ثقافة و فنونعربي “طريق مولى مطر”.. رواية الحزن وظلم المرأة الدامي by admin 12 أبريل، 2020 written by admin 12 أبريل، 2020 29 رواية عمار باطويل تستحق أن يتناولها النقاد بالدراسات المستفيضة، لما تحمله من رؤى ومضامين استشرافية عن مجتمع بدو جبال حضرموت ووديانه. ميدل ايست اونلاين/ الغربي عمران الروائي عمار باطويل، له أكثر من عمل سردي، إلا أنني لم أحصل إلا على روايته حديثة الإصدار “طريق مولى المطر” من معرض القاهرة الأخير 2020. الرواية 115 صفحة. توزعت على 18 جزءا، صادرة عن ثقافة للنشر وللتوزيع أبوظبي في عام 2019. اختار الكاتب حضرموت كمكان تدور فيه أحداثها. أما الزمن ففي المنتصف الأول للقرن الماضي . من عرفوا حضرموت سيدركون كم أن الكاتب ملم بتلك البقاع؛ من مرتفعاتها إلى سواحلها ووديانها وصحاريها. وفوق ذلك تعمق في قيم وعادات ومعتقدات إنسانها وتاريخها. ولذلك نجدها رواية تصنف بالمعرفية التاريخية، لما تحمله من معارف اجتماعية وتاريخية تضاف لمعارف المتلقي عن مجتمع شديد الاعتزاز بشخصيته وإرثه. بدايةً سنتناول مجتمع الرواية الذي يتكون من خمسة أضلاع؛ الضلع الأول: أسرة سلومة وحفيدتيها بركة وفاطمة بنت رحمة وجارتهن سعيدة. الضلع الثاني: حفيد أولياء يعيش في مغارة قرب قباب أضرحة أجداده. الضلع الثالث: تاجر عبيد جشع. والرابع: سلطان بعسكره، حليف للإنجليز. والضلع الأخير: قبائل دائمة التصارع والإختلاف. وإذا سلطنا الضوء على تلك الأسرة بمكونها النسائي، وهي ما تمثل إلا مثالا للمجتمع الحضرمي المجبول رجاله على الهجرة، والبحث عن ظروف حياة أفضل تاركين نساءهم وأسرهم للمجهول. فسلومة الجدة تمثل الحكمة والثبات. وبركة شخصية المرأة الحضرمية التي جمعت الكثير من صفات رجال تلك البيئة الطاردة، بعد أن هاجر زوجها سعد منذ سنين ولم يعد له من خبر، لتتزوج بمن اختارته “فرج”. ورحمة أخت بركة، وهي أم فاطمة التي تيتمت بعد أن هاجر والدها إلى بلدان لا يعرفونها، لتقتل أمها بقذيفة طائرة إنجليزية وتتكفلها خالتها بركة كما هي متكفلة بالجدة سلومة. وسعيدة جارتهن التي هاجر زوجها وانقطعت أخباره. الكاتب لم يستخدم الراوي العليم، بل تناوبت شخصيات الرواية على سرد الأحداث، ما أعطى حيوية وتشويق وتنوع ثم حفيد أولياء يعيش في غار مجاور لقبابهم على سفوح جبال عالية. وما أكثر تلك القباب في أنحاء حضرموت. معتمدا على ما يجود به البسطاء طمعا في بركاته، ليتضح للناس في نهاية الأمر أنه كائن لا يملك من أمره شيئا. فكيف ببركات يرسلها على من يؤمنون به بعد افتضاح بركاته المزعومة حين يرضخ لرغبات تاجر العبيد النجدي، ويحرر له ما يثبت بأن أجداده ينتسبون إلى قريش، وأنه من سلالة طاهرة. ذلك النجدي من سكان الوادي، ومن أسرة فقيرة، وقد غير الناس اسمه بعد عودته من سليمان إلى النجدي، بعد أن عاد بأموال طائلة جمعها من تجارة العبيد التي أمتهنها لسنوات حتى أعلن الملك فيصل تحريم الرق. بعدها غادر ربما جمع ساعيا إلى شراء مزارع الوادي بالترغيب والترهيب بهدف تملكه وتغيير تسميته إلى وادي سليمان. الكاتب استطاع رسم تلك الشخصيات بدقة وعمق بحيث تناغمت حسب أدوارها لتجسد نبض المجتمع بمختلف شرائحه. الجانب السياسي كان واضحا وقويا من خلال توجه السلطان القعيطي من عاصمة نفوذه المكلا، الذي سام عسكره قبائل حضرموت ألوان العذاب، في سبيل فرض الضرائب على قوافل التجارة بين الساحل والوادي، التي كانت جائرة. عسكر تعيث فسادا أينما رحلت. تنحر النوق وتذبح الماشية، وتلاحق من يعترض ببنادقها، ليحتدم الصراع وينقسم رجال القبائل، جزء مع السلطان وآخرون ضده، ليدخلوا في مواجهات دامية. ولم يكتف السلطان بعسكره بل سلط طائرات الاحتلال الإنجليزي بملاحقة التجمعات، فكانت تدمر القرى وتحرق النخيل، مخلّفة قتلى ومعاقين ناشرة رعبها في كل مكان. الكاتب لم يستخدم الراوي العليم، بل تناوبت شخصيات الرواية على سرد الأحداث، ما أعطى حيوية وتشويق وتنوع، إلا أن “بركة” كانت لها المساحة الأكبر في الحكي، حين هيمن صوتها. تلك الشخصية التي مثّلت الاعتدال والقوة في آن للشخصية الحضرمية؛ ليس كأنثى بل ككائن يجمع بين خصال الجنسين. فلا يدرك المتلقي إن كان المتحدث أنثى أم ذكر إلا حين يشار إليها كأنثى أثناء الحوارات أو تصاعد الأحداث. بركة الراعية المكلومة لمقتل أختها رحمة بقذائف