ثقافة و فنونعربي “صاحب مقام” فرجة شعبية ونص شعري يمتلك الخشبة by admin 3 مايو، 2021 written by admin 3 مايو، 2021 17 عرض مصري يمزج بين الإنشاد والرقص الصوفي في إطار واقعي ومتخيل اندبندنت عربية / يسري حسان لاتتوقف محاولات المسرحيين العرب للبحث عن أشكال مسرحية مستنبتة من بيئاتهم، وتكون أكثر مناسبة لجمهورهم العام الذي يتوجهون إليه. وربما كان الحكي المسرحي هو أكثر الأشكال التي اعتمد عليها هؤلاء المسرحيون بغية الوصول إلى هدفهم، منهم من يستدعي “ألف ليلة وليلة”، أو” السيرة الهلالية”، أو”سير الأولياء والقديسين”، أو غيرها من الأعمال التي توفر الفرصة لتقديم حكي مسرحي، سواء في صيغته المعتادة، أو في صيغ جديدة أكثر تطويراً، تعتمد على التراث ولاتغفل، في الوقت نفسه، التقنيات الحديثة التي يشهدها المسرح في العالم عموماً. نجاح عروض الحكي يتوقف على مهارة المخرج الذي يعمل عليها، كيف يبني عرضه، وكيف يخرج من حكاية إلى أخرى، وكيف يمتلك مبرراً لترتيب وحداته التي يقوم عليها عرضه، بخاصة إذا لم يكن هناك رابط ظاهر ينتظمها جميعاً. ويتوقف كذلك على مهارة الممثلين، وقدرتهم على تمثل مايقدمونه وإيمانهم به، وكذلك قدرتهم على تحويل الكلام إلى وقائع فنية حية. ويتوقف أولاً وأخيراً على مادة الحكي نفسها، وكيفية صياغتها مسرحياً، ومافيها من عناصر تشويق وإثارة، تكون عوضاً للمشاهد عن ما يمكن أن يتسم به العرض من استاتيكية لم يتعود عليها جمهور المسرح. “مسرح الغد” في القاهرة، التابع لوزارة الثقافة المصرية، مهتم بالعروض التراثية، وهو يقدمها في أكثر من صيغة، الحكي واحد من هذه الصيغ. وقد قدم العرض المسرحي “صاحب مقام” الذي اتخذ من الحكي وسيلة له، داعماً إياه بالإنشاد، والرقص الذي يتماس مع حالته ويوافق مقتضاها. و”المقام” هنا يعني القيمة والمكانة العالية من ناحية، ويعني، من ناحية أخرى، “الضريح” المدفون فيه أحد أولياء الله الصالحين. خمسة أولياء سبعون دقيقة هي مدة هذا العرض الذي يأسر مشاهده منذ الوهلة الأولى، ويدفعه إلى الصمود ومتابعة مايدور أمامه بشغف، بخاصة أن العرض يتناول سير خمسة من الأولياء المحببين إلى المصريين، الذين تقام لهم “موالد سنوية” يشهدها عشرات وربما مئات الآلاف. وهم أبو الحسن الشاذلي، والسيد البدوي، وإسماعيل الإنبابي، والمرسي أبو العباس، والسيدة نفيسة، إضافة إلى القديس مار جرجس . رقص صوفي على طريقة الدراويش (الخدمة الإعلامية للفرقة) لدينا سبعة ممثلين ومنشد، وراقص تنورة، وفي الخلفية خمسة عازفين، ويتبادل الممثلون السرد جلوساً، ويتداخل معهم المنشد معلقاً، أو لاعباً دورالجسرالذي يمكن العبورعليه من حكاية إلى أخرى، بينما يحلق راقص التنورة في أجوائه الصوفية على إيقاعات شعبية تطرب لها الأذن ويطمئن بها القلب. لادراما هنا في عرض “صاحب مقام” الذي أراد له مخرجه عادل حسان أن يكون احتفاء ببعض الأولياء الصالحين من المسلمين والمسيحيين، وأن يكتسب قوته وحيويته من قوة الشعر الذي يتوسل به لسرد حكايات هؤلاء الأولياء، الذين لهم مكانة كبيرة عند المصريين، وبخاصة أبناء الطبقات الشعبية. وكذلك في قدرته على توزيع الحكايات على الممثلين بشكل هارموني، وتداخل المنشد الذي يسهم هو الآخر في كسر حالة الملل التي قد تصيب الجمهور جراء الحكي المتتالي. ونجح في تنظيم الحكايات، وكان “رمانة الميزان” بالنسبة إليها، وبخاصة أنه يمتلك صوتاً قوياً مدرباً على الإنشاد الصوفي. قوة الشعر النص كتبه مسعود شومان وبدا الشعر حاضراً بقوة فيه، مذكراً بنوعية من العروض اعتمدت على أشعار فؤاد حداد، شاعر العامية الأكبر في مصر، وصاحب “الحضرة الزكية”، و”المسحراتي”، وغيرها من الأعمال التي مثلت ركيزة أساسية اعتمد عليها المخرجون في تقديم أعمال ذات طابع شعري شعبي. استطاع مسعود شومان صياغة نص مسرحي ما بعد درامي، هوأقرب إلى الفرجة الشعبية التي يتحلق المشاهدون حول صناعها لسماع سير أصحاب المقام. ويتم تضفير هذه الحكايات بأداء