كتاب للشاعر عادل محمود (دار التكوين) ثقافة و فنونعربي عادل محمود صانع الأحلام يرحل مشبعا بالخيبة by admin 9 نوفمبر، 2022 written by admin 9 نوفمبر، 2022 148 شاعر الاعتراض وروائي وكاتب سيناريو واجه خطاب السلطة السورية بجرأة اندبندنت عربيى \ سامر محمد إسماعيل أنهى عادل محمود (1946 – 2022) أمس غيبوبته التي كان قد دخلها قبل أشهر طويلة بعدما خضع لعمل جراحي معقد في الدماغ. رحل الشاعر عن 67 سنة وامتلأت صفحات “فيسبوك” لعدد من أصدقائه، شعراء ومثقفين وفنانين، بنصوص رثائية ودعوا بها الشاعر والروائي السوري الذي كان لمع نجمه كصحافي وكاتب زاوية رأي في المجلة الثقافية “الطليعة” خلال النصف الثاني من القرن الـ 20، حين كان لهذه المجلة حضورها في الوسط الثقافي السوري نظراً إلى الأسماء التي كتبت فيها، فكانت تضم في أسرة تحريرها زكريا تامر ونذير نبعة وصفوح الأخرس وخلدون الشمعة وبدرالدين عرودكه وعلي الجندي وممدوح عدوان. كان عادل محمود يعتقد أن “الكتابة هي محاولة لإنجاز النقصان”، وأن القصيدة يجب أن يكون لها ظلال توحي بغموض ولو نسبي يزيد جماليتها ورنينها ووقعها في نفس المتلقي. كتاب للشاعر عادل محمود (دار التكوين) ينتمي محمود بقوة إلى جيل شعراء السبعينيات الذي شكل منعطفاً في الذائقة السورية التي ابتعدت من شعراء القضايا الكبرى والقصيدة الخطابية التي تلهب قلوب الجماهير مفضلة القصيدة الخافتة، بديلاً عن قصائد التعبئة السياسية والحربية، ولهذا جاءت أشعار محمود مع رفاق دربه مثل نزيه أبو عفش وبندر عبد الحميد ومنذر مصري ورياض الصالح الحسين بمثابة “جرأة على الشّعر، لكون هذا الجيل كان يطمح دوماً الى جعل الشعر أبسط من فكرة الناس عنه”، كما يقول الناقد محمد جمال باروت في كتابه “الشعر يكتب اسمه”. إخفاق الشعارات خاض صاحب “انتبه إلى ربما” (2006) حواراً جريئاً مع السلطة في أواخر السبعينيات من القرن الفائت على خلفية أحداث الإخوان المسلمين، وأوضح آراءه بحدة في طريقة إدارة حكم البلاد من قبل حزب البعث، وعن تلك الفترة قال “كل الأهداف التي أعلنت كثوابت للبعث (الوحدة والحرية والاشتراكية) لم يتحق منها شيء، فبدلاً من الوحدة تمزق النسيج الاجتماعي السوري، أما الاشتراكية فكانت تعميماً للفقر وتركيزاً للمال بيد لصوص المرحلة وطبقة الثراء والفساد، أما الحرية فتعني السجن والاعتقال وكم الأفواه. الحرية كانت أيضاً تعني تحرير الأراضي السورية المحتلة، لكن ماذا حدث؟ أراض إضافية ذهبت بعد هزيمة 1967، وبدلاً من أن نسترد لواء إسكندرونة من الأتراك خسرنا الجولان، وعوضاً عن تحسين الحياة المعيشية للسوريين كانت النتيجة إفقارهم”. وأدت هذه الآراء إلى منع عادل محمود من الكتابة في الصحف السورية مع كل من رفاق جيله ميشال كيلو وممدوح عدوان وسهيل إبراهيم، مما جعله يطلق على نفسه وعلى رفاقه لقب معترضين لا معارضين، وهم مجموعة من المثقفين والفنانين والحقوقيين الذين عارضوا ثنائية الفساد والاستبداد، وانتقدوا قانون الطوارئ والأحكام العرفية بدلاً من دولة العدل والقانون. كتاب آخر (دار التكوين) ولد عادل محمود في قرية عين البوم بين جبال صلنفة (17 كيلومتراً شمال مدينة اللاذقية) لأسرة تعمل في الزراعة، فعاش منذ طفولته صديقاً للطبيعة التي شكل جريان أنهارها في الأودية وحياتها القاسية بين الجبال ملهماً أبدياً له، فرافقت سيرة النهر أشعاره، مثلها مثل أحداق الذئاب التي كانت تضيء تخوم قريته في ليالي البرد والجوع الشتوية. انتقل بعدها صاحب “ضفتاه من حجر” (1981) لدرس المرحلة الثانوية في مدينة اللاذقية، وليكمل عام 1965 دراسته للأدب العربي في دمشق، وهناك نشر محمود أول قصة قصيرة له في مجلة الجامعة فكانت بمثابة ملامسات أولى للكتابة، وتمهيداً لعمله الباكر في الصحافة الثقافية، فحتى بعد تخرجه من كلية الآداب الدمشقية عام 1972 أمضى محمود خدمته الإلزامية في مجلة “جيش الشعب” ومراسلاً حربياً على الجبهة في حرب عام 1973. رمية نرد كتابه الأول “قمصان زرق للجثث الفاخرة” جاء عام 1979 بمثابة رمية نرد في عالم الكتابة الشعرية السورية، أما الثاني فلم يتأخر وجاء عام 1982 بعنوان “مسودات عن العالم”، وفيه نلاحظ قدرة الشاعر على إبداع نص بعيد من الصراخ الأيديولوجي، لكن الشاعر ما لبث أن صمت لسنوات طويلة في رحلة 10 سنوات، بدأت عام 1983 إلى قبرص ليعمل هناك في مجلة “البلاد” التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وليسافر بعدها إلى يوغسلافيا السابقة، ومن ثم إلى تونس إذ قضى هناك أربع سنوات كمدير تحرير لمجلة “لوتس”. يعود الشاعرمن ثم إلى دمشق عام 1994 ليعمل كمشرف على قراءة النصوص في شركة إنتاج سينمائي، مصدراً عام 2000 كتابه الشعري “استعارة مكان” ويتبعه بكتابه “حزن معصوم عن الخطأ” (2003)، مستأنفاً الكتابة كحفيف لغوي خرج نهائياً من هدير المنابر التي سكتت دفعة واحدة بعد الخيبات الكبرى، فبعد أن كانت قصيدة الستينيات تجد أن توظيف الكلمة على أنها رصاصة، وأن القصيدة أداة تغيير، وأن الشعر يجب أن يهز الجماهير ويؤدي دوره في عملية التعبئة الوطنية ضد العدو، تبين لجيل عادل محمود أن كل هذه التعبئة الشعرية أوصلت الناس إلى نوع من الهزائم الكبرى والتي لم تقتصر فقط على خسائر الميدان، بل كانت بمجملها هزائم معنوية. أدرك عادل أن الشعر الذي ألقي على المنابر لقرابة 40 عاماً كانت نتيجته مجتمعات هشة ومتخلفة، وفي الوقت نفسه خدم هذا الشعر التعبوي سلطات لطالما حرصت على إيجاد شعراء يلمعون لها سمعتها. حاز الشاعر السوري على الجائزة الأولى من مجلة دبي الثقافية عام 2007 عن روايته الأولى “إلى الأبد ويوم”، وهي النص الذي عاد فيه لقراءة حقبة الثمانينيات في سورية، دامجاً بقوة بين سيرته الذاتية ومصائر لرجال ونساء وبلاد غيرها الدم مثلما غيرتها الخديعة، ثم أصدر روايته الثانية “شكر للندم” (2016) متناولاً الحقبة ذاتها. الليل إنسان ديوان للشاعر (دار التكوين) “الليل أفضل أنواع الإنسان” كان الكتاب الذي عاد فيه محمود لقصيدته والتي يقول عنها بأنها نوع من “سقاية السراب”.حزن وتشاؤم عكسته رؤيته عن بلاد شهدت كارثة وطنية كبرى، وخصوصاً في هذا الانقسام الذي طاول المجتمع السوري وأصاب المثقفين بين معارضة وموالاة أو بين صامتين وأبرياء، وهذا ما أوضحه محمود في روايته “قطعة جحيم لهذه الجنة” (2019) والتي خاض عبرها في حقل واسع من الالتباسات ذات الطبيعة الجنائية. التباسات مجرمة والتباسات من النوع المكلف، وعملية تزوير أدوار أدت إلى وضع أشخاص في واجهة الأحداث، وهم في الأصل لم يكن لهم أي وزن أو تسمية قبل الحرب، سواء من قادة ألوية وكتائب وقادة رأي وإعلام، أو حتى قادة مصائر وتجريب وسائط، وقادة تنجيم لسيرة الخراب. سراب البراءة في كتاب (دار التكوين) حاز محمود قبل يومين من رحيله جائزة أفضل سيناريو في مهرجان قرطاج السينمائي عن فيلم “الطريق” بالشراكة مع مخرجه عبد اللطيف عبد الحميد، ويعمل الآن الأديب يعرب العيسى على تحرير كتاب عن عادل محمود هو أقرب إلى السيرة الذاتية بعنوان “بائع النسيان”، وفيه مجموعة من آرائه وأفكاره ومذكراته في كل من دمشق واللاذقية وتونس وقبرص، ومنه نقتطع هذا النص. “لا أكتب سيرة زمني فهذه تحتاج إلى فصاحة آلامنا جميعاً، أطفالاً ويافعين، أحياء وموتى، ولا أكتب لأدين زمني. إنني أشير عبر حياة مأهولة بالحروب وبالرزايا، أشير إلى النقصان بوصفه أحد أمراض المسعى الإنساني إلى الكمال. أنا افتراضاً بائع نسيان متجول، وليس لي ماض فادح لأندم عليه، وليس لي حاضر أتنعم فيه، وليس لدي يقين الباعة المتجولين، بأن بضاعة النسيان تملك جياد مستقبل ترمح في الضوء مخلفة وراءها غبار البطولات، أنا أفرد بضاعتي على رصيف مرت وتمر عليه آلاف الأقدام التي من دون أن تدري تدهس نايات من قصب الوداعات، فيما تذرو الريح بقايا ريش الذكريات. ذاكرة فرح لم يزل أفراده القليلون يرشون عطراً على رقابهم ويذهبون إلى أعراس الآخرين، ذاكرة أشخاص وخذلان ومواقف وقضايا. ذاكرة أصدقاء عاشوا وحلموا وارتحلوا وانتبهوا، ثم ماتوا”. المزيد عن:شاعر سوري\دمشق\الجيل المعترض\نزيه أبو عفش\روائي\كاتب سيناريو\قصيدة النثر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ملالي إيران يلقون حبل نجاة إلى بايدن next post الحب يواجه الإضطراب النفسي في رواية إنريكو جالاينو You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024
أنهى عادل محمود (1946 – 2022) أمس غيبوبته التي كان قد دخلها قبل أشهر طويلة بعدما خضع لعمل جراحي معقد في الدماغ. رحل الشاعر عن 67 سنة وامتلأت صفحات “فيسبوك” لعدد من أصدقائه، شعراء ومثقفين وفنانين، بنصوص رثائية ودعوا بها الشاعر والروائي السوري الذي كان لمع نجمه كصحافي وكاتب زاوية رأي في المجلة الثقافية “الطليعة” خلال النصف الثاني من القرن الـ 20، حين كان لهذه المجلة حضورها في الوسط الثقافي السوري نظراً إلى الأسماء التي كتبت فيها، فكانت تضم في أسرة تحريرها زكريا تامر ونذير نبعة وصفوح الأخرس وخلدون الشمعة وبدرالدين عرودكه وعلي الجندي وممدوح عدوان. كان عادل محمود يعتقد أن “الكتابة هي محاولة لإنجاز النقصان”، وأن القصيدة يجب أن يكون لها ظلال توحي بغموض ولو نسبي يزيد جماليتها ورنينها ووقعها في نفس المتلقي. كتاب للشاعر عادل محمود (دار التكوين) ينتمي محمود بقوة إلى جيل شعراء السبعينيات الذي شكل منعطفاً في الذائقة السورية التي ابتعدت من شعراء القضايا الكبرى والقصيدة الخطابية التي تلهب قلوب الجماهير مفضلة القصيدة الخافتة، بديلاً عن قصائد التعبئة السياسية والحربية، ولهذا جاءت أشعار محمود مع رفاق دربه مثل نزيه أبو عفش وبندر عبد الحميد ومنذر مصري ورياض الصالح الحسين بمثابة “جرأة على الشّعر، لكون