مشهد من فيلم بلو – آب لأنطونيوني (موقع الفيلم) ثقافة و فنون عندما كان الأرجنتيني كورتاثار يعطي دروسا جامعية للرفاق by admin 18 أكتوبر، 2023 written by admin 18 أكتوبر، 2023 42 “أشعر دائماً أنني لست أنا كاتب قصصي بل مجرد وسيط جرى تكليفي إيصالها إلى القراء” اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب حتى أواسط سنوات الستين كان الكاتب الأرجنتيني خوليو كورتاثار يعتبر من بين الأدباء الأقل شهرة وشعبية في صفوف المبدعين الأميركيين اللاتينيين الذين كانت فورتهم تعيش ذروتها بعد أن توزع اكتشاف العالم لهم طوال عشرات من السنين وصلت إلى ذروتها بخاصة مع غابريال غارثيا ماركيز من كولومبيا والغواتيمالي أستورياس والأرجنتيني الآخر الكبير جورج لويس بورخيس، وعشرات غيرهم من كتاب كبار كانت قد باتت لكل منهم شعبيته الخاصة حتى ولو تحت إطار عام حمل اسم “الواقعية السحرية”. والحقيقة أن سبب تأخر اسم كورتاثار في الظهور لا يعود إلى طغيان أسماء أخرى عليه ولا إلى تكاسل أبداه هو في تقديم نفسه، بل وبكل بساطة إلى نخبوية أدبه وخصوصيته الشديدة وهما جعلتاه غير مفهوم تماماً من قبل جمهور القراء العريض، في أوروبا كما في أميركا، الجمهور الذي كان يبحث عن نصوص معيارية راح كبار كتاب القارة اللاتينية يوفرونها له فيقبل عليها ويطرب بها. ومن هنا كان على كورتاثار أن ينتظر فرصته ومجيء اليوم الذي تنتشر فيه كتاباته وتلتقي بجمهورها. الفضل للسينما والطريف أن ذلك حدث بالفعل ولكن بفضل السينما وليس بفضل أي صنف آخر من صنوف الإبداع. ولكن كذلك بفضل سينمائي لا يقل نخبوية عنه كان من حظه أن ينقله من جمهور الأدب الخاص إلى جمهور لا بأس بعرضه. ولا بد هنا من توضيح الأمور كيلا نبدو وكأننا نرصف ألغازاً فوق ألغاز. ففي عام 1967 حقق المخرج الإيطالي ميكائيل أنجلو أنطونيوني الفيلم الأول الذي انتقل فيه من عالمه النخبوي الإيطالي إلى العالم الخارجي، إذ صوّر في لندن التي كانت “على الموضة” في ذلك الحين واحداً من أفلامه التي ستحقق نجاحات عالمية لم يكن لسينماه عهد بها من قبل، ونعني به طبعاً “بلو – أب” من تمثيل الإنجليزيين دافيد هيمنغز وفانيسا ردغريف. يومها سرعان ما تبين أن أنطونيوني اقتبس موضوع فيلمه من قصة قصيرة لكاتب أرجنتيني شاب بالكاد كان يعرفه الجمهور العريض، الذي أقدم بكثافة على مشاهدة الفيلم ولا سيما بعد فوزه بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي في ذلك العام. وكان لا بد أن يتنبه العالم إلى أن اسم الكاتب هو خوليو كورتاثار وأن عنوان القصة “ابن العذراء”، حتى من دون أي تساؤل عن أي تطابق بين القصة الأصلية والفيلم. فعناوين الفيلم كانت صريحة وكان من شأن ذلك أن انضم اسم كورتاثار إلى تلك الأسماء الكبيرة الرنانة في عالم القصّ الأميركي اللاتيني. ونعرف تالياً أن كورتاثار الذي كان حينها يعيش منفياً في فرنسا هرباً من القمع السياسي لجنرالات وطنه الأرجنتين الانقلابيين لم يعمر طويلاً بعد ذلك. ولكنه عاش بعد الفيلم من السنوات ما كفاه لينهل من شهرته “السينمائية” الجديدة ويدافع عن الفيلم مؤكداً على حرية السينمائي في أن يقتبس كما شاء له الهوى. فالسينما سينما والقصة قصة. خوليو كورتاثار (1914 – 1984) (غيتي) اهتمام جامعي والحقيقة أن تعرّف العالم على كورتاثار جعل هذا العالم يكتشف له عدداً لا بأس به من الروايات والمجموعات القصصية، كما جعل الصحافة ودائماً في فرنسا وأوروبا ولكن حتى في الولايات المتحدة حيث راحت كتبه تترجم بكثافة، تقبل عليه لنكتشف، تماماً كما ستكون الحال بعد ذلك مع التشيكي ميلان كونديرا كما مع التركي أورهان باموك، أن الأمر يتعلق هنا، ليس فقط بمبدعي حكايات وروايات وقصص، بل حتى بأدباء عندهم ما يريدون قوله حول الفنون التي يمارسونها، ومن بين ذلك نظريات مدهشة حول الكتابة وأشكالها. ومن هنا لم يكن غريباً أن تقوم كبريات الجامعات التي اشتهرت بصورة خاصة بأقسامها الأدبية بدعوتهم لإلقاء دروس تشمل أحياناً مواسم محاضرات متكاملة. وكان من حظ كورتاثار أن دعته واحدة من أعرق جامعات العالم، جامعة بيركلي في كاليفورنيا، في خريف عام 1980 وقبل فترة يسيرة من رحيله عن عالمنا على أية حال، إلى تقديم سلسلة “دروس في الأدب” راح يلقيها خلال شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام أيام الخميس بين الثانية والرابعة بعد الظهر. ولقد حققت تلك “الدروس” من الشهرة ما جعل اسمها التقني “أيام خميس كورتاثار” معروفاً في طول الجامعة وعرضها ويجتذب أعداداً متزايدة من الحضور وغالباً من غير الطلاب أيضاً. دروس في الارتجال وهذه الدروس التي سنعرف لاحقاً أن صاحب “ماريلا” و”الأسلحة السرية” و”ساعات متوجبة” وغيرها من نصوص راحت تطبع وتترجم وتنتشر، لم يكن يحضّر أياً منها مسبقاً، بل كان يلقيها بصورة تلقائية مرتجلة مهما كانت تركيبية وتعقّد المواضيع التي يتطرق إليها. وهو لم يكن على أية حال مطالباً بأكثر من ذلك. فالزمن كان لا يزال زمن التعليم الحر في العالم الجامعي وزمن تعددية الأصناف ومن هنا حين بدأ كورتاثار يخوض ما سماه بنفسه “دروب الكتابة” منطلقاً من تجاربه الشخصية يطل من خلالها على غيره من كبار الأدباء، كان بالفعل يبدو وكأنه يخوض حديثاً متشعباً مع عدد من الرفاق في صالون حميم مغلق. كان التعامل يدور بكل سهولة من حول المواضيع التي يتطرق إليها حتى وإن كانت المواضيع من غير تلك التي قد تتناغم مع تلك السهولة. فلقد كرس الكاتب جلسات عدة للتبحر في “القصة الغرائبية” وتشريح أنواعها ودوافعها. وكذلك توقف طويلاً عند ما سماه “موسيقية الأدب القصصي”. ولم يتوان عن التوقف طويلاً أيضاً عند “المرح” و”اللعب” في الكتابة القصصية… ولم يكن كورتاثار يتردد في التركيز على أمثلة من قصصه الكثيرة ورواياته القليلة من دون أن يعبأ بأن يسأل محاوريه عما إذا كانوا قد قرأوها أم لا. وكانت النتيجة 13 درساً غنياً تناقلها الطلاب سنوات وحفظها معظمهم عن ظهر قلب وراح بعضهم، ممن سيمتهنون حرفة الأدب والنقد ويمارسون التدريب الجامعي بعد ذلك، يتبادلونها ويساعدون طلابهم على نسخها. وفي النهاية كان لا بد من أن تصدر في كتاب. ذكريات صفوف مبهجة ولقد صدر الكتاب أول الأمر في بوينس أيرس، بالإسبانية بعد ثلث قرن من ذلك الخريف الأدبي الغني، في عام 2013 بعنوان “دروس في الأدب”. وانطلاقاً طبعاً مما كان قد دونه الطلاب السابقون في تلك الصفوف التي يصفونها الآن بأنها كانت مبهجة. فـ”مع أستاذ من طينة كورتاثار كان من الممتع حقاً أن تسمعه وهو المعروف بعشقه لموسيقى الجاز وتاريخه بل بقدرته على تشريح كل جملة موسيقية ودلالاتها الاجتماعية، على سبيل المثال، يستخدم تلك الموسيقى والحديث عنها للغوص في تحليل موسيقية اللغة القصصية”. ومع ذلك لم يكن كورتاثار ليبتعد لحظة عن طريقته الارتجالية وهو يردد متمتماً بأنه لا يمكنه أن يسلك درب أي حديث أو شرح منهجي “فأنا لست ناقداً ولا منظّراً للأدب أو لغير الأدب” كما كان يبادر إلى القول أمام جمهرة الطلاب المتزاحمين للقائه والاستماع إليه. من هو المؤلف الحقيقي؟ ومن هنا لم يكن غريباً أن تصفه الناقدة سيلفينا فريرا التي نشرت عنه مقالاً يتعلق بـ”دروس في الأدب” حين صدوره قبل عشرة أعوام بأنه “كان الأستاذ الأقل لعباً لدور الأستاذ في التاريخ الجامعي. هو الذي نزع القداسة المربكة عن العلاقة بين الأستاذ وطلابه”. وتضيف الكاتبة في مقالها المنشور في صحيفة “بادجينا 12” والذي نقلته عنها مجلة “بوكس” الفرنسية أن “كورتاثار كشف وهو يكتب نصوصه شفهياً، كم أنه لا يختلف أيما اختلاف عن كورتاثار الكاتب. نفس العبقرية ونفس الانسيابية ونفس التصعيد”. ومن هنا راح كثر يتعاملون مع هذا الكتاب ليس فقط بكونه درساً في الأدب وقراءة الأدب بل حتى كتابته، بل كذلك وبصورة خاصة، درساً في الحكي عن الأدب ودرساً في تعليمه. ويلفت كيف أن فيريرا تتوقف هنا عند ما قاله كورتاثار في أحد دروسه من أن “هذا قد يبدو لكم غريباً لكني سأقوله لكم: إنني دائماً ما أشعر بالخجل وأنا أوقع قصصي لأنه يخامرني انطباع بأنها قد أُمليت عليّ وأنني لست أنا كاتبها الحقيقي. في أحيان كثيرة يخامرني الشعور بأنني لست سوى الوسيط الذي كلف أن يوصل تلك النصوص إلى القراء”. المزيد عن: الكاتب الأرجنتيني خوليو كورتاثارالأدب اللاتينيغابريال غارثيا ماركيزأستورياسجورج لويس بورخيسالواقعية السحرية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post التوتر الحدودي مع لبنان “يزعزع” تصورات سكان شمال إسرائيل next post قصف مستشفى في غزة يعقد زيارة بايدن المشحونة بالتوتر لإسرائيل You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024