لوحة للرسام إسماعيل الرفاعي (صفحة الرسام - فيسبوك) ثقافة و فنون صوتان شعريان بين الواقعية العصرية والفانتازيا الساخرة by admin 3 مارس، 2025 written by admin 3 مارس، 2025 24 “سيرك ” و”الشوارع المعلقة على حبل” ديوانان لرؤية غير مهادنة اندبندنت عربية / أنطوان أبو زيد يقول رينه شار، في قصيدة بعنوان “تقاسم شكلي” “إن أكثر ما يؤلم الشاعر في علاقاته مع العالم، هو نقصان العدالة الجوانية…”، وفي موضع آخر يقول “إن الشاعر ينتزع المأساة من هوته الشخصية”، وقد يقول آخر: إن الشاعر الحق هو من يصنع من مأساته ينبوعاً من كلمات وحكايات آسرة، تخرج تلقائياً، ومن دون تهيئة، ولا كثير تطلب، كما تتهادى مياه الينابيع الرقراقة، على رسلها. لا أحسب هذا التمهيد للكلام على المجموعة الشعرية الأولى (2025) للشاعرة اللبنانية الشابة نور خليفة (1991) بعنوان “سيرك” (دار النهضة العربية)، تعريفاً أو توصيفاً، وإنما مدخل للتعرف إلى هذا الأفق الجديد – وقد لا يكون جديداً بالكامل – الذي سعت نور إلى نسجه في باكورتها الشعرية، ولا سيما أنها استبقت القراءة بعنوان لافت مستل من أنطونين آرتو، مسرحي القساوة، على الصفحة ما قبل الأولى “يلزمنا الكثير من الألم لنتوصل إلى الولادة”، والشاعرة ذات إعداد مسرحي واضح. تظهير الألم من الواضح أن الشاعرة نور خليفة تتعامل مع الشعر على أنه “التعبير بما يخدم التطهر من الآلام”، على خشبة المسرح بنوع خاص، على ما تعنيه عبارة كتارسيس اليونانية. وفي هذا عودة بالشعر إلى مصدره اليوناني يوم كان (الشعر) مادة الأعمال المسرحية والمقامات الثلاثة الكبرى: الوجدانية والبطولية والتراجيدية. بالطبع لا يعني هذا الأمر شعر الشاعرة، ولا سيما في القسم الأول من المجموعة الشعرية بعنوان “كي تختفي أكثر”، وإنما يعنيه منه هو عزم الشاعرة على التنفيس عن أحوال ضاغطة ومقيمة في صميم ذاتها، نأتي على بعض مظاهرها والموضوعات النافرة التي تحملها السياقات الشعرية، تباعاً، مشفوعة بالأشكال الفنية التي أحسنت الشاعرة التصرف بها. ديوان “سيرك” (دار النهضة العربية) تقول الشاعرة في أول قصيدة لها، بهذا القسم بعنوان “مفتتح”، مؤلفة من 16 سطراً شعرياً، على طراز قصيدة النثر التي لم نلمح وجوداً لغيرها في الكتاب: “تبكيني النهاية/ كل نهاية”. وفيها تجيز الشاعرة لنفسها الانتقال، عبر المماثلة، من رصد النهايات لبعض الأمور (للأفلام، جابي الكهرباء، الدوران في مدينة الملاهي، الحرب)، إلى التمني بأن “تفلت (النهاية) يدي منذ البداية”. ولئن صح أن رؤية النهايات في البدايات عرف بها الرومنطيقيون المتشائمون، فإن الشاعرة هنا تحيل هذه الرؤية على حساسية خاصة بها، ستكون القصائد الآتية تنمية لها، وصولاً إلى تكوين لوحة كبرى أو أسطورة عن ذاتها المتألمة ألماً وجدانياً، ووجودياً، والمتفاعلة مع كل ما تراه بعين لا وعيها ومشاعرها وتجاربها المحبطة، في واقعها الأشبه ما يكون “بالهوة”، على حد تعبير رينه شار السابق ذكره. ولكن ما يجدر التنويه به في مجموعة الشاعرة نور خليفة الأولى هو هذه القدرة المكتسبة لدى خليفة على إحكام بنيان قصائدها، القصيرة منها والطويلة، وسواء المحبوكة بخيط التلميح المطعم بخيط تكرار اللازمة (تلويح، ص:13)، والمنتهية باستنتاج دال على رؤية خاصة: “هذا ما فعل الأحبة/ هذا ما فعل العدو/ قتلوا طفلة/ هذا ما فعل الأحبة/ هذا ما فعل العدو/ أردوا عروس الغد أشلاء… هذا ما فعلت الأيدي/ كل الأيدي/ قتلت…/ أقصى ما فعلته يداي/ التلويح”، والمحمل رسائل ومضامين عن قهر النساء، بل الأنثى في مشرقنا المعذب، واغتيالهن، في فعل عدواني يماثل ببشاعته عدوانية العدو وهمجيته. أما الذات الشاعرة فلا تقوى سوى على “التلويح” أو الإشارة من بعيد إلى الجريمة المقترفة في حق المرأة. وأحسب أن اللازمة التي كررتها أربع مرات في القصيدة، والتي تجنبت فيها استخدام الصور البيانية تشبيهاً أو استعارة، إبعاداً منها لشبهة البلاغة، وتوكيداً لفعالية التراكيب، وقدرتها الوفيرة على إحداث الصدمة الدلالية المطلوبة، في ما يذكر بشعار فيكتور هوغو: “حرباً على البلاغة، وسلاماً على الصرف”. جدارية الخوف والذات أعلق الشوارع (دار مرفأ) ولكن هذا التمرس بتشكيل القصيدة، لدى نور خليفة – وهي سمة المتمكن بأداء لعبته الشعرية – وإن أعانها على تعديل طبيعة صورها وتراكيبها، فإنه قدرها على بسط هاجسها المتواتر، على امتداد القسم الأول من المجموعة الشعرية أقله، وقصائده، ونعني به هاجسها المتمثل في الخوف، فإذا هي تخاف من “القطط” التي تنهش جثث القتلى، ومن “أن أقص يدي بالسكين”، ومن “المياه ومن “الكلاب” ومن “الأنياب الحادة” ومن “الفراشة”، خوفاً يشي بضيقها من المظاهر العنيفة، أو تلك التي تباعد بين نقاء روحها وعدوانية العالم. على أن الشاعرة، إذ تهجس بصورة التعبير عن الخوف، تعمد إلى التنويع في بنى القصائد الحاملة الخوف، شأنها في غالب القصائد، فمنها ما تكون أناشيد مثل “على أية حال”، مكونة من ثماني قصائد ومقطعات شعرية، ومنها ما هي قصائد طويلة مثل “امرأة تحب البحر ولا تعرفه”، ومنها ما هي قصائد قصيرة نسبياً، مثل “سيدي البحر” وغيرها، تعرض فيها لأحوال الذات ومخاوفها الهاجسية، وتوصف هشاشة وضعها النفسي حيال المآسي وانهيار العلاقة مع الحبيب (“امرأة ترتطم بالأرض”)، وذلك كله وسط لا مبالاة مستهجنة من قبل المحيطين بها، وقساوة مستغربة لدى عامة الناس. على حافة الأسطورة ومع ذلك تمضي الشاعرة، في أقصى تجربتها، إلى حد بناء أسطورتها الشعرية من خليط مخاوفها السالفة، ومما تهواه (“امرأة تحب البحر ولا تعرفه”)، وذلك في دفق شعري غنائي، وقدرة عالية على مقارنة ذاتها بكائنات المياه والبحر، وبرؤية المتزوجين والطفل، من دون أن تهمل الإشارة إلى الحساسيات التي تميزها عن سواها، ولعل جميع هذه السمات التي اندمجت في كيان الذات الشاعرة، في رسمها الأسطوري، تتيح لها الحلول في روح الطفل، وجده، وروح الرجل الشبح. “أنا أيضاً أخاف من أن تبتل قدماي/ أرتدي الجوارب في كل الفصول/ وأبكي إذا تسللت المياه إلى حذائي/ لكني لا أخاف السقوط في المياه/ أنا الطفل، أنا جد الطفل ولست جدته/ بي روح الرجل الشبح الذي يتنقل من صخرة إلى صخرة/ أردت أن أمشي فخفت أن آتي غداً ولا أجد مكاني/ فتصير عيناي كعيني تلك الطفلة،/ العينين المتملكتين اللتين تخافان الاختراق…”. وبالطبع تواصل الشاعرة مشروعها الأول والأساس، عنيت به بناء أسطورتها، في القسم الثاني من المجموعة بعنوان “تسقط فراشة على عنقها وتقع” – في تناص مع عنوان أحد كتب الشاعر شوقي أبي شقرا “سنجاب يقع من البرج” – وفيه تنمي عالمها، وتضفي على سردها لمسة غرائبية وسحرية خاصة، وتدخل إلى صلب حياتها الاجتماعية، وروتينها اليومي، ومحاكاتها حركة الموج والنهوض من الموت، وغيرها الكثير، مما يحسن بنا حفظه للقارئ ليستزيد من رؤى الشاعرة، نور خليفة، ولغتها الشعرية الثرية، ومسرحها (“سيرك”) التجريبي البليغ، من دون بلاغة. بيان شعري في المقابل يجهد الشاعر السوري الشاب حسين الضاهر (1992) في مجموعته الشعرية الأولى، بعنوان “أعلق الشوارع على حبل منتصف الليل” (دار مرفأ، 2025)، في إصدار بيانه الشعري الأول، محمولاً على قصائد مشغولة بهموم يومية، وما بعد يومية. لا نجد نبرة حزن، ولا تشاؤماً، ولا انهماماً وجودياً، في شعره، وإنما يأخذ الشاعر مجد التلاعب بالكلام الشعري، وإبدال كائنات بأخرى، في عملية تخييل وتعليل بسيطين. يقول في أولى قصائد مجموعته بعنوان “هذه لعبتي”: “لا أستشعر أي خطر على صحتي/ أنا في الثالثة والثلاثين/ في عمر الأنبياء/ غير أني بعثت لأتمم التعداد السكاني فقط…”. وإذ يتابع تحليل شخصيته، التي تتبدى أول الأمر معاً، وعادية شأن بقية البشر، من جهة حب المرأة و”الهرولة أمام الوقت”، يصور نفسه كثير الحساسية، وحيداً، وشديد التألم من وطأة الزمن، حتى الموت، يقول: “أموت أنا/ هذه لعبتي أيضاً/ أموت في اليوم مئات المرات/ قبل الأكل وبعده/ أموت عند الحاجة أيضاً…”. ما يلفت في شعر حسين الضاهر، لا المشاهد المقتطفة الدالة على سيرة الذات التي تدنو فيها الأنا الساردة من التصور العام للشخص المشاكس والشاب المسؤول عن “منزله” حيث يقيم، وإنما اللافت هي الصور الشعرية المركبة، التي تكاد تكون متكلفة، طمعاً في تسجيل أثر التخييل في كتابته الشعرية. وإذ نقتطف بعض هذه الصور، نقول إن هذا التركيب – بل التصنيع – من علامات أولى مراحل المسيرة الشعرية المديدة، إن شاء صاحبها خوضها حتى النهاية. يقول: “لم تدرِ أمه بالفاجعة/ إلا عندما رأته يكمل عد سنين عمره على أصابع إخوته…”، “أمرر مفردة “اشتقتلك” في خرم إبرة الضجيج المحيط بك…”، “هكذا هي الشمس/ تحتاج اسماً وجهة وشخصاً أعزلاً لتبني ظلاً على جدار الوحدة…”، “سأدعو إليها ماضي العبثي، ومستقبلي الغامض المتسلسل…”، “أفكر أن آتي إليك خلسة/ بعد أن أفك أربطة أحذية أشجار الصنوبر”. رؤية وبنية ولئن كان الشاعر حسين الضاهر ظاهر الصدق في تعبيره عن معاناته شخصاً مقيماً في المهجر (السويد)، يحكيها بلغة مفعمة بالأسى من وقوعه، وذويه و”أخواته الأربع”، طعماً للوحشة والبرودة ونظرة الريبة وصرامة القوانين، في مقابل إقامة هنية نسبياً وخدمات صحية واجتماعية مدروسة، فإنه أنس إلى لغة شعرية أقرب ما تكون إلى السرد والتعليل المنطقي وتوشيحهما بقدر من الصور الشعرية القريبة من المتناول، والدالة على رؤية موضوعاتية لا تزال قيد النماء والتوسع والتعمق. فلا تشع صور، ولا ترسل صيغ شعرية أنوارها، من دون كيمياء الثقافة الموسوعية التي تكفل لها الانفتاح على آفاق التخييل والتأويل. ومن يقرأ قصيدة “تنمية ذاتية” للشاعر الضاهر يدرك أبعاد ما ذكرناه. يقول: “في السنة الجديدة/ اللامعة كحذاء في العتمة/ سأنهي آخر ركلة من تنمية ذاتي/ ولن أكون أنا بعد ذلك/ بإصرار سأتشرد عني/ أتلحف ضمائر الغرباء الرثة/ نصف نائم أمام مصراعيْ نفسي…”. وأياً يكن، فإن التجربتين الشعريتين الموصوفتين أعلاه تحملان في طياتهما أملاً متعاظماً لكلا الشاعرين، نور خليفة وحسين الضاهر، وإن بقدر من التفاوت بينهما. المزيد عن: جيل الشبابشاعرشاعرةالواقعيةالفانتازيارؤية شبابيةالسخريةالعالمالعصر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رحلة أبناء الرؤساء المخلوعين بحثا عن زعامة “افتراضية” next post كيف يستمر منتدى أصيلة بعد رحيل رائده محمد بن عيسى؟ You may also like كيف يستمر منتدى أصيلة بعد رحيل رائده محمد... 3 مارس، 2025 ساره برنار… سيرة مدهشة للسفر والرسم والكتابة والتلاعب... 2 مارس، 2025 الغرام يعيد ستيفن كينغ إلى بطلته السابقة هولي 2 مارس، 2025 فيلم لأيقونة حركة “أنا أيضاً” اليابانية يترشح لجائزة... 2 مارس، 2025 محمد بن عيسى… روح “أصيلة” تدخل الأبد 1 مارس، 2025 ماريا كالاس تحت ملامح الفاتنة أنجلينا جولي 1 مارس، 2025 رمزية التزامن بين صوم المسلمين والكاثوليك والأرثوذكس 1 مارس، 2025 كردي أعاد الاعتبار للنثر العربي 1 مارس، 2025 غموض يلف ظروف وفاة الممثل جين هاكمان وزوجته…... 28 فبراير، 2025 إضاءات على حياة رامبو في عدن 28 فبراير، 2025