تأجيل المدارس إلى أجلٍ غير مسمى لسلامة الطلاب والطالبات بسبب انهيار عدد كبير من المدارس خصوصاً في المناطق الطرفية للعاصمة الخرطوم وأريافها وعدد من ولايات السودان المختلفة لأنَّ البنية التحتية لمنشآت التعليم في السودان هشة في الأساس”. وأوردت سيد “انهار عدد من المراكز الصحية، كما تأثرت المستشفيات الريفية بهذه الفيضانات ولا زالت التأثيرات مستمرة. نشاهد يوميّاً عدداً كبيراً من انهيارات المنازل وتشرد المواطنين بعدأن غمرت المياه القرى حول الخرطوم في مناطق الجيلي وود رملي وشرق النيل وجبل أولياء وحدث التأثير الأكبر للمناطق قرب مجرى النيل. كذلك غمرت المياه ولاية نهر النيل بشكلٍ شبه كامل، مروراً بمدينة شندي والمنطقة السكنية بالقرب من الآثار في منطقة البجراوية التي حدث فيها انهيار شبه كامل، وكذلك ولاية الشمالية المتاخمة لولاية نهر النيل”. تعقيدات إضافية وأوضحت أنَّ “الفيضانات جاءت في ظلِّ اقتصادٍ مُنهك، جراء الفساد في النظام السابق ثم جائحة كورونا وآثار مواجهتها التي أدَّت إلى كثيرٍ من التعقيدات الاقتصادية وبدورها فاقمت من المشاكل المعيشية، وجعلت المواطن في مواجهةٍ مباشرة مع الأزمة الاقتصادية، والتضخم والارتفاع الهائل في الأسعار، إذ تجاوز الدولار سعر 210 جنيه سوداني”. وأرجعت سيد أسباب ذلك إلى “عوامل موضوعية تتعلق بممارسات النظام السابق وعدم استرداد كامل الأموال المنهوبة. وهناك أيضاً عدم وجود رؤية واضحة للحكومة الانتقالية في النهوض بالاقتصاد السوداني وفتح مجالات الاستثمار والتعاون مع المجتمع الدولي على الرغم من الدعم المُقدَّم. وحتى الآن لا يوجد برنامج اقتصادي واضح يخرج المواطن السوداني من هذه الأزمات”. وأكَّدت أنَّ “أزمة الفيضانات زادت من التعقيدات الاقتصادية، لأنَّ إعادة الإعمار تحتاج إلى موارد ضخمة وهذه ليست في مقدور البلاد في الوقت الراهن”. آثار اجتماعية أما عن الآثار الاجتماعية للفيضانات قال أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بجامعة الخرطوم، منزول عسل، إنَّها “تبرز الوجه الجميل للمجتمع بتعاون أفراده وتآزرهم، وقد لا يكون هذا أمراً متفرداً للفيضانات لأنَّ الوجه الظاهر هو الكوارث والمآسي. وبالرجوع إلى تاريخ الفيضانات في السودان ففي عام 1946 كان هنالك فيضان النيل الذي أوشك على ابتلاع جزيرة توتي، وهي جزيرة صغيرة عند ملتقى النيلين الأزرق والأبيض. حينها هبَّ سكان الجزيرة وأقاموا التروس لصدَّ النيل الهائج، وقد كُتبت إحدى الأغنيات الخالدة تمجيداً لتعاضد سكان وشباب الجزيرة وهي أغنية “عجبوني الليلة جوا صدَّوا البحر ترسّوا”. ويُعدُّ إبراز تعاضد المجموعة هو أحد الآثار الاجتماعية الإيجابية للفيضانات. وهناك فيضان عام 1988 إذ مرَّ الناس بنفس حالات التعاضد، وهناك عدة فيضانات لكنها لم تُحدث ما أحدثته هذه الثلاثة من كوارث”. وأوضح عسل أنَّ “الآثار الاجتماعية السالبة تفوق الآثار الايجابية بمراحل، وتشمل تدمير المساكن وتشريد قاطنيها، وغرق البعض وانهيار بعضها فوق ساكنيها، وتفرق الأسر عن بعضها البعض، الخ… وأكثرها تأثيراً على الحالة النفسية هو انهيار المنازل وتدمير الزراعة لارتباطها بصيرورة الحياة”. تمسك بالأرض وأضاف أنَّ “هناك آثار اجتماعية أخرى بعيدة المدي تتمثل في إجبار السكان على مغادرة مناطق تعودوا على العيش فيها لعشرات السنوات، ومنهم كبار السن وهم الأكثر تمسكاً بالأرض، وهو نتيجة طبيعية لأنَّه كلما طال مكوث الشخص في مكانٍ ما، أصبح ارتباطه قوياً به. ويتشكل الارتباط نتيجةً لأسبابٍ كثيرة منها الذكريات وتجارب الحياة”. كما ذكر مثالاً للتنقلات التي تجريها السلطات لجماعاتٍ بشرية من منطقة إلى أخرى بفعل الفيضانات “حدث هذا في عام 1988 حين اضطرت حكومة الصادق المهدي لتخطيط أماكن بديلة للذين تأثروا بفيضان ذاك العام. وتم تخطيط مدينة دار السلام غرب أمدرمان كمنطقةٍ بديلة للمتأثرين بالفيضانات. أصبحت مدينة دار السلام مأهولة بالسكان ولكنها غيَّرت من شكل مدينة أمدرمان كثيراً. وبالتالي فإنَّ آثار الفيضانات تؤدي إلى تغيراتٍ كبيرة تتعدى فقدان المسكن أو الممتلكات الأخرى”. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “ثلاث مقالات في النظرية الجنسية” لفرويد وأصل الحكاية next post غضب خليجي رسمي على تصريحات فصائل فلسطينية You may also like لماذا تتقاعس حسناوات روسيا عن إنجاب فتيان لحروب... 12 يناير، 2025 لماذا يضطر مارك زوكربيرغ إلى إرضاء ترمب؟ 12 يناير، 2025 أميركا تتيح لنحو مليون مهاجر من أربع دول... 12 يناير، 2025 بـ 178 مليون .. السلطان هيثم يأمر بمكرمة... 12 يناير، 2025 الرياض تستضيف اجتماعا حول سوريا وميقاتي والشرع يتفقان... 11 يناير، 2025 المقاتلون الأجانب في سوريا الجديدة… معضلة الوجود والمصير 11 يناير، 2025 معركة رئاسة الحكومة في لبنان على نار حامية... 11 يناير، 2025 السعودية “أول مقصد” للرئيس اللبناني ورسائل نارية إسرائيلية... 11 يناير، 2025 “هباء منثور”.. غضب في إيران من خسائر بالمليارات 11 يناير، 2025 مأساة “وليمة” الجامع الأموي.. من هو الشيف أبو... 11 يناير، 2025 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.