طائرة بريطانية، وابنها عبدالله برصاص عسكر القعيطي. وإذا كان مجتمع الرواية مجتمعا متنوعا، فإن الكاتب لم يعالج في روايته قضية واحدة، بل ناقش أكثر من قضية. وكل قضية أتت بنفس قوة القضايا الأخرى. ويمكننا اعتبار الرواية متعددة المحاور، فأولاها؛ الهجرة وترك الوطن والأهل لسنوات طويلة، ما جسده الكاتب في روايته من خلال حياة بركة ورحمة وسعيدة وفاطمة، وجميعهن غادر رجالهن ولم يعد لهم من خبر لسنوات طويلة. قد يعود أحدهم، وقد لا يعود من هاجر وقد اتخذ له هناك زوجة وأسرة جديدة، لتعيش معظم نساء الرواية حياة الضياع واليأس والانتظار الطويل. “النساء في هذا الوادي أكثر ظلم لما يقع عليهن، لا زوج مستقر، ولا رحمة لهن من الأعمال المتعبة في أحواض النخيل، أو رعي الأغنام، والتنقل بين الأودية والجبال، وينتظرن أزوجهن الذين لا يعودون، فنصف رجال هذه البلاد من سراب”. المحور الثاني؛ ما يعتقده المجتمع من بركات في الأضرحة، بداية بضريح مولى المطر الذي يصعدون إليه كلما بخلت عليهم السماء، “وكلما جفت الأرض ويبست الأشجار وعطش الناس والحيوان يأتي أجداد سالم قبل كل قبيلة يسوقون أمامهم إبلهم وأغنامهم، ويحلون بالقرب من مولى مطر، ويقومون بنحر الجمال وذبح الأغنام. ويغتسلون بدمائها لتطهيرهم من آثامهم التي منعت عنهم الغيث”. لا تخلي حد يسمعك بل اعتقد الناس ببركة من يعيشون في مغارات بعيدة، وقد هجر الناس مبتعداً عن شرورهم. لكن الناس يفقدون إيمانهم ببركاته، حين يتحول إلى مطية للنجدي وأطماعه، حين تفضحه بركة بعد أن تحوّل إلى نصير لتاجر العبيد النجدي: “كل محاولاتي مع ولي الله باءت بالفشل. فقد تحول عني. وقد رأيت قبة جدة مطلية بالنورة، وأن حياته المعيشية بعد زيارة النجدي له قد تحسنت. وبعد أن منحه نسبا يمتد حتى أحد الصحابة”. لتصفه بركة بعد أن تأكد لها بأنه مجرد دجالا “ولي الله مثل الحمار الزين الذي ينقلب”. المحور الآخر سياسي؛ تحالف السلطان مع الاحتلال البريطاني في سبيل استمرار سلطانه، مرسلاً عسكره على سكان حضرموت، الذين ينحروا ما يصادفونه من إبلهم. وذبح مواشيهم أثناء عبورهم من منطقة إلى أخرى. ومن يعترضهم يصبون عليه غضب رصاصهم غير مفرقين بين الإناث والذكور. ولم يتوقف الكاتب عن تلك المحاور بل أن الرواية تتناول أكثر من ثيمة؛ مثل التناحر بين القبائل. الطبقية بين السكان. المال وأثره في شراء الذمم… الخ تلك الثيمات. نحن أمام عمل روائي مميز، استطاع كاتبه أن ينقل للمتلقي تلك البيئة النائية وما يعتمل بها، حتى أن المكان يكاد ينطق لفرط وصفه. حين قراءتها يشعر القارئ بتلك المعاناة والمكابدة التي يكابدها إنسان تلك الوديان والجبال، متطرفا بحبه لوطنه، خاصة المرأة التي تتحمل ضيم الرجل من زوج وأب هاجر ونسي الجميع، إلى أقرباء يسعون بالتشويه لسمعتهن، خاصة من لا ترضخ لرغباتهم، فينشرون الشائعات بالهمز واللمز حول تصرفاتها، طاعنين في شرفها، بل ويرمونها بالفاحشة. وقد تجلى ذلك في شخصية سالم الذي لم يتورع حتى عن القتل. وقد تحول إلى أداة بيد النجدي. ولم ينحصر ذلك الظلم من الرجل على المرأة، بل أن المرأة تمارس على المرأة نفس الدور: “صه.. لا تخلي حد يسمعك.. ويضحك عليك.. البنات ما يذهبن ليتعلمن عند الرجال والأولاد. البنات فقط للزواج والعمل…” حين أبدت اليتيمة فاطمة رغبتها بالذهاب للتعلم على يدي الجاوي الذي يجلس إليه الصبيان للتعلم، نهرتها جدتها سلومة. ومع ذلك نجد المرأة رغم كل القيود التي حرص الرجل على وضعها فيها قد تمردت. فها هي سعيدة ترفض الزواج من سالم المشهور عنه بالفسالة. بل وتحمل البندق مثلها مثل الرجل لمجابهة عسكر السلطان. والأخرى بركة تقف في وجه سالم ابن عمها وترفض الزواج منه لدناءته. وتتزوج ممن أرادت بعد غياب زوجها سعيد لسنوات طويلة. فرج من اختارته رغم أنه ليس من قبيلتها، لتتجلى شخصية بركة القوية مع نهاية الرواية التي تقتص من النجدي الذي سلط سالم ابن عمها لقتل زوجها فرج، بل وحاول قتلها وحرق نخيلها ليلاً: “في تلك الليلة الحالكة لم نر فيها ضوء القمر، كانت سعف النخيل تلتهب، وأشرق الوادي وكأنها إشراقة الشمس. ولكن كان هو ضوء الحريق الهائل في أحواض النخيل”. لتنحره بجنبية والدها عند الفجر. الرواية تستحق أن يتناولها النقاد بالدراسات المستفيضة، لما تحمله من رؤى ومضامين استشرافية عن مجتمع بدو جبال حضرموت ووديانه. 