ثقافة و فنونعربي عودة أفلاطون الكبرى في عصر النهضة تحت رعاية حاكم متنور by admin 30 أبريل، 2023 written by admin 30 أبريل، 2023 8 أداءات مسرحية لـ”الحوارات” تطرح السؤال الدائم: هل كتبها الفيلسوف الإغريقي للمسرح؟ اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب كان زمن إيطالي يلتقي فيه الناس بعضهم بعضاً فيسارع واحد منهم محيياً الآخر مبتسماً له بأريحية وهو يقول “رباه! ها هو ذا أفلاطون قد عاد إلينا…”. وطبعاً لم يكن ذلك في إيطاليا كلها وليس في أي حوار بين “كل الناس”، طبعاً فلسنا هنا في عوالم خيالية من النوع الذي يتمناه أصحاب “المدن الفاضلة“، بل فقط في ناحية تقع على تخوم مدينة فلورنسا وفي عهد حكام متنورين من آل مديتشي في مقدمتهم كوزيمو وحفيده لورنزو. أما المنطقة التي كان الفكر زادها اليومي فتحيط بعزبة تقع غير بعيدة من أقرب الضواحي إلى المدينة كان آل مديتشي قد أقطعوها للفيلسوف والمترجم مارتشيللو فيتشينو… مكافأة له على ما كلفوه به من ترجمة كتابات أفلاطون إلى اللاتينية بل حتى منها إلى الإيطالية في تلك العودة لأفلاطون إلى راهنية فكرية كانت هي ما راح يحتفل سكان العزبة وما جاورها وكلهم من مفكري تلك المرحلة النهضوية التي ستبدو لنا مدهشة، ولكن من المؤكد أن ليس في وسعنا أن ندهش حين يكون راعي الآداب والفنون والفكر عموماً، حاكم متنور يمضي جل وقته في قراءة كتب الفلسفة وينفق حتى المال العام على رعاية الفنون، وقد آمن باكراً أن نهضة الفنون إنما هي في نهاية الأمر توفير للغذاء الروحي للإنسان. وهو ما نعرف اليوم أنه كان شعار تلك المرحلة المبكرة من العصر النهضوي الإيطالي الذي شهد بدايات زمن الإنسان. ولئن كان فيتشينو نجم تلك الرعاية مباشرة من البلاط، فإن الرسام بوتيتشيللي كان مدونها في لوحات فنية أخاذة. المسرح فن إنساني لكن المسرح لم يكن غائباً باعتباره فناً إنسانياً لا بد من انتشاره. ولقد كان لفيتشينو نفسه دور كبير في ذلك النشاط “المسرحي” الذي من الصعوبة بمكان أن ننظر إليه اليوم بوصفه أداء مسرحياً حقيقياً، حتى وإن كان قد طرح في حينه فرضيات “بالغة الغرابة” و”الجرأة” حول أفلاطون نفسه وحول حواراته لا تزال موضع جدل وسجالات حتى اليوم. فما هو ذلك “الأداء المسرحي” الذي أتى به مارتشيللو فيتشينو بجدته وطرافته ولكن بمعقوليته المنطقية؟ الحقيقة أنه حتى وإن لم يكن فيتشينو قد طرح الموضوع في بعده النظري الدراسي والتاريخي، فإنه طرحه بصورته العملية على النحو التالي الذي قد يمكن التمثيل عليه بالمشهد المسرحي الذي قدم ذات بعد ظهيرة في فيللا كاجاري: سبعة من بين تسعة حضور برئاسة مارتشيللو فيتشينو نفسه وتحت رعاية وبصر الحاكم لورنزو دي مديتشي، يتنادون لتقديم نوع من تمثيلية هم جمهورها الوحيد، يتولى كل واحد من السبعة فيها تأدية دور واحد من الأثينيين السبعة الذين يتحدثون ويتجادلون حول… الحب بخاصة وحول شؤون أخرى في حوار “المأدبة” الأفلاطوني. وكان ذلك في أداء مسرحي يتولى فيه فيتشينو نفسه دور أفلاطون، والباقون الأدوار الأخرى. والحقيقة أن ذلك المشهد لم يكن “الحوار الأفلاطوني” الوحيد الذي مثل ذلك اليوم من حول مائدة في الفيللا، بل أتى متوجاً سلسلة من الممارسات الفنية المشابهة كانت قد شملت من قبله حوارات مثل “كريتون” و”فيدرون” و”دفاع سقراط” وبخاصة “غورجياس”، وذلك على ضوء أفلاطونية جديدة كانت قد غابت منذ زمن أفلوطين وفرفوريوس الصوري اللذين في مدرسة الإسكندرية وحولها كانا قد أعادا أفلاطون وفكره إلى ساحة التفكير الفلسفي الإنساني. هل كانت الحوارات نصوصاً مسرحية؟ أما المسألة التي أعاد فيتشينو طرحها عبر الأداء المسرحي للحوارات فتمحورت حول السؤال التالي: هل من الممكن اعتبار الحوارات التي كان أفلاطون يبدع في كتابتها مكتوبة أصلاً لتؤدى مسرحياً في زمن ازدهار الفكر والمسرح معاً في أثينا خلال القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد؟ وكان سؤالاً منطقياً إن لم يحسم العلماء والمؤرخون أمره ويجيبون عنه بشكل قطع على مدى ألوف السنين فإن “جواب” مارتشيللو فيتشينو ورفاقه العملي حمل إجابة ممكنة وتبدو معقولة إلى حد كبير. ومع ذلك فإن السؤال المسرحي وطرحه والإجابة عنه لم تكن من هموم تلك المجموعة المميزة من المبدعين النهضويين. كان الإنسان وأسئلة وجوده همه الأساس، وبالتأكيد أنه كان أيضاً همَّ الحكام المتنورين من آل مديتشي. ومن هنا لم يتردد الجد كوزيمو في دعوة فيتشينو مبكراً، على رغم استياء محاكم التفتيش بل حتى أعلى السلطات الكنسية من فيتشينو معتبرة إياه مارقاً، إلى التفرغ في مرحلة أولى لترجمة التراث الأفلاطوني بكامله. وطبعاً ستلقى حوارية “المأدبة” الاهتمام الأوسع لأن موضوع الحب كان قد بات مطروحاً في سياق الفكر النهضوي أكثر من أي موضوع آخر، وهو ما يعبر عنه بالطبع بوتيتشيللي (1444 – 1510) الذي سيعتبر الأكثر تمسكاً بهموم الإنسان وقضايا الجمال والمرأة بخاصة – ولا بد هنا من ذكر لوحات خالدة له في هذا السياق مثل “ولادة فينوس” و”الربيع” – ما تواكب مع تعبير رفاقه مفكري المرحلة بتلك الأمور ولا سيما عبر لوحات رسمها كثيراً ما عبرت عن لقاءات المفكرين من حول كوزيما وحفيده لورنزو، بل إنه سيجعل شخصيات هذين وغيرهما وملامح عديد من المفكرين الآخرين وضيوف فيللا كاجاري الدائمين، ومن بينهم فيتشينو نفسه، “تمثل” في لوحات كبيرة له مثل “تبجيل ملوك المجوس” شخصيات تاريخية وهو دور أسنده إلى نفسه في تلك اللوحة نفسها، حيث نراه بين الحاضرين ينظر بفضول إلى مشاهدي اللوحة. مارتشيللو فيتشينو (1433 – 1499) (غيتي) إنسانية الجيل الأول والحقيقة أننا مهما أسهبنا في تفاصيل مثل هذه تتعلق بالأداءات “المسرحية” للحوارات الأفلاطونية بترجمة وتقديم فيتشينو، أو باللوحات التي حققها بوتيتشيللي عن ذلك كله، سنظل على ظمئنا لأن المسألة كانت في النهاية خلق فنون ووسائل تفكير جديدة لإنسان النهضة وذلك بالتأكيد في السياق الذي كان افتتحه الجيل الأول من المبدعين النهضويين – وهو جيل لا شك أن بوتيتشيللي نفسه استعار منه ليعبر عما قد يمكن اعتباره جوهر أفكاره الرئيسة في أعمال كبيرة له تكاد تجهر من دون لبس بـ”استعارتها” مثلاً شخصية فينوس من نص لبوكاشيو عنوانه “حديقة فينوس” وشخصيات “فتيات النعمى الثلاث” من مسرح سينيكا، وشخصية “هوراس” من نص لمركوريوس، كما استعار نصوص “مسوخ الزهور” من أوفيد ومشهد “موكب فينوس” من لوكريشيوس… مما جعل فنه يبدو في نهاية الأمر وكأنه ديوان شعري لتمجيد كتابة نهضوية مبكرة كانت قد سلكت بدورها دروب استعادة الأفكار الإنسانية الإغريقية واللاتينية التي كانت قد غابت طويلاً، بل بالتحديد غاب عنها الحب الذي سيقول لنا فيتشينو إنه كان الشغل الشاغل للفلسفة الأفلاطونية. ومن حسن الطالع أن ذلك ومن طريق استعادة الفكر الأفلاطوني نفسه كان جزءاً مكملاً – بل أساسياً – في السياق الفكري للإنسانية الجديدة، التقى تماماً مع النزعة الإنسانية التي ميزت بل طبعت ذلك الجيل من حكام فلورنسا من آل مديتشي فأسفر ذلك كله عن تجديدات فكرية كان مارتشيللو فيتشينو (1433 – 1499) نجمها الكبير. دراسة الإسلام بقي أن نذكر أن مارتشيللو فيتشينو يعتبر دائماً في تاريخ الفكر الإنساني واحداً من الكبار حتى ولو أنه فضل أن يعيش دائماً في ظل الفكر الأفلاطوني، الذي آل على نفسه منذ مرحلة مبكرة أن يدرسه من مصادره الإغريقية ولكن كذلك في ترجماته الكلدانية وبخاصة العربية. ومن هنا ما هو معروف من دراسته تينك اللغتين إضافة إلى تعمقه في ما كان رائجاً من لغات أوروبية. كما أنه عرف كواحد من أقطاب التسامح بين الشعوب والأديان مما جعله يشتغل على ترجمة مبكرة للقرآن الكريم إنما، كما معظم أعماله، لحساب حكام فلورنسا المتنورين الذي رأوا في حينه ضرورة الدراسة الموضوعية لذلك الدين التوحيدي، الذي من خلال بدايات الدولة العثمانية كما من خلال المجاورة عبر البحر الأبيض المتوسط لم يكن لهم غنى عن التعاطي مع أهله، وبخاصة من خلال مشاركتهم الاهتمام باستعادة الفكر الإغريقي وربما اللاتيني إلى حد ما. المزيد عن: أفلاطون\إيطاليا\مارتشيللو فيتشينو\فلورنسا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الغيوم تحمل بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية next post قصص حب غير اعتيادي خلال الحرب العالمية في الأدب المعاصر You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024