الإثنين, أبريل 14, 2025
الإثنين, أبريل 14, 2025
Home » عندما نعى جوزيف روث كابوس الإمبراطورية السعيد

عندما نعى جوزيف روث كابوس الإمبراطورية السعيد

by admin

 

رواية “مارش راديتسكي” تطرح السؤال: ماذا لو أن الرصاصات التي قتلت أرشيدوق النمسا لم تكن السبب الحقيقي للحرب الكبرى؟

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

في عام 1939 مات في باريس رجل بالكاد تعرف إليه في أيامه الأخيرة أحد، كان مدمناً الكحول، شريداً، فقيراً وبائساً، تماماً مثلما كانت قد صارت حال الإمبراطورية التي أمضى آخر أعوام حياته يحن إليها، الإمبراطورية النمسوية – الهنغارية، وهو لئن كان لم يقيض له من يؤبنه عند موته، فإنه هو كان، في رواية واحدة له في الأقل، قد أبَّن تلك الإمبراطورية، وكتب عن نهاياتها التي حملها زملاؤه الكتاب اسم “إمبراطورية الكابوس السعيد”، كتب بعض أروع الصفحات الأدبية – التاريخية خلال النصف الأول من القرن الـ20. اسم الرجل جوزيف روث، أما الرواية التي ستخلد اسمه، بعد أعوام من موته فحملت عنواناً لم يكن من عنده بل من عند الموسيقي النمسوي الشهير يوهان شتراوس: “مارش راديتسكي”. وهنا يمكننا أن نقول إن اختيار العنوان في حد ذاته كان بؤساً آخر يضاف إلى ضروب بؤس جوزيف روث، إذ مهما فعل كان من الواضح أن اسم مقطوعة شتراوس سيظل طاغياً على اسم روايته. ومع هذا يمكننا أن نقر مع معظم مؤرخي الأدب في القرن الـ20 بأن “مارش راديتسكي” – الرواية – أتت أحد أهم الأعمال الأدبية في زمنها، ونصاً تقفز الكلمات والعبارات فيه قفزاً لتعبر عن عالم ومرحلة ومناخ، وعن موت محتم قد يكون موت أفراد إذا شئتم، لكنه في حقيقته كان وكما في عمق أعماقه موت عالم بأسره، العالم الذي قام القرن الـ20 على أطلاله.

غلاف طبعة مبكرة من الرواية (أمازون)

 

مجرد تخريف

وهذا الموت الذي نتحدث عنه هنا هو، بالطبع، موت تلك الإمبراطورية التي كانت من أكبر وأخطر ما في العالم خلال النصف الثاني من القرن الـ19 في الأقل، والإمبراطورية التي تقول خرافات التاريخ المتداولة إلى درجة أصبحت معها “يقيناً” يدرس في الكتب، أن بضع رصاصات أطلقت في سراييفو ذات يوم صيفي من عام 1914، من جانب طالب صربي، لتقتل “أرشيدوق النمسا“، كانت كافية لإزالتها من الوجود. والحقيقة أن رواية جوزيف روث تأتي لتفسر لنا كيف أن هذا القول كان تخريفاً في تخريف، إذ إن تلك الرصاصات لم تكن في حقيقتها سوى “رصاصة الرحمة” التي أتت لتقضي على جسد كان المرض ينخره، تماماً كما تطلق رصاصة على حصان أقعده المرض ليموت رحمة به. ونعرف أن هذا الأمر كانت تؤكده كل الفنون والآداب وحتى الأفكار، التي عرفت ازدهاراً في فيينا الأعوام الأخيرة من القرن الـ19، إذ منذ وقت مبكر، أدرك أدباء النمسا وفنانوها أن الإمبراطورية تحتضر وفيينا تموت، في ظل ذلك التعبير الذي أطلقه واحد من كتاب تلك المرحلة، “الكابوس السعيد”، “الاحتضار”. وحسبنا أن نقرأ روايات تلك الحقبة، ونشاهد لوحات شيللي وكليمت وكوكوشكا، ونسمع موسيقى ماهلر وآلبن برغ، ونتفحص كتب الفلسفة وعلم النفس التي ازدهرت، لندرك هذا الواقع. ومن هنا يمكن الانتقال للقول إن “مارش راديتسكي” كرواية، هي الأثر الأدبي الذي سجل ذلك كله، ولئن كان جوزيف روث أفرد فيها لرصاصات سراييفو مكاناً أساسياً، فإنه برهن في الوقت نفسه على أن الرصاصات كانت “القشة التي قصمت ظهر البعير” لا أكثر.

جوزيف روث في باريس (غيتي)

 

التجلي الأخير لعظمة غاربة

ولكن ما دور قطعة شتراوس الموسيقية في ذلك كله؟ ببساطة، يقول مؤرخو الثقافة في فيينا في ذلك الحين إن “مارش راديتسكي” – القطعة الموسيقية – كانت من آخر تجليات العظمة الإمبراطورية، عند ولادة واحد من “أبطال” الرواية الثلاثة، أي المدعو شارل – جوزيف… فهو منذ طفولته المبكرة ترعرع على الاستماع إلى ذلك المارش وعلى رصد عظمة بلاده من خلاله… لكن شارل – جوزيف نفسه سيكون هو، وتدريجاً، عبر حياته ومساره، الشاهد على الانهيار الكبير… إنما بعدما يقدم إلينا، خلال سلوكه درب الشباب، ودائماً من خلال إيمانه بـ”مارش راديتسكي” كنموذج على جيل العاملين في الدولة المؤمنين بها وبالإمبراطور… لقد كانوا عشرات الألوف من عسكريين ومدنيين ومسؤولين وموظفين صغار، يتعلمون منذ صغرهم طاعة الدولة وتبجيل الإمبراطور… هذه الطاعة والتبجيل كانا – وفق مؤرخي المرحلة – خط الحدود الواضح لعالمهم، لا يتجاوزونه وإلا فسيضيعون.

