بأقلامهم علي حسن الفواز يكتب عن: سليم بركات.. الاغتراب ومتعة الكتابة by admin 5 نوفمبر، 2024 written by admin 5 نوفمبر، 2024 80 الاستعارات المقنعة والغريبة حيث الإشارات اللغزية في دلالاتها وفي إيحاءاتها النفسية والرمزية.. وهذا ما يجعل قصيدته مسكونة بهواجس الاستفزاز القبس الثقافي / علي حسن الفواز لا تسقط اللغة في الفراغ بصمت، إنها كتلة من الأصوات والاستعارات والكنايات، وهذا ما يجعل صخبها قرينا بما تملكه من قوة سحرية مضادة لذلك الفراغ، تهب الشاعر شغفا استثنائيا بوهم الامتلاء، وبشهوة التجاوز والفضح، والبحث عما تحمله القصيدة من ارواح واشباح، إذ تتبدى صاخبة، ضاجة، بوصفها جوهر الكائن وكينونته وانشغاله الوجودي بسؤال الخلق والمعنى، والبحث عن سر تلك الكينونة. الضبط البلاغي يكتب الشاعر سليم بركات قصيدته المناوئة للفراغ، مندفعا الى إشباع الكينونة، والى إشباع اللغة، وما أن يكتسبها حتى ينسل من حيرته الى حريته، فتكون الكتابة عندئذ تمثيلا متعاليا لوجوده ورؤيته، أو تكون هي طقسه في مراقبة التفاصيل، وفي الضبط البلاغي للتعرف على المخفي في هندسة المتاهة، وفي رؤية العالم من خلال ما تصنعه اللغة في الاستعارات والمجازات، فتتبدى وكأنها ممارسة فائقة الخطورة في التحري عن الاشياء التي تهرب من الزمن الى اللغة، ومن اللغة الى المرايا، حيث تتسع قصيدته/ مطولته بوصفها كتابة مفتوحة على ما يشبه السيرة، أو على ما يشبه تمثيل تشهيات الجسد النرسسيسي، حيث تحضر الذات الرائية، الذات المفكرة/ المراقبة، الشغوفة بممارسة طقس التمرد على الفراغ، وعلى الضيق، فلا شيء يقتل الشاعر سوى الضيق، سوى الخوف من التشيؤ المجرد والفاضح في اللغة، والذهاب الى الزمن، حيث التبعثر والتشظي، وحيث موت الكينونة، وعلى نحو يجعل من قصيدة بركات غامرة بإحالات نفسية، وباستعارات لا تنفصل عن لاوعيه الصاخب، مشدودة الى مقاومة الموت عبر ترياق اللغة، وعبر ما يستدعيه من صور لها شهوة الحياة واسئلتها الفارقة.. نشيد خاص نقرأ قصيدة سليم بركات وكأننا نستقرئ عبر هذا الصخب طقسا متعاليا، يجذبنا الى فضائحه وسرائره، والى طلاسمه وغموضه، والى ذاته التي تحتج على ضيقها في اللغة، وفي الأمكنة / المنافي، إذ تحيلنا هذه القراءة الى «الغامض» فيها، حيث الاستعارات المقنعة والغريبة، وحيث الاشارات اللغزية في دلالاتها، وفي ايحاءاتها النفسية والرمزية، وهذا ما يجعلها مسكونة بهواجس الاستفزاز، والتحريض على مراقبة ما ينسل من تلك اللغة / المكوث، حتى تبدو قصيدته وكأنها قناع لـ«نشيده الشخصي» الذي يتوارى خلفه، صاخبا بأصواته الداخلية، تلك التي يستدعي لها الأبواق والصخب، مثلما يستدعي عبرها الغائب والأنثى والمكان، ليتماهى معهم، من خلال ما يستحضره من تراجيديا «وعيه القلق» المشبوك بإحالات العذاب والخلاص والتطهير، وبالدوستوبيات التي يصنعها الآخرون في المنافي، أو في أقفاص الاوطان الضيقة بأحلام الشعراء. القصيدة القاسية قصيدة بركات، قصيدة قاسية، لها شهوة الكائن في مراقبة الوقت، فلا يجد في كتابتها سوى تمثيل رثائي لمتاهة «الشاعر الكوردي» الباحث عن كينونته، لكنه المغترب في لغته، وفي منفاه وهويته، فلا يجد سوى الانغمار في طقس غرائبي، تغذيه تلك الشهوة، بحمولاتها الاستعارية والرمزية، حيث تتعالى عبرها اصواته الصاخبة، مثلما تنفر عندها إشارات هي الأقرب لـ«الانثربولوجيا» الحاشدة برموز الطبيعة والامكنة والاساطير والمثيولوجيات الكوردية والجغرافيا، لكنها توحي أيضا بالعزلة وبالاغتراب النفسي والوجودي، وهذا ما يجعل تضخم جملته وغموضها تمثيلا لغموض الشاعر في اغترابه، وفي منافيه، وفي علاقته المضطربة بالتاريخ، والهوية، لذا تزدحم قصيدته بهواجس لا حدود لها، وبسرديات تتسع للمتخيل الكوردي الذي يصطنع له وجودا رمزيا في لغة تغمره بالاستعارات الفائقة، وبشراهة الرؤية التي تدفعه الى حدوس نافرة، وربما تدفعه الى استنفار شكوكه وشبهاته إزاء العالم، والى توظيف القناع الشعري، لإخفاء المفضوح من سيرته، لكنها لن تخفي قلقه في «اللامكان» وفي تحويل الكتابة الى ما يشبه الرغبة في مراودة امكنته القديمة، إذ يستدعي لها الجسد الذي تؤسطره اللغة، مثلما يستدعي لها اللغة التي تمنح الكتابة وعدا باستكناه المؤجل والغائب، وما يملكه العارف من اسرار تتوارى خلفها كثير من طلاسم الغياب. شاعر استعادات سليم بركات ليس شاعر مناف، بقدر ما هو شاعر استعادات، يمارس عبرها غوايته بترميم وجوده المتشظي والتائه بين هوية مطرودة، وبين امكنة تضيق بأحلامه، وبين اسماء لا قاموس لها في التاريخ، فلا يجد لها سوى اللغة، بوصفها لعبة باذخة في التعرف والاستعادة، وفي أنسنة وجوده، وفي تشييد طقوسه التطهيرية عبر الاعتراف، وعبر مناكفة الفراغ والاغتراب، فما تصنعه القصيدة من وجود ايهامي واشباعي، يبدو مثيرا للأسئلة، إذ يفتح له أفق الرؤية، أو يصنع له «البرزخ» حيث مواجهة القلق والارتياب، وحيث التوهم بالعبور الاستعاري الى لذة الاكتمال، وحيث الاستعداد لكتابة «الوصية» أو كتابة القصيدة التي تناظر السيرة، في مدوناتها التي تتسع بالنقائض والهروبات، مثلما تتسع لشهوات الشاعر المقنع بوظائف الرائي والعاشق والمهاجر والضحية. أبواب الشاعر ولذة الكتابة لا شك أن الكتابة التي ينخرط فيها سليم بركات صاخبة، لكنها ليست بعيدة عن لذة التعويض، والاعتراف، وأن يصطنع عبرها ابوابا رمزية، تفضي لعابرين أو لشهود، أو ربما تفضي الى الجحيم، والى مقاربة تراجيديا البلاد التي تتسع –ايضا– لها سيرة الشاعر، وهو يرى ما «تكشفه الأبواب من نقائض» حيث يمارس «المنجمون» الرؤية ذاتها التي يمارسها الشاعر، وهو يرقب العالم والبلاد والمنفى و«المسالخ» والفراديس. ممارسة فائقة الخطورة في التحري عن الأشياء التي تهرب من الزمن إلى اللغة ومن اللغة إلى المرايا ما يكتبه الشاعر عن الأبواب يكشف عن نقائض عوالمه، حيث تبدو الابواب وكأنها عتبات للجحيم، أو كناية عنه، بوصفها تمثيلا لنفي الذات في جحيم الغربة، وهذا ما يجعل قصيدته تستبطن لغة نافرة، عصية، تساكنها غلظة الاستعارات والشفرات، كتورية لغلظة محنة الكائن الوجودية، ولمتاهته، ولتسويغ وجوده عبر لعبة اللغة، القائمة على استدعاء طقوس المثيولوجيا، وسرائر المخفي في السيرة، وعلى