14 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post المغرب .. إسهامات في الثقافة العربية next post ماذا حمل رئيس المخابرات المصرية إلى السودان بشأن سد النهضة؟ You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 14 comments Eve 21 يونيو، 2020 - 1:27 ص It’s an amazing article in favor of all the web viewers; they will obtain benefit from it I am sure. Feel free to surf to my page … g your Reply Shelton 21 يونيو، 2020 - 6:45 م Greetings! Very useful advice within this post! It is the little changes that make the most significant changes. Thanks for sharing! Here is my site … its g Reply Joycelyn 21 يونيو، 2020 - 9:07 م great post, very informative. I wonder why the other specialists of this sector do not understand this. You should continue your writing. I am sure, you have a huge readers’ base already! My blog g rsacwgxy Reply Julio 26 يونيو، 2020 - 5:19 م With havin so much written content do you ever run into any problems of plagorism or copyright infringement? My site has a lot of completely unique content I’ve either written myself or outsourced but it seems a lot of it is popping it up all over the internet without my authorization. Do you know any ways to help prevent content from being ripped off? I’d genuinely appreciate it. Also visit my web site … cbd oil – taro-magic.ru – Reply Melanie 27 يونيو، 2020 - 3:53 ص Hello are using Wordpress for your blog platform? I’m new to the blog world but I’m trying to get started and create my own. Do you need any html coding knowledge to make your own blog? Any help would be greatly appreciated! my blog cbd oil – http://www.as-ilida.gr, Reply Kathrin 27 يونيو، 2020 - 6:27 م Hi, yeah this article is genuinely nice and I have learned lot of things from it concerning blogging. thanks. Feel free to surf to my web site cbd oil that works 2020 Reply Lesley 27 يوليو، 2020 - 10:42 ص I have read so many content regarding the blogger lovers however this article is really a nice paragraph, keep it up. My web blog :: airlines Reply Michael 30 يوليو، 2020 - 2:01 م Unquestionably consider that which you stated. Your favourite reason seemed to be at the internet the simplest thing to be aware of. I say to you, I certainly get irked even as other people think about issues that they plainly don’t know about. You managed to hit the nail upon the highest and defined out the whole thing with no need side-effects , people could take a signal. Will likely be again to get more. Thanks adreamoftrains webhosting web hosting services Reply Michale 6 أغسطس، 2020 - 6:57 م This piece of writing is truly a good one it helps new net people, who are wishing for blogging. My blog; website hosting companies Reply Arron 24 أغسطس، 2020 - 2:17 م What’s up, all the time i used to check webpage posts here early in the break of day, since i like to learn more and more. 3gqLYTc cheap flights Reply Alecia 26 أغسطس، 2020 - 2:48 م Hi, I do believe this is a great web site. I stumbledupon it 😉 I am going to revisit once again since I book-marked it. Money and freedom is the greatest way to change, may you be rich and continue to guide others. Also visit my page; cheap flights Reply Bette 31 أغسطس، 2020 - 1:54 ص WOW just what I was looking for. Came here by searching for black mass Reply tinder dating 24 يناير، 2021 - 2:32 م tinder app , what is tinder https://tinderdatingsiteus.com/ Reply free online dating sites for serious relationships 31 يناير، 2021 - 8:42 م free dating sites http://freedatingsiteall.com Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.