الجمعة, ديسمبر 27, 2024
الجمعة, ديسمبر 27, 2024
Home » طوفان الفتاوى الدينية يغرق الشارع المصري

طوفان الفتاوى الدينية يغرق الشارع المصري

by admin

 

شهد 2024 ما يزيد على مليون و422 ألفاً و921 فتوى ما بين شفهية وهاتفية ومكتوبة وإلكترونية

اندبندنت عربية / أمينة خيري

يقف الفريقان على طرف نقيض. الأول يرى أن حلم الدولة المدنية يتلاشى، ويتباعد قياساً بما يجري في الشارع المصري وما يثار على الأثير، وما يُسكَت عنه رسمياً من أمارات تطرف وعلامات انغلاق، والثاني يسعد ويحلم بمزيد من خلط الدين بالدولة، ومزج التدين بالسياسة، وإعلان الدولة محاربة أعداء الدين ومجابهة كارهي المتدينين.

الشارع المصري ثار على جماعة الإخوان المسلمين حين وصلوا إلى الحكم، فخرجوا مطالبين بإسقاط حكم الجماعة في عام 2013. سقط حكم الجماعة، لكن إرث الجماعة لم يسقط. سقوط الجماعة المدوي ترك فراغاً فكرياً و”ثقافياً” وخدمياً ونفسياً.

المؤسسات الدينية الرسمية لم تملأ هذا الفراغ لأسباب اختلف عليها المحللون، بين تنويه إلى عدم الرغبة، وتلويح بعدم القدرة، وإشارات إلى احتمال ترك ما تبقى من إرث إسلامي سياسي اجتماعي ثقافي في الشارع صمام أمان، أو حائط صد أو مجالاً للتنفيس المطلوب جراء ضغوط اقتصادية شديدة، تدور دوائر تحليل وتعليل مفرغة وغير مؤكدة.

تجديد وتنقيح وتغيير

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دأب على توجيه دعوات ومطالبات للمؤسسات الدينية الرسمية بتجديد الخطاب. وصل الأمر إلى درجة رصد جهات بحثية عدد المرات التي طالب فيها الرئيس بتجديد أو تنقيح أو تطهير أو تحديث الخطاب الديني. عشرات المرات.

بدأ السيسي المطالب بـ”ثورة دينية لتغيير المفاهيم الخاطئة”، ومرّ بـ”تنقية الخطاب من الأفكار المغلوطة التي أدت إلى العنف والإرهاب”، وضرورة التصويب والتطوير، مشيراً إلى أن التنقية ليست رفاهية، وأن المعركة مستمرة. أحدث ما أشار إليه السيسي في هذا الصدد كان رسالة بدت هادئة، لكنها ثاقبة وكاشفة. قال في لقاء مع شباب مصري: “تجديد الخطاب الديني يحتاج إلى جهد أكثر مما هو مبذول الآن”!

ما هو مبذول الآن خاضع للشد والجذب، والاتفاق والاختلاف، والمطالبة بالمزيد والمقاومة من أجل الإبقاء على الخطاب كما هو من دون تجديد أو تنقيح، بل حبذا المزيد من التضييق. إنه الخطاب الديني الشعبوي الذي يجد قبولاً وإعجاباً واعتناقاً، بل ومطالبة بما هو أكثر صرامة وقتامة وسيطرة على العقل والقلب وخطوات وتفاصيل الحياة اليومية من قاعدة عريضة في الشارع.

حلّت فتاوى المعاملات والعبادات بنسبة 25 في المئة فيما تطرقت النسبة المتبقية إلى مسائل مختلفة (أ ف ب)​​​​​​​

 

معركة تجديد الخطاب الديني بالفعل مستمرة، لكنها مستمرة نحو مزيد من هيمنة “رجل الدين” على عقل المواطن وقلبه وتصرفاته وقراراته، وكأنه بات شريكاً أصيلاً وصاحباً في ضبط المجتمع، وربط مكوناته ربطاً يساعد على تسكين أوجاع الاقتصاد، وتخدير آلام المعيشة اليومية.

