الخميس, مايو 15, 2025
الخميس, مايو 15, 2025
Home » عبد الرزاق قرنح في الحب والخيانة والهجران

عبد الرزاق قرنح في الحب والخيانة والهجران

by admin

 

روايته الجديدة تعري سلبيات ازدهار السياحة في زنجبار

المجلة / أنطوان جوكي

حين نال الكاتب التنزاني عبد الرزاق قرنح جائزة “نوبل” للآداب عام 2021، بررت لجنة هذه الجائزة تتويجها إياه بما أبداه في رواياته من “استبصار خال من أي مساومة لآثار الاستعمار، ومن تعاطف مع قدر اللاجئين”. نقطتان لا عجب في تألق هذا الروائي التنزاني (من أصول يمنية) فيهما، وهو الذي اختبر شخصيا تداعيات الاستعمار الألماني، ثم البريطاني، لجزيرة زنجبار، حيث ولد ونشأ، ومحنة اللجوء، بعد اضطراره إلى الفرار من وطنه إلى بريطانيا عام 1968، إثر الثورة التي اشتعلت فيه.

بساط سحري

لكن هذا الاختبار المزدوج، على أهميته، لا يفسر وحده كيف تمكن ابن بلد مهمش لا يكترث أحد إلى قدره وقدر أبنائه، من حصد أعرق جائزة أدبية. التفسير يكمن خصوصا داخل روايات قرنح بالذات، وتحديدا في نثره البلوري الذي يشكل، في انعدام أي حذلقة أو تكلف فيه، خير ركيزة لموهبته السردية النادرة التي يحمل بواسطتها قارئه من بداية كل واحدة من رواياته إلى خاتمتها، كما على بساط سحري.

لمن لم يقرأ بعد هذا الكاتب، نشير بداية إلى أنه يصور غالبا في رواياته أشخاصا يغادرون مكرهين عالمهم المألوف ويصلون “إلى أماكن غريبة، حاملين معهم سديم متاعهم، وطموحات سرية ملتبسة”، كما تقول واحدة من شخصيات روايته “على شاطئ البحر” (2021). في روايته الجديدة “سرقة”، التي صدرت حديثا في لندن عن دار “بلومزبيري”، وفي نيويورك عن دار “بنغوين راندوم هاوس”، يتابع قرنح استكشاف موضوعي المنفى والعزلة والملازمة له، لكنه يتأمل خصوصا في موضوعات الحب والصداقة والخيانة والهجران، كاشفا في طريقه النتائج الوخيمة لازدهار السياحة في وطنه منذ تسعينات القرن الماضي.

لإنجاز ذلك، يستعين بشخصيات رئيسة ثلاث – كريم، بدر، فوزية – نتابع مسيرتها من سن الطفولة إلى سن الرشد، ونستشف بسرعة قاسما مشتركا لديها، على الرغم من انتمائها إلى عوالم مختلفة: شعورها، بطريقة أو بأخرى، بأنها غير مرغوبة من والديها. قصة كريم تبدأ في جزيرة زنجبار مع أمه رايا، حين يعمد والدها إلى تزويجها باكرا من رجل أربعيني لا يلبث أن يجبرها كل ليلة على الاستسلام لرغباته، من دون أي مراعاة لمشاعرها. رجل “لطيف مع الآخرين، كان يحتفظ بقسوته لزوجته، ويستمتع في ذلك”.

يتابع قرنح استكشاف موضوعي المنفى والعزلة والملازمة له، لكنه يتأمل خصوصا في موضوعات الحب والصداقة والخيانة والهجران

لا عجب إذن في فرار رايا من داره، مع طفلها كريم، وعودتها إلى منزل والديها، قبل أن تنقل إلى مدينة دار السلام، حيث تتزوج من شخص آخر، تاركة طفلها في رعاية أمها. هجران يجعل كريم يقطع وعدا لنفسه، منذ نعومة أظفاره، بأنه “سيتصرف بطريقة مختلفة حين يصبح أبا، هذا أكيد. سيفعل ما يلزم كي يعرف طفله أنه مرغوب فيه”.

مع تقدم كريم في السن، تتعزز ثقته بنفسه، ويجذب انتباه الآخرين بوسامته وذكائه، ومن بينهم شقيقه من والده، علي، الذي يأخذه في رعايته حين تتوفى جدته، ويشجعه على الالتحاق بالجامعة في دار السلام، مما يسمح له بإعادة إحياء علاقته بأمه، وبالإقامة معها ومع زوجها الثري، حجي عثمان. لكن بعد إكمال دراسته، يعود إلى زنجبار لتولي منصب رسمي في مجال التنمية، فيلتقي بفوزية التي، بعدما كانت طفلة هشة ومصابة بالصرع، باتت شابة جميلة ومثقفة تستعد لمزاولة التعليم، فيقع الاثنان في حب أحدهما للآخر.