خط هبوط متواصل

وإذا كان جوزيف روث يقول لنا في روايته إن كل شيء هنا يبدأ مع شارل – جوزيف، فإنه في الوقت نفسه يحدد لنا أن بداية جوزيف، كانت قبل ولادته بكثير: “إن البداية تكون مع رفع الإمبراطور مقام جد بطلنا ـ وكان واحداً من القادة المجيدين في معركة سولفيرينو ـ والد شارل إلى مرتبة النبلاء” ومن هنا نراه وقد اختار له أن يكون موظفاً مهماً مدنياً في الدولة ليصبح محافظاً لاحقاً وهذا بدوره قرر مصير ابنه العسكري. وهكذا “راح كل واحد يتبع الخط الذي رسم له”، ولكن ليس من دون احتجاجات عملية وخروقات بعضها واع وبعضها الآخر غير واع. فالجد مثلاً، على رغم مآثره في سولفيرنو، كان يرفض هالات البطولة الكاذبة التي أحيطت بها تلك المآثر، أما الابن – المحافظ – فكان قد صار في موقع يمكنه من أن يلاحظ أن الإمبراطورية قد بلغت هذه النهاية التي صارت، بالنسبة اليه، حتمية لا مهرب منها. كل ما في الأمر أن في إمكانه أن يتساءل متى وكيف ستكون تلك النهاية، وهذه النهاية سيكون الحفيد شارل – جوزيف كما أسلفنا، الشاهد عليها، وستكون علامته في ذلك إقدامه من دون سابق إنذار على الاستقالة من مهنته العسكرية والتحول إلى المجتمع المدني ليعمل مفتشاً في التدريس. ونحن من خلال تغيرات شارل – جوزيف سنرصد القدوم، البطيء أول الأمر إنما المؤكد، لنهاية الإمبراطورية، ولا سيما في تصرفات كل أولئك الموظفين النموذجيين، الذين سنلاحظ تدريجاً فقدانهم الثقة بأنفسهم وبالدولة، وارتباكهم في تصرفاتهم، وكذلك في العبارات التي راح يطلقها أكثر وأكثر، كل أولئك المحيطين بالموظفين، معلقين على أمور كانت العين تخطئها قبل ذلك، أما فرص الرصد الأكبر والأهم لذلك كله، فلاحت في آخر ثكنة خدم فيها شارل – جوزيف حين كان، بعد، عسكرياً، فهي تقع في بلدة “ضائعة عند حدود الأقاليم الشرقية للإمبراطورية”.

ضباط يدمرون أنفسهم

هناك، وسط السأم العام والخوف المتزايد، ها هم الضباط يدمرون أنفسهم في لعب القمار… وها هم الجنود يهربون من الخدمة العسكرية واحداً بعد الآخر ليعودوا إلى قراهم وضياعهم. أما العمال الذين بدأت أفكار الاشتراكية – الديمقراطية تصل إليهم، فها هم يعرفون أول ضروب تمردهم والإضرابات. وفي وسط ذلك المناخ كله يأتي الإعلان عن مقتل الأرشيدوق في سراييفو. صحيح أنه كان له فعل الصاعقة، غير أنه ضمن منطق الرواية يبدو وكأنه من تحصيل الحاصل… وكأنه النهاية المنطقية لكل ما وصفه لنا جوزيف روث من أحداث، خصوصاً أنه يأتي وسط احتفالات صاخبة لا يفوت المراقب المحايد أن يلمح من خلال وجوه ونظرات المشاركين فيها، موتاً ونهاية ورعباً. ولاحقاً إذ يخوض الضباط والجنود الحرب، يبدو واضحاً لنا أنهم إنما يخوضونها من دون أدنى حماسة، هكذا، إذاً، على هذا النحو، صور جوزيف روث موت عالم، من دون أن يصور ولادة عالم جديد، والحال أن الرجل الذي كتب هذه الرواية عام 1932، أي قبل موته بسبعة أعوام، كان من شأنه أن يصور تلك الولادة لو أنه كتبها 10 أعوام قبل ذلك. فجوزيف روث (1894 – 1939) كان سابقاً ذا أفكار متحمسة للنزعة الاشتراكية، بل حتى لنوع أممي من الاشتراكية، لكنه حين كتب “مارش راديتسكي” كان قد صار من أنصار عودة آل هابسبرغ إلى الحكم، وهو عبر صراحة عن تلك النزعة من خلال رواية تالية كتبها كتتمة لـ”مارش راديتسكي”، لكنها لم تلق رواجاً كبيراً عنوانها “سجل الكبوشيين”. وروث الذي بدأ حياته صحافياً متحمساً للأفكار التقدمية، كتب روايات عدة أخرى من بينها “أوتيل سافواي” و”هرب بلا نهاية”.

المزيد عن: جوزيف روثالإمبراطورية النمسوية – الهنغاريةيوهان شتراوسسراييفوأرشيدوق النمسا

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili