الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر (موقع فلاسفة ألمان) ثقافة و فنون عبده وازن يكتب عن: مقاربة حديثة وشاملة لفلسفة هايدغر أنجزها مشير عون by admin 22 يناير، 2024 written by admin 22 يناير، 2024 120 قضايا الفيلسوف الألماني الذي يشغل الأوساط العالمية في متناول القارئ العربي انطلاقاً من المصادر الأصلية اندبندنت عربية / عبده وازن الكاتب الأكاديمي مشير باسيل عون، أستاذ الفلسفة في أكثر من جامعة لبنانية وأجنبية، ليس فيلسوفاً فقط أو باحثاً في الفلسفة ومؤرخاً لها، بل هو صاحب مشروع فلسفي أكب على تأسيسه منذ التسعينيات الماضية، عقب إنهائه دراسات الدكتوراه في الفلسفة بين فرنسا وألمانيا. وقد أصدر عون حتى الآن ما يقارب 28 كتاباً بالعربية والفرنسية، عطفاً على الكتب المشتركة، وإشرافه على عملين موسوعيين، الأول يدور حول الفلسفة في البلدان العربية (صدرت منه حتى الآن ثلاثة كتب)، والثاني حول الفلسفة الفرنسية المعاصرة، في سبعة مجلدات تصدر تباعاً. ويدور مشروعه حول مسائل رئيسة منها: فلسفة الدين والتعددية الحضارية وأنثروبولوجيا الماهية الإنسانية المشرعة. وحديثاً صدر لمشير عون كتاب جديد بعنوان “الإنسان في رعاية الكينونة: هايدغر في المتناول الفلسفي العربي” (بيت الفلسفة، الفجيرة، الإمارات العربية)، ويتناول كما يدل العنوان، الخلفيات الفلسفية التي انتظمت بها تناولات هايدغر الأصيلة في مبحث الكينونة واللغة والتقنية والسياسة والفن والدين. ويستند الكتاب إلى نصوص هايدغر الألمانية التي صدرت في ألمانيا ضمن مجموعة أعماله الكاملة. ومعروف أن عون أحد المتخصصين في فلسفة هايدغر، فهو أصدر سابقاً عنه كتباً بالفرنسية: “التقنية المعاصرة بوصفها اكتمالاً للمتافيزياء الغربية” (رسالة الدراسات العليا في الفلسفة)، و”المدينة الإنسانية في فكر مارتن هايدغر بوصفها موضع تصالح الكينونة والسياسي” (أطروحة الدكتوراه في جامعة كان النورماندية 1994، نشرت في ألمانيا في 1996، وأعيد نشرها في طبعة ثانية في باريس 2016)، هايدغر والفكر العربي (باريس 2011، وترجم إلى العربية ونشر في 2015). أما الكتاب الجديد فيتفرد بخصوصية تحليلية تجعله يظهر للمرة الأولى الخلفيات الفلسفية التي انتظمت بها تناولات الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر (1889-1976) الأصيلة في مباحث الكينونة واللغة والتقنية والسياسة والفن والدين. كتاب مشير عون عن هايدغر (بيت الفلسفة) يستند البحث كما تمت الإشارة إلى نصوص هايدغر الألمانية التي صدرت في مجموعة أعماله الكاملة، في ألمانيا. تتميز تحليلات هذا الكتاب بسهولة التعبير، وسلاسة الترجمة الفلسفية، ووضوح التحليل، وأصالة النحت اللغوي الذي يجتهد في سبك اصطلاحات هايدغر سبكاً يلائم قدر المستطاع معطيات اللغة العربية. يسعى الكتاب إلى أن يظهر بساطة السؤال الفلسفي الذي كان محور تفكير هايدغر (ما معنى الكينونة؟)، ويجتهد في الإمساك بالخلاصات التي أفضى إليها هايدغر في تناوله المسائل التي ترتبط باستجلاء معنى الكينونة في معترك الوجود الإنساني الأرحب. أما المنهجية المعتمدة فتهدف إلى الأمانة على فكر هايدغر، واستخراج الفائدة الفلسفية التي تنطوي عليها خلاصاته، ولكن من غير الخضوع لتصورات الفيلسوف وأحكامه، هذا فضلاً عن سعي الكتاب إلى تقويم شامل يصيب مجموع تناولات هايدغر الأونطولوجية ويستند إلى أنثروبولوجيا “إنسية” الأنوار والعقلانية النقدية البناءة. ينطلق البحث في الكتاب من سؤال ضروري: هل يمكننا أن نفهم هايدغر في لغة عربية سهلة، أمينة، تنصف الفيلسوف الألماني والقارئ العربي الرصين على حد السواء؟ السؤال الذي استثار البحث في الكتاب كله: ما الذي يمنع القارئ العربي من إدراك جوهر المقاصد التي انطوى عليها مشروع هايدغر الفكري؟ أفضل السبل التبسيط من غير تشويه، والتعميق من غير تصعيب، والمداورة من غير إهمال، والمحاورة من غير خضوع وتبعية. فنصوص هايدغر التي تستغلق على القارئ العادي، العربي والألماني في آنٍ واحد، تسوغ لنا أن نستبيح كل المنهجيات التبسيطية الرصينة حتى نفوز بفهم صائب ينصف متطلبات البحث، وينصف هايدغر وخصوصياته اللغوية التعبيرية. هذا الكتاب ثمرة 15 سنة من التفكير والبحث والإنشاء والصوغ والتنقيح والتعديل والتهذيب والإضافة والاستزادة. نصف الفصول وضعت أصلاً في صورة محاضرات أو مقالات. وما لبثت أن خضعت لصوغ آخر غير بنيتها وأضاف إليها بضعة من عناصر التحليل.و هذه الفصول خضعت لمراجعة اصطلاحية واستزادة وتوسعة وتعديل، فجاء الصوغ الثاني متجاوزاً النواة الإنشائية الأولى على مستوى الحجم والتناول والمعالجة. أما النصف الآخر، فينشر للمرة الأولى ويندرج في سياق تكامل الموضوعات التي تسهم في استجلاء مقاصد هايدغر. “المدينة الإنسانية في فكر مارتن هايدغر” كتاب لعون بالفرنسية (دار لارماتان) لا بد هنا من الإشارة إلى أن كل فصل من هذه الفصول يحوي عناصر الفكر الضرورية التي تساعد في إدراك مشروع هايدغر برمته. فنصوصه نفسها تتصف بصفة التكرار الشمولي، إذ يندر أن يقع المرء على نص لا يستعيد باقتضاب، أبرز سمات العمارة الفكرية التي بناها هايدغر. ومن ثم، فإن كل فصل من هذه الفصول معقود على موضوع يبدو في الظاهر منفصلاً مستقلاً، غير أنه ينطوي على التصورات الأساسية التي يرتبط بعضها ببعض في كتاباته كلها. منهجية التناول يتفرد هذا الكتاب بخصوصية تحليلية تجعله يظهر، ربما للمرة الأولى باللغة العربية، الخلفيات الفلسفية التي انتظمت بها تناولات هايدغر الأصيلة، وقد ائتلفت في مباحث الكينونة والإنسان واللغة والفسارة (الهرمينوتيكية) والتقنية والأخلاق والسياسة والدين. يستند البحث كله في هذا الكتاب إلى نصوص هايدغر الألمانية التي صدرت في مجموعة أعماله الكاملة بالألمانية، ومنها ما صدر في السنوات الخمس الأخيرة. وعلاوة على ذلك، تبرز في هذا الكتاب فصول تتناول المحاور الأساسية التي تبين للقارئ العربي فرادة النقد الصارم الذي صاغه هايدغر في إعادة قراءة التراث الفلسفي المتافيزيائي برمته، منذ أفلاطون حتى نيتشه. كتاب لعون بالترجمة العربية (نيل وفرات) وبغية توطيد موضوعية الاستنتاجات والخلاصات المبثوثة في كل فصل، تجري الاستعانة بأبرز الدراسات الغربية التي رسخها أهل الاختصاص الدقيق بفكر هايدغر، لا سيما باللغات البحثية الثلاث، الألمانية والفرنسية والإنجليزية. ومقارنة بالدراسات الفلسفية العربية التي تناولت هايدغر، حرص المؤلف على أن تتميز نصوص هذا الكتاب بسهولة التعبير، وسلاسة الترجمة الفلسفية، ووضوح التحليل. لم ينقل المؤلف جميع اصطلاحات هايدغر إلى العربية، بل آثر أن يحافظ، في بعض الأوضاع، على الأصل الألماني الذي أضحى يستثير في القارئ التفكير بمجرد النطق به في صيغته الأصلية، كاصطلاح “الدازاين” أو اصطلاح “الإرأيغنيس”، على سبيل المثل.أما في سائر اجتهادات الترجمة، فجرى تنويع اختيارات ما يعادل الأصل بالعربية، لا سيما في ظل غياب الإجماع الفلسفي العربي. ويقول المؤلف: “إذا كان الإجماع الاصطلاحي متعذراً في ترجمة أعمال هايدغر إلى الفرنسية، فكيف لنا أن نفوز بإجماع عربي، وحال الترجمة عندنا يشوبها في الغالب التبعثر والارتجال والتسرع؟ ثمة اجتهادات ثمينة أتى بها أكثر من مترجم عربي جرت مقارنة بعضها ببعض حتى يتبين للقارئ سبيل التخير الأفضل”. مقارابات متعددة يعتمد الكتاب منهجية الانتقال التدريجي من الأسهل إلى الأصعب. وتسهيلاً للفهم السليم، يستهل عون الكتاب كله بفصل كشفي يستجلي مضمون الاصطلاحات الأساسية التي استخدمها هايدغر. أما الاصطلاحات الفرعية الأخرى، فعرفها سواء في توسعات متون الفصول أو في حواشيها. فالقارئ، كما يشير عون، قبل الشروع في قراءة الكتاب، يحتاج إلى فهم بعض الاصطلاحات الأساسية فهماً مستنداً إلى تفسير منهجي دقيق. ومن خصائص مثل هذا التوزيع أن القارئ يمكنه، بالاستناد إلى فصل الاصطلاحات الأول، أن يقرأ فيفهم البناء الفكري الأشمل في مسعى هايدغر. كل فصل يتميز بقدرته على إدخال القارئ في عمارة هايدغر الفكرية وإفهامه أبرز الإسهامات التي انعقدت فيها. “المسيح العربي” لمشير عون بالإنجليزية (أمازون) أما الفصل الثاني فيترصد السيرة الحياتية التي طبعت قرائنها فكر هايدغر بأسره، إذ يجمع الباحثون على أن الأوضاع الوجودية التي اختبرها فيلسوف “الغابة السوداء” أثرت تأثيراً بالغاً في تطوير تناولاته واستقصاءاته وتحليلاته. ومن ثم، لا يستطيع المرء أن يدرك خصوصية المعاني التي نسبها هايدغر إلى الكينونة، من غير أن يتأمل في اختباراته الحياتية العائلية والعاطفية والأكاديمية والسياسية. ففكر الكينونة عميق الانغراس في تربة الحياة، على رغم التجريد المفرط الذي طغى على النصوص التي تتناوله. الفصل الثالث مخصص لاستجلاء عناصر المشروع الفكري الشامل المبني على رعاية الكينونة وتدبر حركتها الذاتية. ففي البداية لا تكون إلا مع الكينونة، والنهاية أيضاً معها. في هذا الفصل يستوضح المؤلف مقاصد هايدغر التي نضجت على إيقاع التحولات الفكرية الخطرة. فيبين للقارئ كيف ظل مفكر الكينونة معتصماً باستجلاء معناها، على رغم تغير السبل وتنوع الطرائق. غير أن ذلك كله لا يستقيم من دون التأمل في مقام الإنسان الذي تخاطبه الكينونة. ومن ثم، كان لا بد من اشتمال الفصل الرابع على التناولات الإشكالية التي عالجت مسألة الإنسان وموقعه في السعي إلى استعادة صدارة الكينونة. والواضح أن الكينونة عهدت إلى الإنسان برعايتها، شرط أن يصون لها حريتها في الاعتلان والانحجاب، ويضمن لها التواصل الحر والكائنات، بيد أن هذا التواصل لا ينبسط إلا في مسالك الزمان الذي يهيئ للكينونة سبيل الاعتلان الخفر والانحجاب الملهم. من هنا يسعى الفصل الخامس إلى استجلاء طبيعة الزمان الذي يلائم في حركته إما اختبارات الإنسان، وإما مراسيم الكينونة عينها. فلكل مقام زمانه، إذ إن زمن الإنسان غير زمان الكينونة. وفي قرائن هذا التحليل، تعتلن ضرورة الكلام على الحدود القصوى التي يبلغها الزمان في انبساطه، فتثار هنا مسألة ما بعد الزمان أو ما قبله. يتناول الفصل السادس مسألة الله والدين والإيمان، وقد انتظمت في قرائن استجلاء معنى الكينونة. ذاك أن لاهوت الإله الأخير في فكر هايدغر لا يمكن فصله عن المراسيم التي تذيعها الكينونة لتضبط بمقتضاها، حركة التجاوز والتعالي. وعند المنعطف الغيبي التجريدي هذا، يتناول الكتاب مسألة المسائل، أي اللغة في قدرتها على احتضان اختبارات الكينونة. اليقين في هذا كله أن اللغة تشتمل على كل شيء، فهي منزل الكينونة المفضل. ويرى عون أنه كان من الممكن أن يستهل الكتاب كله باستطلاع مقام اللغة في فكر هايدغر. غير أن هذا المقام يقترن اقتراناً وثيقاً بالكينونة، والكينونة بالإنسان، وكليهما معاً بالزمان، والزمان بالألوهة الغائبة. ومن ثم، جرت معالجة مسألة اللغة في الفصل السابع الذي ربطها بالأبعاد الشعرية والفنية اللصيقة باعتلان الكينونة في الكائنات والموجودات والأشياء. أما الفصل الثامن الفسارة (الهرمونونتيكية)، فهو وثيق الارتباط باللغة، فتأويل معنى الكينونة يحقق مشروع هايدغر بأكمله. والواقع أن اجتهادات هايدغر أشبه بـ”فسارة” شاملة تتأول كل اختبارات الإنسان في سعيه إلى فهم معنى الكينونة، أو كل مساعي الكينونة في عزمها على استيداع الإنسان سر حقيقتها. وبفضل فصلي اللغة والفسارة، يسهل العبور إلى قضايا الفلسفة العملية التي كان هايدغر شديد الحذر من ارتياد حقولها، لكن نصوصه تنطوي على إشارات بليغة تومئ إلى كيفيات الانخراط في الميادين الشائكة هذه. أما الفصول الثلاثة الأخيرة فتسعى إلى النظر في السياسة والأخلاق والتقنية، أي في الحقول التي بلغت فيها جرأة هايدغر حدود التطرف والمغالاة. ومعروف أن هيدغر استندت شهرته، في جزء منها، إلى الأقوال والمواقف والأحكام المباغتة التي كان يفصح عنها بين الحين والآخر، ومعظمها يكشف عن عمق الارتباط بالانقلاب الفكري الخطر الذي استحدثه في مسار إعادة تأويل التراث الفلسفي برمته. في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن فصل التقنية الأخير ينطوي على اجتهاد جريء في تقويم مشروع هايدغر الفكري الانقلابي كله. فالأمانة على استجلاء عناصر هذا المشروع لا تبطل واجب التفاعل النقدي البناء، بحيث يأتي التحليل حاملاً، في خفر عظيم، عناصر المساءلة الفلسفية الضرورية. أما النية المضمرة فتقضي، كما يشير عون، بأن يجتنب الباحث، في تناولاته، الخضوع والتبعية والائتمار الأعمى، فالروح الفلسفية الحق تستكره المبايعة الأيديولوجية، حتى في اقتطافها ثمار الإبداع في المذاهب الفلسفية المتباينة. ليس من المبالغة القول ختاماً إن هذا الكتاب الأكاديمي الذي أنجزه عون خلال سنوات عدة من البحث والقراءة والتقصي، لا يعد فحسب من أهم الكتب العربية في حقل الدراسات الهايدغرية، وإنما من أهم الكتب العالمية، نظراً إلى شمولية مراجعه ومصادره، وصرامة منهجه العلمي ورحابة فضائه الثقافي وعمق تحليله. ولعله من الكتب الأشد راهنية وحداثة في حقل الدراسات الفلسفية الهايدغرية، جراء انفتاحه على المقاربات الجديدة التي تدور حول الفيلسوف الألماني الذي ما برح يشغل المعترك الفلسفي العالمي. المزيد عن: هايدغرفيلسوف ألمانيفلسفةاللغةالدينالقارئ العربيمصادرالإنسانالوجود 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تجارب إيرانيات في سجون النظام: الموت أخف العذابات 2 next post من هو بوزيان القلعي… روبن هود الجزائر الذي أعدمته فرنسا؟ You may also like أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024