الأربعاء, يناير 22, 2025
الأربعاء, يناير 22, 2025
Home » عنف وتنمر… مدارس مصر تواجه “أزمة تربية”

عنف وتنمر… مدارس مصر تواجه “أزمة تربية”

by admin

 

واقعة طالبات التجمع أعادت المشكلة إلى الواجهة مجدداً ومتخصصون: المناهج تتجاهل الجوانب الأخلاقية ومنصات التواصل أسهمت في زيادة الظاهرة

اندبندنت عربية / أحمد سعيد حسانين صحافي مصري

من جديد عادت ظاهرة انتشار العنف والاعتداء الجسدي في ما بين الطلاب داخل المدارس المصرية، لتطل برأسها وتطفو على السطح، في مشهد تبدلت فيه بالأقلام والكشاكيل وكتب التلاميذ الأسلحة البيضاء والآلات الحادة والألسن المنفلتة، مما يدفع إلى التساؤل حول أسباب تنامي معدلات تلك الوقائع والحالات داخل جدران المدارس، وكيف وصل العنف إلى تلك المؤسسة التعليمية التي هي بالأساس مسؤولة عن مواجهته؟ وكيف يمكن التصدي لتلك الظاهرة التي غزت المدارس المصرية؟

وأخيراً، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمصر إثر تداول فيديو يظهر اعتداء ثلاث طالبات بإحدى المدارس الدولية بمنطقة التجمع الخامس في القاهرة، بطريقة وحشية وسط المدرسة على طالبة أصغر منهن سناً، مما نتج منه إصابة الطالبة ونقلها إلى أحد المستشفيات بعد إصابتها بكسور وكدمات وسحجات بالوجه والجسم.

وقررت إدارة المدرسة فصل الطالبات الثلاث اللاتي اعتدين على الطالبة فصلاً نهائياً، وتحويل ملفاتهن إلى لجنة الحماية المدرسية، لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وتوقيع العقوبات المنصوص عليها في لائحة الانضباط الطلابي على الطلاب الذين صوروا الواقعة والتفاعل معها بصورة سلبية، وقررت المدرسة تشديد إجراءات الأمن والحماية والإشراف المدرسي للطلاب، بخاصة بعد انتهاء اليوم الدراسي.

وعقب تلك الواقعة، أعلن وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف، في تصريحات صحافية، تعامل الوزارة بحسم مع مثل هذه الظواهر. مشدداً على أن الدور التربوي للمدرسة “يأتي في مقدمة الأولويات، ولا ينفصل عن تقديم منظومة تعليمية جيدة”.

وقائع متعددة

ولم تكن واقعة التجمع هي الأولى من نوعها، بل شهدت مدارس مصر وقائع عدة لحالات عنف واعتداء جسدي في مختلف محافظات الجمهورية على مدى الأشهر الماضية، ففي يناير (كانون الثاني) 2024، أصيب طالب بطعنة بسلاح أبيض في بطنه، بسبب مشادة كلامية مع زميله، بالمنشأة جنوب محافظة سوهاج (جنوب مصر)، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 اعتدى طالب على زميله بسلاح أبيض (مطواة) بإحدى المدارس ببورسعيد المصرية المطلة على قناة السويس، خلال مشاجرة نشبت بينهما داخل فناء المدرسة، مما تسبب في إصابته بجرح طعني أودى بحياته ولاذ بالهرب بالقفز من أعلى سور المدرسة.

وفي الشهر ذاته اعتدى طالب على زميله بإحدى المدارس بحدائق أكتوبر محدثاً إصابته بكدمات متفرقة وجرح قطعي بالوجه، وفي مدينة نصر اعتدى معلم بالضرب على عدد من الطلاب بسبب تأخر الطلاب عن الصعود إلى فصولهم بعد انتهاء وقت الطابور المدرسي، كما أحالت النيابة الإدارية معلماً بإحدى مدارس محافظة الجيزة على المحاكمة التأديبية العاجلة، لتعديه لفظياً وجسدياً على طالبة بالمرحلة الإعدادية والتنمر عليها، وفي محافظة أسوان اعتدى طالب بمدرسة العروبة المشتركة على زميله بمطواة مما أصابه بجرح في البطن بسبب خلاف على وجبة تغذية داخل المدرسة.

