الثلاثاء, نوفمبر 5, 2024
الثلاثاء, نوفمبر 5, 2024
Home » طالبات “رباعي أكسفورد” أعدن اختراع الفلسفة خلال الحرب الثانية

طالبات “رباعي أكسفورد” أعدن اختراع الفلسفة خلال الحرب الثانية

by admin

 

شخصيات نسائية حاضرة في المشهد الفكري والروائية آيريس مردوك في الواجهة

اندبندنت عربية / مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كاتبة وباحثة @MARLKANAAN

 الطالبات الأربع اللواتي شكلن مجموعة أطلق عليها اسم “رباعي أكسفورد”، هن : إليزابيث أنسكومب (1919-2001) تلميذة الفيلسوف النمساوي لودڤيغ فيتغنشتاين، وقد أصبحت في ما بعد فيلسوفة بريطانية بارزة، ترجمت وحرّرت العديد من الكتب والمقالات التي تمحورت موضوعاتها حول فلسفة العقل وفلسفة الفعل والمنطق الفلسفي وفلسفة اللغة والأخلاقيات؛ وفيليبا فوت (1920-2010) حفيدة الرئيس الأميركي السابق غروفر كليفلاند، الحائزة على زمالة الأكاديمية البريطانية والتي درّست الفلسفة في العديد من الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة حتى وفاتها عام 2020، بعد أن نشرت مؤلفات في مجال أخلاقيات الفضيلة المعاصرة، المستوحاة من أخلاقيات أرسطو ككتابها “الفضائل والرذائل” الذي ميّزت فيه بين “القيام” بشيء ما بشكل نشط وبين مجرد “السماح بحدوثه”؛ وماري ميدغلي (1919-2018) العالِمة الموسوعية المتأملة في سلوك الإنسان والمعروفة بأعمالها في مجال العلوم والأخلاقيات وحقوق الحيوان، لا سيّما كتابها “الوحش والإنسان، جذور الطبيعة البشرية”، الذي وسّع الحدود الفلسفية من خلال الغوص في غرائز الإنسان البدائية؛ والروائية والفيلسوفة آيريس مردوك (1919-1999) التي اشتهرت بكتاباتها حول مسألة الخير والشر والعلاقات الجنسية والأخلاقيات فضلاً عن قوة اللاوعي.

كتاب “رباعي أوكسفورد” (دار فلاماريون)

يأخذنا هذا الكتاب إلى حياة أولئك النسوة وقصص حبهن وزواجهن وحملهن وإنجابهن وخلافاتهن وطلاق بعضهن وإسهاماتهن في الفلسفة الأخلاقية المعاصرة التي تصدّت لقدر كبير من الشكلية في التقليد الفلسفي البريطاني، بحيث طوّرت كل واحدة منهن فلسفة أخلاقية تتمتع بحداثة مذهلة، في وقت كانت الوجودية مزدهرة في فرنسا. كما يقدم لنا سرداً مفصلاً مليئاً بشخصيات مهمة في هذه المرحلة من التاريخ، كسوزان ستيبينغ، وهي أول امرأة تحصل في بريطانيا على لقب أستاذة في الفلسفة.

يتتبع الكتاب إذاً تطور أفكار أولئك الفيلسوفات ومساهمتهن في الفلسفة الأخلاقية المعاصرة. ولعله نوع من “إعادة إبراز” لأسماء منسيّة أو مغيبة في الفلسفة الناطقة باللغة الإنكليزية، علماً أنه يحمل في طياته أبعاداً أخرى كمثل مناقشة مسألة الذكورية والنظرة إلى النساء في الجامعة العريقة.

حقبة أزمات

في حقبة متأزمة جداً من تاريخ أوروبا، شهدت جامعة أكسفورد استقبال عدد كبير من المثقفين والطلاب الناجين من ويلات النازية في جميع أنحاء العالم. وكانت أولئك الطالبات بينهن. وقد تشاركن إلى جانب متابعة الدروس والمحاضرات الجامعية وقراءة الكتب والنصوص الفلسفية والأدبية، التدخين ورواية أحزانهن وخيبات أملهن العاطفية، من دون التوقف عن التفكير في العالم. ذلك أن الفلسفة بالنسبة لهن لم تكن مجرد ملاذ، بل ضرورة مطلقة، مكنتهن من خوض نقاشات فلسفية حامية وطرح أسئلة تناولت ماهية الإنسان والحياة. فكيف فكرت أولئك الفيلسوفات في العمل الإنساني؟ وماذا تعني الحياة الجيدة لهن؟ وهل الإنسان برأيهن حيوان مثل بقية الكائنات الحية؟

في جامعة أكسفورد، عرين الفلسفة الإنجليزية، سعت هذه المجموعة من النساء الخارجات عن التقليد إلى إنقاذ الفلسفة من قيود التحليل وربطها بقوة بالواقع، بعد أن أخذن على عاتقهن إعادة تعريف مهمتها وأصبحن من كبار أساتذتها.

الشخصيات النسائية الأربع (من الكتاب)

فقبل 80 عاماً، رفضت المفكرات الأربعة إلقاء الدروس وهن يرتدين التنانير، وتحدين صرامة الحياة الأكاديمية البريطانية، بحيث وزعن أوقاتهن على الحفلات والتدخين وإلقاء المحاضرات والتأليف والكتابة. كانت أنسكومب وميدغلي ومردوك وفوت من خلفيات متنوعة. لكن الكثير من السمات المشتركة جمعت بينهن. فجميعهن وُلدن بين عامي 1919 و1920، وتعلمن وتلقين دروسهن العليا في جامعة أكسفورد خلال فترة الحرب العالمية الثانية. وبطريقتهن المميزة، شكّلن تحالفاً موحداً بتمردهن على قيود التفكير التحليلي والوضعية المنطقية في فهم تعقيدات العالم. إذ كانت مدرسة الفلسفة التحليلية السائدة في أكسفورد مع فريجه ومور ورسل وكواين وفيتغنشتاين ترفض سؤال اليمتافيزيقا، ومن خلاله الحديث عن الدين والأخلاق والقيم، مروجةً لفكرة أن الحقائق الأخلاقية غير موجودة، وأن العلم يملك جميع الإجابات. مع ذلك، رفضت أولئك الرائدات الامتثال للخط الأكاديمي الأكسفوردي وتحدين الفلسفة الوضعية الإنجليزية التي كانت تخلط بشكل خاطئ بين النظرية والأدوات التحليلية وبين واقع حياة مليئة بأشباح الحرب والقنبلة الذرية والهولوكوست.

وبتأثير من أساتذة ومفكرين كبار أمثال إدوارد فرانكل ودونالد ماكينون، انغمست الصديقات الأربعة في الأدب واستمتعن بالحفلات المليئة بالسجائر والويسكي والشاي والبسكويت والنقاشات الفكرية الحامية التي تناولت موضوعات الأخلاق والشر والحب وغيرها من المواضيع، التي طرحتها الصور المروعة لمعسكرات الموت النازية. هذا اللقاء العميق بين الفكر والواقع غيّر نظرة أولئك المفكّرات. فبمواجهة القسوة المطلقة، سعَين إلى إنقاذ جوهر القيم الأخلاقية المشتركة، وأعدن اكتشاف قيم التعاطف والكرم والثقة والتعاون والتضامن والإبداع في المساعي الإنسانية والتي نجحت الكاتبتان ماك كومهيل ووايزمان في تصويرها ببراعة. ولئن كانت التأكيدات الأخلاقية من وجهة نظر الفلسفة التحليلية غير صحيحة أو خاطئة، إذ اعتبرت مجرد تعبيرات ذاتية للأفراد الذين ينطقون بها، فإنها أصبحت مع دراسات وتأويلات الفيلسوفات الأربعة موضوعية في تجاوز صريح للرأي الشخصي.

