الإثنين, ديسمبر 23, 2024
الإثنين, ديسمبر 23, 2024
Home » عبد الرَّحمن بسيسو : قَبْوٌ وَقبَّة (12)

عبد الرَّحمن بسيسو : قَبْوٌ وَقبَّة (12)

by admin

يَقْبَعُ الْعَربُ فِي دَيَامِيْسِ أَقْبِيَةٍ مُعْتِمَةٍ بِلَا قَرارْ، وَعَلى مُثَقَّفِيهِم الْحَقِيقِيِّينَ، الْمنتْتَمِينَ الأَوْفِيَاءْ، وَاجِبُ إخْرَاجِهِمْ مِنْهَا عَبْرَ جَعْلِهَا رِحَابَاً وَضَّاءَةً، وقِبَابَاً مُنِيْرَةً

12

هَيَاكِلُ فَارِغَةٌ
تَبَصُّراتٌ نَقْدِيَّةٌ حَوْلَ سُؤاليِّ التَّخَلُّفِ والنَّهْضَةِ، والتَّشَكُّلَاتِ النُّخْبَويَّة، ومُتَطَلَّبَاتِ الْحَيَاةِ الْحَقَّةِ، وحَاجَاتِ النَّاسْ

12/5

تَرَاكُبِ أقْنِعَةٍ؛ تَعَدُّدُ مَرْجِعِيَّاتٍ؛ واحْتِجَازُ حَيَاةْ

 

ثَمَّةَ حَقِيْقَةٌ قَدْ أَمْعَنَتْ في التَّمّدُدِ والرُّسُوخِ في بِلَادِ العَرْبِ، وبَلَغَتْ فِي تَنَوِيْعِ تَجَلِّيَاتِ الْحُضُورِ، وتَعْدِيدِ مَظَاهِرِ التَّفَاقُمِ والاسْتِشَراءِ، أَقْصَى الأَمْدِيَّةِ والمَرَاتِبِ، وذلكَ إلى حَدٍّ جَعَلهَا تَصْبُغُ شَتِّى مَظَاهِرِ الْحَيَاةِ، وجَمِيعِ مَجَالاتِ الأَنشِطَة المُجتَمعيِّة والْمَعْرِفِيَّة والإِنْسَانِيَّة، بِلَونِ الْعَتَمِ والْهَلاكِ والْمَوتِ، فيْمَا هيَ تَتَجَرَّدُ، تَجَرُّدَاً كُلِّيَّاً، مِنْ أَدْنَى دَرَجَاتِ الالْتِبَاسِ والرَّيْبِ لِتُعَزَّزُ رُسُوخَهَا كَحَقيِقَةٍ يَقِيْنيِّةٍ لَا يَعتُورُهَا ظِلُّ ظِلٍّ مِنْ شَكٍّ، ولا يَعْلَقُ بِثَوْبِهَا الظَّلاميِّ الأَسْودِ فُتَاتُ ارْتِيَابٍ، أَوْ شُبْهَةُ لُبْسٍ!

ومَا هَذِهِ الْحْقِيقَةُ الْواحِدِيَّةُ، الرَّاسِخَةُ في الأَزمِنةِ والأَمْكنةِ والنُّفُوس، إِلَّا حَقِيْقَةُ اسْتشْراءِ الاسْتِبْدَادِ السِّيَاسِيِّ الضَّافِرِ شَتَّى أَنْواعِ الاسْتِبْدادِ وضُرُوبِهِ، والْمُعَزِّزِ نَفْسَهُ بِهَا، والمُعَزَّزِ بِالتَّبَعِيَّةٍ الذَّيْلِيَّةٍ لِقُوَى الْهَيمَنَّةِ الدَّولِيَّةِ، وللِمُسْتَعْمِر الأَجْنَبِيِّ الْغَازِي الَّذي يُوَاصِلُ الْوُجُودَ الْفِعْلِيَّ الْمُبَاشِرَ، والتَّوَسُّعَ، وتَرْسِيخَ الْوُجُودِ، فِي الأعَمِّ الأغْلَبِ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ، وَبَأَشْكَالٍ شَتَّى لَيْسَتْ التَّبَعِيَّةُ السِّياسِيَّةُ والماليَّةُ والاقْتِصَادِيةُ والثَّقَافِيَّةُ الْجَلِيَّةُ، والْجُثُومُ الْجُرثُوميُّ السَّرَطَانيِّ لِلْقَاعِدَةِ الْعَسْكَريَّةِ الاسْتِعْمَارِيَّةِ الضَّخْمَةِ المُسَمَّاةِ “دَولةَ إِسْرائِيلَ” فَوقَ قَلْبِ الْوَطَنِ الْعَربِي “فِلَسْطِينَ”، بِأَقَلِّهَا فَتْكاً وَإهْلَاكاً.

