ثقافة و فنونعربي عن التانغو الذي لم يعد شجاعا ولا سعيدا by admin 4 يونيو، 2020 written by admin 4 يونيو، 2020 56 القدس العربي / حسن داوود – روائي لبناني كتاب «التانغو»، على غرار كتاب «صنعة الشعر» كانا من ضمن ما جُمع لخورخي لويس بورخيس بعد رحيله. الكتابان كانا في الأصل محاضرات ألقاهما الكاتب الأرجنتيني في فترات متقاربة من ستينيات القرن الماضي. المحاضرات عن التانغو، وهي أربع، ألقاها عام 1966، واحدة لكل أسبوع من شهر أكتوبر/تشرين الأول، ولم تفرّغ أشرطتها الصوتية إلا في 2012، سنة نشرها. والكتاب يختلف عن سابقه المختص بصنعة الشعر، حيث لم يكن كاتبه يعلم أنه سيصدر في كتاب، فلم تتح له إعادة قراءته وتنقيحه وتحريره. لذلك، لقرّائه، ينبغي أن يُتمثّل مسموعا. وهذا ملاحظٌ في كلمات الوصل والابتداء الباقية في النص، مثل «طيّب» و«سيداتي سادتي» وما يماثلهما. كما هو حاضر في الاستطرادات المتقطّعة التي يتنقل بينها المحاضر، الذي على أي حال، ذكر في سياق محاضرته الأخيرة عن ميله الدائم إلى الانتقال من موضوع إلى آخر، وهذه سمة حاضرة في أغلب ما كَتب. لم يكن بورخيس عالما في التانغو، بدليل عدم شمول محاضرته الجانب الموسيقي، وهو أحد المكونات الرئيسية لهذا الفن. صحيح أنه أرّخ لأنواع الآلات الموسيقية التي راحت تتبدّل مع تطوّر التانغو زمانيا ومكانيا (تبعا لانتشاره في البلدان)، لكن تركيزه ذهب إلى شعر التانغو وشعرائه، وفي الكتاب مقطّعات من ذلك الشعر منتشرة بين الصفحات، كما خُصّصت لها صفحات خمس في نهاية الفصل الختامي. ومع الجمالية الخاصة بهذا الضرب من الشعر، نرى التميّز في كونه جاريا، أو مغنّى، على لسان «الكومبادريتوس»، وهم شبان الفتوّة ورجالها، ضاربو السكاكين ومطلقو الرصاص، ليس من أجل القتل غالبا، لكن للظهور والمباهاة. بورخيس أطنب في وصف هؤلاء، سواء في ما يتعلق بوجودهم الفعلي الحيّ، أو في الصور المتخيَلة عنهم. وكان ينبغي لاكتمال الصور عن هؤلاء تفصيل الكاتب للسمات المميزة لجغرافية إقامتهم في بوينس أيرس أيام ما قبل 1880، حيث «المنازل خفيضة، بدون أشجار، وبفناءات، وبترامات تجرّها الخيول، وترامات تُنزل راكبيها عند الناصية، وفي كثير من الأحيان عند باب بيتهم، وحيث كان الناس جميعهم أقارب، أو أقارب لأقاربهم». التانغو بدأ من هناك إذن، حسب بورخيس. وكان مختلفا في أصله عما صار يعنيه بعد انتقاله من هناك إلى العالم. في باريس، كما في العالم، تنظّم التانغو، أي صار ممتثلا للنظام الذي وضعه له ناقلوه، وخسر طابعه التظاهري العنفي، بل «خسر طابعه الشجاع والسعيد وشرع يتسم بالخمول والحزن» حسب بورخيس الذي يستنكر قولةً لأرنستو ساباتو هي أن «التانغو تفكير حزين يُرقَص». في بلد نشأته كان التانغو عنيفا، أو ممثلا العنف، أو مدّعيا إياه، حسب ما كان يحمله غناؤه. كان رقص «قبضايات»، لذلك غلبت عليه سطوة الرجال الذين في أحيان يؤدونه بمعزل عن وجود نساء، من دون أن يحمل ذلك أي أثر للمثلية. وإذ يترافق الرقص مع النساء، كان الرجال يبادرون إلى ما أطلق عليه المترجم عبارة «الثبيت» حيث يوقف الرجل الرقصة بقبلة على ثغر المرأة غالبا ما تطول. وكثيرا ما كانت تحدث مشاجرة، باللكم أو بالخَدْش (بالسكين) بين الرجال الذين كان بعضهم ملاكمين معروفين في تلك الأوساط. هذا الفنّ «خرج في بدايته من المواخير، أو البيوت سيئة السمعة، فكان رقصا شجاعا مليئا بالسعادة». ويضيف بورخيس إلى تلك الأمكنة مواضع مثل الدهليز أو محلات بيع الحلوى، وهو يسمّي بعض هذه الأماكن بأسمائها مثل شارع «رودريغيس بنيا» حيث يقوم بيت لرقص كومبادريتوس وزعران وبنات هوى. يذكر بورخيس شيئا عن صلة ما بين التانغو والجاز، انتشرت بين أوساط الأمريكيين من أصل افريقي الذي يردّون منشأ الفنّين إلى تاريخهم، أو إلى ما عانوه بعيْد انتقالهم إلى ما سمّي بالعالم الجديد. ويتعقّب بورخيس الأثر التاريخي والجغرافي، كما اللغوي، لاحتمال أن يكون هذا الرأي صحيحا. لكن ذاك النقاش لن يطول إذ سيعقبه الانتقال الذي شهده التانغو، من بوينس أيرس، إلى»حيث صار يُرقص في باريس، ولاحقا في لندن، وروما، وفيينا، وبرلين وحتى في بيترسبورغ»، ثم في اليابان، حيث حسب ما روت صديقــــة لبورخيــس، إنه في المقاهي هناك يدفع المرء دولارا من أجل أن يعطى الحق في الحصول على سماعة تتيح له سماع الموسيقى، «لكن الأغلبية تختار التانغوات». مثّل هذا الانتقال عالمية التانغو إذن، ويستشهد بورخيس بعبارة للفيلسوف الإيرلندي بِرْكْلي هي «الوجود هو أن تدُرَك» واضعا ذلك بإزاء ما ولّده انتقال التانغو في مشاعر الأرجنتينيين، ويعلّق بورخيس على ذلك بأن: «كنا ندرك وجود البلدان الأخرى، وكنا أدركنا الماضي، والحاضر، لكننا لم نكن قد أُدرِكْنا من قِبَل العالم». في باريس، كما في العالم، تنظّم التانغو، أي صار ممتثلا للنظام الذي وضعه له ناقلوه، وخسر طابعه التظاهري العنفي، بل «خسر طابعه الشجاع والسعيد وشرع يتسم بالخمول والحزن» حسب بورخيس الذي يستنكر قولةً لأرنستو ساباتو هي أن «التانغو تفكير حزين يُرقَص». ذاك أن التانغو ليس تفكيرا، حسبه، بل هو شيء أعمق، «هو انفعال»، ثم أن النعت «حزين» لا يمكن أن يطبّق على أصل التانغو وأشكاله الأولى. *كتاب خورخـــــي لويس بورخيس «التانغو- أربع محاضرات» نقله مزوار الإدريسي إلى العربية لمنشورات الجمل في 143. صدر في 2019. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الفوتوغرافية اللبنانية هدى قساطلي تسرد الشتات افتراضيا next post “الردّ بالكتابة”… أن يُروى الجانب المهمّش من الحكاية You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.