الشاعر محمود درويش (مؤسسة درويش) ثقافة و فنون صبحي حديدي يقارب شعر محمود درويش بشموليته by admin 24 ديسمبر، 2024 written by admin 24 ديسمبر، 2024 36 دراسة عميقة متعددة الوجهات والمعايير تضع صاحب “جدارية” في قلب المعترك الحداثي اندبندنت عربية / سيد محمود باحث مختص في الشأن الثقافي يكتسب كتاب “مستقر محمود درويش، الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” للناقد السوري صبحي حديدي أهمية كبيرة، ليس فقط لأن صاحبه اقترب من درويش أكثر من غيره من النقاد، ولكن لأنه نتاج جهد خلاق في متابعة أعمال صاحب “جدارية” والدخول معها في جدل طويل، أكسب الناقد أدوات جديدة في تفكيك نصوص الشاعر، وساعده في أن يكون أكثر ديمقراطية في التعاطي مع تجارب شعرية أخرى أرادت أن تسلك مساراً مغايراً. يعرف المهتمون بشعر محمود درويش أن حديدي كان من بين قلة من الأصدقاء، أحاطت بالشاعر واكتسبت ثقته لدرجة أنه منح بعضهم الحق في قراءة مسودات أعماله قبل نشرها، وكان حديدي على رأس هؤلاء لمدة تقترب من الـ30 عاماً، غير أن نقاداً وشعراء كثراً اتهموه بالانحياز لدرويش، وإهمال تجارب غيره من الشعراء. وعلى رغم عمق الصداقة التي جمعت الشاعر والناقد، فإن الكتاب الصادر حديثاً عن الدار الأهلية في الأردن يعد أول كتاب كامل يخصصه صاحبه للشاعر الذي خبره أكثر من غيره، ويضم حصيلة دراسات ومتابعات نشرت في مناسبات مختلفة. الكتاب الجديد (الدار الأهلية) منذ المقدمة يقدم حديدي كثيراً من الاعترافات التي تخص تحولات ذائقته وأساليب تطوير عدته النقدية ومنهجيته في دراسة النص الإبداعي، ويسرد حكايته مع الشاعر الذي قرأ شعره للمرة الأولى سنة 1966، وكان آنذاك في الـ15 من العمر، وقد لازمته بهجة قراءته طوال سنوات النضج الأولى، حين كان الشعر هو النوع الأدبي الذي يجتذبه، ولكن مع تغييرات السبعينيات، وتحت وطأة اعتبارات أيديولوجية وسياسية عامة، انقلب انحيازه تجاه الرواية وتراجع الشعر إلى موقع ثانٍ. يؤكد المؤلف أن علاقته الطويلة بشعر درويش وضعته أمام مسؤوليات رفعت سقف توقعات القراء، وخلقت عنده درجة عالية من الطموح المشروع في البحث النقدي، سعياً إلى تعامل مختلف أكثر تعمقاً وجسارة مع الشاعر العربي الأكثر شهرة خلال السنوات الأخيرة، فهو عنده “القطب الأكثر أهمية ونفوذاً وإشكالية في المشهد الشعري العربي”. “أرى ما أريد” لا يتورط حديدي في خطاب يدفع عن نفسه فيه تهمة عدم رؤية شعراء آخرين سوى درويش، لكنه يوضح أنه نشر في مناسبات أخرى مساهمات نقدية حول أكثر من 30 شاعرة وشاعراً معاصرين ينتمون إلى أزمنة وتجارب متعددة. يقرأ الكاتب تجربة درويش واعياً بأنها تجربة ولدت في قلب استقطابات متعددة حكمت طرق استقبال نصوصه وقراءتها، وخضعت التجربة ذاتها لسيرورات متعاقبة من التطور والتحول والارتقاء. يتتبع الكتاب تلك السيرورات، لافتاً إلى انفتاح صاحبها على تجارب عربية وعالمية شكلت هويته الشعرية التي راحت في مدار مختلف، بعد خروج الشاعر من بيروت في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. يقسم حديدي تجربة درويش إلى 9 مراحل انعكست على إنتاجه الشعري في الأعمال التي نشرها تباعاً، وحتى وفاته وهي التي تمثل حجر الزاوية في الكتاب. فقد استقر فيها ذلك التوازن الثمين بين حقوق تطوير الجماليات الشعرية، مقابل واجبات ملاقاة النفوذ الأخلاقي والثقافي الذي اكتسبته القصيدة الدرويشية في الوجدان العربي. الناقد صبحي حديدي في باريس (صفحة الناقد – فيسبوك) وعلى رغم تنوع تلك المراحل فإنها ظلت مشدودة إلى الفكرة المركزية في مشروع صاحبها الذي كان تراجيدياً في جوهره، لكن درويش أطلق اللغة الشعرية في أفق ملحمي أصبح فيه التاريخ مسرحاً لمناطق شعرية