تمثيلي بسيط وعلى خلفية إنشاد ديني صوفي، ورقص بالتنورة، مايدعم الأجواء النورانية التي يدور فيها العرض ويجعلها أكثر حضوراً وتأثيراً. والحكايات نفسها فيها ماهو واقعي وماهو أسطوري يناسب المخيلة الشعبية. وقد برع مسعود شومان، الذي يعد واحداً من أهم شعراء العامية في مصر الآن، في هذا اللون من الكتابة. فعلى الرغم من أنه من رواد مايعرف بقصيدة نثر العامية، فقد برع في كتابة النصوص الشعبية الملتزمة بالوزن الشعري، والمتوسلة بالصورة الشعرية والمغرقة في المجاز. وهو يكاد يكون الوحيد بين أبناء جيلة الذي نجح في الجمع بين شكلين من الكتابة ينظر كل منهما إلى العالم من زاوية مختلفة عن الآخر، لكن شومان يعمل وفق مبدأ ” لكل مقام مقال”، ولديه طاقة شعرية للإبداع في الاتجاهين، على مابينهما من تنافر. الراوي في المسرحية (الخدمة الإعلامية للفرقة) لم يشأ المخرج صاحب التجارب المسرحية اللافتة، استعراض عضلاته كما يقال، اكتفى بدورالمايسترو الذي يقود ممثليه نحو تجسيد الحكي في صورة شعبية ذات تأثير في وجدان المشاهد، معتمداً على أدوات بسيطة، كان عليه استغلالها على وجه يجعلها تمتلك الخشبة، وتدفع المشاهدين إلى متابعة مايدور أمامهم بشغف. بخاصة أنه يقدم شذرات من سير من يحكي عنهم، وينتقل من هنا إلى هناك، في شكل شبه دائري، ولايقدم الحكاية وفق منطق درامي معتاد. رسائل موجهة رسائل العرض تعددت، فمنها مايتعلق بتبجيل هؤلاء الأولياء ومنها مايظهر طبيعة المصريين في تدينهم الوسطي الذي لايعرف التعصب. وهو مايعكسه احتفاؤهم بالقديسين المسيحيين والتماسهم البركة منهم، ومنها كذلك فكرة الحفر في ما نملك بحثاً عن أشكال وقضايا تخصنا. ديكورات وملابس العرض (صممها محمد هاشم)، راعت الأجواء الصوفية التي تدور فيها الحكايات، واكتفت ببعض الستائر البيضاء، وما يشبه البابين في يمين ويسار المسرح، وعليهما نقوش وخطوط إسلامية، وكأنها أبواب للدخول إلى هذا العالم الصوفي. فضلاً عن بعض الموتيفات الدينية الشعبية، وتكفلت إضاءتها بتلوين الستائر حسب الحالة المراد تقديمها، لتتضافر مع بقية العناصر في تأكيد الأجواء الصوفية، أوالأجواء الدينية الشعبية. أداء الممثلين (أحمد مجدي، ومحمود الزيات، وهبة قناوي، وعادل رأفت، ومحمد عبد الوهاب، ومحمد العزايزي، وأحمد عبد الجواد) جاء متوافقاً مع الحالات التي يسردونها. فعلى الرغم من أنهم أدوا أدوارهم جلوساً، فقد نجحوا بإيماءاتهم، وتعبيراتهم بلغة الجسد، وتلوين أصواتهم، وتجنبهم الانزلاق وراء الإيقاع الشعري. ونجحوا في منح الحكي طاقة هادرة في ما يمكن اعتباره سعياً من جانبهم لإنتاج علاقة جديدة بالتمثيل، بعيداً عن فكرة الدراما وتقاليدها. وجاء إنشاد وغناء سمير عزمي ليدعم هذه الحالة من الحيوية التي وسمت العرض، مستعيناً بألحان حازم الكفراوي التي مالت إلى الحس الشعبي وتماست مع أجواء العرض وشحنها بفيض من الإيقاعات المتنوعة مابين الشدة والخفوت والصعود إلى الذروة بقوة شديدة، ثم العودة إلى النعومة، كما لوكنا في حلقات ذكر تتنوع فيها أداءات الذاكرين، وانفعالاتهم حتى يصلوا إلى مايشبه الغياب الكامل عن الوجود، وكأنهم مجرد أرواح تهيم في ملكوت الله. العرض تم تقديمه ليناسب أجواء شهر رمضان، لكن ذكاء صنّاعه أدى إلى أن يكون عرضاً صوفياً شعبياً، فيه من الحكي والغناء والإيقاعات الموسيقية المرتبطة بالوجدان الشعبي ما يجعله غير مرتبط بمناسبة معينة، أو ينتهي بانتهائها. فضلاً عن أنه من نوعية العروض التي يمكن تطويرها، بحذف حكايات وإدخال أخرى، أو بإدخال شخصيات وأحداث جديدة، فطبيعته تسمح بمثل هذه المرونة. المزيد عن: مسرحية مصرية/رقص الدراويش/نص مسرحي/شعر ممسرح/تمثيل/إخراج 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أوسكار 2021: نومادلاند طريق “تاو” صيني في قلب الغرب الأمريكي next post جان – بول وسيمون في صخب حياتهما على الشاشة الصغيرة You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.