الإثنين, ديسمبر 23, 2024
الإثنين, ديسمبر 23, 2024
Home » “طرطوف” للألماني مورناو… الفن يدق ناقوس الخطر

“طرطوف” للألماني مورناو… الفن يدق ناقوس الخطر

by admin

“التعبيرية” تستعين بالمنافق الفرنسي لفضح الكارثة المقبلة

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس  باحث وكاتب

حين يستعرض المرء تاريخ السينما الألمانية الصامتة، وبخاصة من خلال نحو دَزِّينة من أفلامها، أو من خلال كتابين رئيسين، “من كاليغاري إلى هتلر” لسيغفريد كراكور، و”الشاشة الشيطانية” لمؤلفته لوت إيزنر، صدرا لتحليلها وربطها بالمكونات الاجتماعية التي أوجدتها، علماً بأنها التيار السينمائي الأكثر ارتباطاً ببعده الاجتماعي في تاريخ الفن السابع، سيفاجأ إذ يطالعه باسم طرطوف بين أسماء لا يبدو أنه يمت إليها بصلة، من فاوست إلى نوسفراتو إلى الدكتور كاليغاري مروراً بمابوزي أو متروبوليس أو كل أنواع الغيلان، ويطلع بسؤال حائر، ما الذي جاء يفعله هنا بين هؤلاء السادة غير المحترمين، بل المرعبين حتى، ذلك المنافق المرح والغريب الأطوار الذي وضع عنه سيد الكوميديا المسرحية الفرنسية في عصرها الذهبي في القرن السابع عشر موليير، واحدة من أقوى مسرحياته؟

رمز لانحطاط اجتماعي

سيحتاج المرء بالطبع إلى شيء من الصبر والتعمق حتى يجد الجواب ويدرك سبب وجود طرطوف بين الأبالسة الأشرار وأن شرّه لم يكن واحداً من الأسباب، بل بالتحديد سلوكه الاجتماعي وكونه رمزاً لذهنية اجتماعية تفسر بعض الانحطاط الأخلاقي الذي يعيشه مجتمع ما. والحال أننا لسنا في حاجة هنا إلى العودة بشكل تفصيلي إلى مسرحية يعرفها الكل بما في ذلك جمهور المسرح المصري في القرن التاسع عشر والذي شاهدها متحوّلة إلى “الشيخ متلوف” بتعريب من عثمان جلال. حسبنا هنا أن نذكّر بأن المسرحية التي كتبها موليير في عام 1664 أي في مرحلة تألقه الكبرى، تدور حول شخصية ذلك المتصنّع الورع الذي يعيش من الاحتيال على الآخرين ومن النفاق ويحدث له هنا أن يخدع الشاب الساذج أورغون وأمه بيرنيل ليدخل منزلهما وسط عداء كل الآخرين وإدراكهم مبلغ احتياله ومقدار نفاقه. ومن خلال وجوده في المنزل تدور مجموعة من الحكايات والألاعيب التي تضع المجتمع بأسره موضع الاتهام حتى اللحظة التي يفتضح فيها أمر طرطوف.

لقد أخذ مورناو هذه المسرحية، على غير توقّع، وفرّغها من معظم الشخصيات الثانوية مبقياً على الأساسيين فيها، ولكن لا ليتحدث عن مجتمع القرن السابع عشر الفرنسي، بل عن مجتمع الربع الأول من القرن العشرين الألماني بالطبع.

وكان فردريخ مورناو واحداً من السينمائيين الأساسيين الذين أعطوا السينما الألمانية ذلك التيار الذي عرف باسم “التعبيرية”، وكان نسيجاً وحده بين التيارات كافة التي عرفها الفن السابع، ليس فقط بسبب الأشكال الفنية التي ابتكرها، ولا كذلك بسبب تعامله الخلاق مع ميتافيزيقية الأسطورة، بل لأنه كان التيار الذي عبر أكثر من أي تيار آخر عن ذلك الرعب الذي استبد بألمانيا بعد هزيمتها الكبرى خلال الحرب العالمية الأولى.

من هنا كان هذا التيار الأكثر درساً وتحليلاً من قبل مؤرخي السينما، ولكن أيضاً من قبل مؤرخي الذهنيات والظواهر الاجتماعية، لأن السينما التعبيرية الألمانية، بقدر ما كانت فناً وتعبيراً عن حساسيات فنية لدى السينمائيين، كانت كذلك انعكاساً لذهنيات شعبية ولظواهر اجتماعية، وأكثر من هذا وذاك، كانت ناقوس الخطر الذي دق غير مرة، وعلى أكثر من شكل، منذراً بوصول النازية. ومن هنا كان التساؤل مشروعاً عما أتى بالشخصية المولييرية الأساسية لتفعله ليس فقط في التيار التعبيري، بل خصوصاً في سينما مورناو نفسه.

من ألمانيا إلى هوليوود

فالمخرج الألماني الذي قضى عليه حادث سير بالقرب من لوس أنجلوس، نعاه الأميركيون يومها بوصفه مخرج فيلم “الفجر” الأميركي الذي أذهلتهم صوره الرائعة فعوّدتهم أن يتعلموا نطق اسمه، فردريخ فلهلم مورناو، جاعلة إياهم يتراكضون لمشاهدة الفيلم الثاني الذي أسهم فيه في الولايات المتحدة.

بيد أن ما لم يكن الأميركيون يعرفونه في ذلك الحين أن هذين الفيلمين لم يكونا سوى العلامات الأخيرة، والأقل مجداً، في مسار سينمائي كان قد بدأ في ألمانيا قبل ذلك بنحو عشرين سنة وجعل لصاحبه مكانة مرموقة بين أقطاب السينما التعبيرية الألمانية، التي كان أحد مؤسسيها عبر أفلام قصيرة صامتة فقد أكثرها، ولكن على وجه الخصوص عبر أفلام معروفة كانت قد حققت نجاحاً كبيراً في أوروبا ومن بينها تحديداً “نوسفراتو” (1922) المقتبس عن رواية “دراكولا” لبرام ستوكر، و”فاوست” (1925) المقتبس عن غوته، و”آخر الرجال” (1924) ثم بشكل خاص “طرطوف” المأخوذ عن مسرحية موليير.

هذه الأفلام وغيرها كانت تنتمي إلى تلك السينما الخاصة التي عرفت كيف تمزج بين علم النفس والمسرح، بين الأدب والميتافيزيقا، بين الأسطورة والواقع، في لعبة ظلال وأضواء تقوم من الناحية الشكلية على أربعة عناصر، تزويد الموضوع المصوّر ببعد أسلوبي يكثّف طبيعته، استخدام الانعكاسات والظلال والمرايا، في لعبة انتقال فجائي من الواقع إلى التخيل وبالعكس، استخدام الضوء بوصفه عنصراً درامياً سيكولوجياً، وأخيراً، إخضاع الحركات والوجوه والأجساد لنوع من التضخيم المسرحي المقترب من منظور الباليه، وذلك بهدف إضافة قوة ذات دلالة للمعاني المطروحة.

والحقيقة أن “طرطوف” يحمل كلّ هذه العناصر الأساسية، في أشكاله على الأقل، ومع هذا يظل موضوعه عصيّاً عليها ويبدو أقرب إلى سينما النقد الاجتماعي والنقد الأخلاقي التي تتنافى مع الشكل التعبيري وعلى الأقل بواقعية مضمونها.

مهما يكن، إذا تساءل المرء عما دفع مورناو حينها إلى “فرض” تعبيريته على عمل واقعي قد يجد الجواب في رغبة الفنان في تقديم الفن بوصفه “حواراً داخلياً منفرداً”، وذا طبيعة تكشف عن أمور عدة من بينها التعبير عن القلق والارتباك العظيمين اللذين كانت تعيشهما الأمة الألمانية بأسرها إثر الصدمة الكبيرة التي تمثلت في الهزيمة ومعاهدة فرساي.

إزاء هذا كله كان لا بد أولاً من تعرية المجتمع بوضع مرآة أمام أفراده تكشف لهم بعض ذهنيات يرى المبدع أنها أسهمت بصورة أساسية في السياسات التي أدت إلى مثل تلك الأوضاع التي أوصلت بدورها إلى الكارثة. وفي هذا المعنى بدا موليير صالحاً لقول الحقائق التي لا بد من قولها، والتي تقود إلى الكارثة التي ستكون أكثر اجتماعية منها سياسية أو اقتصادية. وهذا ما كان يحدس به كثر من المبدعين الألمان في ذلك الحين.

