الأربعاء, نوفمبر 27, 2024
الأربعاء, نوفمبر 27, 2024
Home » عبدالعزيز سعود البابطين شاعراً جمع بين الكلاسيكية والرومنطيقية

عبدالعزيز سعود البابطين شاعراً جمع بين الكلاسيكية والرومنطيقية

by admin

 

كرس حياته وثروته في خدمة الشعر العربي القديم والنهضوي إيماناً منه بالدور الحيوي الكبير لفن العربية الأول

اندبندنت عربية / محمد السيد إسماعيل

لم يكن عبدالعزيز سعود البابطين مجرد رجل أعمال واسع الثراء توزع نشاطه التجاري والصناعي في أوروبا وأميركا والصين والشرق الأوسط، لكنه وهذا هو الأهم والأبقى، كرس حياته وثروته في خدمة الشعر العربي، إيماناً منه بالدور الحيوي الكبير لفن العربية الأول، ومن ثم كان لا بد لهذا الشاعر الذي يعتز بعروبته من أن يحقق حلمه بإنشاء مؤسسة ثقافية تنهض بخدمة الثقافة العربية، عبر أنشطة ترعاها ومراكز منبثقة منها تمنح جوائز سخية تكريماً لمبدعين من هنا وهناك، وتصل اليوم بالأمس عبر معجم للشعراء، وتنقل إلى العربية كتباً في معارف تواكب تطورات العصر.

وهكذا فإن ذلك الاعتزاز بالعروبة لم يؤد إلى الانغلاق عليها، بل هو انحياز منفتح على الثقافات الأخرى عبر مركز للترجمة، وآخر لحوار الحضارات لا صراعها الذي قال به هنتنغتون. ومن هنا يمكن القول إن البابطين جمع بين الأصالة والمعاصرة، فإضافة إلى مركزي الترجمة وحوار الحضارات، أنشأ مركزاً لتحقيق المخطوطات الشعرية وجائزة للشعر المعاصر إبداعاً ونقداً.

وفي خلفية ذلك كله يأتي عبدالعزيز البابطين الذي أصدر ثلاثة دواوين هي “بوح البوادي” (1995)، و”مسافر في القفار” (2004)، و”أغنيات الفيافي” (2017)، وهي عناوين تحمل دلالة واضحة على طبيعة المكان الذي يسعى الشاعر إلى استلهامه، مستعيداً صورة الشاعر القديم الذي عاش حياته بين الفيافي والقفار والبوادي، وربما يكون هذا أول ملامح أصالة البابطين.

السيرة والإنجازات (مؤسسة البابطين)

 

يقول مصوراً علاقته بشعره أنه “هبة من رب العالمين لا دخل لي فيها ولدت معي، وربما أسهمت أنا في تحفيزها وتنميتها، فالمتأصل داخلي هو الشعر، وهو الشعر العمودي الذي تفخر به الأمة، لأنه أحد موروثاتها الأساس منذ مئات السنين، عرفه العرب قبل الإسلام واستمر الشعراء بنظمه والتغني به إلى يومنا هذا”.

فالشعر عنده إذاً موهبة فطرية لا أثر للافتعال فيها، بل تحتاج فقط إلى التحفيز والتنمية بالقراءة والثقافة، كما يتضح من كلامه السابق انحيازه الجمالي إلى الشعر العمودي، وهذا حقه بطبيعة الحال، فالشعر يسع كل التيارات والأنواع التي ينبغي أن تتجاور وتتفاعل في ما بينها، ولدينا شعراء عموديون كبار من أمثال الجواهري العراقي والبردوني اليمني وغيرهما.

معجم رومانسي 

وعلى رغم تمسك البابطين بالشعر العمودي فإن ذلك لم يؤد به إلى لغة “حوشية” أو “مهجورة”، بل جاءت لغته رقيقة سلسة وأقرب إلى المعجم الرومانسي، بخاصة أن شعر الحب العفيف كان موضوعاً أساساً عنده وشكل غالبية أشعاره، ورقة اللغة هذه وموسيقيتها اللافتة هي التي أتاحت تلحينها والتغني بها، وهذا ما نجده  مثلاً في قصائد “رحيل” و”لم أنس” و”لن أسلاكم” التي تغنت بها المطربة ولاء الجندي.

