تصاعدت عمليات عرض الأطفال عبر الإنترنت في مصر منذ عام 2018 (اندبندنت عربية) عرب وعالم صرخات جديدة للبيع… سماسرة التبني في مصر by admin 27 فبراير، 2025 written by admin 27 فبراير، 2025 21 نساء يعرضن أطفالهن عبر وسائل التواصل ووسطاء يسهلون العمليات مقابل المال وموظفون يتورطون في تزوير الأوراق الثبوتية اندبندنت عربية / صلاح لبن صحافي مصري “يتبقى 10 أيام على الولادة. أضمن لك 3 أشياء: تسلُّم الطفل، وتسجيله باسمك، وموافقة الأم. ولن أتقاضى منك أكثر من 20 ألف جنيه”، بهذه الكلمات قدّم لنا رحيم عرضه المباشر داخل مجموعة مغلقة على “فيسبوك” في مصر، مروّجاً عملية تبني “غير قانونية” تتيح نقل طفل حديث الولادة ونسبه إلى الراغب فيه مقابل المال. ما يفعله رحيم وغيره من السماسرة الذين ينشطون على منصات التواصل تجرّمه مصر وفق قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لعام 2010، وقانون العقوبات، وقانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996، الذي يحظر في مادته الرابعة التبني، ويمنع نسب الطفل إلى غير والديه البيولوجيين. تكشف “اندبندنت عربية” في تحقيقها الاستقصائي عن شبكات غير قانونية يديرها سماسرة عبر الإنترنت، تسهّل الاتجار بالأطفال تحت غطاء التبني المحظور بموجب القوانين المحلية، إذ تستغل هذه الشبكات الثغرات القانونية، وتستخدم أساليب ملتوية، لتحويل الأطفال إلى سلعة تُباع وتُشترى بعيداً من المسار الرسمي، وما تتخلله هذه العمليات من محاولات لتهريب الأطفال إلى دول تتيح التبني، من طريق العبث في هوياتهم القانونية. سماسرة التبني قادنا البحث إلى مجموعة مغلقة على “فيسبوك” تحمل اسماً خادعاً: “تبني أطفال يتامى وكفالة نساء حوامل”. تأسست هذه المجموعة في منتصف عام 2024، واجتذبت أكثر من خمسة آلاف عضو. وبينما كان الجميع يتبادل تفاصيل دقيقة حول الأطفال المعروضين للبيع مثل الجنس ولون البشرة والعمر، قدّم رحيم نفسه وسيطاً لسيدة على وشك الولادة، تريد التخلي عن مولودها. داعياً المهتمين للتواصل معه عبر الرسائل الخاصة، وحين انتقلنا إلى المحادثات المباشرة الخاصة باغتنا بعرضه: “المولود ذكر، والأم موافقة على الاستغناء عنه فور ولادته لمن يرغب في تبنيه”. يقول مدير خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، صبري عثمان، لـ”اندبندنت عربية”، “تلجأ بعض الأسر إلى هذه الصفحات بحثاً عن تسجيل الأطفال بأسمائها بالمخالفة للقانون. الجهة الرسمية المسؤولة عن هذا الملف وزارة التضامن الاجتماعي، التي تعتمد نظام الكفالة ولا تعترف بالتبني”. يستغل السماسرة الأزواج غير القادرين على الإنجاب للاحتيال عليهم مقابل المال (اندبندنت عربية) أنشئ خط نجدة الطفل المنبثق من المجلس القومي للأمومة والطفولة في يونيو (حزيران) 2005 لرصد الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال. يشرح عثمان: “نتحرك غالباً بناءً على البلاغات، وفي السنوات الأربع الأخيرة، زادت حالات بيع الأطفال عبر الإنترنت بشكل ملحوظ، رصدنا 24 صفحة نشطة تمارس هذه الأنشطة المحظورة في عام 2024 وحده”. ويبلغ عدد الأطفال في مصر 39.5 مليون، وفقاً لأحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وهي النسبة الأكبر عربياً. وبحسب تصريحات أدلت بها وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج أغسطس (آب) 2023، يقدَّر عدد الأيتام بـ1.4 مليون طفل، ويشكّل فاقدو الأبوين 3 في المئة منهم. ويعدّ هؤلاء، إلى جانب مجهولي النسب، من الفئات المسموح بكفالتهم دون تغيير أنسابهم. وبينما لم تصدر جهات رسمية في مصر إحصاءات متعلقة بعملية استغلال الأطفال عبر منصات التواصل، لا ينكر مدير نجدة الطفل “وجود وقائع كثيرة حقيقية لبيع أطفال عبر الإنترنت، لكن معظم الحالات التي رصدناها عمليات نصب، يستغل فيها السماسرة الأزواج غير القادرين على الإنجاب للاحتيال عليهم مقابل المال”. مافيا بيع الأطفال تعهد رحيم أنه “الضامن بعدم مطالبة الأم بطفلها لاحقاً”. مؤكداً أن “الأم لو كانت بحاجة إلى رؤيته (الطفل) مرة ثانية لم تكن لتستغني عنه بالأساس”. وحول التفاصيل المالية نظير وساطته رد بأسلوب تفاوضي: “والله مش عارف (لا أعلم) بس (لكن) هي ستمنحك روحها وحتة (قطعة) منها”. قبل أن يؤكد “أتقاضى مبلغاً يتراوح بين 15 و20 ألف جنيه”. منتقلاً إلى الخطوة التالية: “التسليم سيجري في مدينة الإسكندرية (شمال مصر) يوم الولادة”. قبل أن يُنهي المحادثة بمحاولة لتأمين الاتفاق، “خلاص اتفقنا عشان ناس كتير دخلت كلمتني عايزة الطفل”. وفي مطلع هذا العام، أثيرت ضجة واسعة في مصر، عقب تداول نشطاء منشورات على صفحات متاحة للعامة بمنصة “فيسبوك” تعرض أطفالاً للبيع، حظيت بتفاعل الآلاف. على إثرها قدم المجلس القومي للطفولة والأمومة بلاغاً إلى النيابة العامة المصرية للتحقيق مع المتورطين ومحاسبتهم. وبعد أيام من الواقعة أعلنت وزارة الداخلية سريعاً أنها رصدت تسع صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تروّج عمليات “تبنٍ” للأطفال الأيتام. وأوضحت، في بيان، أن غالبية هذه الأنشطة لم تكن سوى محاولات احتيال من قبل أفراد استغلوا رغبة البعض في التبني. مؤكدة ضبط القائمين على إدارتها. نقلتنا عملية البحث على منصة “فيسبوك”، إلى صفحة مخصصة توفر قنوات اتصال في شكاوى المستخدمين من المضامين المرتبطة بأنشطة الاتجار بالبشر في عدد من الدول بينها مصر. هكذا يعمل سماسرة التبني في مصر (اندبندنت عربية) تواصلت “اندبندنت عربية” مع رامي الجبالي، مسؤول مبادرة أطفال مفقودة، الجهة المختصة بالرد على مثل هذه الشكاوى على منصات ميتا، الذي بدوره قال لـ”اندبندنت عربية”، “جميع الصفحات التي تروج هذه الأنشطة تخضع لمتابعتنا منذ قرابة ثلاث سنوات، ونتعاون مع وزارة الداخلية، والنيابة العامة، وخط نجدة الطفل لمكافحتها، واستعدنا عدداً كبيراً من الأطفال وأنقذناهم من البيع عبر الإنترنت”. وحول الأسباب التي تحول دون إزالة هذه المضامين تلقائياً رد قائلاً: “السماسرة يستخدمون كلمات مثل (التبني)، التي تعد قانونية في دول مثل الولايات المتحدة، مما يجعل اكتشاف التجاوزات أمراً صعباً، ونظراً إلى أن التبني محظور في مصر يلجأ البعض إلى الإنترنت”. ويختلف استشاري تكنولوجيا المعلومات رامي المليجي مع الرأي السابق. معتبراً أن عملية التواصل بين الجهات المصرية المختصة ومنصات التواصل الاجتماعي “غير كافية، إذ يوجد قصور واضح في التعامل مع منصات التواصل”. معتبراً أنه “لا بديل عن إلزام المنصات بتوفير أدوات فعّالة لملاحقة مثل هذه الجرائم”. كما يشدد خبير تكنولوجيا المعلومات محمد الحارثي على أن ملاحقة هذه الحسابات “أشبه بمحاربة طواحين الهواء، إذ تُغلق صفحات لتظهر أخرى فوراً”. ويستغرب امتلاك “فيسبوك” أدوات متقدمة لرصد سلوك المستخدمين، ومع ذلك تظل مجموعات تروج تجارة الأطفال نشطة دون تدخل حاسم. وتصاعدت عمليات عرض الأطفال عبر الإنترنت منذ عام 2018، بعدما تداول نشطاء منشورات توثق عرض أطفال للبيع عبر موقع إلكتروني يحمل اسم “سوق العرب”. أنشئ الموقع في هولندا، وضم قسماً بعنوان “أطفال ورُضع”، إذ نشرت إعلانات تحدد أعمار الأطفال وأسعارهم بناءً على الشكل، ولون البشرة، والجنس، وبلغت بعض الأسعار 200 ألف جنيه. وأثارت الواقعة ردود فعل واسعة، أعقبها تعديل المادة 290 من قانون العقوبات، لتشديد عقوبة خطف الأطفال إلى السجن المؤبد. اتجار بالبشر وتواصلت “اندبندنت عربية” مع سمسار آخر ينشط في هذه العمليات غير المشروعة على “فيسبوك” ادّعى أنه مجرد وسيط ينفذ تعليمات والد الطفلة “الذي يمر بأزمة مالية خانقة”. بأسلوب بدا مصطنعاً قال الرجل الذي يدعى نبيل: “أنا مكسوف (أشعر بالحرج) من الكلام في حاجة زي دي، لكن الأب مش قادر (عاجز عن) يتكلم، وربنا عالم بحاله”. وفقاً لروايته، السبب وراء عرض الطفلة أن والدها غارق في ديون بلغت 350 ألف جنيه، وبعد محاولات لتسديد جزء منها، بقي بحاجة إلى 180 ألفاً، ولم يجد أمامه سوى “التخلي” عن ابنته. مضيفاً: “البنت متبهدلة معاه، وعايز حد (تحتاج إلى) يتبناها”. يؤكد رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين والمتخصص في قضايا الاتجار بالبشر أحمد مصيلحي أن عرض الأطفال للبيع عبر منصات التواصل الاجتماعي جريمة يعاقب عليها قانون الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010، حيث تبدأ عقوبتها بالسجن 10 سنوات بمجرد الشروع في عملية البيع، بغض النظر عن إتمامها. جانب من محادثة محرر اندبندنت عربية مع سماسرة ويشرح مصيلحي الموقف القانوني لهذه الأنشطة، “الحالات التي تقتصر على عمليات احتيال للحصول على أموال دون وجود أطفال حقيقيين تندرج تحت جريمة النصب وفق المادة 336 من قانون العقوبات المصري، التي تصل إلى السجن ثلاث سنوات كحد أقصى”. بينما أوضحت مستشار الأمم المتحدة في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، نهال فهمي أن “الجرائم التي تجري عبر الإنترنت تعتبر جريمة سيبرانية، لكن لا يوجد في مصر قانون خاص يعاقب عليها حتى الآن. ومع ذلك، فإن اتفاقية الجريمة السيبرانية التي اعتمدتها الأمم المتحدة مؤخراً ستسمح بتطبيق قانون وطني لمعاقبة هذه الجرائم حال تصديق مصر عليها. حتى حينه، يُعاقب مرتكبوها بتهمة النصب في حال التظاهر بوجود أطفال”. بالانتقال إلى محركات البحث التقليدية، رصدت “اندبندنت عربية” تعدد أساليب التحايل لإتمام عمليات تنتهي ببيع أطفال، من تزوير إخطارات ولادة واستغلال منصات التواصل الاجتماعي لتسهيل التخلي عنه، وصولاً إلى محاولات تهريبهم إلى دول تتيح التبني، بخاصة الولايات المتحدة. وتحظر غالبية الدول العربية التبني وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، التي ترفض تغيير نسب الطفل لغير والديه البيولوجيين، معتمدة نظام “الكفالة”، الذي يتيح رعاية الأطفال مجهولي النسب دون منحهم اسم العائلة الكافلة. وتعد تونس الدولة العربية الوحيدة التي تسمح بالتبني الكامل، وفقاً لقانون 1958. أما في لبنان فيقتصر السماح بالتبني على الطوائف المسيحية وفقاً لقوانين الأحوال الشخصية الخاصة بها، بينما تلتزم الطوائف الإسلامية بنظام الكفالة. إخطار الولادة “متهم أول” لا يرى الجبالي، الذي يتتبع هذه الأنشطة على منصات ميتا في مصر أن “فيسبوك” يمكنها وقف هذه الممارسات. إذ في رأيه يبدأ الحل من الداخل عبر قوانين صارمة تغلق الطريق أمام سماسرة الأطفال، حيث يسهُل عمليات التحايل والتلاعب في أثناء تسجيل المواليد، ويمكن لمن يشتري طفلاً التواصل مع مستشفيات بئر سلم (غير خاضعة للرقابة بالشكل الكافي) لاستخراج إخطار ولادة باسم أي شخص. مقترحاً ربط المستشفيات بالسجل المدني مباشرة ومنع إصدار إخطارات الولادة إلا من خلال موظفين رسميين لسد هذه الثغرات نهائياً. حين سألناها عن أسباب عدم لجوئها إلى وزارة التضامن الاجتماعي للتكفل بطفل بدلاً من الإنترنت، لم تخف أمينة دوافعها، إذ قالت لنا إنها تريد تسجيل الطفلة باسم زوجها، ولا ترغب في اتباع الإجراءات الرسمية، لأنها لا تمنحها هذا الحق، إضافة إلى عدم ضمان نتائجها بسبب الإجراءات المعقدة. ادّعت أمينة أنها طبيبة، يمكنها “ببساطة” إصدار إخطار ولادة، لاستخدامه في نسب الطفلة التي يقع عليها الاختيار إلى زوجها. هذه هي حيل تهريب الأطفال في مصر (اندبندنت عربية) تواصلت “اندبندنت عربية” مع موظف مختص بتسجيل المواليد الجدد بأحد المستشفيات الحكومية المصرية، تحدث لنا شريطة عدم الإفصاح عن هويته قائلاً: “نعتمد في عملية التسجيل على تقرير الطبيب، الذي يُقر فيه بأن الولادة تمت تحت مسؤوليته سواء في مستشفى حكومي أو عيادة خاصة. التقرير الطبي هو الأساس في إثبات الطفل، وإذا حدث أي تلاعب فيه، فالمسؤولية لا تقع علينا”. وفقا للموظف المختص “هناك ثغرة تتمثل في إمكانية شراء التقرير من مستشفى خاص أو حكومي لإثبات الطفل، ودورنا التأكد من صحة التقرير، ثم تسجيل الطفل، ولا توجد لدينا آلية لاكتشاف هذه الحيلة. نحن نتعامل مع الورق ويهمنا أن يكون سليماً فقط”. وفق شهادات متطابقة، وثقتها “اندبندنت عربية”، التلاعب في الأوراق الثبوتية للأطفال الحيلة الأكثر استخداماً من قِبل السماسرة لإتمام صفقاتهم، باستغلالهم رغبة غير القادرين على الإنجاب وانجذاب شريحة منهم إلى “التبني” المحظور في مصر. تضيف أمينة، “أنا متزوجة منذ عام ونصف العام. يمكنني الحصول على إخطار ولادة من مستشفى بسهولة وتسجيلها باسم زوجي دون أي مشكلة”. ما تذكره أمينة، حتى وإن كان غير حقيقي، تجسده عديد من الوقائع كشفت عنها تحقيقات رسمية، وضبطيات الأجهزة الأمنية خلال السنوات الأخيرة. اللجوء إلى التزوير في تسهيل بيع الأطفال يمثل جريمة اتجار بالبشر، وفق رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين، وكل من يشارك في العملية، سواء بنقل الطفل أو تسليمه أو تزوير الأوراق الرسمية أو استلام الأموال، يُعد شريكاً وتُطبق عليه عقوبات قانون الاتجار بالبشر. “يوجد فرق بين حالتين. إذا كان الطبيب حسن النية، وتعرض للتضليل في أثناء إصدار إخطار الولادة، العقوبة تقتصر على قانون العقوبات المصري، وتصل إلى الحبس عاماً، بسبب إصدار مستند رسمي يخالف الحقيقة. أما إذا كان الطبيب متورطاً بشكل متعمد، فهو يُعد شريكاً في جريمة الاتجار بالبشر، ويواجه عقوبة أشد”. وقائع متكررة لعمليات تبني غير قانوني جرت تفاصيلها بمحافظات مصرية مختلفة (اندبندنت عربية) بالبحث بين أكوام القضايا المتعلقة باستغلال الأطفال، رصدت “اندبندنت عربية” وقائع متكررة جرت تفاصيلها بمحافظات مختلفة، استُخدم فيها منصات التواصل وسيلة لعرض الأطفال للبيع، وتسهيل عمليات التبني غير القانوني. واحدة من بين عمليات التبني غير القانونية الأكثر غرابة دارت رحاها بالمحلة الكبرى (شمال مصر) عام 2016، إذ تورّطت موظفة بتسهيل تسجيل ثلاثة أطفال لأسرة رغم إصابة الزوج بالعقم، مقابل مبالغ مالية. بحسب أقوال الزوجة في المحاضر الرسمية دفعت الأسرة 7 آلاف جنيه لتسجيل الطفل الأول عام 2008، و5 آلاف للثاني عام 2011، ثم طلبت الموظفة 3500 جنيه لتسجيل الطفلة الثالثة في 2014، مهددة بكشف الأمر إذا لم تحصل على المبلغ. يروي الجبالي لـ”اندبندنت عربية” تفاصيل واقعة مشابهة كان شاهداً عليها “رصدنا منزلاً في مدينة المستقبل بالشروق، كان يضم عدداً كبيراً من الأطفال. حين تلقينا شكاوى من الجيران أن ملاك المنزل يصطحبون أطفالاً بأعمار متقاربة بشكل مريب، وشوهدت سيارات سياحية تتردد على المكان. بعد التنسيق مع وزارة الداخلية والنيابة العامة، جرت مداهمة الشقة، وعُثر بداخلها على سبعة أطفال”. “أظهرت التحقيقات تورط موظفة في الشؤون الاجتماعية، نسّقت تسليم الأطفال للعائلات تحت غطاء الكفالة، لكن الهدف الحقيقي كان التخلص منهم عبر التبني غير الشرعي أو تسليمهم لأجانب” يؤكد الجبالي. لمعرفة المبالغ المتداولة في سوق التبني غير القانوني عبر “فيسبوك”، أجابت أمينة عن أقصى مبلغ يمكن أن تدفعه نظير حصولها على طفل “تواصل معي شخص قبل أيام وعرض عليّ طفلاً حديث الولادة مقابل 10 آلاف جنيه، وهي كلفة الولادة. لكنني أريد بنتاً، ولن أدفع أكثر من ذلك”. قبل أن ترفق صورة للطفل المعروض عليها، مدعية أنه جاء نتيجة علاقة غير شرعية. يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق، أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، إضافة إلى التنشئة الاجتماعية والضغوط العائلية المستمرة بشأن الإنجاب بعد الزواج، “قد تدفع البعض إلى اللجوء إلى مسارات غير قانونية، مع تزايد الضغط على النساء اللاتي تأخرن في الإنجاب، والسخرية والتعليقات المستمرة من العائلة والمجتمع”. معتبراً أن هذا الضغط قد يدفع الأزواج إلى اللجوء إلى هذه الطرق غير الشرعية، بهدف الحفاظ على استقرار حياتهم الزوجية وتخفيف الضغوط التي يمارسها الأهل. ضحايا التهريب يتطرق الجبالي، الذي نجحت مبادرته في استعادة أربعة آلاف طفل مفقود خلال السنوات العشر الماضية، إلى أنشطة السماسرة التي تمتد إلى تهريب الأطفال الأكبر سناً إلى دول تقبل التبني عبر تزوير هوياتهم “بمجرد امتلاك السماسرة صور الأطفال المستهدفين للتهريب، يستخدمون أوراقاً ثبوتية لأطفال آخرين من نفس العمر لإصدار جوازات سفر مزورة. تحمل هذه الجوازات صور الأطفال المهربين، لكن ببيانات مختلفة”. مؤكداً أنهم تمكنوا “من استعادة حالات (جرى تهريبها بهذه الطريقة)، ومن باع طفله تواصل معنا كي نساعده، بعد اكتشاف أنه هُرِّب إلى الخارج”. تعود أشهر وقائع تهريب الأطفال المصريين إلى الخارج بغرض التبني وأقدمها إلى عام 2008، حين كشفت التحقيقات عن شبكة دولية لتهريب أطفال إلى أميركا اتهم فيها 11 شخصاً. قضايا التبني غير القانوني في مصر وحذرت الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2022، من أن عمليات التبني غير القانونية بين الدول تمثل انتهاكاً لحق الطفل في الحفاظ على هويته. وأشار خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في بيان مشترك، إلى أن بعض هذه العمليات قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية أو حتى الإبادة الجماعية وفقاً للقانون الدولي، داعين الدول إلى سن وتنفيذ قوانين صارمة لمنع التبني غير القانوني، وضمان عدم تحقيق أي مكاسب مالية غير مشروعة من هذه العمليات، وإنشاء لجان تحقيق مستقلة لكشف الانتهاكات، ومحاسبة المتورطين، وضمان حق الضحايا في معرفة أصولهم. تشير ورقة بحثية بعنوان “بيع الأطفال والتبني غير القانوني” أعدّها نايجل كانتويل، مستشار دولي في حماية الطفل وأحد مؤسسي الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال (DCI)إلى المخاطر المرتبطة بالتبني الدولي نتيجة ضعف الرقابة. أشارت الدراسة التي نشرت في عام 2017 بطلب من المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني ببيع الأطفال واستغلالهم جنسياً، إلى تجاوزات خطيرة، منها اختطاف الأطفال ونقلهم إلى دول أخرى تحت غطاء التبني، وتزوير وثائق الهوية لتسهيل العمليات غير القانونية. وألقت الدراسة الضوء على دور الفقر المدقع وغياب الرقابة القانونية في انتشار هذه الظاهرة، إلى جانب شبكات التهريب التي تستغل الثغرات لتزوير الوثائق وتسهيل نقل الأطفال. وأوصى كانتويل في ورقته البحثية بفرض رقابة صارمة لضمان شفافية التبني، وتعزيز التعاون الدولي لتبادل المعلومات حول الحالات المشبوهة، إضافة إلى تقديم دعم مالي واجتماعي للأسر الفقيرة للحد من التخلي عن أطفالها. دافع الفقر في سياق الدراسة، ربط الجبالي بين انتشار التبني غير القانوني في مصر والظروف الاقتصادية التي دفعت بعض الأسر إلى بيع أطفالها، مستشهداً بحالة كان شاهداً عليها، “تظاهرت برغبتي في شراء طفل، ووثّقت المحادثات قبل التوجه إلى الجهات المختصة للحصول على إذن من النيابة العامة. حين تواصلت مع الأم، اكتشفت أنها لم تكن تنوي بيع رضيعها، كانت عاجزة عن دفع كلفة احتجازه في الحضّانة الطبية. بعد التحقق من وضعها، حصلت السيدة على معاش (تكافل وكرامة)، ولم تتعرض للمساءلة القانونية”. تتقاطع الواقعة السابقة مع تجربة وداد، التي دفعتها الحاجة إلى عرض طفلتها للبيع عبر الإنترنت. قالت لنا عبر رسائل خاصة على منصة “فيسبوك” إنها طلبت 50 ألف جنيه مقابل التخلي عن ابنتها، قبل أن تتراجع عن هذه الخطوة. حين تواصلنا معها لاحقاً عبر مكالمة هاتفية وثّقتها “اندبندنت عربية”، قالت: “عندما نشرت الإعلان، انهالت عليَّ الطلبات من أشخاص يريدون تبني الطفلة. كنت على وشك الولادة، وأردت التخلص منها بسبب زواجي العرفي من شخص مدمن مخدرات، مع تصاعد الخلافات، وتهربه من المسؤولية، فكّرت في بيع الطفلة للحصول على مبلغ يساعدني على العيش ورعاية ابنتي الكبرى، البالغة أربع سنوات”. تابعت وداد، “انضممت إلى مجموعة مخصصة لتبني الأطفال، وتلقيت طلبات عديدة بمبالغ ضئيلة آخرها شخص حدد موعداً كان مفترضاً خلال أيام، عارضاً مبلغ 7 آلاف جنيه مقابل الحصول على الطفلة”. بالعودة إلى بداية انضمامها للمجموعة التي تروّج للتبني روت وداد، “حين طلبت 50 ألفاً، رد البعض: (لما تولدي، ربنا يسهل، ونديك اللي إنت عايزاه). عندما تواصلت معهم بعد الولادة تجاهلوني. بعدها غيرت موقفي من البيع إلى طلب المساعدة”. يعترف مدير خط نجدة الطفل برصد حالات تعرض أطفالها للبيع ويعلق “جميع الحالات التي رُصدت مؤسفة. أن يقدم شخص على بيع ابنه يعد أمراً جديداً علينا. وما يحزنني أن أجد سيدة تعرض بيع طفلها. هناك أيضاً نساء يعرضن أطفالهن في أثناء أشهر الحمل، وغالبية هذه الحالات ناتجة عن السفاح (علاقات غير شرعية)”، ملقياً الضوء على أن معظم الصفحات التي تعرض أطفالاً للبيع تُبث من الخارج، مما يجعل تتبعها وإغلاقها عملية صعبة. تعزو وداد السبب وراء لجوئها إلى هذا المسار غير القانوني لضغوط المعيشة، “عرضت ابنتي للبيع لأنني من دون مصدر دخل وأعيش مع أهلي. كنت بحاجة إلى المال لتغطية نفقاتي ونفقات ابنتي الكبرى، حتى لو كان الثمن التخلي عن طفلة فور ولادتها. لكنني الآن لا أريد بيعها، أحتاج فقط إلى تسجيلها حتى تحصل على التطعيم، فهي لا تزال في أيامها الأولى”. وأنهت السيدة حديثها “والدي متقاعد، ولا أملك دخلاً ثابتاً. قبل الحمل، كنت أعمل في تنظيف المنازل وأتقاضى 350 جنيهاً يومياً، وتوقفت عن العمل بسبب ظروف الحمل. منذ عام ونصف، قدمت طلباً للحصول على معاش (تكافل وكرامة)، ولم أحصل عليه حتى الآن”. التراجع عن بيع الطفل لا يعفي من العقوبة وفق رئيس شبكة حماية الأطفال بنقابة المحامين، “مجرد العرض يمثل شروعاً في قضية الاتجار بالبشر، الطفل لا يملك إرادة قانونية تجعله محل تصرف بالبيع، وركنا الرضا والإرادة في هذه الجريمة منعدم”. مشدداً على أن العقوبة “تصبح أشد إذا كانت الأم تملك القرار بشأن مصير الطفل، وأقدمت على تعريضه للخطر أو تنازلت عنه بمحض إرادتها”. واعتماداً على القضايا التي نظرها يقطع المصيلحي بأن عمليات بيع الأطفال عبر “فيسبوك” رُصدت منذ سنوات طويلة، وليست ظاهرة مستجدة، “وتدهور الأوضاع الاقتصادية والفقر يدفعان بعض الأسر إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم، ومواجهتها تتطلب إيجاد حلول اقتصادية توفر مصادر دخل بديلة لهذه الأسر”. ما يذهب إليه مصيلحي تؤكده أيضاً مستشار الأمم المتحدة لقضايا الاتجار بالبشر، “الحل يكمن في معالجة الأسباب الاقتصادية التي تدفع البعض إلى اللجوء إلى هذه الأنشطة، من خلال تحسين مستوى معيشة تلك الشريحة”. في حين تعدّ أستاذة الطب النفسي بجامعة الأزهر، صفاء حمودة، أن النساء اللاتي يبعن أطفالهن قد يعانين من اضطرابات في الشخصية، قد تكون إحداها اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع. هؤلاء الأفراد لا يلتزمون القيم الاجتماعية أو القانونية، ولا يشعرون بالمسؤولية تجاه الآخرين. وقد يعاني بعضهن اضطراب الشخصية الفصامية، إذ يفتقرن إلى المشاعر العاطفية تجاه الآخرين. وأضافت حمودة أن بعض النساء قد يلجأن إلى هذه التصرفات نتيجة للظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، إذ يجدن صعوبة في تحمّل مسؤولية طفل جديد سواء من الناحية المادية أو النفسية. مشيرة إلى أن بعض الحالات “قد تكون ناتجة عن حمل غير شرعي، إذ يلجأ البعض إلى بيع الطفل لتجنب تذكر العلاقة التي تمت خارج إطار الزواج”. إجراءات تكافل “مرهقة” على الجانب الآخر من الصورة، تشكو أسر مصرية اتخذت المسار الرسمي عبر قبولها نظام الكفالة القيود التي لا تمنحهم سوى حق الرعاية فقط دون أي