ثقافة و فنونعربي غدانوف ضد المثقفين وستالين يدافع عن”الجسم السليم” by admin 6 يونيو، 2021 written by admin 6 يونيو، 2021 29 الديكتاتور يفضل الرياضيين على المبدعين وهؤلاء ينتحرون احتجاجاً اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب منذ وصوله إلى السلطة العليا في الاتحاد السوفياتي، بل حتى من قبل ذلك، كان واضحاً أن المفكرين والفنانين والمبدعين لم يحبوا ستالين. وحتى الذين مجدوه في إبداعاتهم سيقولون لاحقاً إما في أوراقهم السرية، وإما بعد سقوطه، وفضح المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي جرائمه وضروب القمع والاضطهاد التي مارسها، إنهم إنما فعلوا ذلك خوفاً منه. وهو على أية حال كان من الدهاء والمكر بحيث كان يعرف ذلك، بالتالي لا يتوقف عن رد الصاع صاعين أحياناً بطريقة مباشرة، وأحياناً من طريق تعيين مسؤولين عن شؤون الثقافة يفوقونه قمعاً ودهاء. معارك غير متكافئة ومن هنا كانت فترة حكمه، وفي الأقل خلال ثلث القرن الأول منها، فترة شهدت شتى ضروب القمع والاضطهاد في معارك غير متكافئة بين الزعيم الدموي والفئات الأكثر تقدماً وإبداعاً في ذلك البلد. معارك وصل المعارضون في خوضهم لها بقوة وعنف إلى حدود الانتحار كنوع من الاحتجاج الصارخ ضد ما يحدث. في مثل تلك الحالات كانت الانتحارات تغلف كشؤون عاطفية أو ممارسات جنونية أو أنواع يأس وجودية. لكن العالم الخارجي كان يعرف حقيقة ما يحصل وأن كبار المبدعين وبخاصة منهم أولئك الذين آمنوا بالثورة وناصروها، كانوا بانتحارهم يجابهون الديكتاتور بما يتصورون أنه سيفضحه في العالم. انتحارات فعالة ونعرف أن تلك الممارسات القصوى قد فعلت فعلها، حيث خلال حوالى عشر سنين تلت وصول ستالين إلى السلطة، كان عدد كبير من المبدعين الأجانب من الذين ناصروا الثورة البلشفية قد انقلبوا وراحوا يصدرون الكتب والدراسات المناوئة لستالين وسياساته. غير أن هذا كله لم يهز الرجل الفولاذي، بل زاده إمعاناً في قهر المفكرين ومحاكمتهم وسجنهم وإرسالهم إلى الأشغال الشاقة في سيبيريا، ناهيك باقتلاع أهلهم وأقاربهم بل كل المقربين منهم ونفيهم. وفي أحيان كثيرة، حين كانت الحيلة تعوز ستالين للإمعان في قهر أولئك الخصوم الذين عرفوا كيف يجعلون العالم الذي كان قد اعتاد على الوقوف إلى جانب السوفيات، يصغي إليهم ويقف إلى جانبهم واضعاً ستالين في مصاف الديكتاتوريين الكبار، كان مساعدوه يعثرون له على وسائل وأفكار جديدة. أندريه غدانوف (موقع الأدباء الروس) استعارات فاشية ومن ذلك مثلاً ما تمكن أندريه غدانوف، رجل ستالين المفضل في عالم الثقافة منذ بداية سنوات الأربعين على الأقل، من ابتكاره في مثل هذه الأيام قبل ثلاثة أرباع القرن، أي في صيف عام 1946، وذلك هذه المرة انطلاقاً من فكرة بسيطة كان أكثر ما فيها من بعد شيطاني استعارتها من منظومة الفكر التي يعتبرها المثقفون التقدميون في العالم أجمع عادة فكرة نازية شكلاً ومضموناً. وهذه الفكرة هي تلك التي تقوم على مبدأ أن “العقل السليم في الجسم السليم”! وكان شعار “العقل السليم في الجسم السليم” شعاراً اعتاد المثقفون اليساريون الأكثر ثورية، في تلك الأزمان، اعتباره واحداً من الشعارات الفاشية، لكونه يبجل الشكل على المضمون. ولكونه، في الحقيقة، واحداً من الشعارات التي سادت في ألمانيا النازية، حين اعتادت السلطات على إحراق الكتب واضطهاد المثقفين في الوقت نفسه الذي كانت تكرم فيه الرياضيين أصحاب “الأجسام السليمة”. هذا الشعار ارتأى ستالين أوائل صيف 1946، أنه حري به أن يتبناه، بدوره، ليس (بالطبع) اعترافاً منه بأنه قد أصبح فاشياً نازياً، بل نكاية بالمثقفين الذين كان واثقاً من أن الرياضة تغيظهم، ويحتقرون مثل ذلك الشعار. التدخل في شؤون الحياة اليومية في ذلك الحين كان ستالين قد قرر أن يتدخل في شؤون الحياة اليومية كلها، في طول الاتحاد السوفياتي وعرضه، وأن يطبع كل شيء، منذ ذلك الحين، بطابعه. من هنا أعلن في ذلك اليوم تأييده ودعمه المطلق لممارسة الشبيبة شتى أنواع الرياضة، وفي الوقت نفسه أمر السلطات الثقافية بأن توقف عن الصدور صحيفتين ثقافيتين كان لكل منهما تأثيرها في أوساط المثقفين في ذلك الحين وهما “لينينغراد” و”زفيزدا”. وكانت