كاتدرائية "سانتا ماريا ديلا فيوري" في فلورنسا (موقع المدينة) ثقافة و فنون عندما قام برونيليسكي بمهمة غامضة في أزقة روما by admin 24 يناير، 2025 written by admin 24 يناير، 2025 16 حين يعترف المؤسسون الكبار بأن لهم أستاذاً أقام العلاقة متينة بينهم وبين الأقدمين اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب في إحدى سنوات عصر النهضة الإيطالي وخلال أيام ربيعية مشمسة، لاحظ المارة في شوارع روما وحتى في أزقتها، رجلين بدا واضحاً من ملابسهما أنهما آتيان من توسكانيا، وربما من مدينة فلورنسا بالتحديد. كان الرجلان يتجولان عند ظهر كل يوم، وفي جعبة كل منهما مجموعة من أدوات القياس والمواعين والأقلام والآلات الحاسبة فيتوقفان، وغالباً غير بعيد من المباني الضخمة القديمة، ثم يشرعان في قياس المسافات وارتفاع الجدران وعمق الأرصفة وما إلى ذلك. بل يحدث لهما في مرات عدة أن يحفرا في الأرض لمعرفة مقاسات عمق ما. كان المارة ينظرون إلى بعضهم بعضاً، متسائلين بدهشة وتفكه، عما يمكن أن يكون هذان المخلوقان الغريبان فاعليه، فلا يحير أي منهم جواباً، ثم حين يجرؤ واحدهم على التوجه إلى رجال الأمن لافتاً نظرهم إلى ما يحدث، لا يفعل الحراس أكثر من هز أكتافهم إشارة إلى أن الرجلين من علية القوم ولا يمكنهم هم مساءلتهما. في النهاية إذ أعيت الحيلة سكان روما الذين تحول المشهد بالنسبة إليهم من مثير للقلق إلى مسل، استقرت الحكاية بالنسبة إليهم على أن الرجلين يبحثان عن كنز ما، وعقدوا العزم على أن يكملوا هم ما يبدأه الرجلان. ونحن لا نعرف اليوم علام انتهت الحكاية وهل وجد الرومانيون كنزاً، لكننا نعرف أن الرجلين لم يكونا سوى المعماري النحات الرسام فيليب برونيليسكي وصديقه المثال الكبير دوناتيللو. وكان الاثنان كما نعرف اليوم، من كبار فناني عصر النهضة. بل إن ثانيهما كان الأستاذ المعترف به من صاحبي العلاقة برامانتي وبالاديو المعتبرين مؤسسي الهندسة المعمارية الحديثة في ذلك العصر الذهبي، ويعترف الاثنان، اللذان تحدثنا عن كل منهما على حدة في حلقتين سابقتين من هذه الزاوية، بأنه كان أستاذهما الذي دلهما على الهندسة المعمارية القديمة التي أسسا بالارتكاز إليها، كل ما رافق مسارهما المهني من معمار أحدث انقلابات في تاريخ هذا الفن. بالنسبة إليهما كان برونيليسكي المؤسس الأكبر، وما كان يفعله في شوارع روما لم يكن سوى طريقته لدراسة العمران القديم الذي كان يفتنه ويعلمه ويقلب تاريخ الهندسة في آن معاً. أكبر قبة في العالم من هنا يجب ألا يكون مستغرباً أن تحمل كتب كثيرة عن تاريخ العمران النهضوي عنواناً يكاد يكون واحداً هو “نهضة العمران من برونيليسكي إلى بالاديو”. فالأول الذي كان أستاذ الثاني وتحديداً عن طريق برامانتي، أمضى حياته وهو يتعلم من الأقدمين ويراكم المشاريع العمرانية التي لا يزال الناس حتى اليوم يقفون أمامها مبهورين، ومن بينها بصورة خاصة كاتدرائية سانتا ماريا ديلا فيوري التي ختم برونيليسكي حياته بتشييدها الذي استغرق منه 29 سنة، إذ إنه شرع في تنفيذ المشروع لحساب البابا يوجين الخامس في عام 1417 مواصلاً العمل عليه حتى موته في عام 1446، بل إنه رحل والكاتدرائية غير مكتملة حتى وإن كان البابا أقام احتفالاً ضخماً لإعلان الانتهاء من بناء قبتها في عام 1436، إذ منذ ذلك الحين اكتسبت تلك القبة سمعتها بصفتها أعظم قبة في العالم، ولو كان ثمة في ذلك الزمن ما هو مشابه لكتاب “غينيس” للأرقام القياسية، لاستحقت القبة مكانتها فيه كقبة وحيدة لها هذه الضخامة، وقام بتشييدها رجل واحد في تاريخ البشرية. ولا بد أن نضيف هنا بأن تلك القبة حتى وإن كانت قطعة فنية خالصة فإنها صممت من برونيليسكي لترمز إلى تاج السيدة العذراء المعلن انتصارها، وليس مستغرباً هنا أن تهدى الكاتدرائية إليها بناء على طلب برونيليسكي نفسه، فتبقى إلى اليوم مثيرة لمخيلة الناس وتبدو، بحسب المفكر الإنسانوي البرتي” تغمر بظلها الوارف، الشعب التوسكاني بأسره”. برونيليسكي (1377-1446): العمران على خطى الأقدمين (الموسوعة