ولا يَنْفَصِلُ إدْراكُ هَذِهِ الْحَقِيِّقةِ الْمُتَشَعِّبَةِ، والَّتي هِيَ الْيَقِينِ الْوْحِيدِ الَّذي ينَخَرُ إِسْرَافُهُ في الْوُجُودِ، زَمَاناً وَمَكاناً، نُفُوسَ النَّاسِ إِذْ يُسَوِّدُ عَيْشَهُم، ويُثْقِلُ كَواهِلَهُم، ويَغُمُّ عَلَى قُلُوبَهُم، ويَشَجُّ رُؤُوسَهُم، ويَشْرَعُ، مُذْ صَرْخَةِ الْمِيلادِ الأوَّلى حَتَّى شَهْقَةِ الْموتِ الأَخَيْرَةِ، في شَدْخِ أَرْواحَهَم وإِمَاتَتِهَا، لا يَنْفَصِلُ، بَتَاتَاً، عَنْ إدْراكِ حَقِيْقةٍ مُلَازِمَةٍ أُخْرى تَقُولُ إنَّ هَذَا الاستبدادِ لَمْ يَكُفَّ عَنِ الإِمْعَانِ، عبْرَ طُرقٍ ودُرُوبٍ وَوَسَائِلَ وَأَسَالِيْبَ وآلِيَّاتٍ شَتَّى، في تَكُريسِ جُثُومِهِ الظَّلاميِّ الْخَانِقِ، وفِي مُتَابَعةِ سَعْيِهِ الْمَحْمُومِ نَحْوَ تَأْبيدِ وُجُودِهِ المُهلكِ للأَوْطَانِ: أُرُوْضَاً، وشُعُوباً، وحَيَواتِ مُواطِنينَ حَقِيْقيِّنَ أحْرَارٍ فِي وَطَنٍ حَقِيْقيٍّ حُرٍّ، والْمُغْلِقِ أَبْوابَ أيِّ مُسْتَقبَلٍ مُنِيرٍ مُمْكنٍ، والسَّالِبِ مِنْ ضَمَائِرِ النَّاسِ، ومِنْ أَيَادِيْهِم، مُمْكِنَاتِ إِقْدَامِهِم عَلَى السَّعْيِّ لإدْراكِ وُجُودٍ حَقِيْقِيٍّ لأنْفُسِهم، ولأوطَانِهِم، فِي الْوُجُودِ!

· تَمَكَّنَ الاسْتِبْدادُ الْكُلِّيُّ الْمُتَشَعِّبُ في بِلادِ الْعَرَبِ مِنْ تَكَرْيْسِ وُجُودِ حَقِيْقَةٍ تُلَازِمُ بَقَاءَهُ إذْ تُسْتَنْبَطُ دَائِمَاً مِنْهُ أو تَنْجُمُ، بِجلاءٍ سَاطِعٍ، عَنهُ، لِتَتَجَسَّدُ فِي اسْتِحَالَةِ إِقْدَامِ الأَنْظِمَةِ الاسْتِبْداديَّةِ الْحَاكِمَةِ عَلَى تَبَنِّي مَشْرُوِعٍ نَهْضَويٍّ حَقِيْقيٍّ، أَوْ حَتَّى مَشَارِيعَ تَنْمْوَيَّةٍ صَغِيرَةٍ، تَسْتَجيبُ للِحَاجَاتٍ الضَّروريَّة لِحَيَاةِ عَامَّةِ النَّاسِ!