من الإبرة إلى الصاروخ، تصدر الفتاوى، سواء من المؤسسات الرسمية والمشايخ المسموح لهم بالفتوى، أو المواقع والأفراد ممن بنوا علمهم الديني بأنفسهم، ونهلوا من مناهله من هذه الجماعة، أو ذلك التنظيم، أو تلك المدرسة الفكرية المعلنة إرهابية، أو المعتمدة في عملها على منهج السرية والتسرب إلى المجتمعات عبر مقاطع “تيك توك” أو مساعدات مالية أو نصائح يسديها “راجل بتاع ربنا” لجيرانه ومعارفه.

طوفان فتاوى يغرق الشارع المصري. لا ينتمي كله إلى المؤسسات الرسمية، أو ينطوي بالضرورة تحت مظلة ما معروف أصلها وفصلها، لكن يختلط فيه حابل الرسمي بنابل الشعبوي مع قدر غير قليل من آراء وفتاوى مشايخ رحلوا عن الدنيا قبل عقود، وبينهم من يُنسب إليه الفضل، وفي أقوال أخرى مصيبة زرع بذور التطرف وغرس أفكار الرجعية.

إصرار الرئيس المصري على المطالبة بتجديد الخطاب يقف على طرف نقيض مما يجري في الشارع. الشارع يقاوم التجديد، وقائمون على أمر التجديد ربما لا يحبذون التجديد، ومفهوم التجديد يجد نفسه بعد أعوام من المطالبة المتكررة به في أزمة هوية شديدة، إذ الجميع يختلف على تعريفه ويجتهد في احتكاره.

فتاوى لاستقرار الأسر

قبل أيام من نهاية العام الحالي، خرجت دار الإفتاء المصرية بجردتها السنوية، التي هي مدعاة للتفاخر. في تقريرها السنوي، جاء إن العام 2024 شهد زيادة ملحوظة في عدد الفتاوى الصادرة عبر إداراتها المختلفة، وبلغ إجمالي الفتاوى ما يزيد على مليون و422 ألفاً و921 فتوى، وجاءت هذه الفتاوى شفهية وهاتفية ومكتوبة وإلكترونية، وعبر تطبيق الدار والبث المباشر وصفحات الـ”سوشيال ميديا”.

وجاءت على رأس هذه الفتاوى، التي وصفتها الدار بـ”مساهمتها في بناء الوعي المجتمعي، وتصحيح المفاهيم الدينية، والتصدي للتحديات، ودعم الاستقرار المجتمعي، وتعزيز القيم الدينية الداعمة لتقدم المجتمع وحفظ أمنه الفكري، ما يتعلق بالعلاقات الأسرية والزوجية والطلاق والأحوال الشخصية، التي شكلت 67 في المئة من إجمالي الفتاوى.

وقالت الدار إن هذا الإقبال الشديد على هذا النوع من الأسئلة دفعها إلى بذل مزيد من الجهد، لدعم استقرار الأسرة المصرية، وحمايتها من التحديات التي تهدد بنيانها، فدشنت برامج تدريبية وإرشادية للمقبلين على الزواج عبر إدارة الإرشاد الزواجي لتحقيق الترابط الأسري. وفي المرتبة الثانية، حلّت فتاوى المعاملات والعبادات بنسبة 25 في المئة، فيما تطرقت النسبة المتبقية إلى مسائل مختلفة.

قالت دار الإفتاء المصرية إن 2024 شهد زيادة ملحوظة في عدد الفتاوى الصادرة عبر إداراتها المختلفة (رويترز)​​​​​​​

 

مليون فتوى وما فوق تسعد ملايين المصريين. العدد الحقيقي، حين تضاف إليه فتاوى المقاهي وتلك التي يصدرها أحدهم لمجرد أنه أطلق لحيته، أو أنه شوهد يقرأ القرآن أو سُمِع يصلي بصوت جهور، وغيرها من ملايين الفتاوى المتاحة بدقة زر على مواقع ومنصات غير رسمية لا أول لها أو آخر، أكبر بكثير.

البعض يعتبر تفجّر الفتاوى العددي دليلاً على تدين المصريين، وأمارة تؤكد أنهم يسيرون على الطريق الصحيح. والبعض الآخر يعتبر هذه الأعداد المليونية من الفتاوى دليلاً على علة في التعليم، ونقيصة في التفكير، وسطوة من رجال الدين، وسكوتاً من رجال الدولة.

ضمن الفريق الثاني الكاتب والطبيب خالد منتصر الذي يرى أن الفتاوى المليونية دليل على أن قطاعاً عريضاً من المصريين غير قادر على التصرف، بداية من كيفية دخول الحمام مروراً بإدارة العلاقات الأسرية وانتهاءً بزرع الأعضاء إلا بطلب فتوى، “وهو ما يؤكد وجود اضطراب في القدرة على اتخاذ القرار، وعدم ثقة في العقل، أو غيابه هو والإرادة”.

ما يصفه فريق معارضي إخضاع كل كبيرة وصغيرة في المجتمع للفتاوى التي باتت تنافس وتناطح وتتفوق على القوانين والقواعد والمعايير بأنه فرض وصاية من قبل الرؤوس الدينية وقبول، بل وسعي من قبل المواطن، هو ورع وتقوى وإيمان ومخافة الله.

المتابع المشهد يلحظ حرصاً كبيراً واهتماماً بالغاً من قبل كثيرين من رجال الدين، لتحذير المتلقين من الإفراط في استخدام العقل، أو اجتياز الحدود في التفكير المستقل، أو ترك أبواب التفكير النقدي والبحث عن إجابات مقنعة مفتوحة على مصاريعها.

حماية على العقل

قبل أيام، قال أحد علماء الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الذي أصبح إعلامياً بارزاً يطل عبر شاشات تلفزيونية عدة، إن “من رحمة الله بالإنسان أن جعل للعقل حدوداً، فلا يستطيع أن يتجاوزها في ما يتعلق بالغيب”. ووصف هذه الحدود بأنها تحمي الإنسان من الانحراف، وأن هذه الحماية من نعم الله التي يجب على الإنسان أن يحترمها.

قبلها حذّر الأبناء، الذين يعانون “جنوحاً عقلياً وفكرياً قد يؤدي إلى التشكك وعدم استقرار الإيمان”، داعياً إياهم إلى العمل بالآية القرآنية: “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا”، بمعنى عدم اتباع ما ليس لهم به علم.

وبين القول بأن وضع حدود للعقل نعمة يجب تقديرها، ووصف التفكير “الزائد” بأنه “جنوح عقلي”، داعياً إلى ضرورة وضع سقف للأفكار الكونية المتعلقة بوجود الله عز وجل، مستنكراً التفكير المستقل في شؤون الدين بقوله: لماذا يفتي (المواطنون العاديون) في الدين؟ هل يعقل أن نقول رأينا في ربنا؟!”.

أمثلة “الحماية” المفروضة على العقل باتت كثيرة ومتنوعة المصادر ومبتكرة الأفكار. فمن رجل دين شهير محسوب على المؤسسات الرسمية يصف المطالبين بفصل الدين عن الدولة بـ”النصابين” الذين يريدون القضاء على الدين والمشايخ وهدم الأزهر، إلى آخر محسوب أيضاً على المؤسسات الرسمية، يجري طرده من جنتها بين الحين والآخر، لكن يحظى بملايين المتابعين والمريدين يؤكد أن مهمته محاربة العلمانيين نصرة للدين، وأن العلمانية التي تطالب بفصل الدين عن الدولة قائمة على السماح بكل ما نهى عنه الإسلام.

وقبل أيام قليلة من إعلان دار الإفتاء هذا الرقم المذهل من الفتاوى الصادرة في عام، كان المصريون على موعد آخر مع السعادة والإنجازات، فقد أعلنت دار الإفتاء المصرية عن إطلاق مركز جديد لفتاوى التعايش يدعى “مركز الإمام الليث بن سعد”.

