مدينة المدن بريشة نيكولا كاتان (صفحة الرسام - فيسبوك) ثقافة و فنون شاعران بين لندن ولوس أنجليس يلتقيان في كتاب واحد by admin 14 أبريل، 2024 written by admin 14 أبريل، 2024 112 نصوص لبلال خبيز وعلي شمس الدين تدور حول قضايا الاغتراب الوجودي اندبندنت عربية / أنطوان أبو زيد ليست المرة الأولى التي يشترك فيها شاعران في تأليف كتاب واحد، يضم نصين بعنوان “مدينتان” (دار المتوسط)، كما فعل الشاعران بلال خبيز وعلي شمس الدين، وكل منهما في مدينة، خبيز في لوس أنجليس وشمس الدين في لندن. ومن المعلوم أن اشتراك شاعرين في تأليف كتاب واحد كان قد صار شائعاً أو منجزاً منذ بداية القرن الـ20، يوم قرر شاعران، مؤسس الحركة السوريالية، أندريه بروتون (1896-1966)، وفيليب سوبو (1897-1990)، تأليف كتاب مشترك بعنوان “حقول مغناطيسية”، عام 1919، وقد تأسست الكتابة الآلية اعتماداً على مبدأ اللاوعي، وفقاً لفرويد، واستثماراً للحلم الواعي، وباتت منطلقاً للمذهب السوريالي، تالياً. وقد أعقب تلك المحاولة تجارب للكتابة الثنائية مع بول إيلوار وأندريه بروتون، في كتابهما المشترك “الحبل بلا دنس” عام 1930، وبروتون وأراغون، في عملهما المسرحي المشترك المنجز عام 1928 “كنز اليسوعيين”. ونذكر كذلك كتاب “رينغا” الذي أعده كل من أوكتافيو باث وجاك روبو وإدواردو سانغينيتي وشارل تومليسون عام 1971، هذا فضلاً عن المحاولات الكتابية السردية الثنائية لدى الكتاب العرب الحديثين، مثيل ما أنجزه كل من الروائيين جبرا إبراهيم جبرا وعبدالرحمن منيف في رواية “عالم بلا خرائط” ويوسف نبيل وزينب محمد، في روايتهما “في مقام العشق” وغيرهما. المدينة الغربية منطلق بالعودة إلى كتاب الشاعرين اللبنانيين بلال خبيز وعلي شمس الدين، وإن يكن مبنياً، في الظاهر انطلاقاً من مكان مرجعي أساس للكتابة الشعرية عند كليهما، عنيت المدينة العصرية (لوس أنجليس، لندن)، فإن طيف البلاد الأصلية يعبر سريعاً فيه، لتزخيم المقارنات والافتراقات بين الإطارين، ولتسويغ الحفر في الأبعاد الإنسانية الأخرى (العنف، العزلة، اللياقات الاجتماعية، وقت الطعام، التدخين، الضياع، الاستلاب، إلخ) التي ينفرد الشاعر، باعتباره كائناً متغرباً (“أهلا بك، أيها الغريب، في العالم الأول”، ص:14) في إدراكها واستخلاص الانطباعات والصور المفارقة، أي الدرامية/ الشعرية منها. وهذا هو دأب الشاعرين. مع ملاحظتنا أن ثمة أبعاداً وموضوعات أخرى قد ينفرد فيها شاعر من دون آخر، كما تبين لنا من مجرد المقارنة بين أسلوبي الشاعرين، في أعمال لهما سابقة. الكتاب المشترك (دار المتوسط) وفي الظاهر أيضاً أن كلاً من الشاعرين ينسج من الخيط المعنوي نفسه، فإذا ما افتتح الشاعر علي شمس الدين الكتاب بقصيدة نثر، في سبعة أسطر شعرية بعنوان “صباح”، ملمحاً فيها إلى مرارة التكرار في مشهده الصباحي، لاقاه الشاعر بلال خبيز في عنوانه الأول (أعني الصباح)، فيمضي، في سرديته الشعرية النثرية، من خلال مقطع بـ10 أسطر متشابكة، إلى التفصيل في أحوال المتأمل بصباحاته، مدوناً شريط تحوله من “شبه إله”، إلى رجل أعمال، مدخناً السيجار، ومنساقاً إلى المرأة في غوايتها. وبالطبع، خالطاً