البريطانية) فنانون كثر في واحد كانت تلك الكاتدرائية عمل برونيليسكي الأكبر، لكنها لم تكن عمله الوحيد بأية حال من الأحوال، فالمبدع الذي عاش بين 1377 و1446، كان فناناً متنوع الاهتمامات والإنجازات العملية والنظرية بالتالي، فهو إلى جانب شهرته الأساسية التي يحدثنا فازاري عنها كثيراً، كمبتدع للمنظور في الرسم كما في الهندسة، كان الأول بين الفنانين النهضويين الذي استخدم الحسابات الهندسية والرياضية في الهندسة المعمارية كما في الرسم التصويري. وإلى ذلك، ومن الناحية العملية، المهنية هذه المرة، كان من أوائل المعماريين الذين تولوا تنظيم شؤون العمل في الورش تبعاً لتوزيع جديد للعمل، كم أنه كان المعماري الأول الذي نظم مكانة المهندس المعماري في الدولة انطلاقاً من حقوقه وواجباته، ولكن بخاصة أيضاً انطلاقاً من كونه مبدعاً وحرفياً في الوقت نفسه. وضمن هذا الإطار تحدثنا كتب العمران العائدة لتلك المرحلة، عن أن جدارية “تضحية إسحاق” الموجودة على الباب الثاني كديكور من البرونز في مبنى معمودية فلورنسا، تعتبر العمل المعماري الإبداعي الأول الذي أسس لقواعد فنية العمران الجديدة بانتشار اللوحة في المكان تبعاً لأسس هندسية لا سابق لها. وكان انتهاء برونيليسكي من تلك المنحوتة الجدارية في عام 1401، أي العام السابق على توجهه إلى روما لدراسة الكيفية التي شيد بها الأقدمون تلك المباني العمرانية التي أخذ على عاتقه السير على دروب إنشائها، بغية الوصول إلى نهضة إنسانية جديدة حتى في الفن الكنسي. الأقربون أولى… في الحقيقة إن برونيليسكي الذي كان تفاعله مع الفنون التي اشتغل عليها نال تأسيساً صارماً في مدينته فلورنسا التي كانت محط أنظار فناني العالم الأوروبي بأسره في ذلك الحين، على اعتبار أن إنسانية جديدة تتمركز على الآداب والفنون كانت تولد فيها وتنمو لخلق عالم جديد، فإن زيارته التي أشرنا إليها إلى روما ستكون ذات أهمية كبرى في حياته. وهو عاد منها، واستغرقته ثلاث سنوات وكله قناعة بأن الشيء الأول الذي يتعين على الهندسة المعمارية أخذه في الحسبان هو البنية الإجمالية لمشروعها العمراني ككل انطلاقاً من تناسق هرموني لا لف فيه ولا دوران. وهو سيطبق نظرته هذه للمرة الأولى بعد عودته لفلورنسا في تشييد (اوسبيدالي ديلي اينوتشنتي” (مستشفى الأبرياء” الذي بدا حين اكتمل مستخدماً تفاصيل عمران الأقدمين، وكأنه ينتمي إلى أزمنة ذهبية عتيقة وعريقة. لكنه في مشروع تال له هو إنشاء “ساغريستيا فيكيا” لكاتدرائية سان لورانزو، نراه يغرق في تطبيق قواعده النظرية الخاصة مشتغلاً على تكعيبيات وكرويات تبدو حتى اليوم مدهشة ضمن توزعها على خطوط أفقية وعمودية، وكانت تلك هي على أية حال الأسس التي سيتبعها في مشاريعه التالية وصولاً إلى الأعجوبة النهائية التي ستكونها قبة كاتدرائية ديللي فيوري التي تعتبر حتى اليوم إنجازه العمراني الأكبر. المزيد عن: عصر النهضة الإيطاليشوارع روماالنحات دوناتيللوالرسام فيليب برونيليسكيالهندسة المعمارية الحديثةكاتدرائية سانتا ماريا ديلا فيوري 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post معرض القاهرة للكتاب يستوحي شعاره من “الحوار الديني” next post الضحك قرين الجرأة… هكذا اختفت الصحافة الساخرة في مصر You may also like سيرة جديدة تكشف وجها آخر من المركيز دو... 24 يناير، 2025 أنجيلينا جولي ونيكول كيدمان: بين الخيارات الآمنة والأدوار... 24 يناير، 2025 هرتزوغ أسطورة السينما الألمانية يبدع في الـ83 24 يناير، 2025 الضحك قرين الجرأة… هكذا اختفت الصحافة الساخرة في... 24 يناير، 2025 معرض القاهرة للكتاب يستوحي شعاره من “الحوار الديني” 24 يناير، 2025 جوائز “الراتزي”: “أوسكار” أسوأ الأفلام 24 يناير، 2025 ( 60 قصيدة ) لعشرين شاعرا أميركيا حازوا... 24 يناير، 2025 رحلة هتشكوك الغامضة من أحياء لندن البائسة إلى... 24 يناير، 2025 شربل داغر .. يكتبُ بشهوة الشاعر في نطاق... 24 يناير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: مجامر من موقع سمهرم... 23 يناير، 2025