وكان وزير التربية والتعليم المصري محمد عبداللطيف أعلن في نوفمبر 2024، في أعقاب حادثة مقتل طالب في محافظة بورسعيد طعناً على يد زميله، أن الوزارة لن تتهاون في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان حماية أبنائها الطلاب، وتوفير بيئة تعليمية آمنة، وسلامة سير العملية التعليمية في جميع محافظات الجمهورية، وسعيها إلى تطبيق أسس وقواعد التربية السليمة.

وبينما يرى متخصصون في مجال التعليم أن تزايد وقائع العنف في ما بين الطلاب، وبينهم وبين معلميهم داخل جدران المدارس، يرجع إلى عدم تطبيق لائحة الانضباط المدرسي بصورة صارمة وإهمال الأسرة وغياب دور المدرسة ونقص أعداد المتخصصين النفسيين والاجتماعيين بالمدارس، يعرب آخرون أن تلك الوقائع “فردية” ولا تمثل ظاهرة عامة في غالب المدارس.

وبحسب البيانات الرسمية الصادرة من وزارة التربية والتعليم المصرية سجل عدد الطلبة في التعليم قبل الجامعي 25 مليوناً و657 ألفاً و984 طالباً، بينما وصل عدد المعلمين إلى 922 ألفاً و628 معلماً، إضافة إلى 61 ألفاً و512 مدرسة حكومية وخاصة، بإجمال 556 ألفاً و888 فصلاً.

أين المتخصصون النفسيون؟

إلى ذلك يرجع المتخصص في علم النفس التربوي الدكتور تامر شوقي ظاهرة تزايد وقائع العنف البدني والجسدي داخل المدارس المصرية بكل أنواعها إلى أسباب رئيسة عدة أبرزها، “عدم تفعيل لوائح الانضباط المدرسي بصورة صارمة، مما يسهم في تزايد معدلات ارتكاب الأخطاء بسبب عدم وجود عقوبات رادعة، وكذلك عدم وجود عدد كاف من المتخصصين النفسيين والاجتماعيين في غالب المدارس يكافئ أعداد الطلاب حتى يتمكنوا من إجراء تدخلات علاجية للطلاب، الذين يعانون ميولاً عدوانية”.

ويعتقد شوقي أن غياب الأنشطة الطلابية في كثير من المدارس، التي تسمح للطلاب بإخراج شحنات الغضب بداخلهم، إلى جانب إهمال الأسرة في تربية الأبناء منذ الصغر وعدم تقويم سلوكهم وتربيتهم على تعزيز قيم التسامح الإيجابية، انعكس بدوره سلباً في زيادة طاقة العنف والغضب بداخلهم، وجعل ميولهم عدوانية مع زملائهم ومعلميهم.

أقرت وزارة التعليم لائحة الانضباط المدرسي للحد من انتشار العنف (رويترز)​​​​​​​

 

وفق المتخصص في علم النفس التربوي، فإن منصات التواصل الاجتماعي أسهمت أيضاً في زيادة معدلات العنف لدى الطلاب، بسبب الانتشار الهائل لمقاطع الفيديو التي تروج لأعمال العنف وتغذي طاقة الغضب والشحنات الانفعالية بداخلهم. مطالباً بضرورة تدخل المدرسة لتنمية الجانب الوجداني لا الاقتصار على الجانب المعرفي فقط المتعلق بـ”المناهج والتقييمات والاختبارات”، حتى يتمكن الطالب من ضبط انفعالاته وتفريغ طاقته بصورة إيجابية.

يعضد أستاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة عاصم حجازي الطرح السابق، موضحاً أن واقعة “طالبات التجمع” أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك دلالات عدة واضحة، أبرزها وقائع العنف والإيذاء البدني داخل المدارس المصرية “ليس مقصوراً على المدارس الحكومية فحسب، لكن يشمل جميع المدارس بمختلف مستوياتها وطبقاتها الاجتماعية”.

