بأقلامهمعربي عبد الرَّحمن بسيسو في أَقْنِعَة كُوْفِيدْ (IX) by admin 1 نوفمبر، 2020 written by admin 1 نوفمبر، 2020 24 (IX) شَمْسٌ، شَجَرةُ حَيَاةٍ، وَشَبِيهُ فَجْرْ بَدَا عَلى خَطِّ الأُفِق الْبَعِيْدِ شَيءٌ يَميْلُ إِلَى بَياضٍ يُشْبِهُ بَيَاضَ الْفَجْرْ: عَيْنَانِ غَائِرَتَانِ تَنْفَتِحَانِ بِعُسْرٍ ضَنُوكٍ، وغَلَاَظَةٍ ضَارِيَةٍ، ويَأْسٍ كَظِيْمٍ؛ إِشْعَاعٌ بُرتُقَالِيٌّ غَامِضٌ يُرَاوِدُ جَبِيْنَ وجْهٍ مَحْجُوبٍ يَتَراءَي، بِغُمُوضٍ خَفِيٍّ، لِعَيْنيَّ؛ وَجْهٍ يَكَادُ لا يَبَيْنُ حَتَّى يَغِيْبَ مُكَابِدَاً، فِي خَفَائِهِ وتَجَلِّيهِ، مَشَقَّاتِ إِخْفَاءِ شَيءٍ يُخْفِيْهْ! وكَانَ ثَمَّة ضَوءٌ حَالكٌ يَتَخَايَلُ فِي عُيُونِ السَّمَاءِ مُتَمَايِلَاً بَيْنَ شَرقٍ وَغَرْبٍ وَشَمَالٍ وَجَنوبْ؛ فَهلْ ثَمَّة مَا يُنْبِئُ بِطُلوعِ شَمْسٍ تَلِدُ فَجْراً تَرْعَاهُ فَيَصِيْرُ نَهَاراً ذَاَ وَهَجٍ، وذَا ضَوءٍ نَاهِرٍ ونُورْ؟! *** هَمَسَ لِسَانُ عَيْنِ رَأْسِيَ الْمقْلُوبِ فِي أُذِنِ عَيْنِ مُخَيَّلَتيَ الطَّلِيْقَة: “ثَمَّةَ شَمْسٍ تَبدو بُرْتُقَالِيَّةَ اللَّونِ هُنَاكَ؛ هُنَاكَ عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ خَلْفَ سَوَادِ السِّيَاج؛ وإنِي لَأبْصِرُهَا، وأَشْتَمُّهَا، وأَسِمَعُ نَوحَهَا والأَنِيْنْ، وأَكادُ أَلْمَسُ، بِأَطَرَافِ أَصَابِعِ حَوَاسِّيَ الرَّائِيَةِ، جُرُوحَهَا، وخُشُوْنَةَ مَلْمَسِهَا، وَلَسْتُ أَجِدُنِي إِلَّا مُتَجَرِّعةً مَعَهَا مُرَارةَ عُصَارَاتِهَا، وَعَلْقَمَ حِكَايَاتِهَا، وبُؤْسِ أَحْوَالِهَا!” Digital painting by nabil elbkaili *** أَومَأَتْ عَينُ مُخَيِّلَتِيَ الطَّليْقَةِ مُجِيْبَةً، بِلِسَانِ صَمْتِهَا، عَيْنَ رَأسِي: قَدْ صَدَقْتِ يَا عَيْنَ الرَّأسِ؛ وكَأَنِّي بِكِ لا تَنْخَدِعِيْنَ، طَالَما أنَّك تُبْصِريْنَ الْحَقِيْقَةَ وتَرَيْنَها، بِكُلِّ حَواسِّكِ وحَدْسِكِ، فِي كُلِّ أَحْوالكِ! وإِنِّى لَأَرَى هَاتِهِ الشَّمْسَ الْمُجَرَّحَةَ الَّتِي تُبْصِرِيْنَ وَهَيَ تَمْخُرُ عَلَى مُتُونِ زَوارِقِهَا والْمَرَاكِبِ عُبَابَاتِ أَنْهُرِي وخُلْجَانِي، فُتُسَيِّلُ مَائِيَ، وتَسَيِّرُنِي، وتَسَيْرُ مَعِي: إِنَّهَا شَمْسٌ بُرْتُقَالِيَّةُ اللَّوْنِ، خَشِنَةُ الْملْمَسِ، مَحْجُوْبَةُ الرَّأْسِ؛ شَمْسٌ تَنْسَلُّ إِشْعَاعَاتُهَا، هَادِئةً، مِنْ وَمْضِ أَصَابِعِ شَجَرَةٍ ولَّادةٍ خَرَجَتْ لِتَوَّهَا، عَارِيَةً، مِنْ شَرِيْعَةِ الْمَاءِ، وشَرَعَتْ شَفَتَاهَا تُرَاودُ عَنْ نَفْسِهَا سَاقَيْهَا، آذِنَةً لِكَفَّيْهَا أْنْ تَشْرَعَا فِي تَعْرِيةِ جَسَدِهَا الْخُلاسِيِّ مِنْ شَفَافَةِ عُرْيٍّ خَفِيِّ يُعَرِّي عُرْيَهَا الْبَادي، فَتُوْرِقُ غُصُونُ شَالَاتِهَا خُيُوطَ نُورٍ فِي رَاحَتَيِّ كَفَّيْهَا المَفْتُوُحَتينَ عَلَى وِسْعِهِمَا مَرْفُوعَتَيْنِ إلَى الْعُلُوِّ الْعَالي، فِيْمَا هِيَ تُلامِسُ، بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ قَدَمَيْهَا اليانِعَتَيْنِ، خَاصِرَةِ النَّهْرِ الْمُمَدَّدِ الْمَصْلُوبِ، وتُرسُلُ أَثِيْرَ صَوتِهَا الْهَامِسَ، حَفيْفَ أَوْرَاقٍ يَانِعَةٍ، نَاعِمَةٍ، ذَاتِ أَرِيْجٍ فَوَّاحٍ يُدَاعِبُ تَغْرِيْدُهُ الشَّجِيُّ رَهَافَةَ أُذُنَيِّ هَذَا الْمُسَجَّى، حَيَّاً مَسْلُوبَ الْحَيَاةِ، عَلَى مِحَفَّةٍ مَوْتْ: هَيْتَ لَكْ! هَيْتَ لَكْ! هَيْتَ لَكْ! هَيْتَ لَكَ، يَا حَبِيبيْ، هَيْتَ لَكْ! هَيْتَ لَكَ أَيُّهَا الذَّاهِلُ عَنْ نَفْسِهِ، وعَنْ أَسْوَائِهِ، وعَنْ جَوْهَرِ حَقِيْقَتهِ، وعَنِّي، هَيْتَ لَكْ! *** هَيْتَ لَكَ، يَا مَاءَ عَيْنِي، ويَا سِرَّ سِرِّي، ويَا أَثِيرَ صَوتِيَ، هَيْتَ لَكْ! كَمْ قُلْتُ فِي قَلْبي، وفِي أُذنيكَ، إنِّي قَدْ تَهَيَّأْتُ، مُذْ خُلِقْتُ، إِليكْ؟! فَعُدْ، مِنْ فَورِكَ، إِلَيْكَ، لِأعُودَ بِكَ، مِنْ فَوري، إلِيَّ، فَنَعُودَ سَويِّةً، ومِنْ فَوْرِنَا، إِلَيْنَا! عُدْ إِلَيْكَ، ولْتَعُدْ، سَائِراً وَسَيَّالاً، إِلَى مَنْبَعِكَ، ونَفْسِكَ، وصَوْبَ عُرُوْقِ مَصَبَّاتِكِ، وصَوبِيْ؛ عُدْ إِلَيْكَ، وخُذْنِيَ، ونَفْسَكَ، ومَنَابِعَكَ، وَمَصَبَّاتِكِ الْعَطْشَى، مِنْ جَدِيدٍ وفِي جَديدٍ، إِلَيْكْ؛ عُدْ إِلَيْكَ وخُذْنَا، في التَّوِّ، إِلَيْكَ، فَأنْتَ مِنَّا وفِيْنَا وإِليْنَا، وكُلُّنَا مِنْكَ وفِيْكَ، ونَحْنُ كُلُّنَا إلَيْكْ؛ عُدْ إِلَيْكَ، وآسْرعِ خَطْوَكَ إلِيْنَا لِيُلَاقيَ خَطْوَنَا اللَّاهِبَ إِلَيْكَ، فَتلْتَحِمُ بِنَا، ونَلْتُحِمُ، كًلُّنَا، بِك؛ عُدْ إِلَيْكَ ودَعْنِي أَتَحسَّسُ فِي نَهِيْرِ مَجْرَاكَ وُجُوْدَكَ فِيَّ، ووُجُوْدِيَ وشَقِيْقَاتِكَ وأَشِقَّائِكَ فِيْكْ! عُدْ إِلَيْكَ وَآجْعَلِ مِنْ قَطْرِكَ فِي حَلْقِيَ شَهْدَاً يَسْري فِيَّ ويَرْتَدُّ إِلَيْكَ شُهُدَاً وبَلْاسِمَ حَيَاةٍ تُحْيِيكْ! *** سَأَلَتْ عَينُ رأْسِيَ مُخَيِّلتي: إِنِّي أُبْصِرُ شَيْئَاً يَخْتَلِجُ مَائِجَاً عَلَى سَطْحِ “الدَّانُوبِ”؛ أَتُبْصِريَنَه؟ ردَّتْ عَيْنُ مُخَيِّلَتي بِحَذَرٍ: إنِّي لَأبْصِرُهُ مَأْخُوذَةً بِهَجْسِ مَا يَمُورُ تَحْتَ سَطْحِ الْجَلِيْدِ، ومَا يَغْلِي؛ عَلَّلتْ عَيْنُ رَأْسي: لَعَلَّ تَغْرِيدَ “شَجَرةِ الْحَيَاةِ” فِي أُذِنَيْهِ أَلْهَبَ تَوْقَهُ إِلَى حَيَاةٍ مُفْعَمَةٍ بالْحَيَاةْ؛ عَلَّقَتْ عَيْنُ مُخَيِّلَتي: لَعَلَّهُ؛ غَيْر أَنِّي أَسْمَع أَزيزَ حَرَاكٍ مَحْمُوْمٍ يَتَصَاعُدُ مِنْ أَحْشَاءِ السِّيَاجِ؛ هَمَسَتْ عَيْنُ رَأْسَي: تَوقَّعْتُ سَمَاعَ شَيءٍ كَهَذَا؛ فَمَا لِوَحُوشِ السِّيَاجِ أَنْ تَأْذَنَ بِسَيْرِ نَهْرِ حَيَاةْ؟! 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post بإخطار من تطبيق.. نائبة رئيس الوزراء الكندي تحجر نفسها next post رحيل هدى النعماني شاعرة التجربة الصوفية الحديثة You may also like ساطع نورالدين يكتب عن: “العدو” الذي خرق حاجز... 24 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: شالوم ظريف والمصالحة 24 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ 24 نوفمبر، 2024 مها يحيى تكتب عن: غداة الحرب على لبنان 24 نوفمبر، 2024 فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: حين ينهار كلّ شيء... 19 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.