بأقلامهم عبد الرحمن بسيسو يكتب عن: تبصُّرات في الشِّعرَّية والشِّعر 7/4 (IV) الشّعرُ، والوعيُّ، ومُكتنزاتُ الرّؤى by admin 21 سبتمبر، 2023 written by admin 21 سبتمبر، 2023 302 قد يبدُو للمبدع الأديب الفنان وقد صار متلقياً للنص أو العمل الذي أكمل إبداعه للتو، فاستقل بنفسه وانفصل عنه، مكتفياً بوجوده في ذاته كنصٍّ أدبي، أو عمل فني، وليد ومتوافر على مقومات الخلود، عبد الرحمن بسيسو – كاتب ، و مفكر ودبلوماسي فلسطيني الرؤيةُ شرطُ حياةٍ ووُجُودٍ، وليس لإنسانٍ أن يحيا حياةً وجوديَّةً، وأن يُوجد في حياة وُجُود، دُون تَوافره على رُؤيةٍ جوهرية كلية تفتحُ آفاق الرُّؤى التفصيلية، المُتجدّدة أبداً، على صيرورة حياةٍ يُلهبُ تدفُّقَهَا تَوْقُ الإنسان اللاهب إلى حياة هي الحياة المائرة في تلك الرؤية الحياتية الوجوديَّة، وإلى انبثاقات وُجُودٍ حيوي لا يحقق وجودها في الوجود إلا الإنسان السَّاعي إلى إدراك كمال إنسانيٍّ يُمَكِّنُهُ السَّعْيُ الدَّائبُ إلى إدراكه من إدراك جوهر هويته العميقة، ومغزى وجوده في وجودٍ حياتيٍّ مفتوح على وجودٍ وُجوديٍّ هو صانِعُه، وهو باني أعمدة صروحه الرّاسخات، وهو فاتح أبواب مداراته! وما من شيءٍ يمنحُ الحَيَاةَ معناها، ويُجلِّي وُجُود الوُجُود ويكشف مغزى الوجود الإنساني في رحابه الكلية الشاسعة، إلّا الشّعْرَ؛ هذا المُفْعَمَ بحيوية التَّساؤل البريء، والدَّهشة المعرفيّة، والتّخيُّل السَّاحر، والخيال الخلّاق، والتّساؤُل الاستبطانيّ المفتُوح، والشُّعُور المبهج بتدفُّقات الحياة مائرةً بالسَّعي الإنسانيِّ اللَّاهب لتوسيع مدارات الوجودِ الإنسانيِّ، وإثرائه بكل ما يحقق قيمته، ويسمو به، ويعلو بجماله وجلاله! لا ينبثقُ الشّعرُ عن “حالة لاوعيٍ”، وليس لما يُنتجُهُ الشِّعْرُ من معرفةٍ أن يُوضع في مرتبةٍ ثانيةٍ أو ثالثةٍ من مراتب المعرفة، طالما أنَّ هذا المنتج يتجلّي في إهابٍ معرفي جماليٍَ يقولُ إنّه مُعرفةٌ تقطن بيتاً من بيوت الحياة، وهو إلى ذلك معرفة “أكثرُ كثافةً وأعمقُ غوراً”! وما تمرُّدُ اللّغة الشّاعرة، واستلامها قياد اقتناص الصور الشعرية وصوغ الأخيلة وبناء القصائد، إلّا تأكيداً عملياً لحقيقة أنّ الشّعر لا يُولدُ من “رحم اللّاوعيّ” أبداً، وإنّما يُوْلَدُ من كُلّ “أصلاب الوجدان الكُلّيٍّ” للشّاعر الشّاعر، ومن أدقّ وشائج هذا الوجدان؛ فاللُّغةُ الشّاعرةُ الّتي هي، في البَدْءِ والمُنْتَهَى، ماءُ هذا الوجدان ونارُهُ، ومُكتنزُ كُلّ ما يمورُ فيه من مَلَكاتٍ، وقُدُراتٍ، ومهاراتٍ، وتجارب، وخبراتٍ، ومعارف، وما يحتويه من بذور صور شعرية وأخيلة ومجازات، وأساليب صوغًٍ، ومُكوّناتٍ معرفية وصيغاً جمالية، إما جليّةٍ يعيها العقلُ طيلة الوقت أو متى شاء أن يعيها، أو مُرَمَّزةً