وإلَى ذَلِكَ، تَمَكَّنَ هَذَا الاسْتِبْدادُ الْكُلِّيُّ الْمُتَشَعِّبُ مِنْ تَكَرْيْسِ وُجُودِ حَقِيْقَةٍ تُلَازِمُ بَقَاءَهُ إذْ تُسْتَنْبَطُ دَائِمَاً مِنْهُ أو تَنْجُمُ، بِجلاءٍ سَاطِعٍ، عَنْهُ، لِتَتَجَسَّدُ، عَبْرَ اسْتِقْراءِ واقِعِ الْحَالِ وإِعْمَالِ آلِيَّات الاستنباطِ التَّبَصُّرِيِّ، الْمنْطِقيِّ الْعَقْليِّ، فِي خُلاصَةٍ تُؤكِّدُ اسْتِحَالَةِ إِقْدَامِ الأَنْظِمَةِ الاسْتِبْداديَّةِ الْحَاكِمَةِ: السِّيَاسيَّةِ الْقَبَائِلِيَّةِ، أَوْ الْعَسْكَريَّةِ، أَوْ الدِّيْنِيَّة، أَو الثَّقَافِيَّة، أَو غَيْرِهَا مِنْ الأَنْظِمةِ الْمَوشُوْمَةً بالنُّخْبَوِيَّة الْمُتَعَالِيَّةِ، والْجَشَعِ، والاسْتِغْلالِ، والاسْتِحْواذِ الاسْتِئْثَاريِّ، والتَّخَلُّفِ والظَّلامِيَّةِ، والَّتِي لَا تَزَالُ تَحْكُمُ بِلَادَ الْعَربِ وأَهْلِ بِلَادِ الْعَرَبِ، في شَتَّى أَقْطَارِ انْفِصَالِهَا، وانْفِصَالِهِم، الْمَفْتُوحَينِ عَلَى مَزِيدٍ مِنَ التَّفَتُّتِ والتَّشَظِّي، عَلَى تَبَنِّي مَشْرُوِعٍ نَهْضَويٍّ حَقِيْقيٍّ، كَبيرٍ وشَامِلٍ وجَامِعٍ ومُتَكَاملْ، أَوْ حَتَّى مَشَارِيعَ تَنْمْوَيَّةٍ صَغِيرَةٍ، جُزْئِيَّةٍ ومُنْفَصِلةٍ، تَسْتَجيبُ، وإِنْ عَلَى نَحْوٍ مُقَتِّرٍ، وَشَحِيْحٍ، للِحَاجَاتٍ الضَّروريَّة لِحَيَاةِ عَامَّةِ النَّاسِ!

ولَئِنْ كانتْ أَنْظِمَةُ الاسْتِغْلَالِ والاسْتِبْدَادِ الَّتي يَتَلَازَمُ جَشَعُهَا الاسْتِحْواذِيُّ الْعُنْفيُّ معْ بُخْلٍ، وَشُحٍّ، وتَقْتِيرٍ بالِغِ الْبُخْسِ والإدْقَاعِ، إزَاءَ تَلْبيَةِ حَاجَاتِ الْحَيَاةِ الْجَمْعِيَّة التَّكَافُلِيَّةِ والْعَيْشِ الإنْسَانيِّ الْكَريم لِعَامَّة النَّاسِ، وإزَاءَ تَوفيرِ مُتَطلَّباتِ بِنَاءِ الْمُجْتَمَعَاتِ والأَوْطَانِ والدِّوَلِ؛ لَئِنْ كَانتْ هَذِهِ الأَنْظِمَةُ قَدْ دَأَبَتْ، ولَمْ تَزَلْ تَدْأَبُ، عَلَى تَغْطِيةِ قُصُورِهَا وتَقَاعُسِهَا الْمَقْصُودَيْنِ عَنْ تلبيةِ حَاجَاتِ الحيَاةِ ومُتَطَلَّباتِ عيشِ النَّاسِ، بِإطْلاقِ فَقَاقيِعِ خِدْمَةِ هَذِه الْحَاجَاتِ والمُتَطَلِّبَاتِ خِدْمَةً لَفْظيَّةً صُوْرِيَّةٍ، بَلاغِيَّةً، ومُخَادِعَةً فِي كُلِّ حَالٍ، أَيْ خِدْمَةً تُطْلِقُ الْوُعُودَ وَتُرَاكِمُهَا بِسَخَاءٍ لافِتٍ، ثُمَّ تَسْتَعينُ بالآيديُولُوجْيَا السَّوداءِ الْقَائِمةِ على تَعْميمِ الْجَهْلِ، وَتَزْييفِ الْوَعْيِ لِتَبْريرِ عَجْزِهَا عَنْ الْوفاءِ بِها أو التَّنَكُّرِ لَها، فِإِنَّها قَدْ دَأَبَتْ أَيْضَاً، سَواءٌ في هَذَا الْمَسَارِ أَو في أيِّ مَسَارٍ سِواهُ، عَلَى تَبْدِيلِ الْأَقْنِعَةِ، وعَلى تَنْوِيْعِ الْمرْجِعِيَّاتِ الدِّينيَّة الْمُقَدَّسَةِ، والآيديُولُوجِيَّة الْمُغْلَقَة، وتَعْدِيْدِهَا وتَغْطِيَتِهَا بِأَقنِعَةٍ مُتَراكِبَةٍ، لِتُوْهِمَ جُهَلاءَ النَّاسِ، بِالصَّوتِ والصُّورةِ، وباسْمِ الْجَليلِ والْمُقدَّسِ وصَلابَةِ الإرادةِ واسْتِجَابَةِ الْقَدَرِ، أَنَّهَا قَدْ نَفَّذَتْ وُعُودَهَا غَيْرَ أنَّ النَّاسَ لا يُبْصِرونَ تَحَقُّقَهَا لَخَفَشٍ مُزْمَنٍ أعْمَى أبْصَارَهُم وأَضَلَّ بَصَائِرَهُم، فِيْمَا هِيَ، فِي حَقِيْقَةِ الأَمرِ المُتَعَيَّنةِ فِي الْواقِعِ الفِعْليِّ، قَدْ تَقَنَّعَتْ بِتِلْكَ الْوُعُودِ السَّخِيَّةِ لِتُنَفِّذَ نَقَائِضَهَا الْفَادِحَةَ الْمسْكُونَةَ بِدَنَاءةِ الأَنَانِيَّةِ القُصْوَى، وبالْجَشَعِ الاسْتِحْواذِيِّ الْكُلِّيِّ!

·  دأَبَتْ أَنْظِمَةُ الاسْتِبْدَادِ عَلَى تَبْدِيلِ الْأَقْنِعَةِ وتَنْوِيْعِ الْمرْجِعِيَّاتِ الدِّينيَّة والآيديُولُوجِيَّة الْمُقَدَّسَةِ، لِتُوْهِمَ جُهَلاءَ النَّاسِ، بِالصَّوتِ والصُّورةِ، أَنَّهَا قَدْ نَفَّذَتْ وُعُودَهَا، فِيْمَا هِيَ، فِي حَقِيْقَةِ الأَمرِ المُتَعَيَّنةِ فِي الْواقِعِ الفِعْليِّ، قَدْ تَقَنَّعَتْ بِتِلْكَ الْوُعُودِ السَّخِيَّةِ لِتُنَفِّذَ نَقَائِضَهَا الْفَادِحَةَ الْمسْكُونَةَ بالأَنَانِيَّةِ الدَّنيئةِ القُصْوَى، وبالجَشَعِ الاسْتِحْواذِيِّ الْكُلِّيِّ!

