الكاتب والمخرج اللبناني الكندي وجدي معوض (دار أكت سود) ثقافة و فنون عبده وازن يكتب عن: وجدي معوض متهم باللاسامية في ألمانيا وبالتطبيع في لبنان by admin 18 أبريل، 2024 written by admin 18 أبريل، 2024 165 المسرحي اللبناني العالمي التزم قضايا الإنسان وحمل جرح الحرب الأهلية في وجدانه اندبندنت عربية / عبده وازن لا تزال جبهة “الصمود والتصدي” في لبنان تمارس مهمة الاتهام بـ”التطبيع” الذي جعلت منه شعاراً، هو على مقدار كبير من الالتباس، وغير دقيق في معاييره، على رغم اتكائها ظاهراً على قانون لبناني يحرم التعامل مع إسرائيل، سياسياً ومالياً وثقافياً. هذه الجبهة، التابعة لجهات سياسية معروفة، في وجوهها القومية والبعثية والإيرانية والطائفية بل المذهبية، بحسب مفهوم “المقاومة الإسلامية” في لبنان (وليس اللبنانية)، لم تتورع سابقاً عن تخوين الكاتب اللبناني -الفرنسي أمين معلوف رئيس الأكاديمية الفرنسية، بعد إجراء تلفزيون فرنسي إسرائيلي حواراً ثقافياً معه لم يتطرق فيه إلى السياسة، ثم تخوين السينمائي الطليعي زياد الدويري الذي أوقفه الأمن العام في لبنان، ثم أطلق سراحه، لتصويره لقطات من فيلمه “الصدمة” في فلسطين، وكان نال جائزة في مهرجان البندقية. وهنا يجب تذكير “الجبهة” هذه، بالمخرج الفلسطيني مؤيد عليان الذي استعان في فيلمه “التقارير حول سارة وسليم” بممثلة ومغنية إسرائلية سيفان كرتشنر وممثل اسرائيلي هو إشاي غولان، والمخرج الفلسطيني الكبير ميشال خليفي الذي استعان بممثلين إسرائيليين في فيلمه “عرس الجليل”، وتعاون مع المخرج الإسرائيلي إيال سيفان في إنجاز فيلم مشترك، وكذلك المخرج الفلسطيني إسكندر قبطي الذي تعاون مع ممثلين إسرائيليين في فيلمه “عجمي”. ناهيك عن كتّاب كبار ترجموا إلى العبرية وصدرت كتبهم في دور نشر إسرائيلية وتقاضوا منها بدلاً ماديا (المغربي محمد شكري مثلاً)، وعن شعراء صدرت لهم كتب مشتركة مع شعراء إسرائيليين، وبينهم شاعر كبير. كل هؤلاء لم يخوّنوا في بلدانهم ولم تصدر بحقهم مذكرات توقيف. وقد لا يكون مناسبا هنا التذكير بتخوين البطريرك الماروني بشارة الراعي بعد زيارته الرعية المارونية في الأراضي الفلسطينية، والإطلاع على أحوالها، وتخوين أحد المطارنة الموارنة الذي نقل مساعدات من مواطنين فلسطينيين إلى أهلهم في لبنان، ومنهم غير مسيحيين… ولا يمكن تناسي مطاردة الروائيين والشعراء العرب الذين يشاركون في مؤتمرات عالمية تضم كتاباً إسرائيليين، وكذلك الصحافيين الذين يعملون في منابر عالمية والذين يضطرون أحياناً، إلى لقاءات سريعة ومفاجئة ببعض السياسيين الإسرائيليين، وكم خوّن منهم… بحسب “لجنة الصمود والتصدي”، على الكُتاب العرب أن ينسحبوا من المهرجانات الأدبية العالمية تاركين الساحة للأعداء. على الكُتاب العرب أن يختفوا ويذوبوا إذا حضر مثقفون إسرائيليون في المهرجانات، وإلا فهم “خونة”، حتى وإن كانوا قادرين مواجهة الأعداء، بمواقفهم وقصائدهم ونصوصهم… على المثقف العربي بحسب “لجنة