المخرج جان لوك غودار (غيتي) ثقافة و فنون عودة غودار من منفاه النهائي احتجاجا على كارثة غزة by admin 30 نوفمبر، 2024 written by admin 30 نوفمبر، 2024 7 عندما أجاب السينمائي الفرنسي الكبير عن عنوان فيلمه “لماذا سراييفو؟” بكلمتين “لأن فلسطين…” اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب خلال حديث يدور في سراييفو عند بدايات القرن الجديد، ينطرح سؤال بدا حينها مستغرباً عن السبب الذي ينقل الشاعر الفلسطيني الأيقونة محمود درويش إلى العاصمة البوسنية لمناسبة انعقاد مؤتمر عالمي للكتاب والشعراء والناشرين، بطريقة لا تخلو من فضول وينحصر في كلمتين “لماذا سراييفو؟”. ويأتي الجواب في كلمتين أخريين أكثر اختصاراً “لأن فلسطين”. ومن يتفوه بالعبارتين هو الشخص نفسه: صحافية إسرائيلية شابة تجد نفسها في مواجهة محمود درويش حائرة بين قناعات تاريخها الخاص واهتمامها بكل ما يقوله هذا الشاعر والمثقف الكبير الذي تعرف أنه حاضر هنا كرمز لقضية فلسطين وشعبها. ويحدث ذلك أمام كاميرا المخرج السينمائي الفرنسي – السويسري الكبير جان لوك غودار، ضمن إطار فيلم كان ينجزه في ذلك الحين ويشكل بالنسبة إليه هو الآخر جزءاً من اهتماماته التي انصبت على فلسطين في ذلك الحين. ونحن لئن كنا في هذه الزاوية قد اهتممنا بالفيلم الذي سيحمل في نهاية الأمر عنوان “موسيقانا” ويعرض فور إنجازه ضمن سياق ضجة كبيرة حول العالم، فإنه يعود اليوم بعد عامين من رحيل صاحبه في “مناسبة” لا شك أنها فرضت نفسها، مناسبة انقضاء عام ونيف على الجرائم التي ترتكب في غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. في صف الضحايا والعودة ليست في الصالات هذه المرة، بل من خلال صدور طبعة من الفيلم في أسطوانة مدمجة لاقت بدورها اهتماماً عالمياً كبيراً، ولكن، كذلك وبخاصة من خلال إعادة نشر ذلك الحوار الطويل الذي أجراه الناقد والباحث الإنجليزي مايكل ويت مع غودار في عام 2005 والتالي مباشرة للعام الذي ظهر فيه الفيلم، لحساب مجلة “سايت أند صاوند” العريقة التي ينشرها معهد الفيلم البريطاني وتعد من المراجع السينمائية الأساس في العالم. يومها كان الحوار طويلاً إلى درجة أنه تعذر نشره في المجلة التي اكتفت بأجزاء منه ثم أعاد المعهد نشرها في كتاب بدا في نهاية الأمر أشبه بوصية سياسية وإنسانية لغودار، وقد حفل بالمواقف التي رسمت صورة دقيقة للمخرج الفرنسي كمفكر سينمائي ومناضل في عالم الفن والإنسانية. ومن هنا أهمية هذه العودة التي تنقسم من خلال النص الذي بات متوافراً على نطاق واسع اليوم متواكبة مع العودة إلى فيلم يعد معبراً عن مجمل ما اشتغل عليه غودار في حياته، مكرساً جزءاً كبيراً من تفكيره وإبداعه لخدمة قضية لم يتوقف عن الإيمان بها ومنذ واحد من أفلامه القديمة، “ثورة حتى النصر”، الذي لم يكتمل أبداً ولم يعرض من ثم منذ تصويره في الأردن عام 1972، حتى تحول ما صور منه إلى فيلم آخر عنونه “هنا وهناك” انطلق بدوره كما يعرف معظمنا من القضية الفلسطينية معتمداً على ما صور من أجل “ثورة حتى النصر” ليتناول المسألة الإعلامية نفسها. بوستر فيلم “موسيقانا” (موقع الفيلم) من سراييفو إلى غزة في تقريرها حول عودة غودار و”موسيقانا” إلى واجهة الأحداث السينمائية اليوم، تشير مجلة “كراسات السينما” الفرنسية إلى حتمية ارتباط هذه العودة بغزة والجرائم التي ترتكب فيها، مؤكدة أن تلك العودة متواكبة مع استعادة محمود درويش بعد سنوات طويلة من رحيله هو الآخر إنما هي وبصورة ما إفصاح عن موقف مثلث من أحداث غزة حتى من دون أن يكون أي من الثلاثة قد عاشها حقاً، فغودار رحل قبل سنتين ودرويش غادر دنيانا قبل ذلك بكثير، أما الفيلم فعرض قبل 10 سنوات، ومع ذلك، وكما تقول المجلة السينمائية التي دائماً ما ناصرت القضية الفلسطينية، تبدو غزة “حاضرة في الفيلم أكثر من حضور أي شيء آخر وربما من خلال ذلك البعد الذي يعبر الفيلم به عن التطابق بين إبادة الهنود الحمر عند تأسيس الأمة الأميركية، وإبادة إسرائيل للفلسطينيين في غزة في سعيها إلى إبادتهم في كل مكان”، وهو أمر يشتغل عليه “موسيقانا” حتى بصرياً اشتغالاً بالغ الذكاء بعبارات غودار نفسه، الذي يشير إلى أنه لا يزال يشعر بنفسه في صف الضحايا الذين يظلمهم التاريخ، لافتاً إلى أن ذلك الشعور قد يكون غمره في عام 1948 بفعل ما عده وعده كثر معه من النظر إلى تلك العودة – عودة اليهود إلى فلسطين بعد غياب ألوف السنين – حقاً مشروعاً، لكنه وكما يقول في كل مشهد مخصص لفلسطين والفلسطينيين في “موسيقانا” استفاق لاحقاً على واقع أن الضحايا قد تغيروا، إذ بات الفلسطينيون هم الضحايا وتحديداً منذ عام 1948 نفسه الذي بدأت فيه إبادتهم، ليستحق مصيرهم مقارنة فصيحة مع مصير إخوتهم في الإنسانية سكان أميركا الأصليين. حوار نهائي مهما يكن من أمر وحتى ولو أن عودة “موسيقانا” و”بطله” شاعرنا العربي الكبير إلى الواجهة اليوم من خلال الحديث عما يجمع بين عودتين وتطابق الأمر مع مأساة غزة الجديدة تبدو منطقية، فإن المناسبة كانت في الواقع مرتبطة بذكرى مرور 10 سنوات على ظهور الفيلم كإشارة لتجدد اهتمام غودار سينمائياً وبكل صراحة بالقضية الفلسطينية في مفتتح ثلاثية سينمائية غودارية، سيكون لفلسطين فيها حصة كبيرة، إذ إنه من بعد هذا الفيلم الذي تلا استعادة المخرج الكبير فيلمه القديم والفتحاوي تحديداً عبر “هنا والآن”، ها هي فلسطين تحضر بقوة، وكما الحال في “موسيقانا”، في فيلم تال له هو “فيلم-اشتراكية” كما ستحضر في “كتاب صورة” الذي سيعد وصيته السينمائية الفنية الأخيرة. ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن الحوار الذي أجراه مايكل ويت مع غودار يتسم بغنى لافت، لكنه في الوقت نفسه يقفز بهذا الأخير من التاريخ إلى الراهن قفزة قوية وربما خاصة من خلال ما يعبر عنه غودار في لغته الخاصة حين يقول لويت وتحديداً بوصفه سينمائياً على حد تعبير السينمائي نفسه “إنني أقف في صف الضحايا بالنظر إلى أنني أحس أنني فلسطيني، وبالنظر إلى أن المجال الذي نعمل فيه والسينما تحديداً هي فن خاضع لاحتلال النص الأميركي تسانده صور لم تعد من ناحيتها كذلك”. وهو موقف يذكرنا بالحوار مع ويت بأن فيه قدراً كبيراً من الخلط بين الأدوار كثيراً ما أثار في الماضي سجالات مع غودار ومن حوله، ولكن في تلك المرات “بوصفه مؤرخاً للسينما”. ومن هذا المنظور يبدو واضحاً لنا في الأقل كيف أن أداء محمود درويش كما صوره “موسيقانا” في سراييفو، أتى ليلقي ضوءاً ساطعاً، من ناحية سينمائية كما من ناحية تاريخية، وربما عبر ذلك التقابل المهم بين حلول اليهود محل الفلسطينيين بوصفهم جلادين، وحلول الفلسطينيين محل اليهود من ناحيتهم بوصفهم ضحايا. ويقيناً أن غودار في لعبته الإبداعية هذه عرف كيف يدنو من الموضوع الجوهري بصورة تتسم تماماً مع ما آمن به دائماً أو في الأقل منذ باتت السياسة جزءاً أساساً من كينونته الإبداعية. بين الماضي القريب والحاضر بقي أن نشير هنا أخيراً إلى أن ويت صاحب المشروع الدامج اليوم بين حواره التاريخي مع غودار، والفيلم الغوداري الكبير حتى وإن كان قد بدا منسياً بصورة أو بأخرى ليستعاد على ضوء مجازر نتنياهو ومشاركيه من أساطين أقصى اليمين الإسرائيلي في غزة كما في لبنان والضفة الغربية، أدخل بعداً سياسياً إضافياً في اشتغاله من جديد على المشروع وهو الذي بدا ناصحاً غودار في حوارهما ومركزاً على هذه النصيحة كنوع من ضرورة مخاطبة الأجيال الجديدة بلغة تفهمها هذه الأجيال كي تصل الرسالة. لكنه في المقابل، وفي كتابة لاحقة يلفتنا إلى أن هذه “النصيحة قد تبدو اليوم بغير ما فائدة نظراً إلى أن حكام إسرائيل أنفسهم قاموا بالمهمة ’خير‘ قيام من خلال ما اقترفوه أمام سمع العالم وبصره”!! المزيد عن: سراييفومحمود درويشجان لوك غودار 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تجارب علمية غرائبية عن الكائن الاجتماعي وتوحشه وميوله الجنسية next post ثقافة “الهاليو”… قوة كوريا الجنوبية الناعمة التي اجتاحت العالم You may also like ثقافة “الهاليو”… قوة كوريا الجنوبية الناعمة التي اجتاحت... 30 نوفمبر، 2024 مقولة النصر والهزيمة في ضوء الفلسفة والنقد التاريخي 30 نوفمبر، 2024 كتّاب المرحلة الروسية الفضّية في “زهرة تحتَ القدَم” 30 نوفمبر، 2024 مستقبل مقاومة هوليوود الليبرالية بوجه ترمب 29 نوفمبر، 2024 نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024