يقول في قصيدة “رحيل”: “تقول بحسرة فاقت هديلا/شجياً يوجع الحزن المريرا/ أباق عندنا حيناً لنهنا/أم أنك راحل عنا شهورا/حياتي بعدكم أمست حبيبي/بلا طعم ولا معنى يسيرا/فقلت لها وفي نفسي وقلبي/بلاء زادني وهناً ظهيرا”.

وبتأمل الدوال اللغوية المتتابعة نلاحظ بسهولة انتماءها إلى المعجم الرومانسي من قبيل “الهديل” و”الشجى” و”الحزن” و”الوهن” و”النفس” و”القلب”، كما نلاحظ توظيف الشاعر للحوار الذي يبدأ بصوت المحبوبة “تقول بحسرة…”، وتنتهي بقول الشاعر المحب “فقلت لها وفي نفسي وقلبي…”، وتظهر المزاوجة كذلك بين الأسلوب الإنشائي الاستفهامي “أباق عندنا حيناً…”، والخبري “حياتي بعدكم أمست حبيبي…”.

أما قصيدة “لم أنسَ” فيغلب عليها الأسلوب الإنشائي الذي ينتظم أبياتها كلها باستثناء البيت الأخير،  إذ يقول بادئاً بصوت المحبوبة أيضاً: “تقول شوقاً: فهل لازلتَ تذكرنا/ أم هل نسيتَ تناجينا وذكرانا/ وهل أبادت سنون البعد حبكم /وأطفئت شمعة في درب مسرانا وبات قلبك من قلبي بمظلمة/أم قد تجمد إحساس فتنسانا/أجبتُ: لا والذي يرعى محبتنا/لم أنس يوماً تناجينا ولقيانا”.

إيقاع واضح

واللافت حقاً هو البدء كثيراً بصوت المحبوبة التي تظهر لواعجها وأشواقها، وعلى رغم أن ذلك غير شائع في الشعر العربي، فإننا لانعدم وجوده عند عمر بن أبي ربيعة الذي يقول في قصيدة “وهل يخفى القمر”: /”قالت الكبرى أتعرفن الفتى/قالت الوسطى نعم هذا عمر/قالت الصغرى وقد تيمتُهاقد عرفناه وهل يخفى القمر”.

وكذلك في شعر القليلين غيره مثل مهيار الديلمي في قوله: “أعجبتْ بي بين نادي قومها/أم سعد فمضت تسأل بي/سرها ما علمت من خلقي/فأرادت علمها ما حسبي”.

غير أن الشاعر عبدالعزيز البابطين يخرج عن هذا ويبدأ متغزلاً محباً حتى وإن سلا المحبوب، وذلك في قصيدته “لن أسلاكم” التي يقول فيها:/”والله لن أنساكم حتى وإن سلوتم/أو أنكم نسيتم عهداً لنا قطعتم/أو الزمان قد طغى علي أو عليكم/أو الليالي غيبت أحلامنا لينعموا/عوازل وحسد وواله متيم/وخالي البال ومن بالحب بات يحلم/ فإن عهدي لم يزل على الوداد قيم/على السنين والمدى مجدد لا يهرم”.

والقصيدة مكتوبة على مجزوء الرجز الذي يتكون من تفعيلتين في كل شطر “مستفعلن مستفعلن” أو “متفعلن متفعلن”، وهو ما حقق إيقاعاً واضحاً. وتقوم القصيدة على تناقضات المواقف بين الشاعر ومحبوبته، وقد ظهر ذلك لغوياً في التضاد بين “لن أنساكم” و”إن سلوتم” و”نسيتم” و”قطعتم”، وبناء الصورة الاستعارية وبخاصة الاستعارة المكنية في قوله “أو الزمان قد طغى علي أو عليكم”، وقوله “أو الليالي غيبت أحلامنا لينعموا” على نحو ما يظهر في تشخيص الزمان والليالي.