ويعزو حجازي، خلال حديثه إلى “اندبندنت عربية”، الأسباب وراء تفاقم تلك القضية، إلى إهمال المدرسة دورها بالتركيز على النواحي المعرفية للطلاب فقط ووضعهم تحت ضغوط مستمرة بسبب حشو المناهج والتقييمات المتعددة، مما يجعلهم يلجأون إلى تلك الممارسات الانحرافية. مشيراً إلى أنه “كان من الأجدى تدريس الطلاب مناهج التحليل النقدي والابتكاري ليكونوا قادرين على الفرز الصحيح بين الصواب والخطأ”.

هل أهملت الأسر في تربية أبنائها؟

“أزمة تربية لجيل كامل”، هكذا وصفت شيماء علي ماهر ولية أمر، انتشار العنف والاعتداء الجسدي داخل المدارس. موضحة “الأسر انشغلت عن تربية الأبناء بسبب ضغوط الحياة اليومية، فيما ركزت المدرسة على حشو المناهج بعيداً من تنمية الجوانب الأخلاقية لدى الطلاب وغاب الاحترام المتبادل بين الطالب ومعلمه، مما تسبب في ظهور وقائع عنف بالأسلحة البيضاء والآلات الحادة وغيرها من مظاهر الجريمة التي لم نكن نشاهدها من قبل”.

وتعتقد شيماء، مؤسسة مبادرة “نبني بلدنا بتعليم أولادنا”، أن حل تلك المعضلة يكمن في استعادة المدرسة دورها الحقيقي في تربية الطلاب على القيم والمبادئ والأخلاق، وتشديد العقوبات في حال ارتكاب أي طالب المخالفة، وعودة الأنشطة الطلابية التي تسهم في تفريغ الطلاب طاقاتهم السلبية، وفتح الأسرة نقاط تواصل مع أبنائها، وتقليص فترات مشاهدة الطلاب الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي.

في السياق ذاته، ألقت نيفين ثابت، ولية أمر، خلال حديثها إلى “اندبندنت عربية”، بالمسؤولية على الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة التي يعانيها كثير من الأهالي حالياً، التي انعكست بدورها على تربية الأبناء داخل المنزل، قائلة “لم نعد قادرين في ظل الضغوط الاقتصادية الحالية على تربية الأبناء بالصورة السليمة وتعزيز قيم التسامح والطاقات الإيجابية بداخلهم. أصبحنا نتسابق من أجل لقمة العيش”.

عدد الطلبة بالتعليم قبل الجامعي في مصر 25 مليوناً و657 ألفاً و984 طالباً (رويترز)​​​​​​​

 

ولفتت نيفين، التي تشغل وظيفة عضو مجلس أمناء بإحدى المدارس الخاصة، إلى الدور الذي يلعبه الإنترنت، الذي أسهم بصورة كبيرة في تنمية السلوك العدواني، لدى عديد من الطلاب بالمدارس نتيجة انتشار فيديوهات الجريمة والبلطجة من دون رقابة، مما انعكس سلباً على تعامل الطلاب مع زملائهم ومعلميهم بالمدرسة.

“وقائع فردية وليست ظاهرة عامة”، هكذا برر الأمين العام للاتحاد العربي للتعليم الخاص المستشار بدوي علام، حالات العنف والإيذاء البدني داخل المدارس المصرية. مشيراً إلى أن معدلات الاعتداء في ما بين الطلاب، وبينهم وبين المدرسين في بلدان أجنبية مثل أميركا أعلى بكثير من مصر، مستشهداً بوقوع 100 حالة اعتداء وعنف داخل المدارس المصرية من إجمالي أكثر من 25 مليون طالب تشكل نسبة لا تذكر ولا يجب تسليط الضوء عليها.

وأظهر تقرير لليونيسكو، صدر تحت عنوان “ما وراء الأرقام، وضع حد للعنف المدرسي والتنمر” في يناير 2019، أن العنف المدرسي والتنمر مشكلة رئيسة في جميع أنحاء العالم، تطاول نحو ثلث طلاب المدارس وتؤثر في صحتهم العقلية ومستوى تحصليهم الدراسي.