تحول بعض الجماهير إلى وعاظ ومفتين وفقهاء يكسب بعضهم الشعور بالتحقق الذاتي (أ ف ب)​​​​​​​

 

كالعادة، انقسم متلقو الخبر إلى فريقين: الأول وهو الأكثر عدداً، الذي يسعد بإطلاق أي مركز أو تدشين أي مبادرة أو افتتاح أي مشروع له علاقة بالدين من قريب أو بعيد. والثاني وهو الأقل عدداً، الذي يتعجب من افتتاح مسجد بين مسجدين، وتدشين برنامج ديني بين برنامجين، وإطلاق مركز جديد لفتاوى التعايش مع العلم بأن فتاوى عدم التعايش تسري في المجتمع نهاراً جهاراً، وإن كان خلف الأبواب المغلقة وعلى أثير المنصات غير المندرجة تحت لواء المؤسسات الرسمية.

عديد من التعليقات على خبر تدشين المركز الجديد عكست فرحة غامرة بتوسيع قاعدة الإفتاء، وسعادة كبيرة للاهتمام بتدشين مزيد من المؤسسات الدينية. تعليقات أخرى، لاقى أغلبها استهجاناً واتهامات بكراهية الدين والمطالبة بتخصيص الأموال للراقصات والفن الخليع بدلاً من ترسيخ الدين، وتساءلت عن الجدوى من مركز فتوى جديد، واستنكرت الإصرار على إقحام الدين ورجال الدين بشكل مبالغ فيه في حياة المصريين، وتساءلت عن فقه الأولويات: هل يحتاج المصريون بشكل عاجل إلى مركز فتوى جديد؟ أم مدرسة أو ناد رياضي أو مركز ثقافي يطهر العقول وينقح القلوب؟

وعلى سيرة القلوب، يتساءل البعض عما تفعله دار الإفتاء وما يضيفه المركز الجديد وما يفتي به المئات من رجال الدين في شيوع تدين شعبي يجعل قطاعات من المصريين يتشككون في دخول الجنة لغير المسلمين، وإن كانوا قد نفعوا الأرض بمعارفهم، وداووا المرضى بعلمهم، وأفادوا البشرية باختراعاتهم.

قبل سنوات قليلة، تحديداً في عام 2020، أوقفت وزارة الأوقاف المصرية الداعية عبدالله رشدي عن العمل الدعوي، وأحالته على التحقيق، وذلك بعد ما كتب تغريدة عن طبيب القلوب المصري العالمي المسيحي مجدي يعقوب جاء فيها: “العمل الدنيوي ما دام ليس صادراً عن الإيمان بالله ورسوله، فقيمته دنيوية تستحق الشكر والثناء منا نحن البشر في الدنيا فقط، لكنه لا وزن له يوم القيامة”. مضيفاً أنه “من السفاهة أن تطلب شهادة بقبول عملك في الآخرة من دين لا تؤمن به أصلاً في الدنيا”.

التغريدة أثارت ضجة كبيرة، لكنها لم تكن نابعة من تطرقها إلى قيمة وقامة علمية وإنسانية مثل يعقوب، على يد رجل دين له ملايين الأتباع والمريدين والمدافعين، وليس لغرابة المحتوى أو قبح المعنى. ربما غرابة المحتوى وقبح المعنى، كما يصفهما البعض، صارا كلاسيكية محتوى واعتياد معنى بفعل موجة التديين التي بدأت في سبعينيات القرن الماضي، سلاحاً سياسياً استخدمه الرئيس الراحل محمد أنور السادات، لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية.

مشايخ الستالايت

الكاتب عادل نعمان كتب تحت عنوان “حناجرهم معك لكن قلوبهم عليك” (2024) أن “المنتسبين إلى فصائل الإسلام السياسي، المتطرفون منهم والمعتدلون، من الحضانة حتى جامعة الدواعش، ومن الإخوان والسلفيين حتى الجهاديين، لا يكفون عن حشد وتعبئة وتجييش الشعب لإقامة الدولة الدينية في كل هزة أو إخفاقة تتعرض لها البلاد. ساعدهم هذا الكم من الإخفاقات العامة والخاصة على حد سواء، من سقوط كل نماذج الحداثة، وما صاحبها من تزييف الواقع وتدليسه، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية طيلة سنوات طويلة”.

ويأسف نعمان على أن قطاعاً عريضاً من النخب حال بحثهم عن الحقيقة الغائبة، تتسلل هذه الدعاوى وتتسرب وتملأ الأجواء، ومن ثم فإنهم يعلنون عن نموذج الدولة الدينية الأنجح والأمثل في انتشال الدولة من الإخفاقات والأزمات. هذا ليس في مقررات الدولة المدنية، بل هو فشل القائمين على التنفيذ، وافتقاد الرؤية وتهميش دور العلم والدراسة والتخطيط”.

وفي مقال آخر عنوانه “الخلاف بين الإسلام والعلمانية” (2024) يقول نعمان إن “دين الإسلام عند بعض مشايخ الستالايت والدعاة الجدد، “زي (مثل) الفريك ما يحبش شريك”، فلا مشاركة أو منافسة مع دين آخر، ولا حياد أو مساحة يسمح بها لدين غيره، ولا مجالسة يجالسه فيه أحد، ولا مزاحمة يتدافع فيها مع مزاحم فذ، ولا جيرة يجاوره فيها نظير. فهو لا يقبل أن يسكن أو يشارك أو يقاسم أحداً الديار، حتى لو كانت زاوية محدودة أو ركناً فارغاً مهجوراً. فلا دين غيره ولا عقيدة سواه، ولا مساواة بين المسلم وغيره في المحيا والممات، ولن يقبل يوم القيامة ديناً غيره”.

معركة تجديد الخطاب الديني مستمرة في مصر بين الرسمي والشعبي (أ ف ب)​​​​​​​

 

المؤسسات الدينية الرسمية تجد في نفسها من يملأ فراغ الجماعات التي تسللت إلى عقل قاعدة عريضة من المصريين، وهيمنت على كثير من العقول، ونشرت بين فئات كثيرة نسخة يصفونها بـ”المتطرفة” أو “المتشددة” أو “المستوردة” من الإسلام. المؤسسات الدينية الرسمية تقول إنها تقدم وتعكس وتحمل راية الإسلام الوسطي والتدين الفطري والتفسير العلمي الذي يخدم المواطن ويساعده في كل مناحي الحياة.

وربما هذا ما يمنع رجال الدين في المؤسسات الدينية الرسمية من إبداء الدهشة جراء تلقيهم أسئلة من المصريين تتعلق بالهندسة والطب والاقتصاد والبنوك والتعليم والعلاقة الزوجية وتناول الدواء والقيام برحلة والسفر للخارج وطهي الطعام ودخول الحمام ودراسة الطاقة النووية والتخصص في العلوم الشرعية والاستماع لأغنية، وبالطبع توجيه التهنئة للمسيحي في عيده أو الاحتفال بعام ميلادي جديد، وهي القضايا المصيرية والأسئلة الوجودية الموسمية التي تقلق مضاجع كثيرين على رغم مرور مئات الأعوام على نزول المسيحية والإسلام وانتهاء صفحة الرسل والأنبياء.

الكاتب الصحافي حمدي رزق يسمى مثل هذه الأسئلة والفتاوى “موسوعة الفتاوى المسيحية”. يقول: “أسئلة مكررة، تلح عليها منصات إلكترونية تقتات على مثل هذه الأسئلة المفخخة، إزاء حالة فيروسية أصابت العصب المصري. إلحاح مرضي، حالة نفسانية أصابت البعض. ما موقع المسيحي من الإعراب؟ سؤال مكرور مكرر متكرر، ومستهجن، وإجابته متوقعة. والعجيب لا السائل يكف عن السؤال، ولا الشيخ يكف عن الإجابة”.