ألم الهجران

من جهته، كان بدر في سن الـ 13 حين أخرجه والداه بالتبني من المدرسة وأرسلاه للعمل خادما في دار رايا وحجي عثمان. ومع أن سلوك هذين الوالدين وأولادهما أشعره باكرا بأنه ليس واحدا منهم، إلا أن ذلك لن يحول دون تألمه طويلا من هذا الهجران، قبل أن يتكيف تدريجيا في حياته الجديدة بفضل لطف رايا وحجي وكريم معه، وعلى الرغم من العداء الذي يبديه والد حجي العجوز تجاهه. عداء يشعر بدر أن المستهدف مباشرة منه ليس هو، بل والده الحقيقي، “مثير المشاكل المزمن”، كما وصفته غالبا أمامه أمه بالتبني وهو صغير.

غلاف رواية “سرقة”

 

الحقيقة حول هذا الوالد وعلاقته بعائلة عثمان، لن نكتشفها مع بدر إلا بعد سنوات عدة، حين يتهمه هذا العجوز جورا بالسرقة. اكتشاف يؤكد شكوك هذا الفتى في أن “ثمة شيئا مهينا في وضعه”، لكنه لا يزعزع توازنه لأن كريم، الذي بات متزوجا من فوزية، يدعوه إلى بدء حياة جديدة معهما في زنجبار، فيستضيفه في داره ويجد له وظيفة في فندق تم تحويله إلى قصر عماني (كما حصل لكثير من الفنادق خلال الطفرة السياحية بعد الاستقلال). لفتة تجعل بدر، الذي كان يبجل كريم أصلا، يشعر بأنه مدين له بحياته.

“سرقة” تشكل امتدادا لهذه الروايات، لكن موضوع الدين الذي تتقاسمه معها يسمح فيها بتأملات أوسع، في الضيافة والاستقلالية والعبودية، وأيضا في الفارق الدقيق بين الواجب والكرم

الدين، باعتباره عبئا ماليا حقيقيا وعهدا رمزيا برابط عميق، هو موضوع متواتر في أعمال قرنح. ففي روايته الأولى “ذاكرة رحيل” (1987)، يجد بطلها الفقير حسن عمر نفسه مدعوا للعيش في دار خاله الثري بفضل ميراث من شقيقته، أم حسن. وفي رواية “على الشاطئ”، نتعرف إلى مهاجرين من زنجبار يجدان نفسيهما في منتجع سياحي إنكليزي بعد سنوات من تملك واحد منهما منزل الآخر العائلي بسبب عدم تمكن هذا الأخير من سداد قرض. وفي رواية “فردوس” (1994)، التي رشحت لجائزة “بوكر” البريطانية، تنتظرنا قصة فتى يسعى في مطلع القرن العشرين إلى استعادة حريته، بعدما رهنه والداه لتاجر عاج.

امتداد

“سرقة” تشكل امتدادا لهذه الروايات، لكن موضوع الدين الذي تتقاسمه معها يسمح فيها بتأملات أوسع، في الضيافة والاستقلالية والعبودية، وأيضا في الفارق الدقيق بين الواجب والكرم. في هذا السياق، يرى قرنح أن ثمة سجلا مضمرا يملأه كل منا عن الآخر، أثناء علاقتنا به، وهو الذي يحيي هذه العلاقة ويحددها. حقيقة تتجلى في علاقة كريم ببدر، التي تبدأ باهتمام مؤثر، ثم تتحول شيئا فشيئا إلى هيمنة، قبل أن تفضي إلى مطالبة بالامتنان والاحترام، وفي النهاية، بالخضوع والصمت، من منطلق اقتناع كريم بأن بدر، من دون مساعدته، “كان سينتهي به الأمر إلى العيش في الشوارع مثل الأشقياء”.

من هنا جاذبية الجزء الأخير من الرواية الذي نرى فيه كيف تتضرر صداقة كريم ببدر بسبب سلوكه السلبي تجاهه، وكيف تتعقد علاقته بزوجته فوزية بسبب الطفل الصعب الذي سينجبه منها، وأيضا بسبب تسلطه المتنامي عليها. جزء تنكشف فيه أيضا التحولات الجذرية التي خضعت جزيرة زنجبار لها، بعد تخفيف قوانين التبادل فيها، كانتشار الفنادق على طول ساحلها، وتحول منازل السلاطين العمانيين السابقة إلى صروح تراثية، ومعها المباني الهندية التي هجرها أصحابها بعد الاستقلال، ووقوع الأبنية القديمة في يد مستثمرين أجانب حولوها إلى حاضنة لكل معالم الترف الشرقي.