حقوق أخرى. تروي دينا الغمري، سيدة خمسينية بدأت تجربة الكفالة قبل عشرة أعوام لـ”اندبندنت عربية”، أن الموافقة على طلبها استغرقت قرابة عام، شمل تقديم إثبات دخل لا يقل عن خمسة آلاف جنيه، وإجراء تحاليل طبية، والخضوع لاستعلام أمني، إضافة إلى فحص نفسي يعتمد على أسئلة نمطية تُجاب عنها في ورقة دون مقابلة مختص نفسي. عقد الكفالة في مصر العقبات التي تواجه الأسر الكافلة تدفع البعض إلى تجنّب المسار الرسمي، وفقاً للغمري التي أوضحت لنا المعوقات التي تواجهها منها “عدم إصدار قيد عائلي للطفل، ما يجعله بلا حقوق قانونية، ويحجب عنه وعن نسله مستقبلاً أي حقوق مدنية، كما يمنعه من تمثيل بلاده في أي محفل رسمي حتى لو امتلك الموهبة”. وفق تعبيرها. “عندما طلبت استخراج جواز سفر لطفلي، اشترطت وزارة التضامن إلغاء عقد الكفالة الأول وتوقيع عقد جديد يُلزمني بشروط إضافية، كأنّ (ابني) أصبح مجرد مستندات تخضع لإجراءات إدارية تتحكم بها الوزارة”. وفي ما يتعلق بالانتهاكات التي تتعرض لها خلال الإجراءات قالت “في الزيارات الدورية التي تجرى كل ثلاثة أشهر، تطلب الموظفة تفتيش الثلاجة والخزائن والغرف تنفيذاً لتعليمات الوزارة، وكأنّ عدم امتلاء الثلاجة أو نقص الملابس قد يكون سبباً للشك في قدرتي على الرعاية”. “يلزمني نظام الكفالة بالحصول على موافقة الوزارة قبل اتخاذ أي قرار يخص الطفل، وكأنهم سلّموني إياه بقيود تجعلني مسؤولة عن تربيته والإنفاق عليه فقط، دون أن يكون لي أي حقوق، بحجة حمايته. وهذا ما يدفع بعض الأسر إلى التخلي عن الأطفال بعدما تكفلوا بهم”. وختمت حديثها متسائلة: “كيف أشعر بالأمومة تجاه الطفل، بينما تمر السنوات وأجد بيني وبينه حاجزاً من الإجراءات الروتينية؟”. وبينما تواجه الغمري قيوداً تُبقي “طفلها” تحت رحمة الإجراءات البيروقراطية، لا تزال أمينة تبحث بين المنشورات المعروضة على “فيسبوك” عن طفلة تحمل اسم زوجها، ونبيل يساوم على ثمن الطفل ذي الخمس سنوات. وبينما كنا نلاحق خيوط هذه الشبكة، وصلتنا رسالة جديدة من رحيم: “هل أنت جاهز لاستلام الطفل غداً؟” https://canadavoice.info/wp-content/uploads/2025/02/صرخات-جديدة-للبيع-سماسرة-التبني-في-مصر-اندبندنت-عربية.mp4 المزيد عن: مصرالتبني في مصرالتبنيالكفالة في مصركفالة اليتيمأطفال مصرالاتجار بالبشر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post المحافظون يهاجمون كارني بسبب نقل شركته مقرها إلى نيويورك next post البطلة الصغيرة أليس تصطحب فيلسوفا الى بلاد الأفكار You may also like مستقبل غزة ومصير سلاح “حماس” يفجران التيارات داخل... 27 فبراير، 2025 أسباب انتقال أحزاب تونسية من موالاة قيس سعيد... 27 فبراير، 2025 أوجلان قد يصدر الجمعة «رسالة سلام»… لإنهاء المشكلة... 27 فبراير، 2025 مصر ترفض مقترحاً إسرائيلياً بإدارة قطاع غزة مقابل... 27 فبراير، 2025 مطارات لبنان الستة: 10 أسئلة 26 فبراير، 2025 خريطة أولمرت لحل الدولتين تخرج إلى العلن.. فما... 26 فبراير، 2025 ترمب يصوّر “ريفييرا غزة” في فيديو مصنوع بالذكاء... 26 فبراير، 2025 إسرائيل: استهداف عنصر “بارز” من “حزب الله” بـ... 26 فبراير، 2025 مسح إسرائيلي يظهر كلفة حربي غزة ولبنان من... 26 فبراير، 2025 أعلام أردنية في جنازة نصرالله تثير استياء شعبيا... 26 فبراير، 2025