الشاعر الإنجليزي ألفريد تنيسون (الموسوعة البريطانية) ثقافة و فنون شاعرية تنيسون في “لوكسلي هال” تتأرجح بين التمرد والحكمة by admin 20 سبتمبر، 2023 written by admin 20 سبتمبر، 2023 58 معجزة الفن والزمن تهدئ ثائرة العجوز الذي باته الشاعر بعد 60 عاماً اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب لسنا ندري ما إذا كان هناك في تاريخ الشعر العالمي، شاعر سوى الإنجليزي ألفريد تنيسون، فاجأ محبي شعره وقد بلغ من العمر أرذله بكونه، عاد ذات يوم إلى قصيدة كان قد نظمها قبل 60 عاماً من ذلك، وهو في سن الشباب، ليكتب من وحيها قصيدة جديدة تحمل اسمها تقريباً وتحاول أن تكون نوعاً من الرد عليها. ونعرف طبعاً أن الكاتب والشاعر الإنجليزي ألفريد تنيسون، قد اشتهر في حياته وبعد ذلك طبعاً، خصوصاً بقصيدته الطويلة “إينوك آردن” التي تعتبر عادة من أشهر القصائد التي كتبت باللغة الإنجليزية. غير أن هناك تلك القصيدة الأخرى لتنيسون نفسه لا تقل عن “إينوك آردن” شهرة، حتى وإن كانت، في نظر كثر من النقاد، تقل عنها جمالاً، ولكن من المؤكد أن شهرة هذه القصيدة “الأخرى” تنبع من تلك الخصوصية التي اكتنفتها وميزتها عن بقية القصائد الإنجليزية التي تنتمي إلى الحقبة نفسها، أي إلى القرن الـ19، العصر الذي اشتهر على أي حال بكونه عصر النهضة الكبرى للشعر الرومانسي الإنجليزي. ونتحدث هنا عن قصيدة “لوكسلي هال” التي سيجعل لها الشاعر تلك “التتمة” التي كتبها بعدها بـ60 عاماً تقريباً وحملت بالتحديد عنواناً هو “لوكسلي هال بعد 60 عاماً”. من الرسوم التي رافقت الطبعة الأولى من القصيدة (أمازون) حزن لم يطوه الزمن طبعاً، في نهاية الأمر، لا يمكن اعتبار القصيدة الثانية تتمة للأولى، ولا هي نقض لها ولا أي شيء من هذا، كل ما في الأمر أن الشاب الذي كتب القصيدة الأولى حزيناً متحسراً خائب المسعى، سيعود إلى التحدث عن المكان ذاته وعن الحنين ذاته، ولكن هذه المرة بحكمة شيخ يعيش أيامه الأخيرة ويراجع مواقفه من الكون والسماء والحياة والموت. والحال إن ما بين القصيدتين هو بالتحديد، ذلك الفارق بين يقين الشباب، ولو سلبياً، وتردد الشيوخ، بين ثورة الشباب ودعة الشيوخ. ولكأن القصيدة الأولى كتبها شاب موجهاً إياها إلى الشيخ الذي سيكونه بعد 60 عاماً، والقصيدة الثانية كتبها شيخ موجهاً إياها إلى الشاب الحانق المتمرد الحزين الذي كانه هو نفسه قبل كل تلك السنوات. ومن المؤكد أن الشاعر تنيسون إنما كتب القصيدتين معاً، انطلاقاً من تجربته الشخصية الشعورية في الأقل إن لم يكن الحياتية، إذ إن ليس في سيرة الشاعر المعروفة ما يدل على أنه مر حقاً بتجربة الحب التي يصفها في قصيدته الأولى وتكون الجذر الذي بنى عليه القصيدة وأحاسيسه الحالكة تجاه العالم. ومع ذلك، ثمة في مشاعر الشاب، ثم الشيخ -في القصيدة الثانية- من الصدق والعمق ما يشي بالارتباط الحتمي بين الشاعر وموضوعه. وهذا الارتباط هو الذي يجعل لهذه القصيدة -وثانيتها- جزءاً أساسياً من قيمتها. بل إن فيهما ما أضفى على تنيسون نفسه جزءاً كبيراً من قيمته كشاعر، خصوصاً أن كثراً من النقاد والمؤرخين قالوا دائماً إن موضوع قصيدته الكبرى “إينوك آردن” كان ينفع موضوع رواية أو مسرحية أكثر منه موضوعاً لقصيدة وجدانية. ثورة ضد الحداثة! “لوكسلي هال” هي في المقابل عمل وجداني تماماً، بل إنها أشبه بمناجاة طويلة متعددة المقاطع، وإن كانت كلها تسير على وزن وإيقاع محددين. أما بطل القصيدة -وصاحب المونولوغ بالتالي- فهو شاب يحدث له ذات يوم أن يعود إلى منطقة “لوكسلي هال” حيث كان أمضى الجزء الأساس من صباه وشبابه، وها هو الآن إذ وجد نفسه في المكان يتذكر ما كان من أمر حياته وغرامه هناك، إذ إنه كان يعيش في المكان حيث ربي تحت عهدة عم له لم يكن لطيفاً معه على الإطلاق. وفي ذلك البيت وسط المناخ الكئيب الذي أوجده العم، أغرم الفتى بابنة عمه المدعوة آمي. وكان من الطبيعي لآمي هذه أن تبادله حباً بحب، فقامت حكاية غرام بينهما كان يمكن أن تنتهي باجتماعهما إلى نهاية حياتيهما، لكن أهل الفتاة لم يكتفوا بممانعة حبها، بل إنهم زوجوها من شخص لا تحبه لمجرد أن يخلصوها من ذلك الغرام. ومع ذلك الزواج بارح الشاب الدار ليعيش حياته. أما الآن فإنه إذ عاد إلى زيارة المكان، ها هي كل ذكريات الماضي تلح عليه وتعود إلى خياله فتولد لديه شعوراً بالقهر والحرمان سرعان ما ينعكس حقداً على الظلم ومن ثم ثورة على العالم كله بحداثته وقسوته وضروب التقدم العلمي والأخلاقي والسياسي التي يعيش. إن فتانا، إزاء خيبة حبه، لا يجد أمامه إلا الزمن يحمله المسؤولية، ويعتبر العالم كله قاسياً في حقه. وهكذا في مقاطع عدة من القصيدة يروح صاحبنا مندداً بكل شيء وصولاً إلى القطار البخاري والسفن البخارية، ما يدخلنا مباشرة في ربقة الرومانسية التي لا تجد في الحياة الحديثة باكتشافاتها واختراعاتها سوى عقبة في وجه إنسانية الإنسان، بينما تجد في العودة إلى الطبيعة وإلى العواطف البدائية خلاصاً ما بعده من خلاص. ألفريد تنيسون في لوحة فنية (غيتي) اتحاد مع الطبيعة الأم للوهلة الأولى قد يبدو هذا كله غير ذي علاقة بحكاية غرام فتانا وخيبته في غرامه، لكن تنيسون عرف كيف يجعل من أبيات القصيدة تبريراً لموقف الفتى وتوقه إلى التوحد بالطبيعة الأم وبالقيم القديمة، لأنها “وحدها تقينا وتحمينا من شر أخلاقيات أو ذهنيات لم تعد تؤمن بالحب، بل تؤمن بالمادة معتبرة كل ارتباط عاطفي بريء وخالص بين كائنين انتقاصاً من مسار التقدم”. وهذا الموضوع نفسه وإن بشيء من الغضب أقل، يعود إليه ألفريد تنيسون في القصيدة التالية “لوكسلي هال بعد 60 عاماً” حيث يقدم لنا الشخص نفسه، وقد أضحى اليوم عجوزاً يزور المكان نفسه كما أشرنا. وها هو هنا مرة أخرى يعود ليتذكر حكاية صباه وحكاية غرامه بآمي من جديد. صحيح أن الغرام لا يزال موجوداً وثابتاً، وصحيح أيضاً أن حزن الرجل الذي أضحى شيخاً لا يزال كبيراً مما يجعله يبدو وكأنه أنفق حياته كلها مقيماً على ذلك الحب لا يعترف له ببديل. لقد طاف الرجل في البلدان وعرف مغامرات عدة، وربما يكون عاش حكايات غرام كثيرة، لكن دأبه مع لوكسلي هال ومع فاتنته آمي دأب شاعرنا العربي الذي قال يوماً: “متع فؤادك حيث شئت من الهوى/ ما الحب إلا للحبيب الأول. كم منزل في الأرض يعشقه الفتى/ وحنينه أبداً لأول منزل”. غير أن الفارق الأساس يكمن هنا في أن الشيخ العاشق المتذكر، صار أكثر هدوءاً، وحل لديه إيمان عميق بالله وبالدين محل تجديفه القديم. بل صار أقل ميلاً إلى لوم الأقدار والحداثة على ما حل به. والبشر بالنسبة إليه، حتى ولو كانوا حديثين وظالمين، ليسوا أشراراً كما كان يخيل إليه في السابق. إنهم في قرارة أنفسهم طيبون… كل ما في الأمر أنهم يخطئون ويعجزون عن الوصول إلى التصرف الصحيح. وهكذا يلحقون الضرر بالآخرين، ولكن من دون أن يقصدوا ذلك. الحكمة مقابل التمرد إذاً، فالقصيدة الثانية تبدو قصيدة حكمة في مقابل تمردية القصيدة الأولى. والحال أن الفارق بين الاثنتين هو نفسه الفارق بين ما كانه تنيسون في شبابه، هو نفسه، وبين ما صاره لاحقاً في شيخوخته، تشهد على هذا أعمال كثيرة له، من يرصدها يرصد تطوره الفكري والوجداني، ذلك أن تنيسون، بعد كل شيء كان من شعراء الذات الذين أنفقوا عمرهم وجهودهم يعبرون عن أنفسهم وعن نظرتهم الخاصة إلى الكون. ولد تنيسون لأسرة بارونات ثرية في عام 1809 وتوفي في عام 1892. وهو درس على أبيه ثم في كامبردج -كلية ترينيتي. وهو منذ بداياته انخرط في عديد من الجمعيات الأدبية كما قام بكثير من الرحلات. وواصل الكتابة طوال حياته بحيث أنتج أعداداً كبيرة من المجموعات الشعرية والدراسات النقدية. وقد أثر تنيسون في أجيال بأسرها من الشعراء والنقاد الإنجليز. المزيد عن: الشاعر الإنجليزي ألفريد تنيسونالشعر الرومانسيالحداثة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الموسيقى الهندية “ترجمان” لجسارة الروح وعفوية الجسد next post الاحتجاجات والانقسام الداخلي في إسرائيل كابوس نتنياهو قبل لقاء بايدن You may also like فلسفة الحياة أي أن نفكر في أحوالنا اليومية والعالم 29 ديسمبر، 2024 هوبيما الرسام الهولندي الذي أسس المدرسة الطبيعية الإنجليزية 29 ديسمبر، 2024 “الحمار الذهبي” من أقدم السرديات الكبرى في التاريخ 29 ديسمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: بين “سقوط الأسد” و”مئة... 29 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن العودة إلى دمشق: قصر... 29 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن: العودة إلى دمشق.. عشوائية... 29 ديسمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024