الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » سيرج ليفار الذي أعاد لفن الرقص اعتباره بين إيكار والابن الضال

سيرج ليفار الذي أعاد لفن الرقص اعتباره بين إيكار والابن الضال

by admin

خاض آخر مبارزة حقيقية في فرنسا انتهت بالدموع والعناق

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

ربما تكون المبارزة بالسيف التي تجابه فيها راقص الباليه الأوكراني الأصل سيرج ليفار وزميله الفنان جورج دي كويفاس عند أواسط القرن العشرين وفي إحدى الغابات غير البعيدة من باريس، آخر مبارزة شهدتها فرنسا خارقة القانون الذي يحظر القيام بالمبارزات منذ أواخر القرن الثامن عشر.

ولئن كان التبارز قد انتهى يومها على خير بتراجع الطرفين والعناق والدموع، فإن الصحافة العالمية ظلت وقراؤها على ظمأ لمعرفة السبب الحقيقي الكامن خلفها. فالحقيقة أن أحداً لم يصدق يومها السبب المعلن وهو الخلاف على ملكية باليه عنوانه “متتابعة باللون الأبيض” بين ليفار الخمسيني عند ذاك، وزميله. وكان من الضروري لأولئك انتظار إصدار الفنان الأوكراني بعد ذلك بسنوات كتابه المعنون “مانيفستو الرقص” لكي يدركوا خلفية تلك الحادثة الفريدة في عالم الرقص.

قواعد صارمة لفن غريب

في الكتاب، حدد ليفار أسساً للعلاقة بين الباليه كفنّ قائم في ذاته وليس كمجرّد “رقص” ملحق بأي استعراض آخر. وكان الكتاب كله نوعاً من نص يتوخى إعادة الاعتبار للباليه. وكتب، “صحيح أن ليس في مقدورنا أن نرقص كل شيء، ويتوجب على الباليه أن يكون على الدوام مرتبطاً بفن الرقص نفسه من دون أن يعدّ تعبيراً عن أي فن آخر. بالتالي لا ينبغي له أن يستعير تشكله الإيقاعي من الموسيقى المصاحبة له. فهو ليس تابعاً للموسيقى ولا عبداً لها. وحين يحدث أن يكون الباليه مرتبطاً عضوياً بالموسيقى، يتوجب أن يكون مصمم الرقص لا الموسيقي هو من يفرض الإيقاع”.

ويقيناً أننا حين نجد أنفسنا أمام هذه القواعد الصارمة لبناء العلاقة بين الباليه والموسيقى، يصبح في إمكاننا أن نسبر غور الأسباب الحقيقية التي ربما تكون هي التي وقفت في خلفية تلك المبارزة العجيبة. يمكننا أن نفهم كيف أن هذا الفنان المنسجم مع نفسه أصرّ دائماً على الدفاع عن كرامة فن آمن به بشكل غريب. وهو  نفس ما يمكننا أن نتلمسه على أي حال في كتابات أخرى لليفار، الذي كان واحداً من قلة من راقصين ومصممي رقص تركوا كتابات تشرح أعمالهم ومواقفهم.

وكتابة ليفار ممتعة كرقصه، هو الذي سار على خطى أستاذه وصديقه نيجنسكي. وفي إطار مرحلة الباليهات الروسية، التي وضع ليفار أيضاً كتاباً في سيرة دياغيليف يورد تفاصيل بديعة حول السنوات الست، 1923 – 1929، التي عمل خلالها مع هذا المؤسس الكبير لتلك الباليهات، بدءًا بدور روميو في عمل من توقيع جورج بالانشاين كانت فيه جولييت (تامارا كارسافينا) تكبره بـ26 سنة، أبدع لا سيما في باريس نحو نصف دزينة من عروض كانت البطولة فيها ذكورية وليس أنثوية كما اعتاد الحال أن يكون في هذا النوع من الفن. وكان من الطبيعي لليفار أن يُعرّف في الموسوعات وكتب تاريخ الباليه كمنظّر فريد من نوعه في هذا المجال.

