غريتا غاربو في مشهد من فيلم _آنا كريستي_ (موقع الفيلم) ثقافة و فنون غريتا غاربو “تنطق” للمرة الأولى في فيلم يوجين أونيل by admin 3 يونيو، 2025 written by admin 3 يونيو، 2025 20 مسرحية “آنا كريستي” اقتبستها هوليوود لكي تسرد حكاية سويدية في أميركا اندبندنت عربية/ إبراهيم العريس باحث وكاتب كان الفيلم الذي حققه الهوليوودي كلارنس براون في عام 1930 بعنوان “آنا كريستي”، واحداً من أول إنتاجات السينما الأميركية الناطقة. ولم يكن ما يخالف ذلك ممكناً. فالفيلم مقتبس من واحدة من أشهر مسرحيات رائد المسرح الأميركي يوجين يونيل. ولعلها كانت واحدة من أكثر مسرحيات هذا الكاتب اعتماداً على الحوار، بالتالي لا يمكن استساغة اقتباسها في السينما الصامتة، بل إنها كانت في عام 1923 قد اقتبست في هوليوود لتلك السينما، ولكن دون أن تحقق نجاحاً يذكر، إذ إن الجمهور فضل المسرحية دائماً على الفيلم، ولكن في عام 1930 اختلف الأمر، وليس فقط لأن الفيلم أتى ناطقاً، زينته حوارات أونيل الواقعية ولكنة غريتا غاربو السويدية المتأمركة، بل كذلك لأن دعايات الفيلم نفسها التي انتشرت في الإذاعات والصحف وفي الباصات والساحات العامة حملت عبارة واحدة أتت كالسحر لتجتذب الجمهور العريض: “غاربو تتكلم”. فاندفع الملايين لسماع النجمة الكبيرة وهي تنطق على الشاشة للمرة الأولى. والطريف أن ما من أحد استغرب لكنتها، ولكن السبب واضح. ففي الفيلم تلعب غاربو دور مهاجرة أتت طفلة من السويد لتعيش حياة جديدة لها في أميركا. غير أن الأمور لم تكن على تلك البساطة بالتأكيد. فالحقيقة أن “الصدفة” هي ما جعل غريتا غاربو السويدية الأصل تبدو ملائمة للدور وكأنه كتب من أجلها. فالحكاية حكاية صبية كان والدها المهاجر كريس كريستوفرسن قد اصطحبها من موطنهما الأصلي بعدما أتى بها أول الأمر مرافقة له في هجرته الأميركية ثم خشي عليها من أن تفسد في وطنه الجديد فاستبعدها عن نيويورك طفلة وهو يعتقد أنه قد أنقذها من مصير اجتماعي بائس، غير أنه سيكتشف لاحقاً أنه لم ينقذها. يوجين أونيل (1888 – 1953) (الموسوعة البريطانية) تيارات عديدة لنص واحد كتب يوجين أونيل “آنا كريستي” عند نهاية المرحلة الأولى من مساره المسرحي الطويل الذي جعل منه واحداً من كبار مؤسسي المسرح الأميركي، ولا سيما أنه جرب في مرحلته الأولى عدداً كبيراً من التيارات في الكتابة المسرحية فكتب المسرحيات الواقعية والشاعرية والتعبيرية والتاريخية، بل دنا من مسرح يقتبس الحكايات الدينية مباشرة، واصلاً إلى مشارف المسرح الحديث والكافكاوية والوجودية. وهو برع في كل توجهاته وصولاً طبعاً إلى “آنا كريستي” التي شكلت علامة فارقة في مساره، إذ جمعت عدداً لا بأس به من التيارات المسرحية في بوتقة واحدة، لكنها تميزت خاصة ببساطتها وبكونها عملاً يدعو إلى التسامح، إن لم يكن من موقع أخلاقي فمن منظور واقعي يدعو إلى قبول الحياة كما هي. وعلى أية حال من خلال تلك الحياة العائلية التي يصورها في مسرحيته. وتدور هذه الأخيرة من حول العامل النزيه كريس الذي إذا ضاقت به الأحوال في وطنه الأصلي السويد يهاجر إلى الساحل الشرقي من الولايات المتحدة باحثاً لنفسه وزوجته ولطفلتهما آنا عن حياة ومستقبل جديدين. غير أنه لا يجد أمامه كعمل إلا تحميل الفحم على مراكب نقل متخصصة، يقطع بها المسافة البحرية بين بوسطن ونيويورك في عمل لم يجد في ممارسته له أي مكان لطفلته، حيث أدرك أنه لن يتمكن من حمايتها والإشراف على تربيتها في بيئة لا يمكنها أن تكون مستقيمة وتؤمن لها حياة شريفة. ولأن كريس الذي كثيراً ما كان قد عانى في البحر وأخطاره وأخلاقيات عماله، المنحطة في رأيه، في فترة مبكرة من حياته، يكره البحر كما تفعل زوجته آنا، يوافق هذه الأخيرة على أن تتوجه للعيش عند أقارب لها في مينيسوتا بعيداً من البحر وموبقات العيش في بيئته. مشهد من مسرحية “آنا كريستي” في تقديم حديث (موقع المسرحية) عودة آنا إلى نيويورك وينتقل الزمن بنا وبكريس 15 عاماً إلى الأمام، وها هو بطلنا يتلقى الآن من ابنته وقد أضحت صبية، رسالة تعلمه فيها أنها عائدة إلى نيويورك كي تعيش معه. ويندفع كريس إزاء هذا الخبر إلى تنظيف مركبه، وبخاصة إلى طرد فتاة هوى تعيش وتتنقل معه عادة على ظهر المركب. فآنا “البريئة الطاهرة” كما يصفها ويتوقعها أن تكون، لا يمكنها أن تعيش كما تعيش صاحبته أو تختلط بها. وتصل آنا بالفعل، ويستقبلها كريس استقبالاً يليق بالصورة التي في ذهنه وذكرياته عنها، ولكن من دون أن يدرك أنه تصور لابنته لا يشاركه فيه كثر. فهؤلاء ما إن يتعرفوا على الفتاة حتى يتبين لهم أنها آتية من مكان وماضٍ لم يكونا أكثر طهارة مما تعيشه فتاة الهوى التي ترافق كريس في حياته، ولكن ها هي الابنة إذ تعود إلى مكانها في حياة أبيها سرعان ما يحدث لها أن تستعيد، وليس في ناظريه فحسب، ماضيها في عصر براءتها الأولى وتستسيغ حياة الطهارة السابقة، بل تألف حتى حياة البحر في جانبها المشرق مساعدة أبيها في عمله. إنها تستعيد براءتها تماماً وكأنها خلقت لتوها من جديد. وفي تلك الأثناء يحدث لها يوماً أن تشارك أباها في إنقاذ أشخاص تحطمت بهم سفينتهم قرب الشاطئ وتغرم بواحد منهم هو البحار مات بورك ذو الوجه الطفولي، الذي يبادلها حبا بحب. غير أن كريس يغضب حين يتقدم مات لخطبة آنا، فهو لا يريد بأية حال من الأحوال لـ”ملاكه الطاهر” أن تتزوج بحاراً… وينتهي هذا الفصل بخناقة عنيفة وتشابك بالأيدي بين الرجلين. أما آنا التي حطمها الصراع بين أبيها وحبيبها فتعترف لهما معاً بماضيها مؤكدة لهما وسط دموعها أنها ليست بأية حال ذلك الملاك الطاهر الذي يتصارعان من حوله. ويذهل كريس ومات أمام تلك الاعترافات ويبارحان مركب الأب ليثملا هرباً من تلك المفاجأة… وأمام الصورة التي تحطمت أمام ناظريهما، لكنهما لن يغيبا سوى يومين يعودان معاً بعدهما وقد قرر كل منهما على طريقته أن يواجه هذا الواقع الجديد. زمن للتسامح الحزين فمات من ناحيته قرر أنه لا يزال يحب آنا، ولا يزال راغباً في اتخاذها زوجة له، فهي بالنسبة إليه لم تكن أكثر من ضحية لظروف تحكمت في حياتها جاعلة إياها تسلك درباً لم تختره لنفسها بنفسها، أما كريس الذي