بأقلامهمعربي عقل العويط : إيتل عدنان فوق جبل العالم by admin 16 نوفمبر، 2021 written by admin 16 نوفمبر، 2021 203 “سأدعو ظلّي لزيارتي هذا المساء بعد أنْ ننفصل يا روحي العزيزة” (إيتل عدنان) النهار اللبنانية – عقل العويط أمس، غادرت صديقتي إيتل عدنان هذا العالم، بعدما أسلمت الروح في باريس. سأخاطبها الآن، مثلما كنتُ أخاطبها من قبل، كما لو أنّها موجودة، وتسمع، وترى، وتحلم، وتتأمّل، وتفكّر. كلّ ما في الأمر، أنّها لن تتمكّن من استقبالي، وأنا لن أتمكّن من السفر إليها، بقصد زيارتها وسؤال خاطرها، كما كنتُ وعدتُ نفسي قبل أيّام. سحقًا للأسباب التي حالت دون اللقاء. أسبابها وأسبابي. يمكنكِ الآن، يا صديقتي إيتل، أنْ تتنزّهي بلا مشقّة، لا على جبل تملباييس (أمام خليج سان فرنسيسكو في كاليفورنيا)، بل فوق جبل العالم. هكذا سيكون الكون برمّته تحت يديكِ، وناظريكِ. ستتأمّلين صعود القمر إلى حيث تقيمين، وسيجالسكِ هذا القمر الأزعر، كما لو كنتِ نجمته الوحيدة. أليس هو القمر إيّاه الذي كنتِ ترسمينه من هنا، متصاعدًا بأناقاته، وغواه، ليسامر جبلكِ المحبوب؟ أعرف جيّدًا أنّه سيكون في مقدوركِ أنْ تَرَي الشروق كما لم يُرَ من قبل، والمغيب، وأهوال منتصفات الليالي، والليالي. وستكون الكتب والدفاتر والمحابر والأقلام، ومعها ملائكة اللون والريشة والفرشاة والأوراق والسطوح، ملك بنانكِ وقماشاتكِ، ولن يعتريكِ تعبٌ بعد الآن، ولا وهنُ العمر، ولا ضنى العيش والوجود، ولن ينال من قلبكِ شقاءٌ في الأرض، ولا شقاؤنا اللبنانيّ والعربيّ، ولا شقاء العالم برمّته. ستعثرين على الحنان كلّه، والرأفة كلّها، والابتسامات التي تستحقّين أنْ ترصّع جبينكِ الطيّب. والشعر سيكون مجموعًا من أجلكِ، شرقه والغرب، ليكون على الطاولة، وليؤنس ما يمكن أنْ يعتري لطافتكِ من وحشة الموسيقى التي ستنصتين إليها بلا انقطاع. بلا انقطاع. وسترسمين كما لم ترسمي من قبل. وستكتبين ما لا تتّسع له لغةٌ، ولا اللغات بأسرها. أعرف أنّ تعبكِ الأخير كان تعبكِ الأخير، وأنّك لم تنبسي بكلمةٍ عنه إلّا للنسيم، للظلّ، ولذلك العصفور الذي كان يطلّ عليكِ من الجهة المقابلة، حاملًا البسمة في منقاره وكتب يديه. كم كنتُ ملمًّا بالليل الذي لطالما كان رفيقكِ وأليف شعركِ. وكم كان الليل الأخير طويلًا ورجراجًا ومتحشرج الأنفاس، على كِبَرٍ وصبرٍ وكتمان. وكم أرغب الآن في أنْ أساهركِ كما لو كنتِ هنا، بيننا، لا في البال. أليست كتبكِ ورسومكِ معي، وفي رأسي، وحيث أذهب، وكلّما رغبتُ أنْ أعيش، وأتذكّر، وأنسى، وأنام؟ أيمكنني أنْ أنسى يدكِ على يدي، يومذاك، وعيناكِ عليَّ من علُ، وأنتِ تشدّين حيلي، وتقولين لي بالفرنسيّة، وبنبرةٍ لا تخلو من الشحذ والتحفيز: tu es mon frère سافِري سافِري، يا إيتل، واصعدي إلى جبل العالم، لترَي جيّدًا أحوال هذا العالم العاهر الدنيء. الكتابة من هناك، ستوازي الكتابة من هنا، وستكون مختلفةً أيّما اختلاف. ورسومكِ من هناك، لن تكون أقلّ شأنًا من التي هنا، بل ستكون أكثر قدرةً على التنديد بالبشاعات والوحشيّات والهمجيّات التي كان التنكيل بها شغلكِ الفكريّ الشاغل. يؤلمكِ لبنان، يا إيتل. أعرف أعرف كم يؤلمكِ وجع لبنان. وشقاء العرب. كيف سنداوي وجع لبنان وشقاء العرب؟ كيف كيف، يا إيتل؟ وهؤلاء المسوخ الوحوش الهمج الذين يأكلون الشعوب وهي تتلوّى، بأيّ زلازل وبراكين سنقضّ مضاجعهم؟ يجب أنْ تفكّري معنا، بأيّ حبرٍ سنستطيع أنْ نغيّر هذا العالم، يا إيتل. لن يكون ثمّة بردٌ حيث ستنامين. لن يكون ثمّة شقاءٌ، ولا جوعٌ، ولا ظلم. لكنْ، ماذا سنفعل بكلّ هذا الظلم، هنا، يا إيتل؟ والرغيف، من أين سنأتي به، في زمن قوّادي القمح والماء والطحين؟ والحرّيّة، الحرّيّة، قولي لها، أنْ تشدّ حيلنا، وأنْ تمنعنا من الانهزام. وقولي لها إنّ هؤلاء أخواتي وأخوتي، وهم يستحقّون السؤدد والأمل. إيّاكِ أنْ تنسي الأمل، يا إيتل، فهو رغيفنا الوحيد الذي نحتفظ به لمواجهة الأيّام المقبلة. ما أجمل شعركِ الكونيّ. ما أجمل رسمكِ الكونيّ. ما أجمل فكركِ الكونيّ. أما كنتِ تستحقّين، قبل أن تغادري، نوبل الآداب؟ أو نوبل السلام؟ أو نوبل الأخوّة الإنسانيّة؟ أو نوبل الحبّ والرأفة والحرّيّة؟! صديقتي إيتل، وأختي، بات في مقدوركِ الآن – كما تنبّأتِ في شعركِ – دعوة ظلّكِ لزيارتكِ هذا المساء، بعد أنْ انفصلتِ عن روحكِ العزيزة. أرقدي بسلام فوق جبل العالم. akl.awit@annahar.com.lb 4 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post جهاد الزين : الزيارة المفتاح next post تجارة “السم القاتل” في مصر.. هكذا تخرج الثروة من ذنب العقارب You may also like كيرتس ر. رايان يكتب عن : أزمة الأردن... 25 أبريل، 2025 رضوان السيد يكتب عن: البابا فرنسيس والسلام مع... 25 أبريل، 2025 دلال البزري تكتب عن: الساحل السوري من القهر... 24 أبريل، 2025 حازم صاغية يكتب … عن وحدة المجازر في... 24 أبريل، 2025 دلال البزري تكتب عن: عالم البطء الذي أكتشفه... 23 أبريل، 2025 غسان شربل يكتب عن: رجل لا يتعب من... 22 أبريل، 2025 حازم صاغية يكتب عن: أيّ تسريع لتاريخ المنطقة... 22 أبريل، 2025 كومفورت إيرو تكتب عن : مبررات استراتيجية ترمب... 22 أبريل، 2025 الحرب الأخرى على الفلسطينيين 22 أبريل، 2025 رضوان السيد يكتب عن: ذكريات الحرب وبطولات الأحياء! 19 أبريل، 2025 4 comments big bass splash 21 مارس، 2025 - 12:31 م 245099 548513I must test with you here. Which is not 1 thing I normally do! I enjoy studying a submit that will make people think. Also, thanks for allowing me to comment! 562418 Reply check this site out 1 أبريل، 2025 - 7:20 م 986515 204403Real informative and fantastic anatomical structure of subject material , now thats user pleasant (:. 443393 Reply Diyala University 1st 13 أبريل، 2025 - 12:24 م 615499 837907Some really marvellous function on behalf with the owner of this internet internet site , perfectly fantastic content . 837740 Reply About BAU 13 أبريل، 2025 - 4:19 م 353136 497328Some genuinely nice stuff on this internet site , I it. 757409 Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.