الصمود والتصدي” أن “يجعجع” أو “يبعبع” من بعيد، ويلقي الخطب النضالية الفارهة، ولو لم تسمعه سوى قلة قليلة. ديماغوجيا مستهلكة بوستر المسرحية بالعربية (مسرح مونو) لقد تم استهلاك هذه الأساليب الديماغوجية، أساليب التخوين الثقافي والاتهام، بل إنها باتت مفضوحة لكونها مركبة ومفتعلة وغير صحيحة، وغير مبنية على وقائع ووثائق، بل هي مجرد ادعاءات وافتراءات، يطلقها بعض المتضررين والخاسرين و”المرضى” والمبعدين ثقافياً، انتقاماً لأنفسهم وماضيهم الذي ولى. طبعاً لا أحد يعترض على فضح عملاء إسرائيل والمتعاونين معها، أياً يكونوا، فالموقف من إسرائيل واضح أولاً وآخراً، ولا أحد يحتاج بالتالي إلى إرشادات هؤلاء “القناصة” والمصطادين في الماء العكر. أما آخر ضحايا “القنص” والتخوين والتحريض في لبنان فهي مسرحية للكاتب والمخرج اللبناني الكندي وجدي معوض، كان ينوي عرضها في مسرح مونو، وعنوانها “وليمة عرس عند رجال الكهف”. كان الفنان العالمي الكبير رغم صغر سنه، يود أن يقدمها للجمهور اللبناني الذي تابعه ويتابعه كلما قدم عرضاً في لبنان. وهو يتعاون فيها مع ممثلين لبنانيين وفرنسيين، ومن اللبنانيين ممثلون كبار معروفون بمواقفهم الوطنية الصادقة: فادي أبوسمرا، عايدة صبرا وبرناديت حديب. النص الأصلي بالفرنسية (دار اكت سود) يتعرض المخرج الكندي اللبناني الأصل، وجدي معوض لحملة خبيثة ومبرمجة و”تضليلية”، والغاية منها الانتقام والإيذاء وتحطيم صورة لبنان عالمياً. ويقال إن إحدى الممثلات الرائدات كانت وراء الحملة وإلى جانبها صحافيون “مقلبون” سياسياً، ومتاجرون بـ”النضال” عندما يفيد النضال، والمنكرون له عندما يكون لهم مصالح خارج النضال. وقد راج على وسائل التواصل الإعلامي تسجيل صوتي معيب، للممثلة الكبيرة تعلن فيه تخوين معوض واتهامه بـ”العمالة”، وتدعو إلى محاكمته، متناسية ماضيها النضالي ضد الرقابة ودعوتها إلى احترام الحرية والثقافة. وهي حتماً لم تقرأ ولم تشاهد المسرحية “المتهمة” التي نبشتها بعدما قُدمت قبل سنوات في مسارح عالمية انطلاقاً من مسرح “لا كولين” الذي يتولى إدارته الفنية وجدي معوض. استعادت الممثلة وزمرتها مسرحية “كلنا عصافير” التي كتبها معوض عام 2018 وقدمها في فرنسا أولاً ثم في ألمانيا ودول أخرى. تدور هذه المسرحية حول قصة حب بين شاب ألماني يهودي يدعى إيتان وفتاة فلسطينية تدعى وحيدة، يواجهان الماضي والتناقضات التي تحيط به، والواقع الحافل بالنزاعات القائمة بين الفلسطينيين والمحتل الإسرائيلي. قدمت هذه المسرحية بالعربية والعبرية والإنجليزية والألمانية، ومدتها أربع ساعات. وفاز معوض عنها بجائزة النقاد الكبرى، في باريس، وهي جائزة تمنحها جمعية نقاد المسرح والموسيقى والرقص، وتضم 140 صحافياً فرنسياً وأجنبياً بينهم عرب، في مجال الصحافة المكتوبة والإعلام المرئي والمسموع. بوستر المسرحية بالفرنسية (مسرح لا كولين) ما يأخذه “فرسان” مقاومة التطبيع على معوض، استعانته بممثلين إسرائيليين وفلسطينيين من فلسطين