Tolga Akmen / AFP / الكاتب عبد الرزاق قرنح

 

نشاهد أيضا في هذا الجزء، السياح الأوروبيين الذين “يسعون داخل الجزيرة خلف ملذاتهم بحدة متهجمة”، من دون أي احترام لأبنائها، ومعهم عمال الإغاثة الذين يلتقي بدر بهم في مكان عمله، والذين يقطعون مسافات طويلة للقدوم إلى زنجبار و”عمل الخير” فيها، حاملين معهم تلطفهم، “مزاجا سيئا للغاية”، وروحا مغامرة تفتقر إلى الحد الأدنى من الإنسانية. في هذا السياق، يسمح الربط الحاذق في هذا الجزء بين أفعال هؤلاء، ومشاريع المستعمرين السابقين، بكشف الأضرار الناتجة من الطرفين، والمسكوت عنها بعذر “حسن النية”.

إحسان مسموم

المثال الأقوى على هذا “الإحسان المسموم” في الرواية هو جيرالدين، المتطوعة البريطانية ومهندسة البرمجيات التي تنزل في فندق بدر، ولا تلبث أن ترتبط بعلاقة غرامية مع كريم، غير عابئة بكونه متأهلا، مما يجعل بدر يتساءل: “هل لأنها امرأة جميلة تفرض قواعدها الخاصة، متجاهلة مسؤولياتها وواجباتها؟ أم لأنها، لدى وصولها إلى مكان مثل هذه الجزيرة، شعرت بأنها تملك الحق في تمتيع نفسها؟”.

أكثر ما يفتن في هذه الرواية هو تلك الأشياء التي تبقى مضمرة، وتتطلب بالتالي جهدا منا كي نراها أو نستنتجها، وفي مقدمها مسألة سمات الإنسان الحقيقي، بغض النظر عن ظروف حياته

الجواب نتلقاه على لسان والدة فوزية، خديجة، التي رأت من أمثال جيرالدين ما يكفي لتدرك أن “نياتهم نادرا ما تكون صافية”، وحين تصحح لها ابنتها بقولها إن عشيقة زوجها “ليست سائحة، بل متطوعة”، تجيبها ببصيرة: “ما الفرق؟”. خديجة التي يقف الكاتب من دون شك خلفها حين تقول أيضا: “يأتون إلى هنا بقذاراتهم وأموالهم، يتدخلون في شؤوننا ويدمرون حياتنا من أجل متعتهم، ويبدو أننا عاجزون عن مقاومة ثرائهم وأخلاقهم الدنيئة. كنا نعرف شيئا عن الحياة لم نعد نعرفه. لقد أصبحنا بلا حياء من تلقاء أنفسنا”.

مقارنة برواية قرنح السابقة، “الآخرة” (2020)، التي يصور فيها جروح الاستعمار والحرب على عدة أجيال في تنزانيا، متأملا في ما تبقى بعد كل هذا الخراب، تبدو “سرقة” أكثر تواضعا وحميمية في قصتها، وأكثر بساطة في أجوائها. لكن ذلك لا يمنعه من خط بورتريه دقيق فيها لوطنه خلال تلك المرحلة الانتقالية من تاريخه التي انتقل فيها من ساحة تقاتل بالوكالة خلال الحرب الباردة إلى ملعب للاقتصاد الخدماتي، وتحديدا لأثرياء أجانب قلبوا بنزواتهم حياة أبنائه رأسا على عقب.

Jonathan NACKSTRAND / AFP / كتب الكاتب التنزاني الأصل عبد الرزاق قرنح معروضة في الأكاديمية السويدية في ستوكهولم

 

لكن أكثر ما يفتن في هذه الرواية هو تلك الأشياء التي تبقى مضمرة، وتتطلب بالتالي جهدا منا كي نراها أو نستنتجها، وفي مقدمها مسألة سمات الإنسان الحقيقي، بغض النظر عن ظروف حياته، التي تتجلى من خلال مقابلة كامنة بين قدر كريم وقدر بدر. فمع أن الاثنين اختبرا الهجران في طفولتهما، إلا أن كريم، الذي سيبتسم كل شيء له، يصبح شخصية عصبية، عنيفة ومساومة أخلاقيا، حين يبلغ سن الرشد، بينما يتحول بدر، على الرغم من عيشه عبودية حقيقية، إلى كائن متنبه، مخلص، وغير انتقامي على الإطلاق، ينحني حين تعصف الحياة في وجهه، لكنه لا ينكسر أبدا، ولا تلبث شخصيته الجميلة أن تكتمل بلمسات صغيرة متتالية تجعل منه رجلا أصيلا.

تفتن الرواية أيضا بالإيقاع الآسر لعملية السرد فيها، الذي يبدأ بطيئا، ثم يتسارع حتى يبلغ حدة قصوى، بخاتمتها غير المتوقعة، لكن المتسقة تماما مع منطق قصتها، وبأشياء أخرى كثيرة لا مجال هنا للخوض فيها، وتساهم في جعل “سرقة” إضافة نوعية إلى نتاج قرنح الأدبي.

المزيد عن:  رواية افريقيا سياحة

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili