الإثنين, يونيو 2, 2025
الإثنين, يونيو 2, 2025
Home » عندما أحرق النازيون كتاب فرانتز بواس لنفيه التمييز العرقي

عندما أحرق النازيون كتاب فرانتز بواس لنفيه التمييز العرقي

by admin

 

العالم الألماني مؤلف “عقل الإنسان البدائي” انطلقت حياته العلمية والعملية أميركياً بعدما تجاوز الـ50 من عمره

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

“إن حياة أي مجتمع، إنما هي مصنوعة من أفراد يفعلون، إن في صورة فردية، أو في صورة جماعية، ضمن إطار التقاليد التي نشأوا عليها، محاطين بإنتاجات نشاطاتهم ونشاطات أجدادهم من قبلهم”، “ليس وجود معادن الحديد والفحم في التربة، مما يخلق الصناعة، ولكن تخلق الصناعة فقط حين يجري الحصول على معرفة هذه المعادن ومعرفة كيفية استخدامها”، بهاتين العبارتين المقتبستين من كثير من الدراسات والمحاضرات التي جمعها عالم الأنثروبولوجيا الألماني الأصل الأميركي الجنسية فرانتز بواس، في عدد من الكتب التي أصدرها في مراحل متفرقة إنما متأخرة من حياته، أدخل هذا الباحث الفريد في زمنه العنصر الإنساني في عالم الإثنولوجيا. فهذا العلم، والأنثروبولوجيا المقابلة له، كانا قبل ذلك مجرد مرتع لمحبي كل ما هو بدائي، الزائرين بلاد الشعوب الفطرية عائدين منها بكل ما هو غريب يعزز – وحتى ولو من مواقع تقدمية – نزعة المركزية الأوروبية وغير الأوروبية.

مع بواس، قفز هذان العلمان قفزة جبارة إلى الأمام. ومن هنا لم يعد غريباً أن يعلن علماء من طينة بريتشد وليفي ستروس ومن قبلهما مرغريت ميد، ريادة بواس الذي لم يعرف من الشهرة في حياته وبعدها، على أية حال، ما عرفه هؤلاء. ذلك أن الرجل آثر دائماً أن يعمل في صمت، هو الذي كان تجاوز الـ50 من عمره حين وضع دراساته وجمع كتبه الأساسية ومن بينها بخاصة “عقل الإنسان البدائي” (1911)، هذا الكتاب الأساسي، الذي إذ وضعه بواس أصلاً، مؤلفاً من دراسات ومحاضرات لغايات علمية بحتة، استخدم استخداماً سياسياً على نطاق واسع، ومنذ سنوات الـ20، حين اكتشفه كل المناهضين لقوانين الهجرة الأميركية ذات الطابع العنصري لجأوا إلى أفكاره ومحاججاته لكي يناهضوا تلك القوانين.

النازيون أحرقوا كتبه

استطراداً، لا بد من أن نذكر أن كتاب بواس هذا، كان حتى في خمسينيات القرن الـ20، إنجيل المناضلين السود المطالبين بالحقوق المدنية. وضمن هذا الإطار لن يكون مدهشاً أن نعرف أن النازيين أحرقوا كتاب فرانتز بواس هذا في ما أحرقوا من كتب في احتفالات عامة صاخبة في عام 1930، كما أعلنوا سحب شهادة الدكتوراه التي كان حازها بواس نفسه من جامعة كييل (في الفيزياء والجغرافيا) عام 1881، علماً أن الجامعة نفسها، في تحد منها للجبروت النازي يومذاك أعادت الدكتوراه والاعتبار لبواس في عام 1931، وسط احتفال صاخب اتخذ طابعاً سياسياً يومها. ولعل من المهم أن نذكر هنا أن بواس حين روي له مآل كتاباته هذا لم يفعل أكثر من أنه ابتسم قائلاً: لكن هذا لن يبدل من الأمور شيئاً. إذاً بأفكاره المعادية للعنصرية هذه، وإن كان هو حصرها دائماً في المجال العلمي البحت، اعتبر فرانتز بواس خلال النصف الأول من القرن الـ20 الأب الشرعي للإثنولوجيا المعاصرة. ومع هذا كانت دراسة بواس جغرافية أول الأمر، وهو حين قام برحلته العلمية الأولى إلى “بافن آيلند” في عام 1883 – 1884، إنما كانت الرحلة لأغراض جغرافية، لكنه سرعان ما وجد نفسه يهتم بالثقافات البشرية، معتبراً “البعد الثقافي مفتاح أية دراسة حقيقية لتاريخ الإنسان”. واللافت أنه فعل ذلك في الوقت نفسه تقريباً الذي كان فيه فردريك إنغلز يكتب إلى بلوك رسالة يقول فيها إنه أبداً لم يسع هو وماركس، لأن يجعلا من العامل الاقتصادي عنصراً حاسماً في التطور المادي للتاريخ، مضيفاً أن “العامل الحاسم بالنسبة إلينا، في نهاية الأمر، إنما هو إنتاج الحياة الحقيقية وإعادة إنتاجها”. في اختصار إن اشتغال الإنسان بفكره وقوة عمله على الطبيعة هو العنصر الحاسم، وهنا يكمن أساس تفكير فرانتز بواس، ولا سيما كما عبر عنه في كتابه الأشهر “عقل الإنسان البدائي”.