وتَأْسِيْسَاً عَلَى مَا قَدْ أَسَّسَ لَهُ هَذَا الاسْتِبْدادُ الْبَهِيمُ، أو مَا قَدْ نَجَمَ عَنْهُ، أَو أَفْضِي إِليهِ مِنْ مُعطياتٍ وحَقَائقَ وخُلاصَاتٍ، وبالرَّغِمِ مِنَ كَثَافَةِ الرِّطَانَةِ الآيديُولُوجِيَّةِ المُضَلِّلَةِ وتَعَدُّدِ قَنَواتِ بَثِّهَا الْمُرَاوِغَةِ الْحَاجِبَةِ، فَإنَّ أُذُنَاً تَسْمَعُ وتُحْسِنُ الإِصْغَاءَ لِتُفَكِّرَ، وعَيْناً تُبْصِرُ وتُحْسِنُ التَّبَصُّرَ لِتَرَى، لَا تَسِتَطيعُ أَنْ تَخْلُصَ عُقْبَ سَمَاعِها وإبْصَارِهَا ما تَبُثُّهُ حَمَلاتُ التَّرْويج السُّلْطَويِّ، الْمَسْمُوعِ والمرْئيِّ، إِلَى شَيءٍ سِوى أَنَّ السَّلْطَةَ الْمُسْتَبِدَّة تُخَادِعُ وتَكْذِبُ، وتُضَلِّلُ وتُوْهِمْ، وأَنْ لَيسَ لِمَرايَا تَصَوُّرِهَا الْبَلاغيِّ التَّلَفُّظيِّ الرِّطَانيِّ والتَّصْوِيريِّ الْمُفَبْرَكِ، مَهْمَا بلَغَ إتْقَانُ صَقْلِهَا وإِحْكَامُ صَوْغِ، وإنْتَاجِ وإخْرَاجِ، مَا سيَنْعَكِسُ عَلَيْهَا لِتَبُثَّهُ في النَّاسِ مِنْ أَقْوالٍ وصِوَر، أَنْ تَعْكِسَ، في الْعُمقِ المُتَوَارِي خَلْفَ الصِّيَاغَاتِ اللَّفْظيِّةِ المُحْكَمَةِ والتَّكْوِيْنَاتِ الصُّوَرِيَّة المُبْهِرَة، شَيْئَاً سِوىَ تَصَوُّرِهَا الزَّائِفَ لِفِكْرَتيِّ النَّهْضَةِ الإنْسَانيَّةِ والتَّنْمِيَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَسِوَى إيْغَالِهَا فِي تَبْديلِ الأَقْنِعَةِ بِمَا يَسْتَجِيْبُ لِحَاجَاتِ دَأَبِهَا الاسْتِغْلَاليِّ الاسْتِبْدَادِيِّ الْمَحْمُومِ عَلَى تحْقِيقِ مَصَالِحِهَا الْأَنَانِيَّةِ الاسْتِخْوَاذِيَّة الرَّخِيْصَةِ، والْمَشْرُوطَةِ، أَصْلَاً ودَائِمَاً، بِبَقَاءِ حَالِ الانْفِصَالِ والتَّفَتُّتِ والتَّشَظِّي وَاقِعَاً رَاسِخَاً وَمُكَرَّسَاً في بِلادِ الْعَرَبِ، وبالْمُحَافَظَةِ الدَّائِمَةِ، والْمَحْمُومَةِ، عَلَى هَذَا الْواقِعِ عَبْرَ تَرْسِيْخِ فَاعِلِيَّةِ الشُّرُوطِ الاسْتِبْدَادِيَّة الضَّارِيَةِ الَّتي حَكَمَتْهُ فِي الْماضِي، والَّتي لَمْ تَزَلْ تَحْكُمُهُ فِي الْحَاضِرِ، والَّتِي تَكْفُلُ، وَحْدَهَا دُونَ سِوَاهَا، تَرْسِيْخَ وُجُودِهِ في المُسْتَقْبَلِ، فِيْمَا هِيَ تُعَزِّزُ السَّعْيَ اللَّاهِبَ مِنْ قِبَلِهَا إِلى تَأْبِيْدِهِ إِذْ تَظُنُّ، عَنْ يَقِينٍ صَارَ راسِخَاً لَدَيْهَا، أَنَّهُ هُوَ الْوَاقِعُ الَّذِي يَتَكَفَّلُ، بِالضَّرورةِ، بِتَرْسِيخِ وُجُودِهَا كَسُلْطَةٍ اسْتْغْلَالِيَّة اسْتِبْدَادِيَّةٍ حَاكِمَةٍ عَلَى نَحوٍ يُؤمِّنُ بَقَاءَهَا الرَّاهِنَ، ويَعِدُهَا، عَنْ أَمَلٍ رَغْبَويٍّ يُنْكِرُ الصَّيرُورةَ، وفِعْلٍ سُلْطَويٍّ قَمْعِيٍّ يَحْجِبُ الْحَيَاةَ عَنِ الآخَرينَ مِنَ الْبَشَرِ، ويَحْتَجِزُ مُمْكِنَاتِ التَّحَوُّلِ الْمُجَرَّدةِ والْقَابِلَةِ للِتَّحَوِّل إلى مُمْكنَاتٍ فِعْليَّةٍ تَمُورُ في أَغْوَارِ الْواقِعِ الْقَائِمِ بِقَدْر مَوَرَانِهَا في أَعْمَاقِ الْوَاعِينِ بِهِ مِنَ أَحْرارِ النَّاسِ، بِالبَقَاءِ قَيْدَ الْوُجُودِ إِلَى أَبَدٍ هُوَ الْأَبَدُ الأبَديُّ مَنْظُوراً، أَوْ غَيرَ مَنْظُورٍ!