غامضةً، فلا يعيها إلّا في حالاتٍ بعينها فيما الوجدانُ يَحْدُسُ بوُجُودها فيه، ولعلّهُ يُدركُها، بجلاءٍ وعن كثَبٍ، إِنْ أقدم على صوغها صوغاً لغوياً يُجَسدها ويُجلِّي وجودها، متى شاء لنفسه أنْ يدركها. وإلى ذلك، فإنَّ هذه اللُّغة الشَّاعرة لَتُفَكّرُ، بدأبٍ صميميٍّ، مع الشّاعر الإنسان، وتصحبُ خياله المُفَكِّر فيما هي تكتُبُ معه ملازمةً عقله وأطراف أصابعه، بل إنّها لتُملي عليه أّنْ يستبقي، ويحذف، ويُعَدِّل، ويُبَلْورُ ويَصُوغُ، ويُعيد البلورة والصّوغ، حتّى تُرْضِي وجدَانهُ الكُلّيّ، مُرْضِيَةً نفسها برضاهُ، ومبتهجةً وإيَّاهُ بإيناع ثمرات عذابه الإبداعي الخلّاق، وانبثاق لحظة ميلاد النّصّ الشّعريّ الجديد – القصيدة الشاعرة التي تتهيَّأُ للولادة! ولئن كان هيغل قد خلُص إلى أنّ “الفنّ هُو ما يكشفُ للوعيّ الحقيقة بشكلٍ ملمُوسٍ”، فقد خلُص أنطونيو داماسيو إلى أنّ “كُلّ معرفةٍ تتضمّنُ عاطفةً … وأنّ كُلّ شُعُورٍ جماليٍّ ينطوي على معرفة”. ولئن أفصح أدرنُو عمّا مُؤدّاه أنّ الفُنُون والآداب وسائطُ تتخذُها المُعاناةُ للتّعبير عن نفسها، وأنّها “وسيلةٌ لمنح صوتٍ لبُؤس العالم … (ومُواجهة) المأساة الإنسانيّة”، فثمّة نُقادٌ وفلاسفةٌ ومُبدعُون اعتقدوا أنّ الآداب والفُنُون “هي أضمنُ طريقةٍ للهُروب من العالم” فيما اعتقد آخرون منهُم أنّها “أضمنُ طريقةٍ للتّوحُّد معه”. ومع كُلّ هذا وذاك من الأقوال والخلاصات، فإنّ لتجليات الآداب والفُنُون أن تقُول لنا، بحسب ما يعتقدهُ الأعمّ الأغلب من علماء الجمال، ومنظري الفن، والنُّقاد، والفلاسفة، والمُبدعين المُدركين حقيقة حقيقتها الجوهرية، أنّها تضُفُرُ كُلّ ذلك في تداخُلٍ وتفاعلٍ يرقيان إلى نوعٍ من التّمازُج والانصهار، فيأخُذان كُلّ قولٍ أو دلالة أو خُلاصةٍ أو معنىً صوب ما هُو أعمقُ وأبعد من المعاني والمدلولات والرّؤي، إذ عبر الآداب والفنون، ودائماً حين توافُرها على ما يُكسبها جوهر هُويّتها كآدابٍ وفُنونٍ تُواشجُ الرُّؤى الإنسانيّة الخلّاقة بجماليّات الإبداع، يكتشفُ المُبْدعُ الإنسانُ ذاتهُ والحياةَ والعَالم، عبر إدراكه مكونات خيوط شبكة العلاقات التفاعلية التي تحقق وجود هذا الثالوث الوجودي، وتجليه، وتحدد مسارات صيرورته! وقد لا يصدقُ ما قد قلناه للتو بشأن علاقة “الذات المبدعة” بالإبداع الأدبي والفني أثناء صيرورة العملية الإبداعية، على “الذات المتلقية القارئة” لما تنتجه “الذات المبدعة” من تجلياتٍ نصية أدبية، وأعمال فنية، إلا في حالة واحدة يَسِمُهَا اتِّباع “الذَّات المُتَلَقِّية القارئة” نهج الَّتلقي التَّذوقي التَّأملي التبصُّري التَّأويلي، وآليات القراءة التَّفاعليَّة الإبداعيَّة الخَلَّاقة، وهما النهج والآليات اللذان يُمَكِّنانِ القارئ المُتَلقِّي من إعادة ابتكار النَّص الأدبي، أو العمل الفني، أثناء صيرورة عمليةِ مزدوجة ومتواكبة، يتمثل طرفها الأًول في عملية تلقي النص، أو العمل، وقراءته، وتأمله، والتبصُّر في بنيته وشكله، وفي شبكة علاقات جميع مكوناته؛ ويتمثل طرفها الثاني في عملية تفكيكه، وملء فراغاته، وإعادة بنائه، وتأويله، ومن ثم إكماله من منظور الذَّات المتلقية القارئة، وتَمَلُّكه! ولتمكن القارئ المتلقي من عيش التجربة الحياتية الوجوديَّة التي خاضها الشاعر فأملت عليه إبداع النَّص الشِّعري المَقْروء، والمُتَبَصَّرِ فيه، من قبله الآن، كقارئ يقظٍ، أو لتمكُّنه من مشاركة الفنان خوض التجربة الحياتية الوجوديَّة التي أخذته إلى ابتكار العمل الفني المُشَاهد، والمُتَبَصَّر فيه، من قِبَله الآن، كمُتَلَقٍ حاذقٍ، إنما هو وحْدَهُ السبيل المفضي بالقارئ المتلقي إلى الَّتلذذ بأقصى إمتاعٍ نصِّيٍّ جماليٍّ، وحسيٍّ شعوريٍّ، يمكنه استخلاصه، وتقطيره، والاستحواذ عليه، وأقصى ثراءٍ معرفيٍّ، وغنىً وجوديٍّ، يمكنه استنباطه، وتكثيفه، وتملُّكه؛ فهل ثمة، في هذا الضَّوء، من غاية أعلى من هذه الغاية التي يحق للقارئ المتلقي، أن يتوق إليها وينشدها، عبر اعتماده نهج التفاعل الخلاق مع كل ما يتلقاه ويقرأه من أعمال فنية، ونصوص أدبية، ليس لها أن تكون نصوصاً وأعمالاً إبداعيةً، فنية وأدبية، قابلةً للخلود، إلا بعلو شعريَّتها وتوافرها على أعلى مستويا الجمال؟! عبر الانفتاح التفاعلي مع تجليات الآداب والفنون، النابعة من الرؤيه الشِّعرية الوجوديَّة للعالم، والمتحققة في النصوص الأدبية والأعمال الفنية، التي تُواشجُ الرُّؤى الإنسانيّة الخلّاقة بجماليّات الإبداع الأدبي والفني؛ فيما هي تبث في وجدان الحياة والناس، وفضاءات العالم، ومدارات الوجود، صيغاً وتشكلاتٍ وأشكالَ رؤيً إبداعيةً مُتَنَوّعة لهذه الرؤية الشِّعرية المتنوعة، يكتشفُ المُبدعُ الأديبُ الفنان الإنسانُ، كما المتلقي القارئُ المتفاعلُ الإنسانُ، ذاتهُ، والحياة والعالم، ويدركانِ شيئاً مما ينهض به كل قطب في أقطاب هذا الثالوث في صُنع الوجود، وتجلية ما تم إدراكه من مُكَوِّنات وجوده. وقد يبدُو للمبدع الأديب الفنان وقد صار متلقياً للنص أو العمل الذي أكمل إبداعه للتو، فاستقل بنفسه وانفصل عنه، مكتفياً بوجوده في ذاته كنصٍّ أدبي، أو عمل فني، وليد ومتوافر على مقومات الخلود، كما قد يبدو للمتلقي القارئ، أنَّ تجليات الإبداع، نصوصاً لغوية مبتكرة، وأعمالاً فنية مبتدعة، إنما تأخُذهُما بعيداً عن واقع الذّات، والحياة، والعالم، أو تهربهُما من هذا الواقع، لتقذف بهما بعيداً عنه في مدارات وُجود خفيٍّ جلّتها لهُما، وأضاءت أمام خطوهما سُبُل الذهاب إليها، والجوس الأخاذ في رحابها الّتي سيبدُو، على مدى بُرهات