ثنائيات الحضور والغياب، والمحذوف والموجود، والقتل العمومي والقربان، وهو ما يعطي لمفردة «الباب» ترميزا ليس بعيدا عن ذاته المأزومة، فهي توحي بالغامض والمجهول والخائف، وربما بالخرق الذي يجعل من الأبواب عتبات غاوية للشياطين / الأشباح، إذ يستدعي الشاعر عبرها سيرته بوصفها سيرة للابواب المفتوحة على مسالخ النفي والوطن، وعلى ما يتبدى من الوجوه التي تبصر تشوهاتها في المرايا، فلا ينبجس منها سوى الألم والدم، ولا تهجس إلا بوجعها وهي تواجه رهاب «عاصفة الذبح» و«المسالخ» و «مرايا الحديد» إذ يصنع «الجزارون» و«المنجمون» طقسا مثيولوجيا يتسع لسيرة النفي الذي لا وجوه له سوى ما يتساقط من «مرايا الحديد» أبواب كلها: أبواب المسالخ: الهدوء المنْجز بعد عاصفة الذبح، ورخاء الغرق في السكينة الغرق، وحرص الجزاريْن على العظام أنْ لا تخْدش. المنجمون بوجوه في الدم، ووجوه في مرايا الحديد الذي وزع الدم باعتدال على أقداح الموت. لا أنين في المسالخ، بل أنس الأرواح اجتمعتْ مرفهة بحقائقها في الوحدة. أف: ماضي الأنين المسالخ؛ ماضي الألم المسالخ؛ ماضي الخوف المسالخ؛ ماضي العبث بالأجراس التي من إيمان الوقت بأبوته. تحمل شهوة الكتابة في قصيدة سليم بركات نوعا من الاستنفار، ليس بحمولة الاستعداد، بل بوعي التعويض، والبحث في اللغة عن وجود أو عن وطن أو ذاكرة، إذ يمارس شغفه بالاستدعاء لمراقبة العالم عبر اللغة، ولمراقبة الذات عبر المرايا، ولمراقبة الوطن عبر الذاكرة المهجوسة بأرواح الغائبين.. لغته الحادة، وصياغتها تقومان على تقانة التوالي والتكرار، وعلى تركيب الصور، وكأنه يكشف عبرها عن حساسية «شقاوة وعيه» الوجودي إزاء الرعب والغياب والالم الذي يحوطه، فما يستدعيه ليس بعيدا عن اقنعة ذلك الوعي، حيث الوعي الشكاك، المرتاب، المتساءل، وليس قريبا من شغفه بأن يصنع له وجودا موازيا، تجره الاستعارات الى معنى ما، أو الى تدوين سيرة يتخيلها، أو رؤية ما تضعه عند ابواب تتكرر، او جدران تشبه جدار المخرج والتردي الذي يخفي خلفه صراعا وجوديا وانسانيا عارما. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عبد الرحمن الراشد يكتب عن: إسرائيل… القضاء على «الأونروا» بعد «حماس» next post هل يخطط أكبر سينمائي في العالم لمواصلة الإبداع؟ You may also like عبد الرحمن الراشد يكتب عن: حافظ وليس بشار 26 ديسمبر، 2024 بيل ترو تكتب عن: تفاصيل أسبوع استثنائي في... 26 ديسمبر، 2024 ندى أندراوس تكتب عن: هوكشتاين وإنجاز الرئاسة بعد... 25 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن: العودة إلى دمشق.. المدينة... 25 ديسمبر، 2024 بناء سوريا ما بعد الأسد: كيفية التأكد من... 25 ديسمبر، 2024 طارق الشامي يكتب عن: هل تضبط واشنطن إيقاع... 24 ديسمبر، 2024 سام هيلير يكتب عن: كيف يمكن الحفاظ على... 24 ديسمبر، 2024 مايكل ماكفول يكتب عن: كيف يمكن لترمب إنهاء... 24 ديسمبر، 2024 حسام عيتاني يكتب عن: جنبلاط في دمشق.. فتح... 23 ديسمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: جنبلاط والشرع وجروح الأسدين 23 ديسمبر، 2024