صمويل بيكيت ومارسيل بروست: سؤال الكتابة وطريقة الكتابة (اندبندنت عربية) ثقافة و فنون عندما كتب إيرلندي أول تحليل أدبي بالإنجليزية للفرنسي بروست by admin 30 يونيو، 2024 written by admin 30 يونيو، 2024 76 50 عاماً من الانتظار قبل أن يعاد اكتشاف نص نقدي مبكر من كتابة صمويل بيكيت اندبندنت عربية / / إبراهيم العريس باحث وكاتب هي حكاية أدبية استغرق اكتمالها ما يقارب نصف القرن، وكان يمكن لها ألا تصل إلى أية خاتمة لولا أنها تحمل على غلافها اسمين كبيرين كثيراً ما سيرتبطان ببعضهما بعضاً في العقود اللاحقة مما سيجعل من ذلك الارتباط مصدراً للقيمة الكبيرة التي حملها المشروع “المشترك”. ولقد استغرق الوصول نصف قرن من الانتظار. فصحيح أن واحداً من صاحبي الاسمين الواردين على الغلاف كان قمة أدبية فرنسية فيما كان الثاني أديباً شاباً يخوض الكتابة الأدبية باكراً، بل حتى في وقت لم يكن قد تملك فيه مقدرات اللغة الفرنسية التي نعرف أنه سيكتب بها، في الأقل، نصوصه التي أحدثت ثورة في عالم الكتابة المسرحية، ولكن قبل بدء تلك “الحكاية” التي نتحدث عنها بما لا يقل عن ربع قرن. ولكيلا يبدو هذا الكلام أشبه بالألغاز الغامضة لا بد من توضيح الأمور. فالحكاية تتعلق بكتاب صغير الحجم كتبه أواخر عشرينيات القرن الـ20 الكاتب الشاب حينها صمويل بيكيت، الإيرلندي الذي كان يعيش في باريس محاولاً أن يتعايش فيها مع الحياة الأدبية ساعياً كي يكون تعايشه عبر اللغة الفرنسية التي كان بدأ يتقنها. في ذلك الحين لم يكن هذا الكاتب الإيرلندي معروفاً إلا في حلقات باريسية ضيقة وأنغلوفونية (ناطقة بالإنجليزية)، فهو لن يكتب مسرحياته – وباللغة الفرنسية طبعاً – وبدءاً طبعاً بمسرحيته “العبثية” الأولى “في انتظار غودو”، إلا خلال الأعوام الأولى من بدايات العقد السادس، فحملت إليه الشهرة والمكانة لكنها أمعنت في تأكيد صمته الذي سيضحى أسطورياً. أما بالنسبة إلى النص حول مارسيل بروست نفسه فهو أنجزه في عام 1930 باللغة الإنجليزية ضمن إطار تعاونه المبكر مع دار نشر باريسية كانت متخصصة في نشر نصوص بلغة شكسبير تتعلق بكتاب الطليعة الفرنسيين الذين كان بيكيت مطلعاً على نتاجاتهم وشديد الاهتمام بها. المؤلف يرفض ترجمة كتابه! وكان مارسيل بروست الراحل قبل ذلك بعامين قد أضحى من الشهرة والمكانة ليس في فرنسا وحدها بل أكثر من ذلك، في أوروبا وأميركا بحيث سارعت دار النشر تلك إلى الطلب من بيكيت الشاب أن ينجز عنه ذلك النص الذي استجاب للطلب بسرعة وأنجزه خلال فترة قياسية، لكنه رفض ترجمته، أو حتى السماح بترجمته إلى الفرنسية، لأسباب لم يفصح عنها أبداً. ولاحقاً راحت تطالبه بذلك دور نشر كثيرة ومنها بخاصة دار نشر “مينوي” التي ستضحى الدار التي تتولى نشر نصوص مسرحياته، بل كل ما يصدر حتى عنه وعن أدبه. وبيكيت منذ بدء صدور مسرحياته وحتى نصوصه الأخرى التي كان يضعها أصلاً بلغته الأم، يعد بأنه قريباً سيعدل في كتابه عن بروست لينشره بالفرنسية لكنه لم يف بوعوده أبداً. وهكذا انتظرت الترجمة المنشودة نصف قرن حتى ترجمتها الدار بمبادرة من صاحبها الذي سيدرك في نهاية الأمر أنه لو بقي ينتظر بيكيت ووعوده فإن الترجمة لن ترى النور أبداً. وهو كان محقاً في ذلك في الأقل بالنظر إلى أن بيكيت مات ثمانينياً من دون أن يجدد حتى وعوده القديمة، وكانت النتيجة أن صاحب “في انتظار غودو” و”نهاية اللعبة” رحل عن عالمنا من دون أن يقيض له أن يراجع الترجمة وربما من دون أن يشاهد طبعتها الأولى. طبعة قديمة من كتاب بيكيت عن بروست (أمازون) مرجع أساسي؟ ومع ذلك سيرى كثر من النقاد وكاتبي سيرة صمويل بيكيت لاحقاً أن كتابه عن بروست على صغر حجمه بات منذ صدور ترجمته الفرنسية واحداً من المراجع الأساسية ليس فقط في مجال التفاعل مع أدب بروست من خلال ذلك الإيرلندي الذي كان من أشد معجبيه حماسة لذلك الأدب، بل كذلك مع أدب بيكيت نفسه. ففي ذلك الكتاب الذي نكاد نصفه بـ”الكتيب” بالأحرى، وضع بيكيت أيضاً كل ما يريده من الأدب ومن اللغة. مما لم يكن واضحاً في الزمن الذي كتب فيه هذا النص الذي لم يكن قد أصدر قبله أياً من أعماله الكبرى المقبلة، بل رأيناه يشتغل على نصوص تكاد تكون علمية بل تقنية حول دانتي وجوردانو برونو وربما حول فيلسوف علم التاريخ فيكو. وفي المقابل قد يكون من المهم هنا أن نذكر أن بيكيت الشاب كان في السنوات السابقة لوضعه كتابه عن بروست، وحتى التالية مباشرة لذلك النص، قد انهمك بصورة أكثر جدية في ترجمة نصوص شعرية وغير شعرية لفرنسيين طليعيين من طينة بول ايلوار ورينيه كريفيل وريمبو والإيطالي أوجين مونتالي. صحيح أن في مقدورنا أن نقول في هذا الصدد إن بيكيت لم يكن في الحقيقة كبير الاهتمام بما كان يكتبه ويترجمه في ذلك الحين. لكنه سيبدو مهتماً، وربما للمرة الأولى في مساره الأدبي البادئ حديثاً، بما كتبه عن بروست بحيث إنه لم يفته في ذلك الحين أن يتحدث عن ذلك النص بوصفه مساهمته الأساسية في سبر أغوار اللغة والأدب. ومن هنا ما أشرنا إليه أعلاه من أنه سيكون في مقدورنا لاحقاً أن نجد كل بيكيت الذي نعرفه، في ذلك النص المبكر. وهو أمر ربما يفسر كونه كان دائماً ما يؤجل ترجمة “بروسته” إلى الفرنسية. فهو كان يأمل دائماً أن يعيد كتابته من جديد نافضاً إياه كلياً، بدلاً من أن يكتفي بترجمته. غياب النص المنشود وكان هذا على أية حال ما أجمع كثر على إمكانية أن يكون صحيحاً، لذا فإن رحيل بيكيت إثر مرحلة صمت أخيرة في حياته وضع حداً لذلك كله، وألغى أية إمكانية لأن نتجابه مع نص لبيكيت عن بروست كان من المفترض أن يكون أكثر اكتمالاً. ومن هنا بات علينا عند أي حديث عن العلاقة بين بروست وبيكيت أن نكتفي بتحري ما هو متوافر في الترجمة التي تحققت أخيراً على رغم أنف بيكيت. فما الذي يمكننا أن نكتشف من خلال ذلك؟ في المقام الأول أن بيكيت ومنذ بداياته الكتابية كان ينظر، بخاصة، إلى كتاب بروست الأساسي “البحث عن الزمن الضائع” بوصفه أهم ما كتبه بروست، بل حتى واحداً من أهم النصوص الأدبية الفرنسية التي ظهرت عند بدايات القرن الـ20. ومن هنا لا شك أن في إمكاننا أن ننظر إلى كتاب بيكيت الذي نتحدث عنه باعتباره غوصاً في “البحث عن الزمن الضائع” وحتى أكثر مما هو سبر لحياة بروست. بل ربما باعتباره تصويراً لحياة بروست من خلال التوغل في كتابه الرئيس إلى درجة أنه كان من شأن بروست لو كان حياً عند صدور نص بيكيت عنه أن يتساءل في دهشة عما إذا كان الكاتب الإيرلندي الشاب قد قرأ أعمالاً أخرى له! وفي السياق يمكننا أن نعثر في هذه المكانة التي يعطيها بيكيت لرواية “الزمن الضائع…” نوعاً من التمهيد، غير المقصود على أية حال إذا شئنا أن نكون منصفين، لكل ما سينتجه بيكيت لاحقاً ولا سيما في اللغة الفرنسية التي لا شك أنه يدين في شأنها لبروست نفسه. ومن هنا ما قاله نقاد ومؤرخون من أننا بقدر ما نلتقي بروست في هذا الكتاب نلتقي أيضاً بيكيت فيه وكأن هذا الأخير حدد في ذلك الوقت المبكر جدول أعماله الكتابية الخاصة. الآخر وكتابة الذات بل يمكننا أن ننقل هنا عن بيكيت ـ في إحدى فقرات كتابه هذا عن بروست نفسه ـ ما يوضحه من أن “كل شيء يبدو هنا وكأن في مقدورنا أن نقدم الزمن عبر سلسلة لا نهاية لها من الخطوط المتوازية. ولكن كما لو أن حياة بروست نفسها قد تحولت إلى خط واحد بادي الاختلاف وكأنما لا يمكننا أن نتوصل إلى حل يقوم على تواصلية ما، ها نحن نشعر أن كل شيء يتبع دربه أملاً يائساً في الوصول إلى تلك اللحظة المبكرة التي بدا له فيها أن جدته منحنية بكل أسى على ما يعتريه من حزن لا نهاية له”. ويقيناً أن بيكيت حين يكتب هذا إنما يمهد للعدد الأكبر من كتاباته اللاحقة، لا أكثر ولا أقل، ما يمكننا من أن نتساءل عما إذا كان يكتب عن بروست الذي كان، أم عن بيكيت الذي سيكون؟ المزيد عن: صمويل بيكيتمارسيل بروستالأدب الأنغلوفونياللغة الفرنسية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post محمود الزيباوي يكتب عن: ملك فيلكا مستوياً على عرش كبير next post كيف يؤثر صعود اليمين المتطرف على النظام التعليمي في فرنسا؟ You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024