فسيحة، اتسعت لـ”تجوال غير محدود قام به الشاعر للبحث في عناصر الهوية الذاتية ضمن تفاعل الهويات”. ومن جهة ثانية أسند درويش إلى الشعر دور الوسيط الخطابي بين التاريخ والمخيلة. ترويض الجمهور يشير حديدي في مواضع كثيرة من الكتاب إلى الكيفية التي روض بها درويش جمهوره، بحيث قاد هذا الجمهور إلى تقبل شعره الجديد الذي بدا آنذاك صعباً وغير مألوف، مما يعني أن الجماهيرية أو النجومية التي اكتسبها وكرسته شاعراً كبيراً لم تسهم أبداً في تكلس تجربته فنياً، بل على العكس ساعدته في الذهاب إلى أقصى ما يستطيع، فظل راهنه الأسلوبي نوعاً من المراجعة الدائمة لبعض ما هو قائم، والكثير مما كان في طور الولادة والتكوين. يدرس القسم الأول من الكتاب السمات الكبرى في شعر درويش، والتي جعلت منه دائماً “شاعر الولادات الجديدة”، ومنها: الملحمة والغنائية والنزوع إلى السيرة وجدل حضور المكان في قصائده، وكذلك استراتيجيات التعبير وقصيدة الحب، وخيار السيرة في قصائده، وأنماط الاستعارة لديه وبالذات ما يتصل باستعارة “الأرض” والمجاز الذي رافقها وأراده الشاعر في إطار مفهوم يسمى “النمط الأعلى”. في حين يركز الجزء الثاني على سلسلة عريضة من الأمور والوقائع الشخصية والسجالات التي اكتنفت تجربته الشعرية والإنسانية، ويعلق على قضايا وإشكاليات ارتبطت بالشاعر مثل “أنسنة العدو” و”غراميات اليهوديات”، وأيضاً أشكال الاستقبال الإسرائيلي لشعره. ويستعيد القسم الثالث حواراً أجري لكي ينشر بالفرنسية مع حوارين آخرين أعدا ضمن سلسلة من الحوارات مع درويش، وكان موجهاً بالأساس إلى الجمهور الغربي. وتضم المادة الثانية في هذا القسم دراسة حول مسودات ومخطوطات لمحمود درويش تشير إلى الطريقة التي عمل بها حتى يصل إلى الصورة النهائية لما نشره من أعمال. ويرصد فيها حديدي علاقته الشخصية بتلك المخطوطات منذ أن تعرف على الشاعر شخصياً في غرفة في مخيم اليرموك أواخر سبعينيات القرن الماضي، وإلى أن تسلم منه أول مخطوط يقرؤه له في باريس عام 1990، وكان لمجموعته الشعرية “أرى ما أريد” التي صدرت عن دار الجديد اللبنانية في العام نفسه. يلاحظ حديدي أن درويش كثير التعديل على قصائده حين تكون في صيغة مسودة، وظلت خاتمة “جدارية” هي الذروة في مخاض هذه التعديلات وعلى رغم أنه نجح في إقناع الشاعر بالحفاظ على مسودات قصائده، فإنه أعدم كثيراً مما كتبه من دون أن يطلع عليه أحد. أبجدية نقدية تأتي الميزة الرئيسة في الكتاب من عمل صاحبها على تقديم قراءات تطبيقية تختبر جميع المقولات النظرية التي يطرحها مقترحاً ما يسميه “أبجدية نقدية” تعين في قراءة قصيدة درويش، تغوص في حيثيات تفصيلية ترتبط أحياناً باللغة، وفي أحيان أخرى تقرأ جدل الاتصال بين القصائد الطوال والقصار. وتلتفت هذه القراءات إلى ديناميات تكوين الصور الشعرية إلى جانب النظر في تطورات البنية اللغوية، وسعي الشاعر إلى تكوين معجم شعري خاص به، وتضع تواريخ أرشيفية تتابع نمو هذا المعجم، وصولاً إلى تكوين “هوية” معجمية وبصمة إبداعية لا يمكن تفاديها. يقدم حديدي مساءلة نقدية جذرية لثوابت معيارية وتنميطية كبرى انعكست على ألقاب وتسميات كثيرة نالها الشاعر ومنها “شاعر المقاومة” أو “شاعر الأرض”، ويواجه التوصيفات المدرسية المسبقة الصنع. والأهم من كل ذلك، أنه يرى أن تثمين تجربة درويش لا يمكن، ولا يجوز، أن يصنع منه أيقونة مقدسة، لا تمس ولا تنتقد ولا تهاجم من جهة أولى، بالتالي فهي ليست سداً منيعاً يقاوم تطور الشعر العربي في جميع صوره وتياراته وأجياله. يقول حديدي، “توفرت للشاعر أسباب موضوعية وأخرى ذاتية لبلوغ موقعه، لكنها ألزمته بدفع برنامجه الجمالي وتطويره وأثبت حساسية فائقة تجاه تطوير لغته وأدواته وموضوعاته”. وبحسب