كل هذه الحالات بنبرة تهكمية سوداء، على ما عرف عند الشاعر بلال خبيز. “والحق أنني أنتظر الصباحات. لا شيء لأفعله في الليل، وأيضاً ليس ثمة ما أفعله في النهار. إنما في النهار أستطيع أن أتظاهر بأنني سعيد…” (ص:6) كتاب بأسلوبين في الكتاب الواحد لكلا الشاعرين بلال خبيز وعلي شمس الدين، الذي ينتظر من الأسلوب الذي صيغ به أن يكون صنيعاً متجانساً، على غرار ما كان عليه كتاب “حقول مغناطيسية” للشاعرين بروتون وسوبو، مصوغاً على النحو الآلي الذي تستدعيه قوى اللاوعي، لم يكن صنيعاً متداخل النسيج ولا سوريالياً، وحسناً فعلا، وإنما تضافر أسلوباهما المختلفان، في إنشاء نص واحد أعني كتاباً واحداً، تتجاوب فيه الثيمات المتشابهة، والعناوين المشتركة، في تكوين مناخين، وبسط حساسيتين نابعتين من رؤيتين للعالم متمايزتين، الواحدة عن الأخرى. وهذا مما لا يضير معالجات كل منهما لموضوعات مثل العزلة التي يستشعرها علي شمس الدين من اعتباره ضحية العزل الذي يفرضه “العالم الأول المليء بالأعذار” (ص:7) على سكان مدن الجنوب، وهو منهم. في مقابل إدراك الشاعر بلال خبيز بتلازم عزلته مع الموت، وهي “لا تشبه شيئاً سوى القبور”(ص:8). وكذا هي معالجة الشاعرين لمسألة الوقت المعطى للراحة واللذة والحب، وهو إذ يكاد ينعدم عند الأول (شمس الدين) ما دام خبر الحب لم يمنح “مساحة قرب ثديها” (ص:15)، فإن الحب عند الثاني (خبيز) يغدو مستعاراً بالكامل من مثال أو أسطورة حديثة هي “أنجيلينا جولي” (ص:16). ويمكن القول كذلك في معالجة الشاعرين تفاعلهما مع الأدوات الإلكترونية، في قصيدة “شائعة”، ففي حين يبرز الشاعر شمس الدين ردود فعله حيال التلفزيون، والشبكة العنكبوتية، وتحول ذاكرته معها إلى شائعة، يمضي خبيز إلى توسيط التيك-توك لتصور امرأة بديلة، تحيا إلى جانبه “بقربي على مقعد في حديقة” (ص:18). وإذ تبلغ المعالجة ثيمة المدينة (الغربية) تحت عنوان “لندن”، ينهض الشاعر شمس الدين لها، في قصيدة نثر “عصماء”، من 31 سطراً (31) شعرياً، رافعاً صورتها النموذجية، على نحو ما يرفع متدربو الهندسة رسم عمارتهم، ناسباً إليها مأثرة الترحيب بالوافدين، في مقابل سيئة تذويب صفات الشخص، يقول: “هذه المدينة تفتح ذراعيها للوافدين/ تعفيهم من المذابح/ تمنحهم فرص العمل/ تضعهم في هلام الاندماج… لكنها تحرمهم أن يكونوا ضحايا… ثمة عجلات القطار/ وللمرء أن يرتمي تحتها/ فتنتزع منه صفاته، ويصبح رقماً في نسبة مئوية” (ص:25). وفي المقابل، لا يتردد الشاعر خبيز، في طرح رؤيته الخاصة في ما تعلق بالمدينة، بأن بادر إلى وضع تصوره في إطار سردي (“أمضيت أياماً كثيرة على الكنبة”، ص:27)، باعتبار المتكلم شخصاً فرداً ذكراً، يحيا من مشاهداته على التلفزيون والسينما، ولكنه ينتبه إلى أن الشاشة “تستطيع خداعي كل مرة”، ولكنه لا يستيقظ من غفليته إلا حين تقول له النادلة “تبدو متعباً”. بين الذات ومراياها وعلى هذا النحو، يبسط الشاعر علي شمس الدين في قصائد النثر خاصته، وجدانية لذات قريبة من الانسحاق، ولكن قادرة على التعبير عن قساوة العزل، في المدينة الغربية، والثورة على التصنع في العلاقات، والتبرم من الوحدة الموحشة، والأمل بلحظة حب