“البطل” والكارثة المقبلة

كان هؤلاء يعلمون أن الكارثة مقبلة، وستتخذ شكل “بطل”-غول (ومنافق لدى مورناو)، يمكنه أن يجمع الشعب من حوله مستخدماً أساليب الإبهار الجماعي، ومن هنا لم يكن من الصدفة أن يعنون الباحث كراكور كتابه “من كاليغاري إلى هتلر” مشيراً بهذا إلى أن الدكتور كاليغاري صاحب العيادة الشيطانية المشؤومة في فيلم روبرت فاين “عيادة الدكتور كاليغاري” ليس سوى هتلر، الغول المقبل من رداءة الأسطورة إلى ظلام الواقع. أما مورناو فوجدناه يحقق ثلاثة أفلام على الأقل تدق ناقوس الخطر. فنوسفراتو-الغول في فيلمه ليس سوى الزعيم الآتي من عالم الشياطين ليقبض على الروح الألمانية، كما سوف يحدث لاحقاً بالطبع، وفي “فاوست” يبدو العقد بين الدكتور والشيطان كأنه عقد بين النازية المقبلة والشعب الألماني الذي بات على وشك أن يفقد روحه بعد أن فقد في الحرب كرامته. ليأتي “طرطوف” موضحاً أن المنافق ليس سوى ذاك الذي يستبد بعقول الناس عبر لفظية تخفي مساوئه التي من المدهش أنها غائبة عن الإدراك على رغم وضوحها.

لسنا بحاجة إلى القول هنا إن هذه التعبيرية السينمائية، كانت من أولى ضحايا النازية وأن بعض أبرز صانعيها اضطروا إلى الفرار ما إن استتبت السلطة في أيدي النازيين، وذلك بكل وضوح لأن النازيين أدركوا فحوى ذلك التيار الذي وصفوه بأنه “تيار انحطاطي يحاول أن يدمر الروح الألمانية”، ومنعوا أفلامه ودمروا منتجيه. وحده فريتز لانغ، رغم يهوديته، نال رضاهم، لأنه حين استخدم الأسلوب التعبيري، في عمله الأشهر “متروبوليس”، جيّره لصالح فكرة تلتقي في نهاية الأمر مع الفكر النازي. لكن لانغ، لخوفه الشديد، فضّل الهرب ملتحقاً بزملائه، وبخاصة مورناو، الذي كان الأوضح والأصرح في تعبيره عن قلقه من قدوم النازية، وكان الأكثر عبقرية بين أبناء جيل أصر على أن يجعل من الفن السابع ناقوس خطر يدق، حتى لو لم يجد من يصغي إليه.

المزيد عن: ألمانيا/هتلر/موليير/السينما الألمانية/فرنسا

 

 

You may also like

25 comments

зарубежные сериалы в хорошем HD качестве 23 مارس، 2024 - 4:46 م

Wow, marvelous blog layout! How long have you been blogging for? you make blogging look easy. The overall look of your web site is wonderful, let alone the content!

Reply
глаз бога бот 11 أبريل، 2024 - 2:30 ص

I am extremely inspired together with your writing talents and alsowell as with the layout in your blog. Is this a paid subject or did you customize it yourself? Either way stay up the nice quality writing, it’s rare to see a nice blog like this one these days..

Reply
new cs:go skin bets site 8 مايو، 2024 - 8:41 م

Hello, I do believe your website might be having internet browser compatibility issues. When I look at your site in Safari, it looks fine however, if opening in Internet Explorer, it has some overlapping issues. I just wanted to give you a quick heads up! Apart from that, wonderful website!

Reply
Гомельский государственный университет имени Франциска Скорины 16 مايو، 2024 - 6:13 ص

Крупный учебный и научно-исследовательский центр Республики Беларусь. Высшее образование в сфере гуманитарных и естественных наук на 12 факультетах по 35 специальностям первой ступени образования и 22 специальностям второй, 69 специализациям.

