ثقافة و فنونعربي علاقات معقدة بين امرأة وثلاثة رجال في رواية “البجعة البيضاء” by admin 3 يناير، 2021 written by admin 3 يناير، 2021 13 المصري محمد إبراهيم طه يقارب النسوية في سرد شبه محايد اندبندنت عربية / محمد السيد إسماعيل يذكرنا عنوان الرواية الأحدث للكاتب المصري محمد إبراهيم طه، “البجعة البيضاء” (دار النسيم– القاهرة) بعناوين مشابهة مستمدة من عالم الطيور مثل “مالك الحزين” لإبراهيم أصلان و”تغريدة البجعة” لمكاوي سعيد. لكن هذا التشابه – على مستوى العناوين – لا يعني المشابهة في محتوى هذه الروايات الثلاث، إذ تعد “البجعة البيضاء” هنا معادلاً موضوعياً لبطلة الرواية “مآثر علوي”، سواء على المستوى الحسي الجمالي أو على مستوى الصفات الشخصية. فبطلة الرواية جميلة بيضاء بضّة الجسم وتظل صفة “البيضاء” الرابطة بينها وبين البجعة دالة على معاني السمو والنقاء. هذه الصفات الحسية والروحية تجعل الشخصية مهيأة – كما اتضح على مدار الرواية – للتعبير عن الاعتداد بالنفس والثقة فيها وقوة الشخصية والندية في التعامل مع الرجل، ما يجعلنا نسأل: هل نحن أمام رواية “نسوية”؟ ورغم رفضي التقسيم الجنسى للأدب يبقى أن هذه الرواية تدور حول أزمة “المرأة” ووضعيتها وطموحاتها وانكساراتها من خلال شخصية “مآثر” – ولنتأمل دلالة الاسم – المتمردة على قيود المجتمع والقادرة على اتخاذ قراراتها بإرادة حرة، فهي التي تقرر الطلاق مستغنية عن كل شيء في سبيل تحررها من قيود زوجها الأول “تامر الصباغ” الذي ارتبط بها وهي في سن الخامسة والعشرين وأنجب منها “مريم”. لا تأخذ “مآثر” سوى البنت و”البرنُص” الأزرق وتغلق الباب وراءها، ما يذكرنا ببطلة “بيت الدمية” لإبسن التي تمردت على حالة استلابها في نهاية المسرحية وهربت من البيت. والحقيقة أن حالة الهروب هذه تلاحق “مآثر”، فهي شخصية قلقة لا تستقر على شيء، أحلامها أوسع من واقعها الضيق، تنتقل من رجل لآخر؛ لأنها لا تجد ما تريده بالضبط. ولا يقتصر هذا الهروب على تكرار الزواج، بل يشمل الفرار بالذاكرة إلى ماض كانت تتمناه. حلم ضائع يقول الراوي الخارجي العليم عنها: “لكم رأت نفسها كأنما في حلم تسير أمام قوس الجهنمية طوال الأعوام التالية، فلا تجد الصبي الذي لو قدر لها أن تتزوجه في السادسة عشرة، لكان لها ولد في مثل سن “شادي” تماماً، لكنها تزوجت في الخامسة والعشرين من تامر الصباغ وأنجبت مريم”. هناك – إذن – حلم ضائع وواقع مقبض يضغط على روحها، ويظل “شادي” أقرب إلى الابن الذي لم يأت والعاشق الصغير، وتمتزج الأمومة والعشق في نفسيتهما. وقد أجاد الكاتب رسم شخصية “شادي”، فهو فتى في مقتبل الشباب، خجول ألدغ وشاعر لا يريد سوى أن يرى “مآثر”، ولو مِن بعيد، وهو – في هذا – على النقيض من علاقتها الحسية مع “مراد مدكور”. الرواية المصرية (دار النسيم – القاهرة) على مدار ثلاث سنوات – هي مدة زواجها مِن مراد – “كانت تصحو في غاية السعادة وحدها في السرير مثل سمكة بياض، والبرنص الذي وصل إلى حافة السرير عند قدميها، عارية تماماً ولا شيء بذاكرتها سوى مغادرة “مراد” قبل الفجر وقُبلة على جبينها؛ “في حين يقترب عبد الوهاب البطراوي من طبيعة شادي، حيث يجمعهما الفن: الشعر والنحت، وحكاية البطراوي مع “مآثر” تذكرنا بأسطورة بيجماليون حيث نحت لها مجسماً رخامياً من دون أن يراها إلى أن قادته الصدفة إلى البنك الذي تعمل فيه فرآها صورة حيّة من التمثال الذي يعرف أنه مجرد تمثال رخام أبيض… لكنه يوقن أنه يتحرك ما إن ينفخ فيه من روحه”. الفرق بين أسطورة بيغماليون وقصة “مآثر”، أنها لم تحبط توقعات “البطراوي” وكانت قريبة من الحلم الذي جسّده في التمثال وأنها بمجرد أن تتحرك أمامه “تدب الحياة في الكون وتعم الخضرة وتتفتح زهور وتورق أشجار”. الطائر الملكي إن محمد إبراهيم طه يحاول أسطرة “مآثر”؛ هذه البجعة البيضاء، التي تسمى – في بعض البلاد – “الطائر الملكي”، ويرى أنهما واقفان “في منطقة وسطى بين الحقيقة والخيال”، فظل متوحداً مع طائره حتى تجسد بعد عشر سنوات أمامه فجأة. إن ما سبق يعني أننا أمام قصص تتوالد من ذاتها ولا يجمعها إلا وجود بطلة واحدة، تكاد تكون الشخصية النسائية الوحيدة في الرواية، ولكل رجل قصة معها بدءاً