الاستغراق في القراءة، أنّها رحابٌ تُفارقُ ثالوث ذلك الواقع، غير أنّ لتفعيل آليّات القراءة، أو المُشاهدة، التّفاعُليّة وتعليق الأحكام أثناء القراءة، أو المُشاهدة، ومن ثمّ إمعانُ التّبصُّر الوجدانيّ العقليٍّ في ما قد أُكملت قراءاتُهُ، أو تمّت مُشاهدتهُ، باستلام رسائله، وتبلوُر خُلاصاته، أن يُمكّنا القارئ/المُشاهد، كما المبدع الّذي صار قارئاً/مُشاهداً عُقب ميلاد العمل الأدبيّ، أو الفنّيّ، وإطلاقه للعيش الحيويّ بين النّاس، من إعادة اكتشاف ذلك الثّالُوث الوجودي الواقعيّ: “الذّات، والحياة، والعالم”، بعُمقٍ معرفيٍّ وُجُوديٍّ أثرى وأغنى. وما من منبعٍ أساسيٍّ لهذا العُمق المعرفيّ الوُجُوديّ، الأثرى والأغنى، إلّا النص الأدبيّ، أو العمل الفنّيّ، في ذاته،، لكونه نصاً أو عملاً قائماً، في الأصل الدّافعيّ ومن حيث المنبع والغاية، على إضاءة الواقع بالخيال المُفَكِّر، والخيال المُفَكِّر بالواقع، وعلى كشف مُمكنات هذا بمُمكنات ذاك؛ أي لكونه مُنشغلاً طيلة الوقت باكتشاف العلاقات الخفيّة المُضْمَرة والقابلة، كَمُمْكِنَاتٍ مُجرّدة، للوجُود الفعليّ والتّجلّي، في نطاق مُكوّنات ثالُوث الواقع الكُلّيّ: الذات، والحياة، والعالم (الكون المعلُوم وشتّى الأكوان المجهولة)، وذلك عبر التّبصُّر الشِّعريّ العميق في علاقاتها الظّاهرة الجليّة، والخفيّة المُتخيّلة؛ وكأنّي بالخيال الشّعريّ المُفَكِّر، مسباراً، لا يُدانيه، في الفاعليّة الخلّاقة، مسبارٌ، كفيلٌ باكتشاف حقيقة ثالُوث الوجود الواقعي، والكشفِ، بسطوعٍ،عن مكنُوناته العميقة، والتّنبُّؤ الاستشرافيّ بمُمْكِنَاتهِ، وذلك عبر الإصغاءِ الحيوي المُرْهَف إلى نداءات الوُجُود، وتجلية شيءٍ ممّا خفي، أو احتجب، من أغواره العميقة، ومن أحياز مداراته الشّاسعات، ودائماً على نحو يستجيب لأشواق الحياة، ويُلبي تَوْقَ الإنسان إلى التمكن من ابتكار حياة وجودية خفَّاقة هي جوهر الوجود، ووجود حياتي مَوَّار هو لُبُّ الحياة! 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post فريلاند تقدّم مشروع قانون مساكن الإيجار وأسعار الأغذية next post معدلات “مرتفعة ومقلقة” للإصابة بـ”ألزهايمر” في لبنان You may also like شيرين عبادي تكتب عن: السعودية وإيران من وجهة... 26 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: لبنان… و«اليوم التالي» 26 نوفمبر، 2024 ساطع نورالدين يكتب عن: “العدو” الذي خرق حاجز... 24 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: شالوم ظريف والمصالحة 24 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ 24 نوفمبر، 2024 مها يحيى تكتب عن: غداة الحرب على لبنان 24 نوفمبر، 2024 فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024