وأوضح التقرير، الذي اشتمل على بيانات مفصلة وأدلة شاملة عن العنف والتسلط في المدارس، تغطي 144 بلداً وإقليماً في جميع المناطق، أن التنمر الجسدي الأكثر شيوعاً بين أنواع التنمر في عديد من المناطق، باستثناء أميركا الشمالية وأوروبا، حيث تسود البلطجة النفسية، وأن العنف المدرسي والبلطجة يؤثران في كل من الطلاب والطالبات، ففي حين تنتشر البلطجة البدنية بين الأولاد، تعد البلطجة النفسية أكثر انتشاراً بين الفتيات.

آلية التعامل مع مخالفات الطلاب

ويلفت علام، خلال حديثه إلى “اندبندنت عربية”، إلى أهمية دور المتخصص الاجتماعي والنفسي داخل المدارس المصرية، بخلاف ندوات التوعية للطلاب، لحثهم على ضرورة تعزيز قيم التسامح والمحبة بين زملائهم ومعلميهم، مردفاً “ينبغي أن يكون هناك اهتمام كبير من المدرسة والأسرة بالطلاب، لأنهم يقضون وقتاً في المدرسة أكثر من المنزل مما يتطلب تعزيز المبادئ السلوكية الإيجابية لديهم”.

وفق علام، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس جمعية أصحاب المدارس الخاصة، فإن لائحة الانضباط المدرسي التي أقرتها وزارة التعليم أسهمت في الحد من معدلات انتشار العنف العام الماضي داخل المدارس المصرية، وأصبح الجميع متخوفاً من توقيع العقوبات في حال ارتكاب أي أخطاء داخل جدران المدارس.

يعتقد البعض أن وقائع العنف في المدارس المصرية فردية وليست ظاهرة عامة (رويترز)​​​​​​​

 

وحددت وزارة التربية والتعليم في لائحة التحفيز التربوي والانضباط المدرسي آلية التعامل مع المخالفات التي يرتكبها الطالب بتطبيق العقوبات المتدرجة، مثل التنبيه الشفوي والكتابي، وأداء الطالب مهام مدرسية إضافية بعد انتهاء اليوم الدراسي، ومهام وأعمال أخرى مدرسية إضافية بعد انتهاء اليوم الدراسي، وخصم بعض أو كل درجات السلوك في مادة أو أكثر، وتحويل الطالب إلى المتخصص الاجتماعي، واستدعاء ولي الأمر، والفصل الموقت من المدرسة أسبوعاً وأسبوعين وحتى نهاية الفصل الدراسي وعاماً دراسياً كاملاً، والنقل تأديبياً إلى مدرسة أخرى، وتحويل الطالب إلى نظام الدراسة من الخارج.

وتتفق عضو لجنة التعليم بالبرلمان المصري الدكتورة جيهان البيومي مع الطرح السابق. مشيرة إلى أن وقائع العنف لا يجب تعميمها على كل المدارس المصرية. مشددة على ضرورة تضافر الجهود بين الأسرة والمدرسة والمتخصصين النفسيين والاجتماعيين لتعزيز القيم الإيجابية لدى الطلاب، علاوة على الالتزام الصارم بتنفيذ لائحة الانضباط المدرسي وتطبيقها بصورة سليمة، مؤكدة أن “الأمر لا يحتاج إلى تشريع من البرلمان بقدر ما يحتاج إلى الاهتمام بتربية الأبناء وشحن الطاقة الإيجابية بداخلهم وعلاج أصحاب الميول العدوانية والاهتمام بتربية النشء على القيم والمبادئ الأخلاقية”.

وأوصى تقرير حقوقي أصدرته مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان في شأن حال العنف داخل المدارس المصرية، صدر في أغسطس (آب) 2022، بضرورة شمول المناهج الدراسية على تعليم حقوق الإنسان، لتوعية الطلاب بحقوقهم وحقوق الآخرين، وتفعيل دور المكتبة داخل المدرسة، ليمارس الأطفال المطالعة خلال أوقات فراغهم وبين الحصص الدراسية مع ضرورة أخذ جميع شكاوى الطلبة في الاعتبار وعدم الاستهانة بأي حالة.

المزيد عن: مصروزارة التربية والتعليمالتعليم في مصرالمدارس الدوليةعنف المدارسالتنمر في المدارس

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00