ومن البديهي القول هنا إن ليفار أغنانا في مئات الصفحات التي كتبها وقدّم فيها صورة ترسم بشكل بديع تطور فن الباليه “الرجالي” في القرن العشرين، من نيجنسكي الى نورييف مروراً به هو شخصياً، أغنانا عن الإسهاب في البحث مُقدِّماً لنا شخصيات تعبق بالحياة، وفناً كانت له هو نفسه اليد الطولى في بعثه من سبات عميق.

صيحة في عالم جديد

قبل ليفار كان عالم الباليه يعيش اطمئناناً مدهشاً إلى إنجازاته التي كانت جعلت منه طوال عقود من السنين فناً مستقراً ومعترفاً به، ومرتبطاً بشكل أساس بالموسيقى. وكانت آخر ثورة أو صيحة في عالم التجديد في فن الباليه، قد برزت قبل ذلك بعقدين على الأقل حين اكتشفت أوروبا، وباريس أولاً، ما سمّي يومها بـ”الباليه الروسي” الذي حمله إلى أوروبا الغربية راقصون ومصممو رقصات وموسيقيون، وضخ دماً جديداً حقيقياً في عالم رقص، كانت الكلاسيكية مسيطرة عليه وقادرة على استيعاب أي تجديد سطحي يطرأ عليه.

بالنسبة إلى أهل المهنة وجمهورهم، كان من العسير على فن الباليه أن يعرف ثورة جديدة بعد ثورة “الباليه الروسي”، ومع هذا قرر سيرج ليفار أن يخوض المغامرة وأن يجرب حظه في التجديد، وكان ذلك في 1935 حين صمم باليه بعنوان “إيكار”، قام هو بالدور الرئيس فيه وحمل من التجديد ما فاجأ أهل المهنة والجمهور. وكان التجديد الأساسي يكمن في أن ليفار صمم رقصته وخطواتها من دون أن يسبق ذلك وضع أي موسيقى لها، بمعنى أن الموسيقى أتت لاحقاً لتترجم الخطوات الراقصة. بل حين أتت الموسيقى، جاءت إيقاعية لا أكثر، تؤديها فقط آلات الإيقاع وخالية من أي جمل لحنية. وهو ما سيكرره في باليهين تاليين لاثنين من عباقرة الموسيقى في زمنه: سترافنسكي باليه “نشيد” وبروكوفييف “الابن الضال”. مثل هذا النمط الفني يبدو في أيامنا هذه عادياً، وقد يبدو أحياناً وكأنه النمط الرئيس الذي يقوم عليه الرقص الحديث، لكنه في ذلك الحين كان ثورة راديكالية.

وسيرج ليفار نفسه كان، على أي حال، ثورياً راديكالياً في عالم الرقص، حتى إن كان في الأساس منتمياً إلى “الباليه الروسي”، الذي أتى من مسقط رأسه كييف، وكان لا يزال يافعاً لينضم إليه بعدما اكتشفه دياغيليف، سيد “الباليه الروسي” واكتشف إمكانياته كراقص، أولاً، ثم كمصمم رقص بعد ذلك.

عودة البطولة إلى الرجال

ولد ليفار في كييف في 1905، وبارح موطنه مبكراً، فتوجّه الى باريس ليصبح بسرعة مصمماً وراقصاً أولاً في “باليه وأوبرا باريس” اعتباراً من 1925، بعدما كان قبل كل ذلك قد تتلمذ على الراقص الشهير إنريكو تشيكيتي.

أما الدور الأشهر في بدايات سيرج ليفار، فكان في “روميو وجولييت” لجورج بالانشاين، وهو الدور الذي تمكن من أن يفرض حضور الراقص الذكر كبطل للباليه، بعدما كانت الباليهات بمعظمها تصمم قبل ذلك انطلاقاً من مركزية الأدوار النسائية فيها. مع ليفار، صار الراقص الذكر بطلاً مطلقاً، لا سيما بعد أن توفي دياغيليف، وأصبح ليفار بصورة أساسية نجم الرقص والتصميم الأول في “أوبرا باريس”.

منذ تحرره من سيطرة دياغيليف الروحية عليه، بدأ ليفار يحقق حلمه بأن يكون الرقص لا الموسيقى هو العنصر الأول في العرض. فيما أن الرقص له إيقاعه الخاص به، الإيقاع التشكيلي النابع من حركة الجسد ومن علاقة الجسد بالفضاء الخارج عنه، فإن الرقص يجب أن يقوم على أساس تلك الحركة وذلك الإيقاع، لا انطلاقاً من موسيقى توضع سلفاً. وكانت تجربته الأولى في هذا المجال، كما أسلفنا، في باليه “إيكار”.