التشخيص الاستعاري

والحق أن ظاهرة التشخيص الاستعاري أو ما يسمى بـ “الأنسنة” يظهر في عنواني ديوانيه “بوح البوادي” و”أغنيات الفيافي”، وفي ذلك دالة على مفهومه للشعر الذي هو عنده نوع من البوح الذاتي، بوصفه معبراً عن نزعته الرومانسية التي هي في النهاية إفضاء بمكنون الذات ومشاعرها، ولا تبعد دلالة الأغنيات عن هذا، فغالب الشعر العربي على مدى عصوره شعر غنائي فردي، مصداقاً لقول حسان بن ثابت: “تغن في كل شعر أنت قائله/إن الغناء لهذا الشعر مضمار”.

وهو ما يؤكد أصالة سعود البابطين وإحياءه خصوصيات تراثه الشعري، ومن المهم أن نشير إلى رؤيته للفيافي بوصفها مساحة روحانية تمتاز بالبكارة والطبيعة الخالية من تدخلات الإنسان، وهذا سر تعلقه بها. أما ثيمة السفر الواردة في عنوان ديوان “مسافر في الفيافي” فترجع لشغف الشاعر بالسفر، بخاصة إلى المدن ذات الجذور العربية مثل تلك التي في الأندلس، علاوة على أن السفر يرتبط عنده بالحكمة والتجارب الخصبة واكتساب الخبرات منذ الأزل، مما يعني ارتباط شعره بحياته الواقعية وتعبيره عن تجاربه المختلفة، وفي إحدى قصائده التي تحمل عنوان “ولَه” تظهر ثيمة مخاطبة “الحمائم” بوصفها معادلاً موضوعياً للذات، وهي في الحقيقة ثيمة تراثية تكررت كثيراً في شعر الحنين والاغتراب إذ يقول في هذه القصيدة: “يا من يحن القلب له/الروح عذبها الوله/والشوق ذوب مهجتي/والوجد صبر علله/نوح الحمام بعشه/وهديله ما أجمله/يحكي معاناة الهوى/في أضلعي من أدخله”

والقصيدة على بحر الرجز أيضاً كما لاحظنا في قصيدة سابقة، لكن هذا لا يعني أن سعود البابطين قد كتب في معظم البحور الشعرية الصافية والمركبة.

الحب العفيف

وإذا كان موضوع الحب العفيف أساساً في شعر البابطين فإنه بداهة لم يقتصر عليها حين نراه يتغنى بالشمائل الحميدة، مثل العطاء والفكر المستنير في قصيدة “الإبداع الخالد”، وهي منقوشة على جدران جامعة أكسفورد: “خلد سجلك فالبقاء قليل//إن الزمان بعمره لطويل/واسكب عطاءك للجميع فإنه/يبقى العطاء وغيره سيزول/واعلم بأن الفرد يفقد قدره/إن عاش بين الناس وهو بخيل/أبدعت فكراً نيراً يا جهبذاً/وبذلت جهداً عالياً سيزول”.

وبداية فإن هذه الأبيات تذكرنا بقول أبي تمام:”ولولا خلال سنها الشعر ما درى/ بناة العلا من أين تؤتى المكارم”. وقول أمير الشعراء أحمد شوقي: “دقات قلب المرء قائلة له/إن الحياة دقائق وثواني/ فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها/ فالذكر للإنسان عمر ثاني”.

ولا شك في أن الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين هو سليل هذه الشعرية الأصيلة الممتدة عبر العصور وصولاً إلى قصيدة الإحياء في العصر الحديث.

المزيد عن: الشعر الكلاسيكيالرومانطيقيةاللغة العربيةالوزنالتفاعيلأحمد شوقيمؤسسة شعرية

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00