من “تامر الصباغ” الذي ظل يشك في أبوته لـ”مريم”؛ نتيجة بعض التحليلات الطبية التي أثبتت أن إنجابه صعب لكنه غير مستحيل، مروراً بـ”شادي”؛ الشاعر الذي بدا نظيراً لابنها الذي تمنته، و”مراد مدكور”؛ رمز الرجولة الهادئة الواثقة، و”البطراوي” النحات الذي كان الصدر الحاني في أزماتها وأيام غيبوبتها، و”صلاح الزامل” الذي لم يستطع اقتناصها رغم مغامراته النسائية الكثيرة؛ لأنها لم ترغب أن تكون واحدة من فريساته… و”حتى حين عرض عليها الزواج رفضت لأنها كانت تعرف أنه يبحث فقط عن وثيقة للتملك تلغي فكرة الندية والشراكة”، وهو ما يعكس إحدى صفاتها وهي إحساسها الدائم بنديتها للرجل، وهو ما سبب متاعبها في مجتمع لا يعترف أغلب رجاله بهذا، ويرون المرأة مجرد ملكية خاصة وأداة للمتعة. يدور الكاتب حول “مآثر” لكي يعبر عن تفاصيلها الجسدية والنفسية، فيوضح أنها امرأة لا تحب الصور، لهذا كان من الصعب أن تقنع “البطراوي”، بـ”الفرق بين وردة محفوظة ومجففة وأخرى متصلة بالجذور”، وأن ذاكرتها الحية بصورها المتحركة هي ما يبقيها على قيد الحياة، وأن العبرة ليست في خفقان القلب وضخ الدماء. ويتكرر دال المتاهة كثيراً في هذه الرواية، “مآثر هانم في مغارة لا تعرف كيف دخلت ولا كيف تخرج، كلما فتحت باباً أدى إلى آخر. أبواب تفضي إلى ممرات في نهاياتها أبواب جديدة. متاهة حقيقية”. ومن الواضح أن هذه الصورة التي يرسمها السارد تجمع بين المكانية والمشهدية؛ حيث يغدو المكان مجازاً مرسلاً في التعبير عن حالة البطلة التي تستشعر أنها للمرة الأولى تفقد البوصلة وأن حِملاً ثقيلاً يجثم على روحها، وحبلاً غير مرئي ينعقد بإحكام وبطء حول رقبتها. وهي حالة أدخلتها في غيبوبة طويلة تهاجمها فيها تصورات أنها سوف تفقد ذاكرتها. فهل كانت هذه الوحدة هي التي قاربت بينها وبين “شادي” وأبعدتها عنه أحياناً؛ لأنه يجسد ضعفها، الأمر الذي جعله شاحب الوجه وهو “يلوذ مرتبكاً بقوس جهنمية في النادي”. لكن لماذا يلوذ المتوحدون دائماً بأقواس جهنمية؟ كما تتساءل “مآثر”، هل لأنها ذات ألوان متعددة مبهجة وهي حالة قادرة على إنقاذ المتوحد من محنته؟ وامتداداً لمتاهة “مآثر” نراها تستشعر انشطارها إلى شخصيتين؛ إحداهما منطلقة إلى الأمام، والأخرى، ثقيلة يخيم على روحها أسى لا تعرف إلى متى سيمتد. من هنا كان لجوؤها إلى الأحلام كوسيلة لإنقاذ روحها من الهوة السحيقة والمتاهة التي تعيشها، وهو ما أجاد الكاتب توظيفه، إضافة إلى تضفير الأغاني العاطفية في بنية السرد واستخدام الأسلوب الشاعري في كثير من المواضع، ودمج الحوار داخل السرد، وهي تقنية اتضحت أيضاً في روايته السابقة “باب الدنيا”. لقد استطاع محمد إبراهيم طه – كما صرح في أحد حواراته – إثبات أن استنطاق المرأة غير مستحيل، بشرط أن ينحي الكاتب جانباً وجهة نظره وقناعاته الخارجية وتصوراته المسبقة ويتعامل معها من منظورها. المزيد عن: رواية مصرية/نسوية/سرد/الرواية /حوار/القاهرة/البطل/إبراهيم اصلان 1 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مهدي عامل (مقدّمة لمختارات «الماركسية العربية والتحرر الوطني») next post كتب جديرة بالقراءة في2021 … من “بلد الثلوج” إلى “مغذى بالحليب” You may also like زنوبيا ملكة تدمر… هل يسقطها المنهج التربوي السوري... 11 يناير، 2025 (15 عرضا) في مهرجان المسرح العربي في مسقط 11 يناير، 2025 أبطال غراهام غرين يبحثون عن اليقين عند الديكتاتور 10 يناير، 2025 رحيل “صائدة المشاهير”…ليلى رستم إعلامية الجيل الذهبي 10 يناير، 2025 سامر أبوهواش يكتب عن: حسام أبو صفية… الرجل... 10 يناير، 2025 كتب يناير الإنجليزية: سيرة هوليوودي واعترافات 3 نساء 9 يناير، 2025 عبده وازن يكتب عن: بثينة العيسى تروي خراب... 9 يناير، 2025 أعظم 20 فيلما في تاريخ سينما الغرب الأميركي 9 يناير، 2025 وليام هوغارث يغزو بيوت لندن بلوحات شكسبيرية 9 يناير، 2025 استعادة الشاعر بول إلويار في الذكرى المئوية للبيان... 9 يناير، 2025 1 comment custom law enforcement badges 5 أغسطس، 2024 - 2:03 م I never thought about it this way before. Thanks for opening my eyes. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.