وإن عابرة، والبحث عن المعنى، معنى الوجود، وسط ركام الخيبات، ويقين بتملك شعور الاغتراب نفسه، ومحو للذات الواعية، في مقابل صعود الذات المعانية وصورها المتلونة والمتحولة. يقول: “وأنا،/ عند نهاية يوم خامس عائد إلى ركني،/ أقف في محطة القطار/ أنتظر الضوء آتياً من النفق المعتم/ تقابلني إعلانات في صور متراصفة:/ أحذية طبية، تأمين على الكلى، برنامج ادخار لتقاعد مشرف،/ جسدي يتقلص في مستقبلي، ساقاي ترتجفان” (ص:53). وفي المقابل، تحضر رؤية الشاعر بلال خبيز، الكلية، بل النظرة البانورامية، التي يندمج فيها الذاتي الوجداني (وحتى الغنائي)، في نوع من عصف ذهني متصل بوعي الذات، يذهب بالشعر، من سطحه السردي واليومي، إلى أعماق تحليلية، مطعمة بشعرية طفيفة، في سياقات تأملية مترابطة، ولنا مثال على ذلك قصيدته النثرية السردية، تحت عنوان “معجب”، ذاهباً من العام إلى الخاص، من “كلنا على لائحة الانتظار”، إلى “ستشاهد اليوم جوني ديب نجماً لا يجارى…كان يجلس على مقعد انتظار التأتأة” (ص:31). وهذا دأب الشاعر خبيز، إذ يرى إلى الحب فيعدل في مفهومه بل صوره. ويضيف إليه من العلامات ما يجعله في مركز شعريته الغنائية التي كان قد أفلح في إخفائها، على امتداد القصائد المشتركة السابقة واللاحقة، يقول: “نؤجل الجنس. فعل الحب ليس جنساً، الحب يتفتح حين تنامان معاً ظهراً لظهر، وتدركان أن وقت تمضيانه معاً هو أثمن من أن تنفقاه في المتع العابرة. أنظر إلى ظهرك الذي حمل أثقال النهار السابق، فأراه غضاً وطرياً، في هذا الوقت أدرك أن جسمك يكون غضاً لأجلي، ويكون صلباً لمواجهة الآخرين…” (ص:35). شعرية المدينة أم الذات المغتربة؟ بالطبع، لا يشبه الشاعران بلال خبيز وعلي شمس الدين، المهجرين على التوالي، إلى مدينتي لوس أنجليس ولندن، لا يشبهان الشاعر جاك رضا، التسعيني المحتفي بمدينته باريس، وشوارعها، ومساربها، ونقاطها العلام، ولا هما يسلطان أضواءهما على أماكن وساحات بعينها في مدينتيهما. وإنما المعني الأهم والأولى هو الذات المغتربة، وتجربة الفرد المنقطع عن جذوره والغريب عن إيقاع المدينة ومظاهرها وأحوال ساكنيها. فهل من شكوك في أن شعرية الذات هي الغالبة؟ قد يكون الجواب في قراءة الكتاب. المزيد عن: كتاب مشتركنصوصلويس أنجليسلندنالمدينةالوجودشعرالغرب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “داحس والغبراء” على الطريقة الإنجليزية والمحور فرويد next post كيف تفاقم الصراع بين إيران وإسرائيل منذ 1979 وصولا إلى المواجهة المباشرة؟ You may also like محمود الزيباوي يكتب عن: فيروز… من فتاةٍ خجولة... 19 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: أسود منمنمة من موقع... 19 نوفمبر، 2024 براعة باخ في كونشرتوات براندنبورغ وأثرها الدائم 19 نوفمبر، 2024 في روايته الجديدة… أوبير حداد يصوّر الحرب بعيني... 19 نوفمبر، 2024 16 فيلم رعب تسببت بصدمة نفسية لممثليها 19 نوفمبر، 2024 العداوة والعدو كما فهمهما الفلاسفة على مر العصور 19 نوفمبر، 2024 قصة واحدة من أكبر الأكاذيب في تاريخ حكايات... 19 نوفمبر، 2024 أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024