اللجنة المركزية للحزب قد نددت بهما بسبب “طابعهما اللاسياسي”، و”فسادهما الأيديولوجي” اللذين من شأنهما أن يؤثرا تأثيراً سلبياً على القراء. وفي ذلك الوقت كان يحلو لستالين أن يتوجه لحضور المباريات الرياضية، وخصوصاً في ملعب “دينامو” الشهير وتشجيع الشبيبة الرياضية، وفي المقابل، كان يبدي غضبه على كل تلك الأماكن التي لا علاقة لها بـ”الجسم السليم”. وهو كان كلف معاونه الوفي غدانوف بممارسة أقصى درجات التشدد ضد أولئك المثقفين الذين “لا يعجبهم العجب” ويفسدون الأمزجة والأخلاق. الشاعرة المغضوب عليها ويمكننا أن نتصور هنا كيف أن غدانوف أسرع لتحقيق ما كان سيده يتوقعه منه. وكان من أول وأبرز ضحاياه الفوريين، في تلك الأيام بالذات، الشاعرة آنا أخمدوفا وزميلها الشاعر ميخائيل زوتشنكو. حيث أصدر غدانوف قراراً بمنعهما من النشر وبطردهما من “نقابة المؤلفين”، ما يعني بالتالي أنه لن يعود في إمكانهما نشر أعمالهما أو كسب أي قرش يعيشان به. بالنسبة إلى غدانوف كانت آنا “نصف راهبة – نصف عاهرة”. أما قصائدها الرومانسية فليست أكثر من “أدوات فساد”. نذكر للمناسبة أن الشاعر نيقولاي غوميليف، زوج آنا، كان قد أعدم في عام 1921 من قبل أجهزة الاستخبارات البلشفية الأولى (التشيكا) بتهمة التآمر ضد السلطات. أما زوتشنكو، فإن نصوصه كانت تحمل “سموماً معادية للإنسان السوفياتي”، و”تهكماً من الحياة اليومية في البلاد”. وهو كان، منذ عام 1934، موضوعاً، على أي حال، تحت المراقبة من قبل “مؤتمر الكتاب”، غير أنه عرف كيف يستفيد من ظروف الحرب ومن غياب الرقابة خلالها لكي ينشر كتاباته الساخرة، فتنتشر وتصبح ذات شعبية كبيرة. الدود الفاسد بالنسبة إلى غدانوف، أو بالنسبة إلى ستالين بالتالي، كان هؤلاء وأمثالهم، “دوداً فاسداً ينخر في جسم المجتمع”، وكانوا ممثلين لـ”قوى رجعية ظلامية وخونة”. أما الرياضيون فـ”وطنيون مخلصون، أصحاب عقول سليمة في أجسامهم السليمة”. هذا ما كان ينادي ستالين به وهذا ما أخذ يؤمن به غدانوف بالتالي. وهكذا فيما راحت تنشأ مئات النوادي الرياضية، وتقام الاحتفالات الصاخبة من حول أي انتصار يحققه رياضيو الاتحاد السوفياتي، محلياً أو خارجياً، كان غدانوف يمعن في قمع الكتب والأفلام والموسيقى. ولقد طاول اضطهاده في ذلك الحين، حتى الموسيقي ديمتري شوستاكوفيتش الذي عرف بالموسيقى الوطنية التي وضعها خلال حصار لينينغراد، لا سيما منها سيمفونيته الرائعة المعنونة بالتحديد “لنينغراد” التي ألفها خلال حصار المدينة من قبل القوات النازية، وقيل يومها إنها ساعدت الشعب على الصمود، ما ساعد الوطن على التغلب على النازية والتخلص بالتالي من الاحتلال الألماني. إذا عرف السبب غير أن ذلك كله لم يشفع لشوستاكوفيتش، كما أن إنتاجات مماثلة لم تشفع لمئات المبدعين والمثقفين بشكل عام. وهكذا خلال السنوات التي كانت لا تزال باقية من حكم ستالين وحياته، عرف الاتحاد السوفياتي أكبر قدر من القمع والمنع للمثقفين، في الوقت الذي كان فيه أبطال الاتحاد الرياضيون يتقدمون ويسجلون المآثر تلو المآثر، ما جعل الاتحاد السوفياتي في خلال العقود التالية من الزمن، واحداً من البلدان الأكثر تقدماً في العالم على صعيد الرياضة وعلى صعيد التربية الجسمانية، كل هذا في وقت اضمحلت فيه الآداب والفنون بصورة عامة، وطلبت السلطات وعلى رأسها غدانوف من المثقفين أن يكونوا مجرد أبواق تخدم النظام وسيده، وفي هذا السياق سوف يقال دائماً، وعلى الأقل منذ المعركة التي راح يخوضها خروتشيف خليفة ستالين و”فاضح جرائمه” في المؤتمر العشرين للحزب، أن أكثر ما كان يغيظ ستالين هو تلك الأعمال الكبرى التي مجدت الوطن، ونسيت في طريقها أن تمجده هو شخصياً. ولعل هذا ما يفسر اضطهاده لشوستاكوفيتش الذي خص مدينة لينينغراد بسيمفونية رائعة، وكان الأجدى به أن يكتب سيمفونية أكثر قوة منها لمدينة ستالينغراد ولم يفعل!. المزيد عن: الاتحاد السوفياتي/جوزيف ستالين/الثورة البلشفية/أندريه غدانوف 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post «لعنة كارامازوف» تقارب رواية دوستويفسكي مصريا next post المجهول جيرمان نوفو شارك رامبو في كتابة “الإشراقات” You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.