صحيح أن تلك التجربة كانت ناجحة، وإن بحدود، غير أن ليفار سرعان ما أدرك صعوبة التطرف فيها، ومن هنا عاد إلى نوع من الهدوء، وصار يزاوج بين أولوية الرقص وضرورة الموسيقى بشكل خلاق، ومن هنا عرفت أعماله التي أربت على الخمسين عرضاً، نوعاً من التوازن بين الرقص والموسيقى، أكسبها شهرة واحتراماً وجعل ليفار واحداً من أبرز العاملين في فن الباليه عند أواسط قرننا العشرين هذا.

انطلق ليفار في معظم أعماله من الأساطير اليونانية ومن الحكايات الشعبية، وكان أشهرها “بروميثيوس” (1929) و”انتصار داود” (1936) و”الفارس والآنسة” (1941) و”فيدرا” (1950). وحكاية ليفار كان من شأنها أن تكون حكاية نجاح متواصلة لولا أن الفرنسيين غضبوا منه لأنه “رفّه عن الجنود الألمان خلال الحرب العالمية الثانية”، فأقالوه من مسؤولياته في “أوبرا باريس”، لكنه عاد في 1947 وواصل عمله حتى 1958 حين بدأ يقدم أعماله في شتى أنحاء العالم، في أمستردام وبرلين، في ميلانو ولندن، وراح يكتب مذكراته، وتقاعد في آخر أيامه إلى أن رحل عن عالمنا في 15 ديسمبر (كانون الأول) عام 1986.

المزيد عن: فرنسا/سيرج ليفار/فن الرقص/الباليه/الباليه الأوكراني

 

 

You may also like

25 comments

zortilonrel 10 فبراير، 2021 - 1:05 ص

I discovered your blog site on google and check a few of your early posts. Continue to keep up the very good operate. I just additional up your RSS feed to my MSN News Reader. Seeking forward to reading more from you later on!…

http://www.zortilonrel.com/

Reply
how to create a website 7 مايو، 2021 - 5:38 م

It’s really a nice and useful piece of info. I’m glad that you shared this helpful information with us. Please keep us informed like this. Thanks for sharing.

https://www.youtube.com/watch?v=1fjWgYz9egs

Reply
stornobrzinol 15 مايو، 2021 - 11:51 ص

I like this weblog so much, bookmarked. “To hold a pen is to be at war.” by Francois Marie Arouet Voltaire.

http://www.stornobrzinol.com/

Reply
stornobrzinol 22 مايو، 2021 - 6:40 م

I got what you mean , regards for putting up.Woh I am delighted to find this website through google. “Since the Exodus, freedom has always spoken with a Hebrew accent.” by Heinrich Heine.

http://www.stornobrzinol.com/

Reply
contact forms review 15 يونيو، 2021 - 6:17 م

Very interesting points you have observed, regards for putting up.

https://youtu.be/PdTVmZPzb_0

Reply
best hosting for website 15 يونيو، 2021 - 7:23 م

Unquestionably believe that that you stated. Your favourite justification appeared to be on the web the simplest factor to take into account of. I say to you, I definitely get irked while other folks consider worries that they just do not understand about. You managed to hit the nail upon the highest and outlined out the entire thing with no need side-effects , other people can take a signal. Will likely be again to get more. Thanks

https://youtu.be/_bPSWABggX8

Reply
get redirected here 16 يونيو، 2021 - 10:10 ص

When I initially commented I clicked the “Notify me when new comments are added” checkbox and now each time a comment is added I get three e-mails with the same comment. Is there any way you can remove people from that service? Cheers!

https://vidway.com

Reply
you can try here 16 يونيو، 2021 - 11:26 ص

Can I just say what a relief to find someone who actually is aware of what theyre speaking about on the internet. You undoubtedly know the best way to bring an issue to gentle and make it important. More people need to learn this and understand this side of the story. I cant consider youre no more widespread because you positively have the gift.

https://hotdogtube.com

Reply
генератори на ток 16 يونيو، 2021 - 8:25 م

You can certainly see your enthusiasm within the work you write. The world hopes for more passionate writers like you who aren’t afraid to say how they believe. Always follow your heart.

https://arva.bg/sawshop/generatori-na-tok

Reply
delta 8 for sale 30 يونيو، 2021 - 1:07 ص

I value the blog post.Really looking forward to read more. Fantastic.

https://bit.ly/3dobJVs

Reply
this link 16 يوليو، 2021 - 3:49 م

Hi there very nice website!! Man .. Excellent .. Amazing .. I will bookmark your web site and take the feeds also?KI’m satisfied to seek out numerous helpful information right here within the publish, we need work out extra techniques in this regard, thank you for sharing. . . . . .

https://miami.local-pest-control.site

Reply
website for beginners 22 يوليو، 2021 - 12:12 ص

Thanks for the marvelous posting! I actually enjoyed reading it, you will be a great author.I will be sure to bookmark your blog and will often come back in the future. I want to encourage you to definitely continue your great job, have a nice day!

https://youtu.be/1fjWgYz9egs

Reply
speed up wordpress website 28 يوليو، 2021 - 11:46 م

You completed some fine points there. I did a search on the subject and found nearly all folks will go along with with your blog.

https://youtu.be/vIeo40k99nY

Reply
livesexify 1 أغسطس، 2021 - 2:28 ص

I’m still learning from you, but I’m improving myself. I absolutely enjoy reading all that is posted on your site.Keep the tips coming. I enjoyed it!

https://livesexify.net

Reply
website speed optimization 8 أغسطس، 2021 - 7:26 ص

Hello! I just would like to give a huge thumbs up for the great info you have here on this post. I will be coming back to your blog for more soon.

https://youtu.be/vIeo40k99nY

Reply
read more 17 سبتمبر، 2021 - 4:55 م

This really answered my problem, thank you!

https://obddoors.ie/

Reply
togel singapore online 21 أكتوبر، 2021 - 5:45 م

I believe this site contains some rattling superb information for everyone :D. “The test of every religious, political, or educational system is the man that it forms.” by Henri Frdric Amiel.

https://www.seetherainbow.com/togel-online/

Reply
going here 29 أكتوبر، 2021 - 5:57 م

Hi my friend! I want to say that this post is amazing, nice written and include approximately all significant infos. I’d like to peer extra posts like this.

https://www.aloeveraproductsshop.eu/

Reply
a course in miracles teacher 14 فبراير، 2022 - 7:25 م

I am not rattling superb with English but I get hold this real easy to interpret.

https://davidhoffmeister.com/this-moment-is-your-miracle-book/

Reply
sem singapore 17 مارس، 2022 - 5:25 م

The next time I read a blog, I hope that it doesnt disappoint me as much as this one. I mean, I know it was my choice to read, but I actually thought youd have something interesting to say. All I hear is a bunch of whining about something that you could fix if you werent too busy looking for attention.

https://vuetechsg.com/seo-service/

Reply
zomeno feridov 19 مارس، 2022 - 5:10 ص

Good write-up, I am regular visitor of one’s website, maintain up the nice operate, and It’s going to be a regular visitor for a long time.

http://www.zomenoferidov.com/

Reply
zorivare worilon 3 يوليو، 2022 - 11:54 ص

Pretty nice post. I just stumbled upon your blog and wished to say that I have truly enjoyed surfing around your blog posts. In any case I will be subscribing to your rss feed and I hope you write again very soon!

http://www.zorivareworilon.com/

Reply
zorivare worilon 5 يوليو، 2022 - 12:31 م

Keep up the good piece of work, I read few posts on this internet site and I think that your web site is real interesting and has bands of great info .

http://www.zorivareworilon.com/

Reply
zmozero teriloren 22 نوفمبر، 2022 - 3:06 م

Hi there, You’ve done a great job. I’ll definitely digg it and for my part recommend to my friends. I’m confident they will be benefited from this web site.

http:/www.zmozeroteriloren.com

Reply
zmozero teriloren 30 نوفمبر، 2022 - 2:00 ص

Hi! I’m at work surfing around your blog from my new iphone! Just wanted to say I love reading your blog and look forward to all your posts! Keep up the great work!

http:/www.zmozeroteriloren.com

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00