· السَّلْطَةَ الْمُسْتَبِدَّة تُخَادِعُ وتَكْذِبُ، وتُضَلِّلُ وتُوْهِمْ، ولَيسَ لِمَرايَا تَصَوُّرِهَا الْبَلاغيِّ التَّلَفُّظيِّ الرِّطَانيِّ والتَّصْوِيريِّ الْمُفَبْرَكِ أَنْ تَعْكِسَ شَيْئَاً سِوىَ تَصَوُّرِهَا الزَّائِفَ لِفِكْرَتَيِّ النَّهْضَةِ الإنْسَانيَّةِ، والتَّنْمِيَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَسِوَى إيْغَالِهَا فِي تَبْديلِ الأَقْنِعَةِ الآيدْيُولُوجِيَّةِ بِمَا يَسْتَجِيْبُ لِحَاجَاتِ دَأَبِهَا الاسْتِغْلَاليِّ الاسْتِبْدَادِيِّ الْمَحْمُومِ عَلَى تحْقِيقِ مَصَالِحِهَا الْأَنَانِيَّةِ الاسْتِخْوَاذِيَّة الرَّخِيْصَةِ.

ولقد أَفْضَتْ حَقِيقةُ الاستبْدادِ الْكُلِّيِّ المُكَرَّسةُ في واقِع الْعَربِ في شَتَّى بِلادِ الْعَرَبِ، ضِمْنَ مَا أَفْضَتْ إِلَيهِ مِنْ كَوارثَ حَضاريَّةٍ وعَقَابِيلَ وُجُوديَّةِ، إلى إمْعَانِ السُّلُطَاتِ الْحَاكِمَة في مُتَابَعَةِ الإِبْقَاءِ التَكَلُّسيِّ على التَّشَكُّلَاتِ الْهَيْكَلِيَّةِ النُّخْبَوِيَّة العُصْبَويَّة والْقَبَلِيَّة والطَّائِفِيَّةِ والدِّيْنِيَّة والثَّقافِيَّة الْقَدِيْمَةِ، تِلكَ الَّتِي انتجتها قرونٌ مديدةٌ مِنَ احتجازِ التَّطوُّرِ الإنْسَانيِّ الْحَضَاريِّ والارْتِقَاءِ الطَّبِيْعِيِّ، مُذْ لَحْظَة السُّقُوط الحَضَاريِّ الْقَدِيمِ عَلَى يَدِ الْمَغُولِ الغَابرينَ، وعَلَى مَدَى صَدْمَتَيِّ الحَدَاثَةِ الأُولى، والثَّانيِة، وطَوال سِنِيِّ الاستعمار الأَجْنبيِّ المُبَاشِرِ وغَيْرِ الْمُبَاشرِ، وفي زَمَنِ العَولَمَةِ الاسْتِعْمَاريَّةِ الصُّهْيُوأَمْرِيْكِيَّةِ الْجَديدةِ، المُجَرَّدةِ تَمَاماً مِنَ الْفِكْرةِ الإنسانِيَّةِ، وذلك بِقَدْر ما أَفْضَتْ إلى تَرسِيخِ وُجُودِ هَذِهِ التَّشَكُّلاتِ النُّخْبَوِيَّةِ الْمُفَرَّغَة مِنْ أَيِّ مَضْمُونٍ وطَنيٍّ، أَوْ حَضَاريٍّ، أَوْ دِيْمُوقْرَاطِيٍّ أَوْ نَهْضَويِّ، أَوْ إنْسَانِيٍّ، نَاهِيكَ عَنْ تَأْكِيدِ فَاعِلِيَّتِهَا النُّكُوصِيَّة وتَعْزِيزِهَا عَبْرَ تَوسِيعِ نِطَاقَاتِ دَوْرِهَا، والاسْتِمْرَارِ فِي تَوظِيْفِهَا على نَحْوٍ مَحْمُومٍ، مِنْ قِبَلِ أَنْظِمَة الاسْتِبْدَادِ الَّتي شكَّلَتْهَا نُخَبٌ سِيَاسِيَّةٌ مُتَخَلِّفَةٌ أَو مُصْطَنَعَةٌ، وتَابِعَةٌ، في كُلِّ حَالٍ، للِغَريبِ المُستَعْمِرِ، ومُسْتَبِدَّةٌ، وذَلِكَ عَلَى تَعدُّد أَقْنِعَتِهَا الآيدْيُولُوجِيَّةِ، وتَغَايُرِ مرجِعِيَّاِتَها الْفِكْريَّةِ والثَّقافيَّةِ والاجْتِمَاعِيَّةِ والسِّياسيَّةٍ والدِّيْنِيَّة، الَّتي تَبَايَنَت وتَبَدَّلتْ وتَنَاقَضَتْ، وَلَكِنَّها ظَلَّتْ تَتَرَاكبُ، مُتَضَافِرَةً، لِتُعزَّزَ سَعْيِّ نُخْبَةِ كُلِّ نِظَامٍ مِنْ تِلْكَ الأنْظِمَةِ الْمسْتَبِدَّةِ الْحَاكِمَةِ إِلَى تَأْبِيْدِ حُكْمِهَا عَبْرَ تَعْمِيقِ الاسْتِبْدادِ والطُّغْيَانِ وتَوْسِيِع نِطَاقَاتِهِمَا وتَنْويعِ تَمَظْهُراتِهِمَا الْمُهْلِكَةِ، وإلْغَاءِ وُجُودِ عَامَّةِ النَّاسِ، أَوْ اعْتِبَارِهِمْ، فِي أَحْسَنِ الْأَحْوالِ، مَحْضَ أشياءٍ وحالاتٍ وأَتْبَاعٍ، أَوْ عَبِيدٍ مَمْلُوكِينَ، أَوْ رعَايا قَاصِرين، أَوْ في أَحْسَنِ أَحْسِنِ الأَحْوَال بَشَرَاً لِمْ يَتأهَّلُوا، بَعْدُ، لِأَنْ يَحوزا قَدْراً مِنْ إنسانيَّةٍ تُؤَهِّلُهُم لِأَنْ يكونُوا، ذّاتَ يَومٍ، كُرَمَاءَ أَحْراراً، ولِذَا هُمْ، بِرَغْبَةِ السُّلُطاتِ الْمَعْصُومَةِ الَّتِي تَحْكُمُهُم وبإرادةِ وعْيِهِمِ الْغَيبيِّ الزَّائِفِ، بَشَرٌ مُؤَجَّلُو الْوجُودِ كَبَشَرٍ، أَوْ بَشَرٌ يَفْتَقِرونَ مُمْكِنَاتِ السَّعْيِّ لإدراكِ وُجودٍ إِنْسَانيٍّ حَقِيْقيٍّ لأنْفُسِهِمْ فِي أَيِّ مَدارٍ، أوْ فَضَاءٍ، مِنْ مَدَاراتِ الْحَيَاةِ، وفَضَاءَاتِ الْوُجُودِ!

 

 

 

 

 

You may also like

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00