ومع كسر عدد الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء في عام 2024 حاجز الـ 1.4 مليون فتوى، ومع تدشين مركز جديد لفتاوى التعايش في مصر التي كانت حتى منتصف خمسينيات القرن الماضي وطناً يقيم فيه يونانيون وإيطاليون وفرنسيون وأرمن وغيرهم، إضافة إلى تعايش المسلمين والمسيحيين واليهود من دون البحث عن فتوى تتيح علاج هذا لذاك، أو مصادقة هذه لتلك، أو جيرة هؤلاء مع أولئك، تتساءل أصوات خافتة خوفاً من اللوم وخشية العتاب وتجنباً للاتهام بالكفر أو الإلحاد: هل تحتاج قيم التعايش، وقبول أنماط ملابس النساء المختلفة من حجاب وخمار ونقاب أو من دونها، واعتبار من يلقي السلام بـ”صباح الخير” وليس “السلام عليكم”، أو يطلب خدمة بقوله “من فضلك” لا “بالله عليك”، أو يمتن لأحدهم بـ “شكراً” وليس “بارك الله فيك” ليس خارجاً على الملة إلى عدد إضافي من الفتاوى، أو مركز جديد متخصص في فتاوى التعايش؟

لجوء الواقع إلى الدين

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية نبيل عبد الفتاح يصف التوجه المتمثل في لجوء الواقع اليومي ووقائعه وتفصيلاته، وتحويله إلى مجال الجدال الديني، ومدى شرعيته الدينية، باعتباره من أدوات تديين المجالين العام والخاص، وأنه سياسي بامتياز.

ويشير في ورقة عنوانها “التدين الشعبوي الرقمي والفعلي والحالة الدينية في مصر وتونس” (2022) إلى أن “بعضهم يلجأ إلى تديين الوقائع والأحداث اليومية من أجل كسر الاستقطابات على الحياة الفعلية والرقمية، وفق السياسات العامة، ومن ثم نقل الاحتقانات الاجتماعية إلى المجال الديني”.

ويحذر من أن هذا التوجه يغفل أن تديين الحياة الرقمية والفعلية يسمح للجماعات الدينية بالتمدد قاعدياً، بخاصة في ظل زيادة بعض الأزمات الاقتصادية والاجتماعية على نحو يؤدي إلى اللجوء إلى الدين ملاذاً للبحث عن توازن نفسي واجتماعي في الحياة.

كما يحذر من أن تحول بعض الجماهير الغفيرة إلى وعاظ رقميين، ومفتين وفقهاء، يكسب بعضهم الشعور بالتحقق الذاتي، لكنهم في الوقت نفسه أصبحوا أسرى للأفكار المتشددة للسلفيين والإخوان المسلمين وبعض غلاة المشايخ الأزهريين.

وتوقع عبد الفتاح أن تستمر هذه الحالة وتزايدها مع استمرار الأزمات الاقتصادية والاحتقانات الاجتماعية، وحالة الاضطراب والسيولة النسبية واللايقين في النظام العالمي. ويضيف أن أنماط التدين الشعبي والسلطات الدينية في المنطقة العربية تمثل أحد أبرز أدوات التماسك في مواجهة تحولات العصر، والإحساس الجمعي بالعجز عن مواجهتها، أو إنجاز تطورات مهمة في مجالات العلوم الطبيعية والإنسانية، أو في أي من الثورات التقنية.

من جهة أخرى، احتفلت المؤسسات الدينية الرسمية قبل أيام بـ”اليوم العالمي للفتوى”، المحدد له الـ 15 من ديسمبر (كانون الأول). وفي تلك المناسبة، نشر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية حصاد جهوده الإفتائية خلال عام 2024. وكانت المفاجأة هي إعلانه إطلاق مليون و961 ألفاً و711 فتوى عبر الهاتف ونصية وميدانية وبحثية وإعلامية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، في كل مناحي حياة الناس اليومية وفروع الفقه من عبادات ومعاملات وأحوال شخصية وقضايا فكرية وأديان، ليتفوق بذلك على دار الإفتاء نفسها.

المزيد عن: الرئيس المصري عبدالفتاح السيسيمصروزارة الأوقاف المصريةدار الإفتاء المصريةالخطاب الديني في مصرتجديد الخطاب الديني

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00