الكتاب، امتاز درويش عن أقرانه في خصائص عديدة من بينها غزارة إنتاجه والأفق الإنساني الأعرض في موضوعات قصائده، وحسن توظيفه للأسطورة والرموز الحضارية، وبراعته في أسطرة الحدث اليومي والارتقاء به إلى مستوى ملحمي في الآن ذاته، فضلاً عن رهافة ترميزه للمرأة بالأرض ومزجه بين الرومانتيكية الغنائية والتبشير الثوري، إلى جانب سلاسة خياراته الموسيقية والإيقاعية وحرارة قاموسه اللغوي وميله إلى الصورة الحسية بدل الذهنية. تحولات الشعرية العربية من جهة أخرى يربط الكتاب المسار الدرويشي وتحولات الشعرية العربية طوال نصف قرن، ويعنى بموقعه داخل استقطابات أخرى حية وفاعلة، تطلقها وتديرها مشاريع شعرية أخرى ظلت فاعلة وحية وذات خصائص مستقلة بهذا القدر أو ذاك، وكلها تواكبت مع صعود تجربته (سعدي يوسف، أدونيس، قصيدة النثر). ولهذا السبب ربما رأى حديدي أنه مطالب أمام نفسه بمقدار إضافي من الديمقراطية والانفتاح والتعددية، لدراسة كل هذه التجارب والأشكال الشعرية الأخرى، وعلى رأسها قصيدة النثر، بصفة محددة، معترفاً أن موقفه منها تبدل عشرات المرات، إلى أن استقر وجرى التعبير عنه في مؤلفاته الأخرى. ولا ينسى أن يلفت القراء إلى أن درويش في أعمال قديمة له منها مثلاً، قصيدة “مزامير” لا يُكتفى باعتماد النثر وبنفي التفعيلة فحسب، بل كانت لديه لغة تحيل في كثير من مفرداتها إلى أسلوبية الشاعر السوري محمد الماغوط منحازاً إلى ما يسمى “عفوية النثر في الشعر”. ثم يدعو حديدي إلى تكريم أولئك الشعراء الذين كتبوا هذه القصيدة عن سابق وعي وموهبة ونضج ومعاناة، مشيراً إلى أنه مدين لمحمود درويش في اكتشاف حاجته كدارس شعر، إلى قطبي تصارع لكي يقف على دائرة الجدل، وكأن درويش قاده إلى تأمل قصيدة النثر باحترام نقدي، يستهدف الفهم والمقارنة والتفضيل. يتوجه الكتاب بالأساس إلى قارئ درويش في المقام الأول، بهدف تقديم مراجعة أو “جردة” للخصائص الفنية في أشعاره، وبغرض إدراك ما يسميه “أسلوبية عليا” انتقلت بالقصيدة إلى ما يسمى “النص الشعري المفتوح” لا تبدو بعيدة عما سماه إدوارد سعيد “الأسلوبية المتأخرة”، إذ استجمع الفنان أساليبه السابقة في مزيج فريد جديد غير منقطع في الآن ذاته عن خصائص الماضي. ولا يكتفي حديدي بالسعي وراء تلك الأهداف، بل يضيف إليها طموحاً آخر يستهدف مساءلة بعض الخزين النقدي الذي أحاط بشعر درويش، منذ بداياته وحتى وفاته وأدى إلى ما يصفه بـ”تعويم نص درويش في قلب الذائقة الجمعية”، لكن هذا التعويم ظل بمنأى عن التحليل النقدي اللائق، كما يؤكد الكتاب. المزيد عن: محمود درويشصبحي حديديالملحمةالسيرة الذاتيةجدارية درويشأدونيسالملحمة الغنائية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الثنائي هتلر – ستالين في ما هو أبعد من البؤس المشترك next post أضواء جديدة على مسار فيكتور هوغو السياسي المتقلب You may also like أضواء جديدة على مسار فيكتور هوغو السياسي المتقلب 24 ديسمبر، 2024 الثنائي هتلر – ستالين في ما هو أبعد... 24 ديسمبر، 2024 رحيل محمد الخلفي الممثل الرائد الذي لم ينل... 24 ديسمبر، 2024 كاتب مسلسل “يلوستون” أبدع قصة ويسترن معاصرة وصنع... 24 ديسمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: القدس عاصمة الروح ومدينة... 24 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: وجوه مجرّدة من موقع... 24 ديسمبر، 2024 “الذراري الحمر” يحصد جائزة “أيام قرطاج” وضجة حول... 23 ديسمبر، 2024 أوديب: الأسطورة المتجددة عبر العصور 23 ديسمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: مشير عون يكشف ركائزه... 23 ديسمبر، 2024 سينما “متروبوليس”… صرح ثقافي يعيد الحياة لبيروت 23 ديسمبر، 2024