Reply
гостиничные чеки Санкт Петербург 25 مايو، 2024 - 12:55 م

Heya! I realize this is somewhat off-topic but I had to ask. Does operating a well-established blog like yours take a massive amount work? I’m completely new to writing a blog but I do write in my diary daily. I’d like to start a blog so I will be able to share my own experience and views online. Please let me know if you have any ideas or tips for new aspiring bloggers. Appreciate it!

Reply
купить удостоверение тракториста машиниста 31 مايو، 2024 - 12:36 ص

My brother suggested I might like this blog. He was totally right. This post actually made my day. You cann’t imagine just how much time I had spent for this information! Thanks!

Reply
хот фиеста слот 13 يونيو، 2024 - 5:19 ص

Im not that much of a online reader to be honest but your blogs really nice, keep it up! I’ll go ahead and bookmark your site to come back in the future. Cheers

Reply
хот фиеста слот 14 يونيو، 2024 - 6:50 م

you are in point of fact a good webmaster. The web site loading velocity is incredible. It sort of feels that you are doing any unique trick. Moreover, The contents are masterpiece. you have performed a fantastic task in this matter!

Reply
hot fiesta слот 15 يونيو، 2024 - 6:03 ص

Hi there all, here every one is sharing these experience, thus it’s good to read this weblog, and I used to visit this blog every day.

Reply
highlights on dark auburn hair 16 يونيو، 2024 - 4:22 م

Well done! This article provides a lot of value.

Reply
Теннис онлайн 28 يونيو، 2024 - 6:01 ص

Nice post. I learn something new and challenging on sites I stumbleupon everyday. It will always be helpful to read content from other writers and practice a little something from their websites.

Reply
Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 12:47 ص

Howdy! Someone in my Myspace group shared this site with us so I came to give it a look. I’m definitely enjoying the information. I’m book-marking and will be tweeting this to my followers! Fantastic blog and excellent design and style.

Reply
Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 1:36 م

After exploring a number of the blog posts on your web page, I truly like your way of blogging. I bookmarked it to my bookmark site list and will be checking back soon. Take a look at my web site as well and let me know how you feel.

Reply
Теннис онлайн 1 يوليو، 2024 - 2:27 ص

My family members always say that I am wasting my time here at net, but I know I am getting knowledge every day by reading such nice posts.

Reply
Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 10:17 م

Wow, this post is pleasant, my sister is analyzing these things, so I am going to tell her.

Reply
автомойка под ключ 6 يوليو، 2024 - 5:36 ص

Строительство автомойки под ключ — идеальное решение для бизнеса. От проекта до запуска, мы обеспечим все этапы работ.

Reply
автомойка под ключ 7 يوليو، 2024 - 11:52 م

Автомойка самообслуживания под ключ – наше предложение для тех, кто ценит эффективность и инновации. С нашей помощью вы войдете в рынок быстро и без проблем.

Reply
строительство автомоек под ключ 8 يوليو، 2024 - 11:21 ص

Строительство автомоек под ключ – наша специальность. Мы заботимся о каждой детали, чтобы обеспечить надежное и прибыльное хозяйство.

Reply
Прогнозы на футбол 9 يوليو، 2024 - 11:44 م

Appreciate the recommendation. Will try it out.

Reply
Прогнозы на футбол 10 يوليو، 2024 - 3:36 م

you are actually a good webmaster. The web site loading speed is incredible. It kind of feels that you are doing any unique trick. Moreover, The contents are masterpiece. you have performed a wonderful process in this topic!

Reply
автомойка под ключ 15 يوليو، 2024 - 4:49 ص

1Мойка самообслуживания под ключ – уникальная возможность начать простой в управлении бизнес. Идеально для начинающих предпринимателей.

Reply
Джак 19 أغسطس، 2024 - 9:54 م

I am extremely impressed with your writing skills and also with the layout on your blog. Is this a paid theme or did you customize it yourself? Either way keep up the nice quality writing, it’s rare to see a nice blog like this one nowadays.

Reply
theguardian.com 24 أغسطس، 2024 - 5:55 م

hi!,I love your writing so so much! proportion we keep in touch more approximately your post on AOL? I need an expert in this area to unravel my problem. May be that is you! Looking forward to see you.

Reply
theguardian 25 أغسطس، 2024 - 9:49 ص

It’s in point of fact a nice and helpful piece of information. I’m glad that you simply shared this helpful info with us. Please stay us informed like this. Thanks for sharing.

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00