هذا الجيل كان يطمح دوماً الى جعل الشعر أبسط من فكرة الناس عنه”، كما يقول الناقد محمد جمال باروت في كتابه “الشعر يكتب اسمه”. إخفاق الشعارات خاض صاحب “انتبه إلى ربما” (2006) حواراً جريئاً مع السلطة في أواخر السبعينيات من القرن الفائت على خلفية أحداث الإخوان المسلمين، وأوضح آراءه بحدة في طريقة إدارة حكم البلاد من قبل حزب البعث، وعن تلك الفترة قال “كل الأهداف التي أعلنت كثوابت للبعث (الوحدة والحرية والاشتراكية) لم يتحق منها شيء، فبدلاً من الوحدة تمزق النسيج الاجتماعي السوري، أما الاشتراكية فكانت تعميماً للفقر وتركيزاً للمال بيد لصوص المرحلة وطبقة الثراء والفساد، أما الحرية فتعني السجن والاعتقال وكم الأفواه. الحرية كانت أيضاً تعني تحرير الأراضي السورية المحتلة، لكن ماذا حدث؟ أراض إضافية ذهبت بعد هزيمة 1967، وبدلاً من أن نسترد لواء إسكندرونة من الأتراك خسرنا الجولان، وعوضاً عن تحسين الحياة المعيشية للسوريين كانت النتيجة إفقارهم”. وأدت هذه الآراء إلى منع عادل محمود من الكتابة في الصحف السورية مع كل من رفاق جيله ميشال كيلو وممدوح عدوان وسهيل إبراهيم، مما جعله يطلق على نفسه وعلى رفاقه لقب معترضين لا معارضين، وهم مجموعة من المثقفين والفنانين والحقوقيين الذين عارضوا ثنائية الفساد والاستبداد، وانتقدوا قانون الطوارئ والأحكام العرفية بدلاً من دولة العدل والقانون. كتاب آخر (دار التكوين) ولد عادل محمود في قرية عين البوم بين جبال صلنفة (17 كيلومتراً شمال مدينة اللاذقية) لأسرة تعمل في الزراعة، فعاش منذ طفولته صديقاً للطبيعة التي شكل جريان أنهارها في الأودية وحياتها القاسية بين الجبال ملهماً أبدياً له، فرافقت سيرة النهر أشعاره، مثلها مثل أحداق الذئاب التي كانت تضيء تخوم قريته في ليالي البرد والجوع الشتوية. انتقل بعدها صاحب “ضفتاه من حجر” (1981) لدرس المرحلة الثانوية في مدينة اللاذقية، وليكمل عام 1965 دراسته للأدب العربي في دمشق، وهناك نشر محمود أول قصة قصيرة له في مجلة الجامعة فكانت بمثابة ملامسات أولى للكتابة، وتمهيداً لعمله الباكر في الصحافة الثقافية، فحتى بعد تخرجه من كلية الآداب الدمشقية عام 1972 أمضى محمود خدمته الإلزامية في مجلة “جيش الشعب” ومراسلاً حربياً على الجبهة في حرب عام 1973. رمية نرد كتابه الأول “قمصان زرق للجثث الفاخرة” جاء عام 1979 بمثابة رمية نرد في عالم الكتابة الشعرية السورية، أما الثاني فلم يتأخر وجاء عام 1982 بعنوان “مسودات عن العالم”، وفيه نلاحظ قدرة الشاعر على إبداع نص بعيد من الصراخ الأيديولوجي، لكن الشاعر ما لبث أن صمت لسنوات طويلة في رحلة 10 سنوات، بدأت عام 1983 إلى قبرص ليعمل هناك في مجلة “البلاد” التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وليسافر بعدها إلى يوغسلافيا السابقة، ومن ثم إلى تونس إذ قضى هناك أربع سنوات كمدير تحرير لمجلة “لوتس”. يعود الشاعرمن ثم إلى دمشق عام 1994 ليعمل كمشرف على قراءة النصوص في شركة إنتاج سينمائي، مصدراً عام 2000 كتابه الشعري “استعارة مكان” ويتبعه بكتابه “حزن معصوم عن الخطأ” (2003)، مستأنفاً الكتابة كحفيف لغوي خرج نهائياً من هدير المنابر التي سكتت دفعة واحدة بعد الخيبات