مساهمة الرباعي

هذا ما يشدد عليه كتاب أستاذتي الفلسفة كلار ماك كومهيل وراشيل وايزمان الجميل الذي يؤكد أن أكبر مساهمة لرباعي أكسفورد كانت في إحياء الدراسات الفلسفية الأخلاقية. فآيريس مردوك، القارئة النهمة لمحاورات أفلاطون وكتابات سارتر وسيمون ڤايل، حذرت على سبيل المثال لا الحصر، من أن النقاش حول جوهر الخير والواقع البشري سيستمر، سواء كان ذلك في إطار الفلسفة أم لا. ومردوك التي كتبت عن هشاشة “فعل الخير”، الذي اعتبرته مهارة يتم اكتسابها من خلال التأمل الأخلاقي وقوة الإرادة، شاركت بعد الحرب في برامج الأمم المتحدة لمساعدة المشردين في النمسا وبلجيكا، وعاشت حياة محطمة خالية من الأمل. وإدراكاً لظهور مجتمع جديد مدفوع بالعلم والتكنولوجيا، فهمت الحاجة الملحة إلى فلسفة مؤثرة وإلى ضرورة السعي وراء المعرفة من خلال التجربة الحياتية ووجود بوصلة ميتافيزيقية وأخلاقية. فاستحوذ على فكرها مفهوم الارتباط، واعتبرت أن الحب يجسد جوهر الفن والأخلاق، وهو لفتة عميقة تقبل الأفراد كما هم.

أما إليزابيث أنسكومب الذي يفتتح الكتاب بمشهد يصورها عام 1956 في اجتماع دُعي إليه الأساتذة للتداول بأمور أكاديمية وللتصويت على منح شهادة فخرية للرئيس الأميركي السابق هاري أس. ترومان، الذي كان اسمه آنذاك مرادف لهيروشيما وناغازاكي، فتقول لنا المؤلفتان إن غالبية المشاركين في هذا الاجتماع كانوا من الرجال، الذين لم يعارضوا هذا القرار. فما كان من إليزابيث أنسكومب إلا أن اعتلت المنصة، ملقيةً، خلافاً للعادة التي كانت تقضي التكلم باللاتينية، خطاباً باللغة الإنجليزية، قارنت فيه ترومان بأكبر المجرمين في التاريخ، أمثال نيرون وجنكيز خان وهتلر وستالين، واصفةً إياه بـ”الجزار”. أثار خطابها الانزعاج وخلق جواً من البرودة، لكنه لم يمنع تصويتاً إيجابياً. وفي 20 يونيو (حزيران)، حصل ترومان على شهادته مرتدياً روباً قرمزياً وقبعة من المخمل الأسود، ثم تناول العشاء في الاحتفال السنوي الرسمي الذي كان لا يزال محصوراً بالرجال، إلى جانب عدد كبير من الأساقفة والفرسان واللوردات والسفراء وكبار النبلاء والرسميين.

كانت أنسكومب الأذكى والأكثر جرأة بين زميلاتها اللاتي شكلن “رباعي أكسفورد” وصنعن حراكاً فكرياً كبيراً أعاد الحياة للفلسفة. نقرأ سيرتها وأفكارها، كما نقرأ سير صديقاتها وأفكارهن كما وردت في هذا الكتاب، بمتعة كبيرة نستمدها من رغبتنا في معرفة حياة وإنجازات أولئك النساء الرائدات، اللواتي شكلت أعمالهن منعطفاً في تاريخ الفلسفة الأخلاقية والحركة النسوية في بريطانيا.

ليس كتاب “رباعي أكسفورد” رواية لسير أولئك الفيلسوفات وحسب، بل هو أيضاً كتابٌ فلسفي بامتياز يجمع ما بين السيرة الحياتية والتجربة الإنسانية والفكر الفلسفي المُستمَدّ من مواقف حقيقية عالجتها الفيلسوفات بعمق وبصياغة أدبية محكمة.

المزيد عن: جامعة أوكسفوردفلسفةفكرنساءإيريس مردوكالحرب الثانيةبريطانياالحداثة

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00