المحتلة، وقد طلبت إدارة مسرح “لاكولين” منتجة العرض، من وزارة الثقافة الفرنسية أن تتصل بالسفارة الإسرائيلية في باريس بغية تأمين سفر الممثلين من إسرائيل. وهذا أمر طبيعي في الدولة الفرنسية التي تعترف بالدولة العبرية. ويجب عدم تجاهل أن مسرح “لا كولين” مسرح فرنسي خاضع للقوانين الفرنسية وتابع لوزارة الثقافة الفرنسية، ولا يخضع بالتالي للقوانين السائدة في لبنان، فلا يمكن “تخوين” المسرح والمسرحية وفق المعايير اللبنانية، وإلا وقعت غالبية المسارح ودور الأوبرا والأفلام ودور النشر والمهرجانات في دائرة التخوين. وجدت الممثلة اللبنانية وأتباعها (احدهم كان يتلقى مالاً من مؤسسة فورد الأميركية المؤيدة لإسرائيل، لإصدار مجلة كان رئيس تحريرها) في هذه “اللقطة” مادة دسمة وذريعة لإطلاق التهم والتخوين والمنع والتهويل الفارغ. وطبعاً مُنعت المسرحية واتهم معوض جزافاً وظلماً بالتطبيع. وعندما قدم المسرحية نفسها في ألمانيا اتهم بـ”اللاسامية” التي توجه إلى كل من ينتقد الثقافة الإسرائيلية وما يمت إليها وكذلك من يشكك في حجم المحرقة النازية. الغريب أن وجدي معوض المتهم في ألمانيا بـ”اللاسامية” اتهم في وطنه بـ”التطبيع”. وهنا المسألة. ولكن ما فات فرسان مقاومة التطبيع في لبنان، موقف معوض المعلن قبل أيام عبر إذاعة “فرنس أنتير” الواضح والصريح من إجرام رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقال حرفياً “نتنياهو مجرم”. وهذا التصريح المعلن يكفي ليتضح رأيه في الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة والفلسطينيين. لم يقرأ أعضاء لجنة مقاومة التطبيع، المسرحية السابقة “الكل عصافير”، ولا المسرحية التي تم منعها في بيروت قبل أيام، وعنوانها “وليمة عرس عند رجال الكهف”، وهم لو قرأوا النص فقط لكانوا أدركوا أنهم على ضلال، لكنهم كانوا مصرين على الاتهام كي ينتقموا من وجدي معوض ومن جمهوره الذي بات كبيراً في وطنه الأم، ومن مسرح مونو كما اتضح تالياً. هذه المسرحية البديعة، هي من أعمال معوض “اللبنانية”، إن جاز القول، وكان كتبها العام 1991 وقدمها في كيبيك عام 1994 وفي مسرح “لاتامبيت” (العاصفة) الشهير في باريس عام 2010. مسرحية غريبة بعض الشيء، قاسية وحنونة، فيها من الفانتازيا ما فيها من التراجيديا، والسخرية السوداء والعبث. تكفي قراءة النص الذي صدر عن دار اكت سود (سلسلة المسرح) ما دمنا قد حرمنا في لبنان من مشاهدة العرض. إنها قصة عائلة لبنانية تعيش حياتها اليومية، مثل كل العائلات في الحرب. تحت القذائف المتقطعة ووسط انقطاع التيار الكهربائي، تقضي العائلة “يوماً خاصاً”. في هذا اليوم تتهيأ العائلة لإحياء عرس تكون فيه العروس البنت الكبرى التي تدعى نيللي، وهي تعيش في حال من التيهان أو الخبل. الجميع حاضرون، الأب نايف، الأم نزهة، الجارة سهيلة، الابن الأصغر نيل، وولتتر الابن الأوسط… كلهم حاضرون ولكن بانتظار العريس، السيد الغريب، كما يسمى، الذي لا بد أن يأتي. في مثل هذا الجو المضطرب، يسود الضحك واللعب والتوتر، وتبرز صورة غريبة لعائلة غريبة، تعيش بين الواقع واللاواقع، بين الألم والسخرية الهاذية. لا بد أن تذكر هذه العائلة ولو من بعيد، بأهل البلدة في مسرحية دورنمات الذين ينتظرون عودة “السيدة العجوز”، أو أهل القرية، لا سيما نساؤها، أيضاً الذين حيرهم في مسرحية جورج شحادة “مهاجر بريسبان”، المغترب العائد محملاً بالذهب… في المقدمة يشير معوض إلى أنه كان ينوي، كتابة مسرحية عن كافكا والعرس والأب، لكنه كتب عن عائلة لبنانية تتوقع عرساً قد يحصل أو لا يحصل. مسرحية فريدة بجوها وشخصياتها وحواراتها، يضع فيها معوض إصبعه على جرحه اللبناني الذي لم يلتئم منذ هجره لبنان في التاسعة من عمره مع عائلته، إلى المنفى الكندي الذي أصبح وطنه الثاني، بينما أصبحت فرنسا وطنه المسرحي. لم يلتئم جرح معوض هذا، وسعى إلى بلسمته في سلسلة مسرحيات مهمة ومميزة ، لبنانية الهاجس والألم والحنين والسؤال. ولا يمكن فهم وجدي معوض “اللبناني” إلا عبر قراءة سلسلته المسرحية: “أم”، “وحيدون”، “أختان”… هذا المسرحي الذي يعيش بين فرنسا وكندا في الجغرافيا والزمان، يعيش في لبنان روحياً ونفسياً ووجدانياً ووجودياً. كأنه لم يغادر وطنه الأم بل كأنه يحلم دوماً بالعودة إليه، ومشاركة مواطنيه آلامهم وأحزانهم وقضاياهم الشائكة. لم يغب وجدي معوض عن مقتل الكاتب سمير قصير ولا عن تفجير مرفأ بيروت. حضر وقدم مسرحاً في هاتين المناسبتين الأليمتين. وكلما سنح له الوقت كتب نصوصاً بديعة عن لبنان، ينشرها إما في الصحافة الفرنسية أو في ملحق “لوريان ليتيرير” (الشرق الأدبي). وجدي معوض سيعود إلى لبنان حتماً، ولن تقوى عليه “جماعة الصمود والتصدي” التي تطلق التهم جزافاً. وليت هذه الجماعة تتعلم من وجدي معوض كيف يكون حب الوطن الأم وكيف الوفاء له وكيف يتم رفع قضيته على مسارح فرنسا والعالم. المزيد عن: كاتب مسرحيمخرجالهوية الكنديةالحرب اللبنانيةالتطبيعالتهماللاساميةبيروتألمانياالجماعة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سلمان رشدي يروي في “السكين” الأفكار التي راودته لحظة الطعن next post مي التلمساني توقع إدوار الخراط في فخ الكتابة المشتركة You may also like فلسطين حاضرة في انطلاق مهرجان القاهرة السينمائي 14 نوفمبر، 2024 أنجلينا جولي تواجه شخصية ماريا كالاس في فيلم جديد 14 نوفمبر، 2024 المسرح الباريسي يتذكر شوينبرغ من خلال 12 حياة... 14 نوفمبر، 2024 الكنز المفقود… ماذا يخفي نهر النيل؟ 13 نوفمبر، 2024 سيمون فتال: السومريون أنتجوا أجمل الفنون وهي الأساس 13 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: نصبان جنائزيان من مقبرة... 13 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: أي دور للكتاب والمبدعين... 13 نوفمبر، 2024 كيف تستعيد الجزائر علماءها المهاجرين؟ 12 نوفمبر، 2024 مثقفان فرنسيان يتناقشان حول اللاسامية في “المواجهة” 12 نوفمبر، 2024 مكتبة لورين غروف تتحدى حظر الكتب في أرض... 12 نوفمبر، 2024