كانت صدمته أشد هولاً، فبقي متردداً بعض الشيء وإن كان قد انضم في نهاية الأمر إلى مات في الاتفاق مع شركة بحرية تملك خط سفر بحري إلى جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا، على العمل معاً على متن واحدة من سفنها ستمخر البحر في صبيحة اليوم التالي… لقد عزز هذا المصير المشترك علاقتهما ببعضهما بعضاً، ولكن أيضاً علاقة كل منهما بآنا التي تعرف الآن أن كل ما عليها أن تفعله إنما هو انتظار رجلي حياتها، أبيها كريس الذي إن عجزت في الماضي عن معايشته في شبابه و”أوهامه” فإنها ستعايشه خلال المرحلة المتبقية من حياته في واقع لم يعد يبدي مخاوف كثيرة من اقتحامه دون أوهام هذه المرة، وحبيبها الذي ها هو يقبل بها كما هي وتعرف أن عليها منذ الآن أن تنتظر عودته بلهفة كي يتمكن من تأمين حياة كريمة له ولها تبعدها عن سنوات ماضٍ تريد أن تنساه… ونعرف أن هذه المسرحية حين قدمت في عروضها الأولى في نيويورك في العام التالي لكتابة يوجين أونيل لها بفصولها الأربعة، حققت نجاحاً كبير مفتتحة نوعاً من مسرح اجتماعي سيكون يوجين أونيل (1888 – 1953) بالتالي رائده على الخشبات الأميركية على أية حال، معترفاً في تلك المرحلة من حياته بأنه يسير فيه على خطى “أستاذه” النرويجي هنريك إبسن. أما بالنسبة إلى غريتا غاربو فإن فيلمها المقتبس عن المسرحية نفسها ظل موقع اعتزاز لديها وتحديداً لأنه الفيلم الذي أنقذها من رهاب كان يستبد بها: ففي الأعوام الأولى لانتشار السينما الناطقة ساور الفاتنة السويدية ذلك الخوف الذي استبد بكثر من نجوم السينما الصامتة خشية أن تفضحهم أصواتهم إن نطقوا. ومن هنا أهمية تلك الحملة الدعائية التي مهدت للفيلم معلنة أن “غاربو نطقت”، وهي حملة لا بأس من أن نشير إلى حملة أخرى مماثلة لها حققت بعد سنوات نجاحاً هائلاً لفيلم آخر كوميدي تلك المرة، من بطولة غريتا نفسها وكانت آيته عناوين صحافية تقول “غاربو تضحك” وكان الموضوع فيلم “أناستازيا” الذي كان أول فيلم كوميدي مثلته غريتا غاربو! المزيد عن: يوجين يونيلغريتا غاربوالسينما الناطقةهنريك إبسن 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مهى سلطان تكتب عن : سمير الصايغ في رحلة الحروف وجمالياتها المتعددة next post “أموال خاملة” في مصارف فلسطينية لرفض إسرائيل إرجاع الفائض من الشيكل You may also like أوبرا “شعبية” روسية تمجد القيصر “المنقذ” 4 يونيو، 2025 رحيل هادئ لسيدة المسرح العربي سميحة أيوب عن... 4 يونيو، 2025 هل يهدد موفق طريف في إسرائيل زعامة آل... 3 يونيو، 2025 مهى سلطان تكتب عن : سمير الصايغ في... 3 يونيو، 2025 مارغريت ووكر: مرافعة أدبية ضد العبودية 3 يونيو، 2025 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 2 يونيو، 2025 مارك توين في مرآة تشيرنو… الوجه الآخر للكاتب... 1 يونيو، 2025 “لعنة لبنان”: كتاب ينكأ الجرح القديم الذي لم... 1 يونيو، 2025 المغرب يودع نعيمة بوحمالة “سيدة الدراما القوية” 1 يونيو، 2025 لفظوه للحب واستعادوه للحرب… الإيطاليون وفيردي 1 يونيو، 2025