الكبرى، فبعد أن كانت قصيدة الستينيات تجد أن توظيف الكلمة على أنها رصاصة، وأن القصيدة أداة تغيير، وأن الشعر يجب أن يهز الجماهير ويؤدي دوره في عملية التعبئة الوطنية ضد العدو، تبين لجيل عادل محمود أن كل هذه التعبئة الشعرية أوصلت الناس إلى نوع من الهزائم الكبرى والتي لم تقتصر فقط على خسائر الميدان، بل كانت بمجملها هزائم معنوية. أدرك عادل أن الشعر الذي ألقي على المنابر لقرابة 40 عاماً كانت نتيجته مجتمعات هشة ومتخلفة، وفي الوقت نفسه خدم هذا الشعر التعبوي سلطات لطالما حرصت على إيجاد شعراء يلمعون لها سمعتها. حاز الشاعر السوري على الجائزة الأولى من مجلة دبي الثقافية عام 2007 عن روايته الأولى “إلى الأبد ويوم”، وهي النص الذي عاد فيه لقراءة حقبة الثمانينيات في سورية، دامجاً بقوة بين سيرته الذاتية ومصائر لرجال ونساء وبلاد غيرها الدم مثلما غيرتها الخديعة، ثم أصدر روايته الثانية “شكر للندم” (2016) متناولاً الحقبة ذاتها. الليل إنسان ديوان للشاعر (دار التكوين) “الليل أفضل أنواع الإنسان” كان الكتاب الذي عاد فيه محمود لقصيدته والتي يقول عنها بأنها نوع من “سقاية السراب”.حزن وتشاؤم عكسته رؤيته عن بلاد شهدت كارثة وطنية كبرى، وخصوصاً في هذا الانقسام الذي طاول المجتمع السوري وأصاب المثقفين بين معارضة وموالاة أو بين صامتين وأبرياء، وهذا ما أوضحه محمود في روايته “قطعة جحيم لهذه الجنة” (2019) والتي خاض عبرها في حقل واسع من الالتباسات ذات الطبيعة الجنائية. التباسات مجرمة والتباسات من النوع المكلف، وعملية تزوير أدوار أدت إلى وضع أشخاص في واجهة الأحداث، وهم في الأصل لم يكن لهم أي وزن أو تسمية قبل الحرب، سواء من قادة ألوية وكتائب وقادة رأي وإعلام، أو حتى قادة مصائر وتجريب وسائط، وقادة تنجيم لسيرة الخراب. سراب البراءة في كتاب (دار التكوين) حاز محمود قبل يومين من رحيله جائزة أفضل سيناريو في مهرجان قرطاج السينمائي عن فيلم “الطريق” بالشراكة مع مخرجه عبد اللطيف عبد الحميد، ويعمل الآن الأديب يعرب العيسى على تحرير كتاب عن عادل محمود هو أقرب إلى السيرة الذاتية بعنوان “بائع النسيان”، وفيه مجموعة من آرائه وأفكاره ومذكراته في كل من دمشق واللاذقية وتونس وقبرص، ومنه نقتطع هذا النص. “لا أكتب سيرة زمني فهذه تحتاج إلى فصاحة آلامنا جميعاً، أطفالاً ويافعين، أحياء وموتى، ولا أكتب لأدين زمني. إنني أشير عبر حياة مأهولة بالحروب وبالرزايا، أشير إلى النقصان بوصفه أحد أمراض المسعى الإنساني إلى الكمال. أنا افتراضاً بائع نسيان متجول، وليس لي ماض فادح لأندم عليه، وليس لي حاضر أتنعم فيه، وليس لدي يقين الباعة المتجولين، بأن بضاعة النسيان تملك جياد مستقبل ترمح في الضوء مخلفة وراءها غبار البطولات، أنا أفرد بضاعتي على رصيف مرت وتمر عليه آلاف الأقدام التي من دون أن تدري تدهس نايات من قصب الوداعات، فيما تذرو الريح بقايا ريش الذكريات. ذاكرة فرح لم يزل أفراده القليلون يرشون عطراً على رقابهم ويذهبون إلى أعراس الآخرين، ذاكرة أشخاص وخذلان ومواقف وقضايا. ذاكرة أصدقاء عاشوا وحلموا وارتحلوا وانتبهوا، ثم ماتوا”. المزيد عن:شاعر سوري\دمشق\الجيل المعترض\نزيه أبو عفش\روائي\كاتب سيناريو\قصيدة النثر