غلاف طبعة حديثة من “عقل الإنسان البدائي” (أمازون)

 

على الضد من مفهوم العرق

كان الهدف الأول لبواس في هذا الكتاب، شجب مفهوم “العرق” وتحطيمه بصفته “مفهوماً متهافتاً وخطراً”. وهو تعامل مع هذا الهدف في المقام الأول، عبر الفصل بين أمرين كان يجري التعامل الجامعي والتأليفي معهما بوصفهما واحداً من: دراسة السمات الفيزيائية ودراسة السمات النفسية للإنسان. وتوصل بواس بفعل فصله التقدمي والحصيف بين هاتين الدراستين عن بعضهما بعضاً، إلى أن “المعيار الحقيقي للتنوع البشري، ليس معياراً طبيعياً، بل هو معيار ثقافي”، ولا بأس أن نذكر هنا إن كل أساطين الأنثروبولوجيا في القرن الـ20، لم يكفوا عن تأكيد هذه الحقيقة ودراستها بعدما فتح ذلك العالم الكبير والمتواضع الطريق لهم.

في زمن بواس ومن قبله بالطبع، كان معظم علماء الأنثروبولوجيا في الواقع يؤمنون بأن الأنواع البشرية نوع واحد، غير أن قلة من بينهم فقط كانت ترى أن كل الناس لديهم القدرة نفسها على تطوير أنماط وأشكال ثقافية متطورة. وبفضل فرانتز بواس ودراساته الميدانية والتاريخية، صارت هذه الفكرة رائجة اليوم لتوصل إلى يقين يقول إن الفوارق التي نلحظها في التطور إنما تعود لعوامل تاريخية وثقافية، لا لعوامل جينية وراثية. وحتى داخل هذا النمط من الفكر الواقعي دافع بواس دائماً عن نظرة أكثر تقدماً، عبر عنها في معظم محاضرات “عقل الإنسان البدائي”، ثم بخاصة، بعد ذلك بثلاثة عقود، وفي آخر كتبه “العرق واللغة والثقافة”، وفحواها أن عالم الأنثروبولوجيا، لكي يصل إلى نوع من الحقيقة العلمية والتعريفات الأقرب إلى الدقة، عليه أن يكون “قادراً على فهم كل العوامل التي من شأنها أن تؤثر في تواريخ الشعوب وتصنعها”. ومن هنا “لكي يتوصل العالم إلى تأكيد أن الفوارق الثقافية ليست بأية حال بيولوجية جينية، عليه أن يكون “عالماً في مجال البيولوجيا”، ولكي يفهم العلاقات بين الإنسان وبيئته عليه أن يدرس بعمق أموراً مثل الهجرة والغذاء، وعادات تربية الأطفال ونوع الأمراض المتفشية وتأثيراتها، ناهيك بتحركات الشعوب والعلاقات القائمة في ما بينها وبين ثقافاتها”.

البحث عن علم شامل

ومن هنا، فإن بواس يطلب، في الحقيقة، من الأنثروبولوجيا أن تكون علماً شاملاً، كلياً وانتقائياً، يتدخل في كل حقل من حقول العلم. يطلب منه أن يكون “علم الإنسان” عن حق وحقيقة، وبهذا يكون بواس تصدى للفكرة القديمة التي كانت تضع للتقدم سلم قيم يقود إلى ما كان يسمى “ثقافة كونية مركزية”، إذ يتم تقويم الشعوب انطلاقاً منها وعلى أساسها، “محدثاً قطيعة مع تقاليد تطورية كانت تنحو، ومنذ عصر الأنوار الفرنسي، إلى معالجة الفوارق الثقافية باعتبارها درجات على ذلك السلم الذي يعتبره عصر الأنوار سلماً مشتركاً بين البشر جميعاً، جاعلاً من نفسه – أي بواس – الناقد الأساس لنزعة “المركزية الإثنوغرافية”.

ولد بواس عام 1858 في مدينة مندن بوستفاليا الألمانية لأب تاجر، وتسبب اعتلال صحته منذ الصغر في انصرافه إلى القراءة والتأمل. وكان أبواه ليبراليين من المتمسكين بالمثل العليا لثورة عام 1848، وحين وصل إلى الدراسة الجامعية، درس كثيراً من العلوم قبل أن يركز على الفيزياء والجغرافيا اللذين حاز الدكتوراه فيهما. وفي عام 1886 توجه إلى جزيرة فانكوفر في الشمال الأميركي، ولكن بصفته مهتماً بالإثنوغرافيا هذه المرة، ولدى عودته مر في نيويورك وقرر أن يبقى فيها، حيث تزوج واستقر، ليعلم في جامعة كلارك ثم في شيكاغو مكثفاً من رحلاته العلمية في مناطق الشمال الأميركي الأقصى، ثم بدأ يلقي محاضرات لافتة في متحف العلوم الطبيعية قبل أن يقوم برحلة لدراسة الفوارق بين سكان سيبيريا وشمال أفريقيا الأصليين. أما كتبه الكبرى فبدأ ينشرها مع إطلالة القرن الـ20، محدثاً عبرها وبالتأكيد تلك الثورة الأنثروبولوجية التي لا تزال مؤثرة حتى الآن. وهو حين رحل في عام 1942 كان أضحى علماً من أعلام الفكر في زمنه، وبدأت كتبه تقرأ أحياناً على نطاق شعبي أيضاً. ومن أبرز هذه الكتب، إلى جانب ما ذكرنا، “الفنون البدائية” و”الأنثروبولوجيا والحياة المعاصرة”…

المزيد عن: فرانتز بواسالتمييز العرقيالنازيةالإثنولوجياالأنثروبولوجياليفي ستروس

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili