الإثنين, فبراير 10, 2025
الإثنين, فبراير 10, 2025
Home » عبده وازن يكتب عن: “المساحات هشة” خريطة عاطفية لفلسطين بالفرنسية

عبده وازن يكتب عن: “المساحات هشة” خريطة عاطفية لفلسطين بالفرنسية

by admin

 

ستيفاني دوجول زارت المدن والقرى ودونت يوميات الحرب والحياة وسحر الطبيعة

اندبندنت عربية / عبده وازن

يبدو كتاب “المساحات هشة” للكاتبة والمترجمة الفرنسية ستفاني دو جول (دار أكت سود 2024) أشبه بخريطة عاطفية لفلسطين أو لمدن وقرى فلسطينية، فالنصوص التي تأخذ شكل اليوميات أو المذكرات، تشي بحب عميق لفلسطين، أرضاً وناساً وقضية. وتحمل كلمة الأرض هنا معاني عدة، منها معنى الأرض المحتلة التي يعاني أهلها ألواناً من الاضطهاد والعذاب والقلق اليومي، مواجهين قسوة العسكر الإسرائيلي وآلاتهم، سواء في الحرب أم في السلم، ومنها أيضاً معنى الطبيعة الفلسطينية الثرية والجميلة بل الساحرة، بحسب ما توحي به نصوص الكتاب. هذه الطبيعة التي كان محمود درويش يستوحيها ويكتب عنها أجمل الشعر، ويتألم كثيراً عندما يقرأ قصائد لشعراء إسرائيليين بالعبرية، يتغنون بها وكأنها طبيعتهم.

تحافظ هذه “الخريطة” الأدبية والمشهدية على عاطفيتها، رغم الجروح المثخنة التي تعتريها، وهي جروح رمزية وحسية أو واقعية، محفورة على أجساد القتلى والجرحى، كما على جدران المكان الذي تمثله البيوت والأحياء والمدارس والمستشفيات، ثم الحدائق والغابات والأشجار والبحر.

كتاب “المساحات هشة” (دار أكت سود)

شاءت الكاتبة أن تؤرخ نصوصها أو يومياتها يوماً وشهراً ومدناً وحواجز ومعارك واجتياحات، ولكن ليس وفق خط كرونولوجي. التواريخ تتقدم وتتأخر، بين أعوام تشكل الفسحة الزمنية والمكانية للنصوص، وتحديداً بين 2001 و2002 و2004، عطفاً على أعوام أخرى تستعيدها الكاتبة ومنها 1998 و2019. هذا التعدد الزمني يعود إلى زيارات الكاتبة وإقاماتها المتقطعة، هي التي كانت تعمل مترجمة فورية في منظمات إنسانية وطبية، مما أتاح لها أن تكون على مقربة من الجرحى والمرضى، الفتيان والكبار، والمواطنين العاديين الذين تصادقهم، وكذلك في تجوال على المدن والقرى ومنها: نابلس، بيرزيت، القدس، جنوب الضفة الغربية، رام الله…

يوميات فلسطينية

تتحدث الكاتبة في سياق النص عن طبيبة نفسانية شابة جاءت إلى فلسطين ملتحقة بفريق الخدمة الإنسانية، لكن اجتياح نابلس صادفها في أبريل (نيسان) 2002، فكانت شاهداً حياً على قسوة الحرب وعلى النهج التدميري والتهجيري الذي تعتمده إسرائيل، هذا النهج الذي يتكرر زمناً تلو آخر وفي مدن عدة، وقد بلغ في غزة أخيراً أقسى وأقصى وحشيته. تسعى هذه الطبيبة إلى كتابة يومياتها وتسجيل لقاءاتها مع الجرحى والأهل، عبر نصوص تصفها الكاتبة دوغول بالحية والواضحة. تتصل بها صحيفة فرنسية طالبة منها هذه النصوص بغية نشرها في ملف داخل العدد، لكنها عندما تتطلع عليها تطلب منها التثبت من أسماء الأحياء والمتحدرات وأعمار الفتيان… ولما أنجزت هذا الأمر جاءها جواب الصحيفة أن وقتها فات ولم تبقَ راهنة.

تدون دوجول في هذا الكتاب المآسي اليومية، الصغيرة والفادحة التي يعيشها الفلسطينيون، بروح شعرية عالية ولغة متينة ورقيقة في آن واحد، وعين تبصر وتسجل مثل عدسة كاميرا. لكن النصوص لا تخلو من بعض التوثيق الذي يعد شهادة حقيقية وحية عن أحوال البلاد وناسها.

الكاتبة الفرنسية ستيفاني دوجول (دار أكت سود)

تواجه الكاتبة ظروف اجتياح نابلس عام 2002، وتقف أمام تسميته “الاجتياح” وكأنه الوحيد، بينما تبرز أسماء أخرى مثل غارة واقتحام وعملية عسكرية، وكلها تتشابه في عنفها وتدميرها وإجرامها. تتابع الكاتبة مجريات الاجتياح وأجواءه القاتمة والمتحركة: سيارات إسعاف، قتلى، جرحى، مستشفيات تغص بالبشر. في نابلس يُمنع الجنود الفلسطينيون من دفن موتاهم في المقابر، فبعضهم يدفنونهم في الحدائق القديمة، وبعضهم قرب مستشفى الرافدية. وفي أحد مشاهد الدفن، دفن شقيقتين، تكتب دوغول “صورة الكفنين الأبيضين لا تتوارى. إنني أراهما ينزلان ببطء في حفرة الأرض، هنا، ذات مساء، بلا ضوضاء. ثم تنزل أكفان أخرى. كل كفن في حفرة. أرى أيضاً الرجل الذي أصبح حفار قبور للفور. ذراعان جامدتان، على طول الجسد، بعدما ينتهي الأمر”. في أحد مقاطع الكتاب تكتفي دوغول باختصار مشهد أحد المستشفيات عبر نوع من القاموس الطبي، القائم على مفردات تنتمي إلى عالم مستشفى الحرب، وهذه طريقة تعبيرية مبتكرة، ومنها: سيقان ممدة، ضمادات شاش، مسامير، بكرات، دم، جروح تنظف، ضمادات تبدل، دموع بعض الناس… هذه الطريقة القاموسية نفسها تعتمدها أيضاً لرسم خريطة للطبيعة الفلسطينية وعناصرها ومواصفاتها، من خلال صفات تخصها.

في فصل مؤرخ مايو (أيار)- يونيو (حزيران) 2002 تصف انسحاب الجيش الإسرائيلي من نابلس، واصفة المدينة في لحظات يقظتها، في حال من الذهول والترنح، وتقول “بعد شهر من الصمت يحدث صدى أول نداء إلى الصلاة، رعشة في القلب. في المكتب، الزملاء الذين التقوا مجدداً، يبدون منهكين. يخبرون كيف أنهم لم يتعرفوا إلى الحي الذي يقطنونه، وأنهم نسوا الطريق إلى الدكان”.

الفتى الضرير

وفي مقطع مؤثر تروي دوجول حال الفتى أ. ابن العاشرة الذي أصيب خلال الاجتياح تحت وابل القذائف وفقد بصره. تلتقيه في منزله العائلي، وهو بناء عال من حجر مثل أبنية المدينة القديمة. يتحدث الفتى بصوت جلي، ظهره منتصب، ويشغل حديثه أمران ملحان، يتمثل الأول في قضاء أو فرار معظم حيواناته الصغيرة من عصافير وبط وأرانب كان يرعاها في باحة البيت، تحت القصف. ولكن نجت بطتان أو ثلاث صغيرات وأرنب. أما الأمر الثاني الذي يشغله فهو البستان. فخلال الاجتياح أبصر الجيران يدفنون موتاهم بالسر، يحفرون الأرض، ثم يضعونهم في الحفرة، ويهيلون التراب عليهم ويغطون الحفرة بالأغصان. كان هذا قبل أن يصاب. تقول دوغول، “الآن، يعيش الفتى مع هذه الصور، الصور الأخيرة التي انحفرت في روحه”.

الطبيعة الفلسطينية التي سحرت الكاتبة دوجول (صفحة فلسطين – فيسبوك)

في عوداتها إلى الوراء عبر ما يسمى الـ”فلاش باك”، تستعيد مشاهد عدة، منها مشهد في القدس الغربية، شارع يافا، صيف 1998. ترى جنديتين إسرائيليتين غاضبتين تصرخان، لكنها لم تفهم من كلامهما إلا الشتائم التي تطلقانها بالعربية. وفي مشهد آخر تبصر صفوف العمال الفلسطينيين الذين يشتغلون في إسرائيل، تتدلى من أصابع أيديهم أكياس بلاستيك. وفي مشهد يعود إلى أعوام الـ2000، في المخرج الجنوبي لرام الله تشاهد عربات وحماراً وبغلاً وحصاناً، وتتوقف أمام الحواجز وأقفاصها الإلكترونية، التي تسميها أقفاص العار. تقول دوجول “أتذكر، أتذكر…”، وما أكثر ما تتذكر، لا سيما جنازة ياسر عرفات “ذات صباح من نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد 10 أيام من الإشاعات وعدم اليقين، يعلن موت عرفات. ثم فجأة، تنقلب البلاد رأساً على عقب”. وفي أحد المقاطع تكتب مثلاً من طريق تؤدي إلى رام الله “إنها طريق طويلة، عريضة، تكاد تكون مستقيمة تماماً. درب نادرة في أرض التلال هذه. بين ناحية وأخرى، تمتد فسحة خضراء مشرقة. في الغرب يخامرنا شعور أن الفسحة تسقط في الفراغ”.

في إحدى عوداتها إلى فلسطين وتحديداً نابلس بعد 10 أعوام غياباً، تلتقي الفتى ه. أول الجرحى في اجتياح 2002 وقد أصبح شاباً. تلتقي أيضاً مزارعاً متقدماً في العمر هو أبو ب. فيتصادقان، ويروي لها قصة خرافية جميلة ورثها من أبيها، عن شجرة التين والثعلب. يقومان بنزهة “استكشافية” يكون فيها هو الدليل، بين الحقول وبساتين التين والمتحدرات الصخرية والتلال، ومن هناك يريان البحر في منظر بهي. ويصادفان علامات أثرية على الطريق، ومناظر ساحرة. ويحكي لها عن فلسطين القرن الـ19 وعن المستكشفين الذين كانوا يؤمونها من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأميركا، بحثاً عن كنوز الطبيعة. تكتب دوغول في هذا القبيل “نترك أخيراً منطقة الآثار لنصل إلى درب من صخر طبشوري، شديد البياض. فجأة يبدو الضوء مختلفاً. في الغرب، تظهر، بمحاذاة الهضاب، هالة رهيبة من ضباب فوسفوري، موشاة باللونين، الأمغر والوردي، موسعة قرص الشمس عبر إبعاد تخوم الأفق. وحيدين حيال هذه الرحابة، يخيل إلينا أن هذا النور الجلي ينبثق من الخواء الأصلي”. وتبوح الكاتبة في ختام الكتاب برغبة أو “فانتسام” يسكنها وهو أن تدفن بعد رحيلها في هذه الطبيعة التي تفتنها. كأنها تبغي أن تختلط روحها بجمال المناظر السحارة التي تتفرد بها الطبيعة هناك.

لئن كان كتاب “المساحات هشة” صغيراً في حجمه فهو رحب في سردياته اليومية ومشهدياته الإنسانية الأليمة، وفي وقائعه التي ينقلها بجرأة وواقعية، وفي وصفه معالم فلسطين وطبيعتها، بروح شعرية عالية. في أحد المقاطع تكتب دوجول من طريق تؤدي إلى رام الله “إنها طريق طويلة، عريضة، تكاد تكون مستقيمة تماماً. درب نادرة في أرض التلال هذه. بين ناحية وأخرى، تمتد فسحة خضراء مشرقة. في الغرب يخامرنا شعور أن الفسحة تسقط في الفراغ”.

المزيد عن: فلسطينيومياتالقدسرام اللهالحربالطبيعةنص فرنسيالقرىالجنودالسردالتوثيق

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili